• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشيعة

  • 1


    صورة ارشيفية

    اكدت مصادر سعودية استشهاد 5 اشخاص واصابة 6 اخرين جراء اطلاق للنار على حسينية في مدينة سيهات بالقطيف ومسجد في حي العنود بالدمام شرق السعودية. وافادت المصادر ان اطلاق النار استهدف الحسينية الحيدرية في مدينة سيهات، مؤكدة ان الشرطة السعودية قتلت المسلح الذي اطلق النار.
    فيما قالت صحيفة "الرياض" السعودية ان مسجدا في حي الكوثر بسيهات تعرض لاطلاق نار كثيف دون وقوع اصابات، واضافت ان المتجمعين في المسجد اصيبوا بذعر شديد جراء استهدافهم في الموقع.
    واشارت الصحيفة الى اصابة عامل آسيوي في جراء إطلاق نار كثيف من قبل مجهولين على مسجد الإمام الحسين (ع) بحي العنود بالدمام.
    وياتي الحادثين بالتزامن مع احياء اتباع آل البيت عليهم السلام مراسم عاشوراء الامام الحسين (ع) في الحسينيات والمساجد.

    You have to install Flash Player to watch this video
    شهداء في اطلاق نار على حسينية ومسجد شرق السعودية

    « انقر على أيقونة FLV لتحميل الملف »
  • 1

    السؤال / م/ فاطمة / المغرب
    السلام عليكم
    أنا على مذهب آل البيت (عليهم السلام) منذ شهرين ، مؤخرا قرأت حديث فانتابني شك و الان أنا أعيش في حيرة من أمري ،المشكل يكمن في مسح و غسل الرجلين لانه لو كان المسح هو الصحيح هناك أوساخ تبقى ما بين الاصابع!!!
    ممكن توضيح الامر وخاصة كيفية المسح اذا كان المسح هو الصحيح من فضلكم و الحديث هو كالتالي:

    (باب ما جاء ويل للأعقاب من النار ـ حدثنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ( ويل للأعقاب من النار ) قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر وعبد الله بن الحرث هو بن جزء الزبيدي ومعيقيب وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ( ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ) قال وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان).

    الجواب

    الأخت م/فاطمة المحترمة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أختنا الفاضلة تعلمين جيداً بأنه لا اجتهاد في معرض النص ، وقد قال تعالى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )) (الحشر: 7), وقال عز من قائل: (( ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36).
    فيجب على المؤمن أن يفعل ما يؤمر به ويترك عنه وساوس شياطين الأنس والجن, ولنرى الأدلة العلمية في وجوب المسح لا الغسل لنعرف الأمر الإلهي الذي أمرنا به، ومن ثم ننفذه على أحسن صورة وأتم وجه مهما خالف الناس ذلك، لأننا نعلم جيداً كم من أمر قد غيرّ وكم من حكم قد بُدّل بعد رسول الله(ص). ونذكر هنا على سبيل المثال بعض الأدلة على التلاعب في أحكام الشريعة الغراء وما فعلوه بعد رسول الله(ص) وما غيرّوه وما بدّلوه فقط في الصلاة، ومن ثم نتكلم عن المسح والغسل:
    1- روى البخاري في (1/138 من صحيحة) ومسلم (2/110): عن حفيد الصحابي سهل بن حنيف قال: سمعت أبا أمامة بن سهل يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال العصر وهذه صلاة رسول الله(ص) التي كنا نصلي معه.
    2- وروى البخاري (1/134): عن الزهري قال دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.
    3- وروى البخاري أيضاً (1/134): عن غيلان عن أنس قال ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي(ص) قيل: الصلاة!؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وعند بعض رواة البخاري للصحيح: (أليس صنعتم ما صنعتم فيها؟!).
    4- روى البخاري كذلك (1/159): عن أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد(ص) شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً .
    فشهادة الصحابيين أنس وأبي الدرداء على ضياع الدين من بعد رسول الله(ص) أمر واضح.
    5- وإذا استحضرنا قول رسول الله (ص) وإخباره بما سيفعلون من بعده مع هذه الأحاديث وهو قوله(ص): (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة كلما انتقضت عروة تشبت الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) والذي رواه أحمد في مسنده (5/251) عن أبي أمامة الباهلي والحاكم في مستدركه (4/92) وصححة الهيثمي في (مجمع الزوائد 7/ 281) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح وصححه الألباني أيضاً في (صحيح الجامع الصغير ح 5075).
    وبعد أن تبين لنا إضاعة الصلاة في زمن الصحابة فمن باب أولى يكونون قد ضيعوا أو نقضوا الحكم ونظام الحكم والإمامة وخلافة رسول الله(ص) وتغيير ونقض كل أحكام الدين وعراه وأصوله لأن الصلاة آخرها نقضاً بنص الحديث وقد حصل لها ذلك في زمن الصحابة كما يشهد لذلك قول أنس وأبي الدرداء وهذا الكلام في كل أمور الدين وكذلك الصلاة .
    والآن سنتكلم عن الوضوء وخصوص مسألتنا وهي مسح الرجلين.
    1- قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن )) (المائدة:6).
    أ- فقد ذكر الطبري في (جامع البيان 6/175) من فسر الآية بالمسح في قراءة (أرجلكم) بالجر. قال: وقرأ آخرون من قراء الحجاز والعراق: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بخفض الأرجل. وتأويل قارئي ذلك كذلك أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفاً على الرأس فخفضوها لذلك.
    ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:
    (وذكر بسنده إلى) عكرمة عن أبي عباس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
    (وذكر بسنده أيضاً) إلى حميد قال: قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده: يا أبا حمزة إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه فذكر الطهور فقال: أغسلوا وجوهكم وأيديكم وأمسحوا برؤوسكم وأرجلكم وإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدمية فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم ))(المائدة: من الآية6) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما.
    (ثم روى بسنده أيضاً) عن عاصم الأحول عن أنس قال: نزل القرآن بالمسح والسنة الغسل.
    (وروى بسنده أيضاً رواية الحجاج بلفظ آخر: عن حميد عن موسى بن أنس قال: خطب الحجاج فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ظهورهما وبطونهما وعراقيبهما فإن ذلك أدنى إلى خبثكم قال أنس: صدق الله وكذب الحجاج قال الله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) (المائدة:6).
    وذكر بسنده أيضاً عن عكرمة قال: ليس على الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.
    وذكر أثراً عن الباقر(عليه السلام) بسنده ينص على المسح ويكفينا نقلهم المسح عن أئمة أهل البيت وهذا يؤكد رواياتنا عنهم (عليهم السلام).فقال: عن جابر عن أبي جعفر قال: إمسح على رأسك وقدميك.
    وذكر بسنده عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح قال: ثم قال الشعبي: ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً؟
    وعن الشعبي قال: أمر بالتيمم فيما أمر به بالغسل .
    وعن الشعبي أنه قال: إنما هو المسح على الرجلين ألا ترى أنه وما كان عليه الغسل جعل عليه المسح وما كان عليه المسح أُهمل.
    وعن عامر (الشعبي) أنه قال: أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يُغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان.
    وعن الشعبي قال: أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء، وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء.
    وعن إسماعيل قال: قلت لعامر: إن ناساً يقولون: إن جبريل(س) نزل بغسل الرجلين قال: نزل جبريل بالمسح.
    وعن يونس قال حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال: فما رأيته غسل رجليه إنما يمسح عليهما حتى خرج منها.
    وذكر بسنده عن قتادة قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )), افترض الله غسلتين ومسحتين .
    وذكر بسنده عن علقمة أنه قرأ: وأرجلكم مخفوضة اللام. وعن الأعمش مثله. وعن مجاهد أيضاً.
    وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الشعبي يقرأ (وأرجلِكم) بالخفض, وعن أبي جعفر (الباقر (ع)) : أنه قرأ (وأرجلِكم) بالخفض. وعن الضحاك أنه قرأ: وأرجلكم بالكسر.
    ثم قال الطبري (6/177): أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بالجميع اختلفت قراءة القراء في قوله:(وأرجلكم) فنصبها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل وإنكاراً منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله(ص) بعموم مسحهما بالماء، وخفضهما بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح...إلى أن قال: وكانت القراءتان كلتاهما حسناً صواباً فأعجب القراءتين إليَّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضاً لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت,ولأنه بعد قوله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم )) (المائدة: من الآية6) فالعطف به على الرؤوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي وقد حيل بينه وبينهما بقوله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم )) (المائدة:6).
    وقال النحاس في (معاني القرآن 2/273): وروي عن الشعبي أنه قال: (نزل جبريل بالمسح والغسل سنة).
    وقال الجصاص في (أحكام القرآن 2/ 433): قال الله تعالى (( وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) (المائدة:6)) قال أبو بكر: قرأ إبن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير: ((وأرجلكم)) بالخفض وتأولوها على المسح.
    ثم قال الجصاص: وقال قوم: يجوز مسح البعض. ثم قال: وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعاً ونقلتهما الأمة تلقياً من رسول الله(ص) ,ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس, ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء وذلك لأن قوله: (وأرجلكم) بالنصب يجوز أن يكون مراده: (فأغسلوا أرجلكم) ويحتمل أن يكون معطوفاً على الرأس فيراد بها المسح وإن كانت منصوبة فيكون معطوفاً على المعنى لا على اللفظ لأن الممسوح به مفعول به كقول الشاعر:

    معاوي إننا بشر فاسجح ***** فلسنا بالجبال ولا الحديدا
    فنصب الحديد وهو معطوف على الجبال بالمعنى.
    ويحتمل قراءة الخفض أن تكون معطوفة على الرأس فيراد به المسح، ويحتمل عطفه على الغسل ويكون مخفوظاً بالمجاورة كقوله تعالى: (( يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ )) (الواقعة:17), ثم قال (( وَحُورٌ عِينٌ )) (الواقعة:22) ,فخفضهن بالمجاورة وهن معطوفات في المعنى على الولدان لأنهن يطفن ولا يطاف بهن.
    فثبت بما وصفنا احتمال كل واحد من القراءتين للمسح والغسل.
    وقال القرطبي في تفسيره (6/91): قال ابن العربي: إتفقت العلماء على وجوب غسلهما وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم وتعلق الطبري برواية الخفض. قلت (القرطبي): قد روي عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان, وروي أن الحجاج خطب بالأهواز.. فذكر الحديث فقال اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبها فسمع أنس بن مالك فقال: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله تعالى: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم )) (المائدة:6), قال: وكان إذا مسح رجليه بلـّهما وروي عن أنس أيضاً أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل, وكان عكرمة يمسح رجليه وقال: ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.
    وقال عامر الشعبي: نزل جبريل بالمسح ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً.
    وقال قتادة: افترض الله غسلتين ومسحتين .
    وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين.
    وقال ابن كثير في تفسيره (2/27): وأما القراءة الأخرى وهي قراءة من قرأ (وأرجلِكم) بالخفض فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح.... فنقل رواية رد أنس على الحجاج وحرف فيها حيث حذف قول أنس: (صدق الله) وذكر فقط (وكذب الحجاج...) ثم قال: إسناد صحيح إليه.
    ثم نقل عن أنس أيضاً قوله: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وقال : وهذا.. أيضاً إسناد صحيح.
    وعن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان, وكذا روي عن قتادة ذلك وقال ابن أبي حاتم (بسنده) عن ابن عباس (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم )) (المائدة:6) قال: هو المسح ثم قال: وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر ـ محمد بن علي ـ (الباقر) والحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات نحوه. وقال ابن جرير (بسنده) حدثنا أيوب قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه قال: وكان يقوله. وقال ابن جرير (بسنده) عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح, ثم قال الشعبي: ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً.
    عن إسماعيل قال: قلت لعامر (الشعبي): إن ناساً يقولون نزل جبريل بغسل الرجلين فقال: نزل جبريل بالمسح. ثم ردها ابن كثير ببساطة وشطبها بجرّة قلم بقوله: فهذه آثار غريبة.
    فانظروا إلى موازين وقواعد قبول الروايات ومن ثم الحكم الشرعي, فشهرة مسح الصحابة والتابعين كبيرة والرد كان ببساطة شديدة! بأنها آثار غريبة!! مع اعتضاد هذه الأقوال بظاهر القرآن الكريم وبعض ما روي عن النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) وإليك بعضها:
    فقد قال ابن قدامة الحنبلي في (المغني 1/121): مسألة: قال (وغسل الرجلين...) غسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله(ص) على غسل القدمين، وروي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى, وحكي عن ابن عباس أنه قال: ما اجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين وروي عن أنس بن مالك أنه ذكر له قول الحجاج: اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخللوا ما بين الأصابع فأنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج, وتلا هذه الآية: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) , وحكي عن الشعبي أنه قال: الوضوء مغسولان وممسوحان فالممسوحان يسقطان في التيمم.
    ولم يُعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين من غير ما ذكرنا إلا ما حكي عن ابن جرير أنه قال: هو مخير بين المسح والغسل واحتج بظاهر الآية, وبما روى ابن عباس قال: توضأ النبي(ص) وأدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق... (إلى أن قال) ثم أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه وهو منتعل رواه سعيد, وقال أيضاً حدثنا... أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي (ص) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه,قال هشيم كان هذا في أول الإسلام.
    فانظري يا أختاه وأنظر أيها المنصف! كيف أن الآية الكريمة تدل على المسح على قرائتي النصب والجر, وكيف توجد أحاديث عن رسول الله(ص) تدل على المسح وكذلك عن أمير المؤمنين(ع) وابن عباس وابن عمر وأنس والكثير من التابعين وأئمة المسلمين من أئمة البلاد الإسلامية ومراجعها, وكيف أن الحجاج هو من أمر بالغسل وأدعى أنه أنظف!
    ومع ذلك كله يتمسك من يتمسك بأحاديث آحاد تأمر بغسل الأعقاب والعراقيب وما بين الأصابع وإلا كان مصيره النار مع علم الجميع بأن الطهارة في الوضوء طهارة معنوية لا حسية ومثله بديله التيمم وأن الحجاج هو من أمر بذلك دون الصحابة وأهل العلم فهل يعقل بأن الوضوء كان خافياً على الصحابة إلى هذا الحد؟! ونقول: أيضاً لو سلمنا بوجود مثل هذا الأمر عن النبي(ص) فلا يخلو أن يكون أمراً للناس بإزالة النجاسة بغسل الرجلين قبل الوضوء إن كان قد قضى حاجة أو تبول,لأن العرب لم تتوفر لديهم بيوت الخلاء في ذلك الوقت فكانوا يتبولون أو يقضون حاجاتهم في العراء وقوفاً غالباً وعلى الأرض فيتساقط بعض رشاش البول على الأرجل في أكثر الأحيان وعند أكثرهم وهذا معروف فيهم ولذلك كان متعارفاً وصفهم أي الأعراب بأنهم (بوالون على الأعقاب) وقد ورد بأنهم كانوا يعيبون على رسول الله (ص) تحفظه عند قضاء الحاجة أو عند التبول بجلوسه دون القيام ويشبهوه بالنساء بأبي هو وأمي! فحينئذٍ يجب غسل الأرجل لتنجسها ولا يجوز الاكتفاء بالمسح عليها حينئذٍ فينبغي غسلها والاعتناء بها والتفتيش عن تلك النجاسة هنا وهناك ليس أكثر ولا مانع عندنا من ذلك بل يجب عندنا ذلك أيضاً ولكنه لا علاقة له بالوضوء والمسح باق على كل حال وإنما الأمر للإرشاد على الحرص ومخافة الله وخوف عذابه من التهاون أو الاستهانة بتطهير أعضاء الوضوء وكذلك إسباغه بدقة وحرص.
    ورواية البخاري ومسلم في إنكار النبي(ص) على الماسحين لأرجلهم بقوله(ص): (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء) لو سلمنا بصحتها وصدورها فهي واضحة في إثبات المسح لا الغسل من عدة وجوه, نذكر منها:
    1- من قول عبد الله بن عمر وفي نفس الرواية: (تخلف النبي(ص) في سفرة سافرناها فأدركنا(ص) وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ) وفي رواية: قال (رجعنا مع رسول الله(ص) من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضأوا وهم عجال...). وهذا يدل على إستعجالهم وعدم اهتمامهم بالوضوء ولا علاقة للمسح والغسل بالحديث لحد الآن.
    2- من قوله (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) وفي رواية: (فجعلنا نمسح على أرجلنا). فالرواية تذكر المسح لا الغسل فمن أين أتوا بالغسل هنا؟!
    ثم إن الصحابة كيف يمسحون على أرجلهم إن كان حكمها الغسل عندهم واضح حالها حال غسل الوجه واليدين؟! فكيف يمسحون أرجلهم؟ ومن أمرهم بالمسح؟! وهل هذه أول مرة يمسحون بها؟ وهل كلام النبي (ص) وتعليمه لهم وإنكاره عليهم كان لأجل المسح أم لأجل ترك الأعقاب في الوضوء؟!! وهل كانوا يعلمون بوجوب غسل القدمين ورغم ذلك مسحوا؟! ولماذا اكتفوا بمسح الأقدام دون مسح الوجه واليدين إن تركوا غسل الرجلين لإستعجالهم وتسرعهم؟!
    3- وقال ابن عمرو: (فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثاً) وفي رواية عند مسلم تتمة (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء)ز فالنبي(ص) لم ينكر المسح وإنما كان إنكاره على الأعقاب التي لم يمسها الماء.
    فيجب أن نفهم مراد النبي(ص) من كلامه هذا معهم حينما رآهم يتوضأون على عجل ويمسحون أرجلهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء!
    ولننظر أولاً إلى مفردات الحديث لنفهم أمر النبي(ص) بشكل صحيح:
    أ- الأعقاب:
    قال ابن العربي في (أحكام القرآن 4/102): المسألة الثانية قوله تعالى ((في عقبه)).بناء ع ق ب: يخلف الشيء ويأتي بعده. فإخلاف مكان من ظاهر القدم من مكان المسح أيضاً يصح أن يوصف بأنه عقب.
    ب- أسبغوا الوضوء:والإسباغ هو الشمول والإكمال والتمام, وقد قال القسطلاني في (عمدة القاري 2/9): وقول عياض: وقد أمرهم بالغسل بقوله: (أسبغوا الوضوء) غير مسلم، لأن الأمر بالإسباغ أمر بتكميل الغسل والأمر بالغسل فهم من الوعيد لأنه لا يكون إلا في ترك واجب, فلما فهم ذلك من الوعيد أكده بقوله (أسبغوا الوضوء) ولهذا ترك العاطف فوقع هذا عاماً يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء لأنه لم يقل: أسبغوا الرجلين بل قال: (أسبغوا الوضوء) والوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ومطلوبية الإسباغ غير مختصة بالرجلين فكما أنه مطلوب فيهما فكذلك مطلوب في غيرهما... إهـ.
    ومن هذا الكلام يتبين أن أسباغ الوضوء أمر بإتمام الوضوء وفعله بصورة صحيحة دون إخلال أو نقص فيكون إسباغ الوضوء (والويل للأعقاب من النار) يفهم فهماً واحداً لنسبة التلازم بين الأعقاب وهو عام في كل متروك ومخلول به من الأعضاء المأمور حصول الوضوء لها وملازمه العام أيضاً وهو إسباغ الوضوء الذي هو معنى ملازم لوجوب عدم الإخلال بالوضوء والذي عبر عنه رسول الله(ص) ذو الأخلاق الكريمة الرفيعة العالية بالدعاء بالويل على الأماكن المتبقية بلا وضوء بسبب إخلال المكلف بتمامية الوضوء للتهاون فيه وهي معصية كبيرة توجب الويل والعقاب.
    فالأعقاب هي الاماكن المتبقية والمتخلفة بلا وضوء في مكان لا يتم الوضوء إلا باستيعابها بالماء, ولذلك عبر الراوي عن حالتهم التي انتقدها رسول الله(ص) بقوله: (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) أي أن هناك أماكن معقبة مخلفة متروكة دون وضوء.
    فالأرجل محدودة بنص القرآن الكريم, فلا يتم الوضوء بمسحها الإّ باستيعاب المسح من أطراف الأصابع إلى أعلى ظهر القدم. وهذا متفق عليه عندنا دون خلاف ونزاع.
    فلعلّ النبي(ص) رأي الصحابة يقصرون في مسح أرجلهم وهم على عجل, فرآهم يقصرون في ذلك تقصيراً فاحشاً لا يمكن السكوت عليه, لأنه من الواجبات, فيصح القول بالمسح حتى مع وجود هذا الحديث.
    ويشهد لصحة القول بالمسح : مارووه من الأحاديث عنه (ص) من قوله في الوضوء وما يكفيه من الماء للوضوء, فعن ابن عباس قال : قال رجل كم يكفيني للوضوء؟ قال : مد, قال: للغسل ؟ قال: صاع, فقال الرجل : لا يكفيني, قال : لا أم لك, قد كفى من هو خير منك. أخرجه الهيثمي في (مجمع الزوائد1/218), وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
    فلينظر المتصف وليحكم! هل يكفي للوضوء لا لمد وفي رواية ( كوز الحب ) يعني ( مقدار قدح ) مع غسل الرجلين؟!!
    وحينئذٍ ينتهي التعارض ويسقط ويتبين الحق وخصوصاً لو علمنا بأن الآية الكريمة لا يصح حملها على الغسل في النصب وفي الجر لأن النصب يجب أن يحمل على العطف على محل (برؤوسكم) لأنه مفعول في الواقع ولا يمكن أن يعطف على أيديكم لوجود عامل جديد بعد أنتهاء تلك الجملة الأولى, فهي جملتان في الواقع لا يجوز أن يعطف على عامل في الجملة الأولى مع وجود عامل معطوف عليه في الجملة الثانية, وقد أكد ذلك بعض علماء السنة كالرازي حينما شرح آية الوضوء وفسرها ولكنه اكتفى بقوله (أولى) ثم أوجبه!
    فقد قال الرازي في تفسيره (11/16): إن العاملين إذا اجتمعا على معمول واحد كان اعمال الأقرب أولى, فوجب أن يكون عامل النصب في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) هو قوله (وَامْسَحُوا) فثبت أن قراءة (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام توجب المسح أيضاً... إهـ.
    وقال أبو حيان الأندلسي ـ وهو من أئمة النحو والعربية ـ في تفسيره (البحر المحيط 3/452): وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض بل هي منشئة حكماً... وقال الاستاذ أبو الحسن بن عصفور وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب الله عن هذا التخريج، وهذا تخريج من يرى أن فرض الرجلين هو الغسل.
    وقال ابن حزم الظاهري المتعصب المتشدد المكفر للشيعة في (المحلى2/56): مسألة: وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح قال الله تعالى: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )), وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس إما على اللفظ وإما على الموضع لا يجوز غير ذلك لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح ـ يعني في الرجلين في الوضوء ـ .
    وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم وهو قول الطبري رويت في ذلك آثار منها:ـ (بسنده) عن رفاعه بن رافع أنه سمع رسول الله(ص) يقول: (لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين)
    وعن إسحاق بن راهويه (بسنده) عن علي (كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله(ص) يمسح ظاهرهما).... إ هـ . انتهى كلام ابن حزم.
    وقال الآلوسي في تفسيره (6/75): واعترض أيضاً من وجوه،
    الأول والثاني والثالث:ما ذكره الإمام (الرازي) من عد الجر بالجوار لحناً وأنه إنما يصار إليه عند أمن الألتباس ولا أمن فيما نحن فيه، وكونه إنما يكون بدون حرف عطف
    والرابع: أن في العطف على المغسولات سواء كان المعطوف منصوب اللفظ أو مجروره لفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية ليست اعتراضية وهو غير جائز عند النحاة على أن الكلام حينئذٍ من قبيل (ضربت زيداَ وأكرمت خالداً وبكراً) بجعل بكر عطفاً على زيد، أو إرادة أنه مضروب لا مكرم، وهو مستهجن جداً تنفر عنه الطباع ولا تقبله الأسماع فكيف يجنح إليه أو يحمل كلام الله تعالى عليه؟!
    وأما قراءة الخفض فلا نزاع على وجوب دلالتها على المسح ولذلك حملها أكثرهم كالشافعي وغيره على المسح على الخف, وبعضهم قال بأن العطف في الجر على الجوار ولكن يرد على من قال بان الآية تدل على المسح على الخف بأن الآية الكريمة تسمى آية الوضوء وليس هناك آية أخرى تبين وتحكي الوضوء والمسح على الخف حالة نادرة تقتضي أن يكون الشخص متوضا قبل لبسه للخف عندهم فكيف يحكي القرآن الحالة النادرة والمتفرعة عن أصل غير واضح ولا مبين سابقاً!؟
    وأما الحمل على العطف على الجوار ففيه: أنه أيضاً حالة شاذة لا يمكن استعمالها إلا بشروط والكثير من علماء السنة أنكرها ورفض وقوعها في القرآن ونذكر بعض ذلك:
    قال الزركشي في البرهان (1/304): والثاني: تجنب الأعاريب المحمول على اللغات الشاذة، فإن القرآن نزل بالأفصح من لغة قريش، قال الزمخشري في كشافه القديم: القرآن لا يعمل فيه إلا على ما هو فاش دائر على ألسنة فصحاء العرب، دون الشاذ النادر الذي لا يعثر عليه إلا في موضع أو موضعين.
    وبهذا يتبين غلط جماعة من الفقهاء والمعربين حين جعلوا من العطف على الجوار قوله تعالى (وأرجلكم) في قراءة الجر، وإنما ذلك ضرورة فلا يحمل عليه الفصيح، ولأنه إنما يصار إليه إذا أمن اللبس، والآية محتملة، ولأنه إنما يجئ مع عدم حرف العطف، وهو ها هنا موجود... (إلى أن قال) والعطف على الجواز خروج عن الأصل.
    وقال الآلوسي في تفسيره (6/ 73 ـ 74ـ 75): وحجة القائلين بالمسح قراءة الجر فإنها تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس فكما وجب المسح فيها وجب فيها والقول إنه جر بالجوار كما في قولهم جحر ضب قرب..... باطل من وجوه: أولها: أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله تعالى يجب تنزيهه عنه، وثانيها: أن الكسر إنما يصار إليه حيث حصل الأمن من الألتباس كما فيما استشهدوا به، وفي الآية الأمن من الألتباس غير حاصل، وثالثها: أن (الجر بالجوار) إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.
    وهذه الشروط الثلاثة لصحة استعمال الخفض على الجوار اشترطها وقال بها الزجاج والنحاس وابن الحاجب والرازي وغيرهم.
    ونقول: إن أحد شروط صحة استعمال الخفض على الجوار هو وضوح المعنى والمراد وامن اللبس فلا أدري كيف يتم ذلك ويتوفر في آية الوضوء التي كثر الكلام فيها واشتد الخلاف عليها وكما قال عند وصفها الآلوسي في تفسيره (6/ 74): ولا يخفى أن بحث الغسل والمسح مما كثر فيه الخصام وطالما زلت فيه أقدام وما ذكره الإمام (الرازي) يدل على أنه راجل في هذا الميدان وضالع لا يطيق العروج إلى شاوي ضليع تحقيق تبتهج به الخواطر والأذهان...
    ونكتفي بهذا المدار وللتفصيل أكثر يراجع (كتاب القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للكراجكي) و(كتاب المسح على الرجلين في الوضوء للميلاني). ونسأل الله تعالى لك الثبات على الحق وصلى الله على محمد وآله الأطهار.

    ودمتم في رعاية الله

  • 1

    كشفت منظمة أوروبية حقوقية، أن السلطات السعودية تتجه لإعدام خمسة شبان، اعتقلتهم قبل سنوات وهم في سن الطفولة.
    وذكرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، في بيان لها، أن تهم الشبان الخمسة تعود إلى الفترة التي كانوا فيها أطفالا، على خلفية أحداث القطيف التي هزت شرق المملكة في 2011.

    وقالت المنظمة غير الحكومية التي تنشط في ألمانيا، في تصريحات لـ"فرانس 24"، إن "المدعي العام طالب بإنزال العقوبة القصوى على هؤلاء الشباب، مع العلم أن الرياض نفذت ما لا يقل عن عشرة أحكام إعدام بحق أطفال، جميعهم لم تتوفر لهم محاكمة عادلة".
    وأشارت المنظمة إلى أن أحد هؤلاء الأطفال اعتقل وهو في سن التاسعة.
    واهتمت المنظمة المذكورة بهذه القضية عندما تم تقديم ردود الدفاع على النيابة المطالبة بالإعدام في جلسة عقدت في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، حسبما أفاد نائب رئيس المنظمة عادل السعيد، الذي أوضح أنه في السعودية "لا توجد مرافعات بالطريقة المتعارف عليها (في المحاكم)، وإنما تكون عن طريق تسليم ردود مكتوبة فقط".
    وتابعت: "في سياق توسع المملكة العربية السعودية في استخدام عقوبة الإعدام، طالبت النيابة العامة بإقامة حد الحرابة بحق خمسة أطفال (أحمد عبد الواحد الفرج – علي محمد آل بطي – محمد حسين آل نمر – علي حسن الفرج – محمد عصام الفرج)، وذلك ضمن محاكمة جماعية غير علنية، تضم ثمانية أشخاص، في المحكمة الجزائية المتخصصة".
    وقانون حد الحرابة السعودي، حسب شروحات على منتدى المحامين العرب، يلجأ إليه في حال "الجرائم الكبيرة استنادا للقرار رقم (1245) المبني على نص المادة (112) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي. ويطبق خاصة عند "ارتكاب أي جريمة من سلب أموال، أو هتك للأعراض، أو سفك للدماء، أو الإخافة المجردة، على سبيل القهر والغلبة سواء بالسلاح...". ويفرض هذا القانون عقوبات قاسية تكون "بالقتل أو القطع أو الرجم".
    وأضافت المنظمة: "يواجه الطفل محمد عصام الفرج (المولود في 25 فبراير 2002 ) تهمة بالمشاركة بتشييع إحدى ضحايا عمليات القتل خارج إطار القانون، التي تنفذها قوات خاصة سعودية في محافظة القطيف منذ 2012"، يقول البيان، "وذلك حينما كان عمره 9 سنوات، ويواجه أحمد الفرج (22 مارس 1999) وعلي آل بطي (14 إبريل 1999) تهما تتعلق بعلاقتهما بمطلوبين حينما كان عمرهما 13 عاما، ويواجه محمد آل نمر (17 فبراير 1998) تهمة بالمشاركة بتشييع إحدى ضحايا عمليات القتل خارج إطار القانون حينما كان عمره 14 عاما".
    وتابعت بأنه "منذ اعتقالهم قبل أكثر من عامين، مروا بظروف مرعبة، من بينها الاعتقال لمدة طويلة قبل عرضهم على المحكمة، والسجن الانفرادي، وحرمانهم من الاستعانة بمحام، وإخضاعهم للتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة المهينة واللا إنسانية".
    وفي قضية مشابهة، تلفت المنظمة إلى أنه في الوقت الحالي يمكن إعدام ثلاثة شبان آخرين اعتقلوا وهم أطفال: علي آل نمر، عبدالله الزاهر، داوود المرهون، "في أي لحظة، وذلك بعد أن صودقت أحكام إعدامهم، على خلفية تهم تتعلق بالمظاهرات".
    العالم

  • 1

     السؤال : مصادر حديث ( لا فتى الإّ علي )
    السلام عليكم ، هل هناك طريق صحيح لحديث لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار عند اهل السنة . شكرا

    الجواب : القضية التي حصلت بالمناداة بهذا القول مشهورة ذكرت في كتب الفريقين, وقد ذكرها العلامة الأميني في الغدير (٥٩/٢) حيث قال: ومن شعر حسان في أمير المؤمنين (عليه السلام):
    جبريل نادى معلنا * * * * * والنقع ليس بمنجلي
    والمسلمون قد أحدقوا * * * * * حول النبي المرسل
    لا سيف إلا ذو الفقار * * * * * ولا فتى إلا علي
    يشير بها إلى ما هتف به أمين الوحي جبرئيل عليه السلام يوم أحد في علي و سيفه.
    أخرج الطبري في تاريخه ٣ ص ١٧ عن أبي رافع قال: لما قتل علي بن أبي طالب (يوم أحد) أصحاب الألوية أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركين قريش ، فقال لعلي: أحمل عليهم. فحمل عليهم ففرق جمعهم, وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، قال: ثم أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركين قريش ، فقال لعلي: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك ، فقال جبريل: يا رسول الله ؟ إن هذا للمواساة !! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكما.
    قال فسمعوا صوتا: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ، وآخرجه أحمد بن حنبل في الفضايل عن ابن عباس, وابن هشام في سيرته ٣ ص ٥٢ عن ابن أبي نجيح, والخثعمي في (الروض الأنف ٢ ص ١٤٣), وابن أبي الحديد في (شرح النهج ١ ص ٩) وقال: إنه المشهور المروي, وفي ج ٢ ص ٢٣٦ ، وقال: إن رسول الله قال: هذا صوت جبريل, وج‍ ٣ ص ٢٨١, والخوارزمي في (المناقب ص ١٠٤) عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: هاجت ريح في ذلك اليوم فسمع مناد يقول
    لا سيف إلا ذو الفقار * * * * * ولا فتى إلا علي
    فإذا ندبتم هالكا * * * * * فابكوا الوفي أخا الوفي
    وروى الحموي نحوه في فرايده في الباب التاسع والأربعين, وروى بإسناده من طرق شتى عن الحافظ البيهقي إلى علي عليه السلام قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن صنما في اليمن مغفرا في حديد فابعث إليه فادققه وخذ الحديد قال: فدعاني وبعثني إليه فدققت الصنم وأخذت الحديد فجئت به إلى رسول الله فاستنصرت منه سيفين فسمى واحدا ذا الفقار, والآخر مجذما, فقلد رسول الله ذا الفقار, وأعطاني مجذما ثم أعطاني بعد ذا الفقار, ورآني رسول الله وأنا أقاتل دونه يوم أحد فقال: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ،  وفي تذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٦: ذكر أحمد في الفضايل أيضا إنهم سمعوا تكبيرا من السماء في ذلك اليوم (يوم خيبر) وقائلا يقول: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ، فأستأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينشد شعرا ، فأذن له ، فقال: جبريل نادى معلنا * إلى آخر الأبيات المذكورة ،  ثم قال ما ملخصه: يقال: إن الواقعة كانت يوم أحد ، كما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس, وقيل: إن ذلك كان يوم بدر, والأصح أنه كان في يوم خيبر ، فلم يطعن فيه أحد من العلماء. إنتهى.
    قال الأميني: إن الأحاديث تؤذننا بتعدد الواقعة وإن المنادي يوم أحد كان جبريل كما مر, والمنادي يوم بدر ملك يقال له: رضوان, قد أجمع أئمة الحديث على نقله كما قال الكنجي وأخرجه في كفايته ص ١٤٤ من طريق أبي الغنائم, وابن الجوزي, والسلفي, وابن الجواليقي, وابن أبي الوفا البغدادي, وابن الوليد, و ابن أبي الفهم, والمفتي عبد الكريم الموصلي, ومحمد بن القاسم العدل, والحافظ محمد ابن محمود, وابن أبي البدر, والفقيه عبد الغني بن أحمد, وصدقة بن الحسين, ويوسف ابن شروان المقري, والصاحب أبي المعالي الدوامي, وابن بطة, وشيخ الشيوخ عبد الرحمن بن اللطيف, وعلي بن محمد المقري, وابن بكروس, والحافظ ابن المعالي, وأبي عبد الله محمد بن عمر بأسانيدهم عن سعد بن طريف الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي (الإمام الباقر) قال: نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له: رضوان: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ثم  قال: قلت: أجمع أئمة الحديث على نقل هذا الجزء كابرا عن كابر رزقناه عاليا بحمد الله عن الجم الغفير كما سقناه, ورواه الحاكم مرفوعا, وأخرجه عنه البيهقي في مناقبه, أخبرنا بذلك الحافظ ابن النجار, أخبرنا المؤيد الطوسي (إلى آخر السند) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله يوم بدر: هذا رضوان ملك من ملائكة الله ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي وأخرجه محب الدين الطبري باللفظ المذكور في رياضه ص ١٩٠, وذخائر العقبى ص ٧٤ والخوارزمي في المناقب ص ١٠١ حديث جابر, وفي كتاب " صفين " لنصر بن مزاحم ص ٢٥٧, وفي ط مصر ص ٥٤٦ عن جابر بن نمير - الصحيح: عمير - الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول كثيرا: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ودمتم برعاية .

  • 1

    إستشهاد ۵۵ طالبة شيعية في كابل إثر تفجيرات داعشية
    إستشهدت ۵۵ طالبة أفغانية شيعية على الأقل  و جرحت عشرات أُخريات في حي دشت برخي في كابل مساء اليوم السبت إثر تفجيرات داعشية إرهابية أثناء مغادرتهن مدرسة سيد الشهداء و هن صائمات .

    قتلوا الطالبات الشيعيات الصائمات وهن ينوين مغادرة المدرسة متوجهات إلى بيوتهن لغرض الإفطار .
    و رغم أن الرئيس الأفغاني أشرف غني اتهم حركة طالبان بالهجوم لكن الأخيرة  أكدت أن تنظيم داعش الإرهابي هو المسؤول عن مثل هذه التفجيرات .
    و منذ إلحاق الهزيمة بداعش في العراق و سوريا بدأ التنظيم الإرهابي بتصعيد هجماته ضد المسلمين الشيعة في أفغانستان في المدارس و النوادي الرياضية و المستشفيات و أي مكان لاعلاقة له بالمؤسسات الحكومية و العسكرية .
    و كان الدواعش الإرهابيون قد هاجموا في العام الماضي مستشفىً للولادة في الحي الشيعي نفسه ماأدى إلى استشهاد العشرات من الأطفال حديثي الولادة و أمهاتهم و كذلك سيدات حوامل في شهورهن الأخيرة .
    انا لله و انا الیه راجعون


  • 1

    - أهل السنة والجماعة يغسلون أرجلهم عند الوضوء ولا يمسحون عليها .
    - بينما الشيعة الإمامية يمسحون على أرجلهم .
    وهاهنا نسأل : أي من الفريقين في هذه المسألة يمثل المذهب الحقّ بينما يمثل الآخر المذهب البدعي ؟؟!!

    لا نطيل  الكلام  هنا ونذهب مباشرة إلى القرآن الكريم الذي شرّع لنا هذه الفريضة .. يقول تعالى في سورة المائدة ، الآية 6 : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }.

    قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( مسألة : وأما قولنا في الرجلين فإن القرآن نزل بالمسح . قال الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } وسواء قُرِأ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس : إما على اللفظ وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك . لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة . وهكذا جاء عن ابن عباس : نزل القرآن بالمسح - يعني في الرجلين في الوضوء - وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري ، ورويت في ذلك آثار . منها أثر من طريق همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثنا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه - هو رفاعة بن رافع - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يقول : إنها { لا تجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين } . وعن إسحاق بن راهويه ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد خير عن علي " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يمسح ظاهرهما " )(1) .

    إذن فالقرآن الكريم جاء بالمسح لا الغسل...فمن أين جاء الحكم بغسل الرجلين عند القوم يا ترى ؟؟!!

    قالوا : جاءنا من الروايات... ولا أريد هنا أن أطيل الكلام في مناقشة دلالة هذه الروايات أو أسانيدها .. بل أريد أن أسأل سؤالا واحدا فقط  وأقول : هل معنى كلامكم هذا  أن حكم المسح الذي جاء به القرآن الكريم هو منسوخ عندكم بحكم الغسل الوارد من السنة التي تروونها أم  ماذا ؟؟!!

    فإن قالوا : نعم ، هو منسوخ بحكم السنّة التي جاءت بالغسل ، فهم بذلك يكونون قد خالفوا ما عليه القرآن الكريم وأقوال أئمتهم وعلمائهم المتقدّم ذكرهم في هذا الجانب .

    فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (2)...ومن الواضح جدا ان السنة لا تساوي القرآن الكريم ولا تكون خيرا منه.

    وسئل الإمام أحـمد : تنسخ السنّة شيئًا مِن القرآنِ ؟ قـال :" لا يُنْسَخُ القرآنُ إلاّ بالقرآنِ ".(3)

    وعن الشافعي : :" وأبانَ الله لهم أنّه إنّمَا نسخَ ما نسخَ مِن الكتابِ بالكتابِ ، وأنّ السنّةَ لا ناسخة للكتابِ وإنّمَا هي تَبَعٌ للكتابِ ".(4)

    وجاء عن ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) : ( وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولا لأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة بل إن كان فيه منسوخ كان في القرآن ناسخه فلا يقدم غير القرآن عليه) .انتهى (5)

    وهذا الكلام لهؤلاء الأعلام من أهل السنة - كما تراه - لم يفرق بين عدم جواز نسخ السنة للقرآن ، سواء كانت من أخبار الآحاد أو كانت متواترة ، فكل ذلك ممنوع عندهم ، بل حتى لو فرض أنّه وجدنا من أهل السنّة من يقول بجواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة - كما هو المنقول عن أبي الحسن الأشعري مثلا - فهو مجرد فرضية لم يثبت لها واقع خارجا كما يصرح بذلك ابن تيمية ..

    يقول ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) :" وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ " .(6)

    هذا فضلا عن عدم ثبوت التواتر للأخبار المعارضة لحكم المسح في القرآن .. بل هي أخبار آحاد كما شهد به الرازي وغيره .

    قال الرازي في ( مفاتيح الغيب ) : ( فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضا...ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ) .(7)

    هذا ، فضلا عن معارضة هذه الأخبار الآحاد بأخبار كثيرة من السنة نفسها ورد فيها لزوم المسح على الرجلين ، كالحديث الوارد عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال : إنّها لا تتم صلاة لاحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين . (8)

    فلاحظ قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا : ( إنّها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله ) .. فالمسح على الرجلين هو أمر الله تعالى، وبدونه لا تتم الصلاة ، وهذا يعارض دعوى بأنّ الشريعة جاءت بالغسل للرجلين كما يزعم البعض  ..

    وقد علق الشيخ الألباني في ذيل هذا الحديث على قول المنذري ( رواه ابن ماجة باسناد جيد ) : ( وهذا يوهم أنه لم يروه من السنة سوى ابن ماجة ، وليس كذلك ، فقد أخرجه ابو داود والنسائي والدارمي ، واسنادهم على شرط البخاري ، وصححه الحاكم 1: 241على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، هؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته ) .(9)

    وبالتالي ستتعارض الروايات  عند أهل السنة أنفسهم ( لأن بعضها يقول بالغسل وبعضها يقول بالمسح ) ، وعند التعارض المستقر وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين يصار إلى تساقط المتعارضين معا عن الحجية ، وحيث تساقطت الأخبار يكون المرجع هو كتاب الله العزيز الوارد فيه حكم المسح لا الغسل وبذلك يثبت المطلوب ، أي يثبت لزوم المسح دون الغسل ..

    محاولة الرازي بالجمع بين المتناقضين في المقام :

    نعم ، هناك محاولة سمعناها من الفخر الرازي ، جاء فيها : ( أن الغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ).(10)

    أقول : هذا الكلام - في الواقع - غريب  من الفخر الرازي ؛ خاصة وهو المتضلع في المفاهيم والمعاني ؛ لأن الغسل والمسح مفهومان مختلفان ( وجودي وعدمي ) ، وأحدهما غير الآخر ، فالغسل قد أخذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا ( أي وجود سيلان للماء ) ، وأما المسح فقد أخذ في مفهومه عدم السيلان والاكتفاء بمرور اليد على الممسوح ( أي عدم وجود سيلان للماء ).. وعليه ، فكيف ساغ للرازي أن يجعل المفهومين المختلفين - الوجودي والعدمي ؛ إذ أحدهما يشترط وجود السيلان والثاني عدمه - ضمن حقيقة واحدة ينبغي إيجادها خارجا ؟؟!!

    نعم مقتضى الاحتياط هو الجمع بينهما على نحو الترتيب ، بحيث يمسح المتوضيء رجليه أولا ثم يغسلهما ،ولكن هذا الجمع هو فرع ثبوت حجية أدلة الغسل في مرحلة سابقة ، وقد تقدّم أنّ هذه الأخبار هي أخبار آحاد معارضة لظاهر القرآن الكريم الذي جاء بالمسح ، فهي لا حجيّة لها من هذه الناحية وزخرف ينبغي ضربه عرض الجدار .

    الكاتب: الشيخ خالد السويعدي
    ________________________
    (1)المحلى 2: 56.
    (2)البقرة : 106.
    (3)جامع بيان العلم وفضله 2 : 564.
    (4)الرسالة للشافعي :106 .
    (5)محموع الفتاوى 19 : 196.
    (6)مجموع فتاوى ابن تيمية 20 : 398 .
    (7) مفاتيح الغيب 11: 161.
    (8)صحيح الترغيب والترهيب - محمد ناصر الدين الألباني : 208 .
    (9) صحيح الترغيب والتهذيب : 208.
    (10) تفسير الرازي 11: 161.

  • 1

     كانت فقرة (حَيَّ على خير العمل) فصلاً من الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وقسمٍ من عهد عمر ، ثم حذفها عمر بحجة أن الناس قد يتصورون أن الصلاة خيرٌ من الجهاد ويتركون فتح البلاد ! واعترض عليه أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة والتابعين ، وكان ابنه عبد الله بن عمر يؤذن بها !
    وقد ألف عدد من العلماء رسائل في إثبات كونها جزءً من الأذان الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وعلمه إياه جبرئيل عليه السلام ، تزيد عن خمسين رسالة.

    قال في الإيضاح / 201 : (ورويتم عن أبي يوسف القاضي ، رواه محمد بن الحسن وأصحابه ، عن أبي حنيفة قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ينادى فيه : حيَّ على خير العمل. فقال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة إذا قيل : حي على خير العمل ويدعوا الجهاد ! فأمر أن يطرح من الأذان حيَّ على خير العمل).
    وفي دعائم الإسلام : 1 / 142 : (وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه قال : كان الأذان ب‍حي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبه أمروا في أيام أبى بكر وصدر من أيام عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أن الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه ! وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه ، والعامة تروى مثل هذا ، وهم بأجمعهم إلى اليوم مصرون على اتِّباع عمر في هذا وترك اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ! واحتجوا بقول عمر هذا ، وظاهر هذا القول يغني عن الإحتجاج على قائله ، وإنما أمر الله عز وجل بالأخذ عن رسوله صلى الله عليه وآله فقال : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا... ﴾ 1 ، وقال : ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 . وقال : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إتبعوا ولا تبتدعوا ، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار !
    أفكان عمر عند هؤلاء الرعاع أعلم بمصالح الدين والمسلمين أم الله ورسوله ؟ وقد أنزل الله عز وجل في كتابه من الرغائب والحضَّ على الصلاة وعلى الجهاد ، وعلى كثير من أعمال البر ، ما أنزله ، وافترض فرائضه ! فهل لأحد أن يُسقط من كتاب الله عز وجل شيئاً مما حض به على فريضة من فرائضه ؟ أو هل وسع لأحد في ترك فريضة لأنه حض ورغب في غيرها أكثر مما حض ورغب فيها ؟! هذا ما لا يقوله عالم ولا جاهل ، ولا بلغنا عن أحد من الناس أنه توهمه... وفساد هذا القول أبين من أن يحتاج إلى الشواهد والدلائل... نسأل الله العصمة من الزيغ عن دينه والثبات على طاعته وطاعة أوليائه). انتهى.
    وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد / 199 : (وفي رواية أخرى أنه قال : أيها الناس : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل) ! وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً ، ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وإخبارهم في ذلك متواترة ) 4 .
    (أورد القوشجي قول عمر : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أحرمهنَّ وأعاقبُ عليهنّ : متعة النساء ومتعة الحج وحيَّ على خير العمل ! ثم قال : إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإجتهادية ليس ببدع !
    وهو كلام عجيب حقاً فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، كان رأياً واجتهاداً منه صلى الله عليه وآله حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين ؟!
    وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني والتشريع النبوي ؟!
    وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر ولنفرض أن الرسول صلى الله عليه وآله قد اجتهد فيه أيضاً نعوذ بالله من خطل القول ، فأيهما أحق أن يتبع ؟ وأيهما قال الله في حقه : ما آتاكم الرسول فخذوه ؟ وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر وأخذ بالنص القرآني والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي ؟!
    وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي : إن ذلك يوجب تكفير الصحابة ، لأن من علم أن النبي (ص)حكمَ بإباحة المتعة ثم قال : إنها محرمةٌ محظورةٌ من غير نسخ لها ، فهو كافر بالله ؟! ومن الواضح أن القوشجي وصاحب المنار والرازي وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها فتشبثوا بالطحلب ، بل صدر منهم ما فيه أيضاً نيل من كرامة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وتصغير لشأنه من حيث يعلمون أو من حيث لايعلمون) ! 5 .
    أقول : ومن يوم حرَّم عمر ما فرضه النبي صلى الله عليه وآله تحركت شرطة الخلافة لقمع كل مسلم يطيع النبي صلى الله عليه وآله ولايطيع عمر! وما زالت شرطتهم وتهويلهم تطارد الشيعة باسم الدين الى يومنا هذا ! وكان مطلب الشيعة منهم أن يتركوهم يؤذنون في مساجدهم ومناطقهم كما يعتقدون ، ولم تفرض أي حكومة شيعية على أحد الأذان بحيَّ على خير العمل ! فالفرض والإجبار كان وما زال من عمل شرطة عمر والقبائل القرشية !
    ***
    شريط تاريخي لجهاد الشيعة من أجل سنة النبي صلى الله عليه وآله
    كافح الشيعة عصوراً طويلة من أجل هذا الفصل من الأذان ، حتى صار الأذان بحيَّ على خير العمل علامةً للإمامية والزيدية والإسماعيلية ، وشعاراً يرفعه الثوار على الحكومات ! وهذا شريط تاريخي يوضح إصرار الشيعة على سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وإصرار أتباع الخلافة على فرض سنة عمر بدلها !
    ***
    في سير الذهبي : 15 / 164 : (قلت : ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، ثم ضعف بدنه وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع له ، وله السكة والخطبة وقليل من الأمور ، فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن... وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل . فلله الأمر كله ).
    ***
    وفي تاريخ أبي الفداء / 507 : (وفي هذه السنة (444)كانت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة ، وأعادت الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا في مساجدهم محمد وعلي خير البشر) .
    ***
    وفي النهاية : 12 / 96 : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد (في مساجدهم) في الجمعات والجماعات ، وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة وحوصرت دار الخلافة).
    ***
    وفي النجوم الزاهرة : 5 / 281 : (وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق من حلب الأذان بحي على خير العمل وسب الصحابة بها ، وقال : من عاد إليه قتلته ، فلم يعد أحد).
    أقول : لم يكن الشيعة يسبُّون الصحابة ، نعم كانوا وما زالوا يلعنون ظالمي أهل البيت عليهم السلام ، وهو مبدأ متفق عليه ، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ظالمي أهل بيته الطاهرين بأحاديث صحيحة عند الجميع ، بل لعنهم الله تعالى في صريح قرآنه بقوله : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ 6 ، وقد استدل أحمد بن حنبل بهذه الآية على لعن يزيد ، وروى كبار محدثيهم تفسيرها ببني أمية ، لكن بمجرد أن يقول الشيعي لعن الله ظالمي آل محمد ، يقولون له إنك تقصد أبا بكر وعمر ! إنك تلعن وتسب وتشتم الصحابة ، ويصورون الشيعة كأن شغلهم الشاغل في ليلهم ونهارهم شتم الصحابة ! وغرضهم من هذا التهريج أن يمنعوهم من لعن ظالمي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ومضطهديهم وقاتليهم !
    ***
    وصف أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 297 ، حركةً للعلويين في المدينة المنورة فقال : (فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي عليه السلام ، وعشرةٌ من الحاج ، ونفرٌ من الموالي ، فلما أذَّن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحد ، أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذِّنْ بحيَّ على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها ، وسمعه العمري(حاكم المدينة من قبل المنصور العباسي) فأحس بالشر ، ودهش وصاح : أغلقوا البغلة (يقصد الباب) وأطعموني حبتي ماء ! قال علي بن إبراهيم في حديثه : فوُلده إلى الآن بالمدينة يُعرفون ببني حبتي ماء) !
    ***
    وقال ابن الجوزي في المنتظم : 5 / 28 : (وفي أول يوم من شوال حضر الموكب النقباء والأشراف والقضاة والشهود ، فنهض بعض المتفقهة وأورد إخباراً في مدح الصحابة وقال : ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ ؟ والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة ؟! فطولع بما قال فخرج التوقيع بما معناه : أنهيَ ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله (ص) وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة ، التي استوجبوا بها النكال واستحقوا عظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ، ولولا ما تدرَّع به من جلباب الحكم وأسباب يتوخاها ، لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن ورَبْع الكًرْخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب بالصلاة خير من النوم ، وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد(الشيعي حاكم الحلة والمشهدين النجف وكربلاء)ليجري على هذه السيرة في بلاده ، ﴿ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 .
    أقول : أنظر الى أسلوب الخلافة العدواني وأن حيثية هذا المرسوم الخلافي هو : إخمال ذكر الصحابة ، ومعناه أن الشيعة في مساجدهم ومناطقهم يذكرون أهل البيت عليهم السلام ، ولا شغل لهم بغيرهم ، فاعتبر ذلك إخمالاً لذكر أبي بكر وعمر وعثمان الذين يجب إحياء ذكرهم ! فحيثية المرسوم أن ذكر أبي بكر وعمر واجب (والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة) ؟! أي قادرة على إجبار الشيعة على مذهب الحكومة ! ومعناه أنه كلما أمكن الإجبار بالقوة وجب ! وهذه سياسة أتباع أبي بكر وعمر وبني أمية ، الى يومنا هذا !
    ولا تعجب من ذلك فقد كانت سياسة الخلافة عدوانية ضد الشيعة وكانت تحرك لها الغوغاء ومؤرخوها يغطون جرائمها ويبكون من ظلم الشيعة لهم !
    قال ابن الجوزي في المنتظم : 6 / 217 : (ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة.. وظهر في هذه الأيام من الروافض أمر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحول العين ضربوه) ! 7 .
    أقول : يقصد هذان الناصبيان أن الشيعة في مجالس عزائهم على الإمام الحسين عليه السلام يلعنون ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وقاتليهم ! ولم يبينا لماذا كان بعض الشيعة يضربون مكحول العين إذا دخل الى محلاتهم في الكَرْخ أو غيرها ! وهذا أسلوب أتباع الخلافة فهم يُغَطُّون جريمة المجرم ويظهرونه مظلوماً ويبكون عليه ! والقضية أن الشيعة يتخذون أيام عاشوراء أيام حزن ويلبسون السواد ويعقدون مجالس النوح والرثاء وذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام .
    وكان أتباع الخلافة يعملون لتعطيل تلك المراسم ، بل كانوا يُظهرون الفرح ويلبسون الثياب الجديدة ويتخذون تلك الأيام عيداً ! ولم يكتفوا بذلك في بلادهم ومحلاتهم بل كانوا في بغداد والشام يلبسون الثياب الجديدة ويكتحلون ويذهبون الى محلات الشيعة ليغيضوهم بذلك ! فمن الطبيعي أن يواجه شباب الشيعة النواصب المكحَّلين والمكحَّلات الذين يَتَحَدَّوْنَهم !
    ومن العجيب أن الدولة العباسية (الهاشمية) لم تمنع الشماتة والفرح بقتل الإمام الحسين عليه السلام الذي ثارت باسمه ، بل كانت تشجع النواصب على إظهار الفرح لإغاضة الشيعة ، ثم تدافع عنهم وتدعي أنهم مظلومون !
    قال البكري في إعانة الطالبين : 2 / 301 ، وهو من كبار علماء السنة : (يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ! وقيل بالإثمد لتقرَّ عينهما بفعله . قال العلامة الأجهوري : ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور فقال : لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي ولا عن أحد من الصحابة ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين). انتهى. وهذا يدلك على أن عداءهم لأهل البيت عليهم السلام دفعهم الى تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لتصحيح عمل يزيد وابن زياد وشيعتهما وجعل إظهار الفرح بيوم عاشوراء جزءً من الإسلام !
    قال ابن حجر في الدراية : 1 / 280 : (قوله : وقد ندب النبي إلى الإكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه . أما الإكتحال فأخرجه البيهقي في الشُّعب في الثالث والعشرين منه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رفعه (يعني الى النبي صلى الله عليه وآله ) : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً ! وهو إسنادٌ واهٍ . (لأن الضحاك لم يلق ابن عباس) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من هذا الوجه ، ومن حديث أبي هريرة بسندين فيه أحمد بن منصور الشونيزي ، فكأنه أدخل عليه ، وهو إسناد مختلف لهذا المتن قطعياً). انتهى. الى آخر كلامهم في فقههم !
    لكن لا تغترَّ بما تقرؤه في كتب فقهائهم وعلمائهم مما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام والصحابة ، فهم نظرياً ينفون صحة أحاديث التكحل والفرح بنصر يزيد والتبرك بيوم عاشوراء، ولكنهم عملياً يطبقونه ، وقد يطبقه فقيههم أكثر من عوامهم !
    وكذلك تراهم ينفون صحة حديث (أصحابي كالنجوم) ويحكمون بأنه موضوع مكذوب ، ولكنهم يستشهدون به في الفقه والأصول والتفسير والعقائد ، ويقمعون به من لا يقدس صحابتهم المفضلين ، ويطبلون به في إعلامهم حتى يكون الحديث الموضوع عملياً أقوى من الحديث الصحيح !
    ***
    وفي تاريخ أبي الفداء / 503 : (وفيها (سنة 441) وقعت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة وعظم الأمر حتى بطلت الأسواق وشرع أهل الكرخ في بناء سور عليهم محيطاً بالكرخ ، وشرع السنية من القلابين ومن يجري مجراهم في بناء سور على سوق القلابين ، وكان الأذان بأماكن الشيعة بحي على خير العمل ، وبأماكن السنية الصلاة خير من النوم ) .
    ***
    وفي كامل ابن الأثير : 9 / 576 ، في أحداث سنة 443 ، قال : (وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرْخ شرعوا في عمل باب السمَّاكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب محمد وعلي خير البشر ، وأنكر السنية ذلك وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر ! وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العباسيين ونقيب العلويين وهو عدنان بن الرضي لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيين فأمر حينئذ الخليفة ونواب الرحيم بكف القتال فلم يقبلوا !
    وانتدب ابن المذهب القاضي والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد أن يحمل العامة على الإغراق في الفتنة فأمسك نواب الملك الرحيم (آخر السلاطين البويهيين) عن كفهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السنية من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقه فعظم الأمر عليهم وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبوا عليه ماء الورد ، ونادوا الماء للسبيل فأغروا بهم السنية !
    وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا خير البشر وكتبوا ( عليهما السلام ) فقالت السنية لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وأن لا يؤذن حيَّ على خير العمل ! وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأول...
    قصدوا (الحنابلة) مشهد باب التبن فأغلق بابه فنقبوا في سورها وتهددوا البواب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور وأدركهم الليل فعادوا !
    فلما كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والأراج واحترق ضريح موسى وضريح ابن ابنه محمد بن علي والجوار والقبتان الساج اللتان عليهما)!!
    ***
    تاريخ الذهبي : 30 / 9 : (سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة... فلما كان في ربيع الآخر خطب(وزير الخليفة)بجامع براثا مأوى الشيعة ، وأسقط من الأذان حي على خير العمل ودق الخطيب المنبر بالسيف ، وذكر في خطبته العباس) . انتهى.
    لاحظ فعل الخطيب بحضور وزير الخليفة متحدياً الشيعة في مسجدهم الكبير في العاصمة : (ودقَّ الخطيب المنبر بالسيف) ! إنها أخلاق خلافة قريش في القهر والإجبار واضطهاد من خالفها في الرأي حتى في مسجده وعبادته ووضوئه وصلاته ، وحتى في نيته في قلبه ! فهي خلافة عصا القبيلة وسوط رئيسها ، وليست خلافة النبوة والإسلام !
    ***
    في النجوم الزاهرة : 5 / 59 : ( وهي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة . فيها عم الوباء والقحط بغداد والشام ومصر والدنيا . وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ بالصلاة خير من النوم على رغم أنف الشيعة ! وأزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من حي على خير العمل).
    ***
    وفي المواعظ للمقريزي / 1677 : (وفي إمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون أنكر رجل من أهل مصر أن يكون أحد خيراً من أهل البيت ، فوثبت إليه العامة (عوام الحكومة وغوغاؤها) فضرب بالسياط يوم الجمعة في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين ومائتين ! ومازال أمر الشيعة يقوى بمصر إلى أن دخلت سنة خمسين وثلاثمائة ، ففي يوم عاشوراء كانت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر كلثوم العلوية بسبب ذكر السلف والنوح قتل فيها جماعة من الفريقين ، وتعصب السودان (غلمان الحكومة) على الرعية (المصريين) فكانوا إذا لقوا أحداً قالوا له : من خالك فإن لم يقل معاوية وإلا بطشوا به وشَلَّحُوه ! ثم كثر القول معاوية خال علي ! وكان على باب الجامع العتيق شيخان من العامة يناديان في كل يوم جمعة في وجوه الناس من الخاص والعام : معاوية خالي وخال المؤمنين وكاتب الوحي ورديف رسول الله ! وكان هذا أحسن ما يقولونه ، وإلا فقد كانوا يقولون معاوية خال علي من هاهنا ويشيرون إلى أصل الأذن...! وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، أخذ رجل يعرف بابن أبي الليث الملطي ينسب إلى التشيع ، فضرب مائتي سوط ودرة ، ثم ضرب في شوال خمسمائة سوط ودرة ، وجعل في عنقه غِلٌّ وحُبس ، وكان يُتفقد في كل يوم لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه! فحمل ليلاً ودفن فمضت جماعة إلى قبره لينبشوه ، وبلغوا إلى القبر فمنعهم جماعة من الإخشيدية والكافورية فأبوا) !
    فانظر الى سياسة الخلافة وقمعها الوحشي لهذا المؤمن الملطي ، أي الذي أصله رومي مسيحي رحمه الله ، وملطية مدينة رومية في تركية 8 . ويظهر أن الروم بنوها على إسم جزيرة مالطة الأوربية .
    ***
    في المواعظ للمقريزي / 1546 ، وسلك الدرر للمرادي / 887 : (وكان أول تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه حي على خير العمل ومحمد وعلى خير البشر إلى أيام نور الدين محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذنوا الأذان المشروع ، ومن امتنع كُبُّوهُ على رأسه ! فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك !
    وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبدَّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية ، في سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل ، وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة ، وفيه تربيع وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا ) 9 .
    أي أن قوة الأتراك في مصر أجبرت صلاح الدين على إعطائهم الحرية المذهبية في مؤسساتهم فرضخ وأعطاهم ! وبقيت المذاهب الأخرى مضطهدة !
    ***
    وفي نهاية ابن كثير : 12 / 355 : (ثم سار إلى حلب فنزل على جبل جوشن ، ثم نودي في أهل حلب بالحضور في ميدان باب العراق ، فاجتمعوا فأشرف عليهم ابن الملك نور الدين فتودد إليهم وتباكى لديهم وحضَّهم على قتال صلاح الدين ، وذلك عن إشارة الأمراء المقدمين ، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته على كل أحد ، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الأذان بحي على خير العمل وأن يذكَّر في الأسواق (بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام )وأن يكون لهم في الجامع الجانب الشرقي ، وأن يُذكر أسماء الأئمة الإثني عشر بين يدي الجنائز ، وأن يكبروا على الجنازة خمساً ، وأن تكون عقود أنكحتهم إلى الشريف أبي طاهر بن أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني فأجيبوا إلى ذلك كله ! فأذن بالجامع وسائر البلد بحي على خير العمل).
    ***
    وفي النجوم الزاهرة : 5 / 120 : (وكان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جباراً قتل خلقاً كثيراً من العلماء وغيرهم وأقام الأذان بحي على خير العمل ، وكبر على الجنائز خمساً ، وكتب سب الصحابة على الحيطان . قلت : وبالجملة إنه كان من مساوئ الدنيا جزاه الله . وغالب من كان بمصر في تلك الأيام كان رافضياً خبيثاً ، بسبب ولاة مصر بني عبيد ، إلا من ثبته الله تعالى على السنة ). انتهى.
    أقول : هذا ظلم صريح لقائد الجيش المصري الملك الأفضل الجمالي ، الذي شهدوا له بالعدل والنزاهة والشجاعة الفائقة ، فقد قاتل الصليبين بجدارة في مصر والشام وفلسطين ، وحقق عليهم انتصارات وعزاً للمسلمين ، ثم جاء بعده صلاح الدين فقاتلهم قليلاً لكنه ضعف وصالحهم وأعطاهم إمتيازات ومناطق لم يحلموا بها زمن القائد الشيعي بدر الجمالي رحمه الله . ولا مجال للتفصيل.
    ***
    وفي رحلة ابن جبير / 51 : (وللحرم أربعة أثمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية . وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم وهم يزيدون في الأذان : حي على خير العمل إثر قول المؤذن حي على الفلاح ، وهم روافض سبابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يُجَمِّعُون مع الناس إنما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها).
    ***
    وفي نهاية ابن كثير : 12 / 323 : (ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة ، في صفر منها حاصرت الفرنج مدينة دمياط من بلاد مصر خمسين يوماً ، بحيث ضيقوا على أهلها وقتلوا أمماً كثيرة... وفيها قطع صلاح الدين الأذان بحي على خير العمل من ديار مصر كلها ، وشرع في تمهيد الخطبة لبني العباس على المنابر).
    ***
    وفي تاريخ الذهبي : 42 / 127 : (صالح بن عيسى بن عبد الملك الفقيه الصالح.... لما زالت دولة العبيديين كان يخرج إلى البلاد المصرية ويخطب بها ، وينسخ ما كان بها من الأذان بحي على خير العمل ، ثم ينتقل إلى بلد آخر احتساباً) .
    أقول : لابد أن هذا الشيخ كان معه شرطة تفرض على قرى مصر أذان الدولة!
    ***
    وفي سير الذهبي : 20 / 276 : (البلخي الذي تنسب إليه المدرسة البلخية بباب البريد ، هو الإمام أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي ، نزيل دمشق ومدرس الصادرية . وعظ وأقرأ وجعلت له دار الأمير طرخان مدرسة ، وثارت عليه الحنابلة لأنه نال منهم ، وكان ذا جلالة ووجاهة ويلقب بالبرهان البلخي . درس أيضاً بمسجد خاتون وأبطل من حلب الأذان بحي على خير العمل ).
    ***
    وفي النجوم الزاهرة : 6 / 103 : (وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكة ومنع من الأذان في الحرم بن حي على خير العمل).
    ***
    وفي تاريخ أبي الفداء / 604 : (ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة ، فيها قتل أبو علي بن الفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو علي المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة ، وقطع من الأذان بحي على خير العمل ، فنفرت منه قلوب شيعة العلويين (وهماهل مصر) وثار به جماعة من المماليك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره) .
    ***
    وفي اليواقيت لأبي الفداء / 58 : ( وغيَّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فيه : حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر . وقيل : إنه فعل ذلك في سنة369 ، وقيل : سنة58 ثمان وخمسين وثلاثمائة) .
    ***
    وفي النجوم العوالي للعصامي / 1436 : (واستولى الزيدية على غالب حضرموت ، ثم في سنة سبعين استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان حي على خير العمل ، وترك الترضي عن الشيخين) .
    ***
    وفي كامل ابن الأثير : 9 / 592 : (وأعاد الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر ، وجرى القتال بينهم وعظم الشر ).
    ***
    وفي سير الذهبي : 15 / 159 : (هو المعز لدين الله ، أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم ، العبيدي المهدوي المغربي ، الذي بنيت القاهرة المعزية له ، كان صاحب المغرب وكان ولي عهد أبيه . وليَ سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة ، وسار في نواحي إفريقية يمهد ملكه فذلل الخارجين عليه...وساروا في أول سنة ثمان وخمسين في أهبة عظيمة وكانت مصر في القحط فأخذها جوهر ، وأخذ الشام والحجاز . ونفذ يعرِّف مولاه(المعز)بانتظام الأمر ، وضربت السكة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلا الله محمد رسول لله علي خير الوصيين . والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ . وأعلن الأذان بحيَّ على خير العمل ، ونودي : من مات عن بنت وأخ أو أخت فالمال كله للبنت . فهذا رأي هؤلاء).
    ***
    وفي أعيان الشيعة : 9 / 91 : (جاء البساسيري بجيش عظيم من مصر إلى بغداد وقبض على الخليفة وسجنه في الحديثة ، وفي بغداد جعل الخطبة والسكة مدة عأمين باسم المستنصر الذي كان خليفة الإسماعيلية في مصر ، وفي النهاية علم طغرلبك بذلك فأسرع من خراسان وقصد البساسيري في جيش جرار وقبض عليه وقتله ، وأخرج الخليفة من السجن وأعاده إلى بغداد ، وأجلسه على عرش الخلافة).
    ويقول ابن كثير في النهاية 12 / 96 ، عن هاتين السنتين : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد في الجمعات والجماعات وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة ، وحوصرت دار الخلافة).
    أقول : هذا يدل على أن شعبية الخلافة الفاطمية في بغداد كانت أكثر من شعبية الخلافة العباسية ، وأن عدد الشيعة في بغداد أكثر من السنة .
    ***
    وفي نهاية الإرب / 5257 : (وفي سنة اثنتين وستين ورد رسول صاحب مكة... وأسقط خطبة صاحب مصر وترك الأذان بحي على خير العمل ، فأعطاه السلطان (ألب السلجوقي) ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة ، وأجرى له في كل سنة عشرة آلاف دينار).
    ***
    وفي النجوم الزاهرة : 5 / 89 : (السنة السابعة والثلاثون من ولاية المستنصر معد على مصر وهي سنة أربع وستين وأربعمائة . فيها بعث الخليفة القائم بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمد أخا طراد الزينبي ، إلي أبي هاشم محمد أمير مكة بمال وخلع وقال له : غيِّر الأذان وأبطل حي على خير العمل ، فناظره أبو هاشم المذكور مناظرة طويلة ، وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال له أخو الشريف : ما صح عنه وإنما عبد الله بن عمر بن الخطاب روي عنه أنه أذن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر ؟! فأسقطه من الأذان ) !
    ***
    وفي الدرر الكامنة : 2 / 8 : (ثم تزوج بنت بيبرس فتضاعفت حرمته ، ولما كانت وقعة شقحب انهزم هزيمة قبيحة فغضب منه السلطان ثم عفا عنه بشفاعة الأمراء فأمره على الحج سنة 702 ، فأبطل الأذان بحي على خير العمل ، وجمع الزيدية ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام ).
    ***
    وفي صبح الأعشى : 4 / 171 : (ثم تغلب عليها أتسز بن أرتق الخوارزمي ، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي في سنة ثمان وستين وأربعمائة ، وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي ، ومنع من الأذان بحي على خير العمل ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين) .
    ***
    وفي نهاية ابن كثير : 12 / 137 : (قلت : الأقسيس هذا.. وهو أول من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين وأزال الأذان منها بحي على خير العمل بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنين ، كان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم (يقصد لعنة ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله !)فأمر هذا السلطان المؤذنين والخطباء أن يترضوا عن الصحابة أجمعين ونشر العدل وأظهر السنة ). انتهى.
    أقول : لاحظ أن مطلب الشيعة كان دائماً حريتهم في مساجدهم ، وأن يكتبوا في مساجدهم أو محلاتهم محمد وعلي خير البشر صلى الله عليه وآله ، ويقولوا في مجالسهم اللهم العن ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله ويكتبوها شعاراً دينياً . فكل مطلبهم حرية عبادتهم وعقيدتهم في مناطقهم ، ولا يريدون فرضها على أحد !
    بينما سياسة مخالفيهم أن يفرضوا عليهم في مساجدهم ومناطقهم حذف (حي على خير العمل) والترضي على أبي بكر وعمر وعثمان ومدحهم !
    والنص التالي لابن كثير يشهد بأن السلاجقة أول ما سيطروا على بغداد ألغوا الحرية المذهبية التي كانت في زمن الدولة البويهية الشيعية ، وفرضوا مذهبهم بالإجبار والقتل ! قال في النهاية : 12 / 86 : (وفيها أُلْزِمَ الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، وأزيل ما كان على أبواب مساجدهم من كتابة : محمد وعلي خير البشر ، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ! وذلك أن نَوْءَ الرافضة اضمحل لأن بني بُويَهْ كانوا حكاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم ، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم ، والله المحمود أبداً على طول المدى . وأمر رئيس الرؤساء الوالي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض لمَا كان تظاهر به من الرفض والغلو فيه فقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره ).انتهى. وهكذا يحمدون الله تعالى على توفيقهم لمصادرة حريات الناس وإكراهم على الأذان والعبادة حسب مذهب الحكومة ، وعلى توفيقهم لقتل أحد علماء الشيعة أمام دكانه ، واضطرار مرجع الشيعة وكبير علماء بغداد الشيخ الطوسي الى الهرب من بغداد الى النجف ! ويتأسفون لأنهم لم يقتلوه لكنهم عوضوا عن ذلك بنهب داره ومكتبته ، وقتل آخرين !
    ***
    وفي مقابل هذا الجوْر القاسي من الخلافة ، لم يسجِّل أحد من الرواة أن الشيعة أجبروا أحداً على أذانهم ومذهبهم ، ولا قتلوا أحداً من علماء السنة من أي مذهب ، طيلة دولة السلاطين البويهيين الشيعة ، ودولة الخليفة الناصر العباسي الشيعي ، ودولة السلاطين المغول الشيعة ، بل كان علماء المذاهب محترمين مقربين من الحكام الشيعة ، ومن علماء الشيعة . وبهذا صح قول ابن الصيفي رحمه الله : (وكل إناء بالذي فيه ينضحُ) 10 .
    **********************************************
    1. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
    2. a. b. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 63 ، الصفحة : 359 .
    3. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 423 .
    4. ونحوه في كتابه مسائل فقهية / 68 .
    5. شرح التجريد للقوشجي / 484 ، وكنز العرفان / 158 ، عن الطبري في المستنير ، والصراط المستقيم : 3 / 277 ، عن الطبري ، والغدير : 6 / 213 ، عن الطبري ، وجواهر الإخبار ، والآثار المستخرجة : 2 / 192 ، عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضدي ، ونفحات اللاهوت / 98. وعدَّ في شرح النهج : 3 / 363 تحريم عمر للمتعة من اجتهاده ، زواج المتعة : 3 / 8 ، للسيد جعفر مرتضى .
    6. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 22 و 23 ، الصفحة : 509 .
    7. ومثله الذهبي في تاريخه : 39 / 5 .
    8. معجم البلدان : 5 / 193 .
    9. ونحوه المواعظ للمقريزي / 1547 .
    10. كيف رد الشيعة غزو المغول ( دراسة لدور المرجعين نصير الدين طوسي و العلامة الحلي في رد الغزو المغولي ) ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز الثقافي للعلامة الحلي رحمه الله ، الطبعة الأولى ، سنة 1426 ، ص 232 ـ 250 .

    المصدر : مرکز الإشعاع الإسلامي

  • 1

     عدد الروايات : ( 21 )
    إبن كثير - البداية والنهاية - سنة إحدى عشرة من الهجرة - الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والأعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة
    - خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي - الجزء : ( 9 ) - رقم الصفحة : ( 464 )
    -.... والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب (ر) يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد ، عن الإمرة ويقول ‏:‏ إن في سيفه لرهقاً ، حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء ، وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فإنتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال :‏ أرياء قتلت أمراً مسلماًً ، ثم نزوت على إمرأته ، والله لأرجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن ألا إن رأي الصديق فيه كرأي عمر ، حتى دخل على أبي بكر فإعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك ، وودى مالك بن نويرة ، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد ، فقال خالد ‏:‏ هلم إلي يا إبن أم شملة ، فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه‏.‏
    الرابط :
    http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=714&idto=714&bk_no=59&ID=780
    الذهبي - سير أعلام النبلاء - الصحابة رضوان الله عليهم - خالد بن الوليد - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 378 )
    - إبن سعد : أنبأنا : محمد بن عمر ، حدثني : عتبة بن جبيرة ، عن عاصم بن عمر بن قتادة . قال : وحدثني : محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، وحدثنا : أسامة إبن زيد عن الزهري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي في حديث الردة : فأوقع بهم خالد ، وقتل مالكاً ، ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم ، لكونه بلغه عنهم مقالة سيئة ، شتموا النبي ، (ص) ، ومضى إلى اليمامة ، فقتل مسيلمة ، إلى أن قال : وقدم خالد المدينة بالسبي ومعه سبعة عشر من وفد بني حنيفة ، فدخل المسجد وعليه قباء عليه صدأ الحديد ، متقلداً السيف ، في عمامته أسهم . فمر بعمر ، فلم يكلمه ، ودخل على أبي بكر ، فرأى منه كل ما يحب ، وعلم عمر ، فأمسك ، وإنما وجد عمر عليه لقتله مالك بن نويرة ، وتزوج بامرأته ، جويرية بن أسماء : قال : كان خالد بن الوليد من أمد الناس بصرا ، فرأى راكباً وإذا هو قد قدم بموت الصديق وبعزل خالد ، قال أبن عون : ولي عمر ، فقال : لأنزعن خالداً حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه ، يعني بغير خالد ، وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : لما إستخلف عمر ، كتب إلى أبي عبيدة : إني قد إستعملتك ، وعزلت خالداً.
    الرابط :
    http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=92&idto=92&bk_no=60&ID=87
    الذهبي - تاريخ الإسلام - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 33 )
    - فروى سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر (ر) فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع لذلك ، ثم ودى مالكاً ورد السبي والمال.
    - وروي أن مالكاً كان فارساً شجاعاً مطاعاً في قومه وفيه خيلاء ، كان يقال له الجفول ، قدم على النبي (ص) وأسلم فولاه صدقة قومه ، ثم إرتد ، فلما نازله خالد قال : أنا آتي بالصلاة دون الزكاة ، فقال : أما علمت أن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون الأخرى ، فقال : قد كان صاحبك يقول ذلك ، قال خالد : وما تراه لك صاحباً والله لقد هممت أن أضرب عنقك ، ثم تحاورا طويلاً فصمم على قتله ، فكلمه أبو قتادة الأنصاري وإبن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : إضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته ، وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا على الإسلام ، فقال : إضرب عنقه ، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوج خالد بالمرأة ، فقال أبو زهير السعدي من أبيات :
    قضى خالد بغيا عليه لعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلكا
    إبن حجر - الإصابة - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 218 )
    - وكان سبب عزل عمر خالداً ما ذكره الزبير بن بكار ، قال : كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ، ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً ، وكان فيه تقدم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر ، أقدم على قتل مالك بن نويرة ، ونكح إمرأته فكره ذلك أبو بكر ، وعرض الدية على متمم بن نويرة ، وأمر خالداً بطلاق إمرأة مالك ، ولم ير أن يعزله ، وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد ، وكان أميراً عند أبي بكر بعثه إلى طليحة فهزم طليحة ، ومن معه ثم مضى إلى مسيلمة فقتل الله مسيلمة.
    إبن حجر - الإصابة - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 560 )
    - ذكر ذلك بن سعد عن الواقدي بسند له منقطع فقتله ضرار بن الأزور الأسدي صبراً بأمر خالد بن الوليد بعد فراغه من قتال الردة ثم خلفه خالد على زوجته فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر فأنشده مرثية أخيه وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي ، وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالداً أن يفارق لإمرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك وأما أبو بكر فعذره....
    - وقد ذكر قصته مطولة سيف بن عمر في كتاب الردة والفتوح ومن طريقه الطبري ، وفيها أن خالد بن الوليد لما أتى البطاح بث السرايا ، فأتى بمالك ونفر من قومه فإختلفت السرية فكان أبو قتادة ممن شهد أنهم أذنوا وأقاموا الصلاة وصلوا ، فحبسهم خالد في ليلة باردة ثم أمر منادياً فنادى أدفئوا أساركم وهي في لغة كناية عن القتل فقتلوهم وتزوج خالد بعد ذلك إمرأة مالك ، فقال عمر لأبي بكر : أن في سيف خالد رهقاً ، فقال أبو بكر : تأول فأخطأ ولا أشيم سيفاً سله الله على المشركين ، وودى مالكاً ، وكان خالد يقول : إنما أمر بقتل مالك لأنه كان إذا ذكر النبي (ص) قال : ما أخال صاحبكم إلاّ قال : كذا وكذا ، فقال له : أو ما تعده لك صاحباً.
    - وقال الزبير بن بكار في الموفقيات حدثني : محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن بن شهاب : أن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب أثفية لقدر فنضج ما فيه قبل أن يخلص الناس إلى شؤون رأسه ، ورثاه متمم أخوه بأشعار كثيرة ، وإسم إمرأة مالك أم تميم بنت المنهال ، وروى ثابت بن قاسم في الدلائل أن خالداً رأى إمرأة مالك وكانت فائقة في الجمال ، فقال مالك بعد ذلك لإمرأته قتلتني يعني سأقتل من أجلك ، وهذا قاله ظناً فوافق أنه قتل ولم يكن قتله من أجل المرأة ، كما ظن....
    إبن الأثير - أسد الغابة - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 295 )
    - ( مالك ) بن نويرة بن حمزة إبن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي أخو متمم بن نويرة قدم على النبي (ص) وأسلم وإستعمله رسول الله (ص) على بعض صدقات بني تميم ، فلما توفى النبي (ص) وإرتدت العرب وظهرت سجاح وإدعت النبوة صالحها إلاّ انه لم تظهر عنه ردة ، وأقام بالبطاح فلما فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به أحد كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الإجتماع فلما قدم خالد البطاح بث سراياه فأتى بمالك بن نويرة ونفر من قومه فإختلفت السرية فيهم وكان فيهم أبو قتادة وكان فيمن شهد انهم أذنوا وأقاموا وصلوا ، فحبسهم في ليلة باردة وأمر خالد فنادى أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فقتلوهم فسمع خالد الواعية فخرج وقد قتلوا فتزوج خالد إمرأته فقال عمر لأبي بكر سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه ، فقال أبو بكر : تأول فأخطأ ولا أشيم سيفا سله الله على المشركين ، وودى مالكا وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على إمرأته لأرجمنك ، وقيل إن المسلمين لما غشوا مالكاً وأصحابه ليلاً أخذوا السلاح ، فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم ضعوا السلاح وصلوا ، وكان خالد يعتذر في قتله أن مالكا قال ما أخال صاحبكم إلاّ قال كذا ، فقال : أوما تعده لك صاحباً فقتله ، فقدم متمم على أبي بكر يطلب بدم أخيه وأن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي ، وودى مالكا من بيت المال ، فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد إختلف في ردته وعمر يقول لخالد : قتلت إمرأ مسلماً ، وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلوا ، وأبو بكر يرد السبي ويعطي دية مالك من بيت المال فهذا جميعه يدل على أنه مسلم.
    إبن الأثير - الكامل في التاريخ - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 358 )
    - فأمر خالد مناديا فنادى أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلاّ الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً ، وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم ، فقال : إذا أراد الله أمرا أصابه ، وقد اختلف القوم فيهم ، فقال أبو قتادة : هذا عملك فزبره خالد فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر ، فغضب أبو بكر حتى كلمه عمر فيه فلم يرض إلاّ أن يرجع إليه فرجع إليه حتى قدم معه المدينة ، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك ، فقال عمر لأبي بكر : إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك ، فقال : هيه يا عمر ! تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد ، فإني لا أشيم سيفا سله الله على الكافرين ، وودي مالكا ، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ، ودخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد ، وقد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر فنزعها وحطمها ، وقال له : أرئاء قتلت إمرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته ! ، والله لأرجمنك بأحجارك ، وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ، ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر ، وإعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهته أيام الحرب ، فخرج خالد وعمر جالس فقال : هلم إلي يا إبن أم سلمة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه ، وقيل : إن المسلمين لما غشوا مالكاً وأصحابه ليلاً أخذوا السلاح ، فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، قالوا لهم : ضعوا السلاح فوضعوه ، ثم صلوا ، وكان يعتذر في قتله إنه قال : ما أخال صاحبكم إلاّ قال : كذا وكذا ، فقال له : أو ما تعده لك صاحباً ؟ ثم ضرب عنقه.
    إبن الأثير - النهاية في غريب الحديث - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 15 )
    - وفى حديث خالد : أن مالك بن نويرة قال لإمرأته يوم قتله خالد : أقتلتني ، أي عرضتني للقتل بوجوب الدفاع عنك والمحاماة عليك ، وكانت جميلة وتزوجها خالد بعد قتله.
    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 619 )
    14091 - عن إبن أبي عون وغيره : أن خالد بن الوليد أدعي أن مالك بن نويرة إرتد بكلام بلغه عنه ، فأنكر مالك ذلك ، وقال :‏ أنا على الإسلام ما غيرت ولابدلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد إمرأته ، فقال لأبي بكر ‏:‏ إنه قد زنى فإرجمه ، فقال أبوبكر :‏ ما كنت لأرجمه تأول فأخطأ ، قال :‏ فإنه قد قتل مسلماًً فإقتله ، قال :‏ ما كنت لأقتله تأول فأخطأ ، قال :‏ فإعزله ، قال :‏ ما كنت لأشيم ‏ ‏لأشيم‏ :‏ أي لأغمد ، والشيم من الأضداد يكون سلاً وإغمادا‏ً ، النهاية ‏(‏4/521‏)‏ ب‏ ، سيفاً سله الله عليهم أبداً.
    تاريخ أبي الفداء - رقم الصفحة : ( 18 من 87 )
    - وفي أيام أبي بكر منعت بنو يربرع الزكاة وكان كبيرهم مالك بن نويرة ، وكان ملكاًً فارساً مطاعاً شاعراًً قدم على النبي (ص) وأسلم فولاه صدقه قومه فلما منع الزكاة أرسل أبوبكر إلي : مالك المذكور خالد بن الوليد في معنى الزكاة ، فقال مالك ‏:‏ أنا أتي بالصلاة دون الزكاة‏ :‏ فقال خالد :‏ أما علمت أن الصلاة والزكاة معاًً لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك ‏:‏ قد كان صاحبكم يقول ذلك‏.‏
    قال خالد ‏:‏ أو ما تراه لك صاحبا والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجاولا في الكلام فقال له خالد ‏:‏ إِني قاتلك‏.‏
    فقال له : أو بذلك أمرك صاحبك قال :‏ وهذه بعد تلك وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالداًًً في أمره فكره كلامهما‏.‏
    فقال مالك ‏:‏ يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا‏.‏
    فقال خالد‏ :‏ لا أقالني الله إن أقلتك وتقدم إلي ضرار بن الأزور بضرب عنقه فإلتفت مالك إلي زوجته وقال لخالد‏ :‏ هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال ، فقال خالد ‏:‏ بل الله قتلك برجوعك ، عن الإسلام‏ ، فقال مالك‏ :‏ أنا على الإسلام فقال خالد‏ :‏ يا ضرار إضرب عنقه‏ ، فضرب عنقه وجعل رأسه أثفية.... وقال لإبن عمر ولأبي قتادة‏ :‏ إحضرا النكاح فأبيا ، وقال له إبن عمر : نكتب إلي أبي بكر ونعلمه بأمرها وتتزوج بها فأبى وتزوجها‏ ، وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي‏ :‏
    قضى خالد بغياً عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك
    فأمضى هواه خالد غير عاطف * عنان الهوى عنها ولا متمالك
    فأصبح ذا أهل وأصبح مالك * إلي غير أهل هالكاً في الهوالك
    ولما بلغ ذلك أبابكر وعمر قال عمر لأبي بكر ‏:‏ إن خالداًًً قد زنى فإرجمه ، قال :‏ ما كنت أرجمه فإنه تأول فأخطأ‏ ، قال :‏ فإنه قد قتل مسلماًً فإقتله ، قال :‏ ما كنت أقتله فإنه تأول فأخطأ‏ ، قال : فإعزله ، قال : ما كنت أغمد سيفاً سله الله عليهم.‏
    الطبري - تاريخ الطبري - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 502 )
    - فاختلفت السرية فيهم وفيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا ، فلما إختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ وجعلت تزداد برداً ، فأمر خالد منادياً فنادى أدفئوا أسراكم ، وكانت في لغة كنانة إذا قالوا دثروا الرجل فأدفئوه دفأه قتله ، وفى لغة غيرهم أدفه فاقتله فظن القوم وهى في لغتهم القتل أنه أراد القتل فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم ، فقال إذا أراد الله أمراً أصابه ، وقد إختلف القوم فيهم ، فقال أبو قتادة : هذا عملك فزبره خالد فغضب ، ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه عمر فيه فلم يرض إلاّ أن يرجع إليه ، فرجع إليه حتى قدم معه المدينة وتزوج خالد أم تميم إبنة المنهال وتركها لينقضى طهرها وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره ، وقال عمر لأبي بكر : إن في سيف خالد رهقاً فإن لم يكن هذا حقاً حق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك ، وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ولا وزعته ، فقال : هيه يا عمر تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد ، وودى مالكا ، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل فأخبره خبره فعذره وقبل منه وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب من ذلك....
    إبن ماكولا - إكمال الكمال - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 506 )
    - ومالك بن نويرة بن جمرة بن شداد إبن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم : قال الطبري : كان قد أسلم هو وأخوه متمم وبعثه النبي (ص) على صدقة بنى يربوع ، وهو الذي قتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته.
    الفضل بن شاذان الأزدي - الإيضاح - رقم الصفحة : ( 133 )
    - أورويتم أن خالداً حين قدم من غزاته تلك ، أقبل حتى وصل المدينة وقد غزر المشاقص على عمامته ، فقام إليه عمر وأخذ المشاقص من عمامته ، ثم أخذ بتلابيبه يقوده إلى أبي بكر وهو يقول : والله لو وليت من أمور المسلمين شيئاً لضربت عنقك ، ولقد تحقق عندي أنك قتلت مالك بن نويرة ظلماً له وطمعاً في إمرأته لجمالها ، فأبطل أبو بكر قول عمر وأجاز ذلك القتل والسبي وأجاز لخالد ما صنع.
    الزمخشري - الفايق في غريب الحديث - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 65 )
    - قتل خالد (ر) قال مالك بن نويرة لإمرأته يوم قتله خالد : أقتلتني أي عرضتني للقتل بوجوب الدفاع عنك ، والمحاماة عليك ، وكانت حسناء ، وقد تزوجها خالد بعد قتل زوجها ، فأنكر ذلك عليه ، وقيل فيه : أفي الحق أنا لم تجف دماؤنا وهذا عروساً باليمامة خالد....
    إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 179 )
    - لما قتل خالد مالك بن نويرة ونكح إمرأته ، كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري ، فركب فرسه ، والتحق بأبي بكر ، وحلف ألاّ يسير في جيش تحت لواء خالد أبداً ، فقص على أبى بكر القصة ، فقال أبو بكر : لقد فتنت الغنائم العرب ، وترك خالد ما أمرته ، فقال عمر : إن عليك أن تقيده بمالك ، فسكت أبو بكر ، وقدم خالد فدخل المسجد وعليه ثياب قد صدئت من الحديد ، وفي عمامته ثلاثة أسهم ، فلما رآه عمر قال : أرياء يا عدو الله ! عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ، ونكحت إمرأته ، أما والله إن أمكنني الله منك لأرجمنك ، ثم تناول الأسهم من عمامته فكسرها ، وخالد ساكت لا يرد عليه ، ظناً أن ذلك عن أمر أبى بكر ورأيه ، فلما دخل إلى أبى بكر وحدثه ، صدقه فيما حكاه وقبل عذره ، فكان عمر يحرض أبا بكر على خالد ويشير عليه أن يقتص منه بدم مالك ، فقال أبو بكر : إيها يا عمر ! ما هو بأول من أخطأ ، فارفع لسانك عنه ، ثم ودى مالكاً من بيت مال المسلمين.
    إين حبان - الثقات - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 169 )
    - ولما فرغ خالد بن الوليد من بيعة بنى عامر وبنى أسد قال : إن الخليفة قد عهد إلى أن أسير إلى أرض بنى غانم فسار حتى نزل بأرضهم وبث فيها السرايا فلم يلق بها جمعاً ، وأتى بمالك بن نويرة في رهط من بنى تميم وبنى خنظلة فأمر بهم فضربت أعناقهم وتزوج مكانه أم تميم إمرأة مالك بن نويرة ، فشهد أبو قتادة لمالك بن نويرة بالإسلام عند أبي بكر ثم رجع خالد يؤم المدينة فلما قدمها دخل المسجد وعليه درع معتجراً بعمامة وعليه قباء عليه صدأ الحديد قد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر بن الخطاب فلإنتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : أقتلت إمرأ مسلماً مالك بن نويرة ثم تزوجت إمرأته والله لنرجمنك بأحجارك وخالد بن الوليد لا يكلمه ولا يظن إلاّ أن رأى أبى بكر على مثل رأى عمر ، حتى دخل على أبى بكر فأخبره الخبر ، وإعتذر إليه أنه لم يعلم فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان منه في حربه تلك....
    اليعقوبي - تاريخ اليعقوبي - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 131 )
    - وكتب إلى خالد بن الوليد أن ينكفئ إلى مالك بن نويرة اليربوعي ، فسار إليهم ، وقيل إنه كان ندأهم ، فأتاه مالك بن نويرة يناظره ، وإتبعته إمرأته ، فلما رآها خالد أعجبته فقال : والله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك ، فنظر مالكاً ، فضرب عنقه ، وتزوج إمرأته ، فلحق أبو قتادة بأبي بكر ، فأخبره الخبر ، وحلف ألاّ يسير تحت لواء خالد لأنه قتل مالكاً مسلماً ، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر : ياخليفة رسول الله ! إن خالداً قتل رجلاً مسلماً ، وتزوج إمرأته من يومها ، فكتب أبو بكر إلى خالد ، فأشخصه ، فقال : ياخليفة رسول الله إني تأولت ، وأصبت ، وأخطأت....
    إبن خلكان - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 13 )
    - ( 294 ) كان مالك بن نويرة المذكور رجلاً سرياً نبيلاً يردف الملوك وللردافة موضعان أحدهما أن يردفه الملك على دابته في صيد أو غيره من مواضع الأنس والموضع الثاني أنبل وهو أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم فينظر بين الناس بعده وهو الذي يضرب به المثل فيقال : مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصداء وفتى ولا كمالك ، وكان فارساً شاعراً مطاعاً في قومه وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمة كبيرة وكان يقال له : الجفول وقدم على النبي (ص) فيمن قدم من العرب فأسلم فولاه النبي (ص) صدقة قومه ، ولما إرتدت العرب بعد موت النبي (ص) بمنع الزكاة كان مالك المذكور من جملتهم ، ولما خرج خالد بن الوليد (ر) لقتالهم في خلافة أبي بكر الصديق (ر) نزل على مالك وهو مقدم قومه بني يربوع ، وقد أخذ زكاتهم وتصرف فيها فكلمه خالد في معناها ، فقال مالك : إني آتي بالصلاة دون الزكاة ، فقال له خالد : أما علمت أن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون أخرى ، فقال مالك : قد كان صاحبك يقول ذلك قال خالد : وما تراه لك صاحباً ، والله لقد هممت أن أضرب عنقك ، ثم تجاولا في الكلام طويلاً ، فقال له خالد : إني قاتلك ، قال : أو بذلك أمرك صاحبك ، قال : وهذه بعد تلك والله لأقتلنك وكان عبد الله بن عمر (ر) وأبو قتادة الأنصاري (ر) حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره كلامهما ، فقال مالك : يا خالد إبعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا ، فقال خالد : لا أقالني الله إن أقلتك وتقدم إلى ضرار بن الأزور الأسدي بضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته أم متمم ، وقال لخالد : هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال ، فقال له خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال مالك : أنا على الإسلام ، فقال خالد : يا ضرار إضرب عنقه ، فضرب عنقه وجعل رأسه أثفية لقدر ، وكان من أكثر الناس شعراً كما تقدم ذكره ، فكانت القدر على رأسه حتى نضج الطعام وما خلصت النار إلى شواه من كثرة شعره ، قال إبن الكلبي في جمهرة النسب : قتل مالك يوم البطاح وجاء أخوه متمم فكان يرثيه ، وقبض خالد إمرأته فقيل إنه إشتراها من الفيء وتزوج بها ، وقيل إنها إعتدت بثلاث حيض ثم خطبها إلى نفسه....
    الكتبي - فوات الوفيات - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 242 )
    - ( 408 - مالك بن نويرة ) : مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد أبو المغوار اليربوعي أخو متمم كان يلقب بالجفول لكثرة شعره قتل في الردة ، قال صاحب الأغاني : كان أبو بكر (ر) لما جهز خالد بن الوليد لقتال أهل الردة قد أوصاهم أنهم إذا سمعوا الأذان في الحي وإقامة الصلاة نزلوا عليهم فإن أجابوا إلى أداة الزكاة وإلاّ الغارة فجاءت السرية حي مالك وكان في السرية أبو قتادة الأنصاري ، وكان ممن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا فقبض عليهم خالد وكانت ليلة باردة فأمر خالد منادياً ينادي أدفئوا أسراكم ، وكان لغة كنانة إذا قالوا أدفئوا الرجل يعنون إقتلوه فقتل ضرار بن الأزور مالكاً ، وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم ، فقال ضرار بن الأزور مالكاً وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم ، فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه فيه عمر فلم يرض إلاّ أن يرجع إلى خالد ويقيم معه فرجع إليه ، ولم يزل معه حتى قدم خالد المدينة وكان خالد قد تزوج بزوجة مالك ، فقال عمر : إن في سيف خالد رهقاً وحق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك ، وكان أبو بكر لا يقيد عماله ، فقال : يا عمر إن خالداً تأول فأخطأ فارفع لسانك عنه ، ثم كتب إلى خالد أن يقدم عليه فقدم وأخبره فقبل عذره ، وعنفه بالتزويج ، وقيل إن خالداً كان يهوى إمرأة مالك في الجاهلية ، وكان خالد يعتذر في قتله ، فيقول إنه قال لي وهو يراجعني ما إخال صاحبكم إلاّ قد كان يقول كذا وكذا ، فقال خالد أو ما تعده صاحبك ثم قدمه فضرب عنقه ، ومما يؤيد خالداً وأن مالكاً مات مرتداً أن متمماً لما أنشد عمر مراثيه في مالك قال له عمر : والله لوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيداً بمثل ما رثيت أخاك ، فقال متمم لو أن أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته فقال عمر (ر) ما عزاني أحد عن أخي بأحسن مما عزاني به متمم ، وقال الرياشي صلى متمم بن نويرة مع أبي بكر (ر) الصبح ثم أنشده :
    نعم القتيل إذا الرياح تناوحت * تحت الإزار قتلت يا بن الأزور
    إحمد بن أعثم الكوفي - كتاب الفتوح - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 19 )
    - قال : ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم ، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة ، قال : فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فإذا هون في حائط له ومعه إمرأته وجماعة من بني عمه ، قال : فلم يرع مالك إلاّ والخيل قد أحدقت به ، فأخذوه أسيراً وأخذوا إمرأته معه وكانت بها مسحة من جمال ، قال : وأخذوا كل من كان من بني عمه فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه ، قال : فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بدياً ، قال : فقال القوم : إنا مسلمون فعلى ماذا تأمر بقتلنا ؟ ، قال خالد : والله ! لأقتلنكم ، فقال له شيخ منهم : أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلى للقبلة ؟ ، فقال خالد بلى قد أمرنا بذلك ، ولكنكم لم تصلوا ساعة قط ، قال : فوثب أبو قتادة إلى خالد بن الوليد فقال : أشهد أنك لا سبيل لك عليهم ، قال خالد : وكيف ذلك ؟ ، قال : لأني كنت في السرية التي قد وافتهم فلما نظروا إلينا قالوا : من أين أنتم ؟ قلنا : نحن المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، ثم أذنا وصلينا فصلوا معنا ، فقال خالد : صدقت يا [ أبا ] قتادة إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولا بد من قتلهم ، قال : فرفع شيخ منهم صوته وتكلم فلم يلتفت خالد إليه وإلى مقالته ، فقدمهم فضرب أعناقهم عن آخرهم ، قال : وكان أبو قتادة قد عاهد الله أنه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهداً أبدا بعد ذلك اليوم ، قال : ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة ! ، فقال له خالد : لو كنت مسلماً لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها ، والله ! ما نلت ما في مثابتك حتى أقتلك ، قال : فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال : يا خالد ! بهذه قتلتني ؟ ، فقال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام وجفلك لإبل الصدقة وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم ، قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبراً ، فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم.
    السمعاني - أنساب الأشراف - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 86 )
    - ومالك بن نويرة هو الذي قتله خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق (ر) على الردة وتزوج إمرأته ، وعتب عليه عمر بن الخطاب (ر) في ذلك وإشتكاه إلى أبي بكر (ر) ، ومالك بعثه النبي (ص) على صدقة بني يربوع وكان قد أسلم هو وأخوه متمم.

  • 1

    تشرّف السيّد عليّ بن طاووس رحمه اللّه في السرداب الشريف سحرا يسمع دعاءه عليه السّلام
    المحدث النوري : رأيت كتابفي ملحقات كتاب أنيس العابدين و هو كتاب كبير في الأدعية و الأوراد ينقل عنه العلامة المجلسي في المجلد التاسع عشر من البحار و الآميرزا عبد الله تلميذه في الصحيفة الثالثة ما لفظه نُقِلَ عَنِ اِبْنِ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَحَراً فِي اَلسِّرْدَابِ عَنْ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ يَقُولُ:
    اَللَّهُمَّ إِنَّ شِيعَتَنَا خُلِقَتْ مِنْ شُعَاعِ أَنْوَارِنَا وَ بَقِيَّةِ طِينَتِنَا وَ قَدْ فَعَلُوا ذُنُوباً كَثِيرَةً اِتِّكَالاً عَلَى حُبِّنَا وَ وَلاَيَتِنَا فَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فَقَدْ رَضِينَا وَ مَا كَانَ مِنْهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَصْلِحْ بَيْنَهُمْ وَ قَاصَّ بِهَا عَنْ خُمُسِنَا وَ أَدْخِلْهُمُ اَلْجَنَّةَ وَ زَحْزِحْهُمْ عَنِ اَلنَّارِ وَ لاَ تَجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ أَعْدَائِنَا فِي سَخَطِكَ
    ملحقات مجلد 53 بحار الانوار مشتهر به الجنة المأویٰ فی ذکر من فاز بلقاء الحجة (علیه السلام) فی الغیبة الکبریٰ، تألیف محدث النوري، ص ۳۰۲، ط . دار إحیاء التراث العربی
    بحار الأنوار  ج۵۳ ص۳۰۲

  • 1

     روي: أنه مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي  بأبي حنيفة وهو في جمع كثير، يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه. فقال - لصاحب كان معه -: والله لا أبرح حتى أخجل أبا حنيفة.فقال صاحبه الذي كان معه: إن أبا حنيفة ممن قد علت حاله، وظهرت حجته.
    قال: صه! هل رأيت حجة ضال علت علي حجة مؤمن؟! ثم دنا منه فسلم عليه، فرد ورد القوم السلام بأجمعهم.
    فقال: يا أبا حنيفة أن أخا لي يقول: أن خير الناس بعد رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنا أقول أبو بكر خير الناس وبعده عمر. فما تقول أنت رحمك الله؟
    فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرما وفخرا، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره، فأي حجة تريد أوضح من هذا؟
    فقال له فضال: إني قد قلت ذلك لأخي فقال: والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما حق فيه، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى الله عليه وآله لقد أساءا وما أحسنا، إذ رجعا في هبتهما، ونسيا عهدهما. فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له: لم يكن له ولا لهما خاصة، ولكنهما نظرا في حق عايشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.
    فقال له فضال: قد قلت له ذلك فقال: أنت تعلم أن النبي مات عن تسع نساء، ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك، وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنته تمنع الميراث؟!
    فقال أبو حنيفة: يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث.
    *****************************
    احتجاج الطبرسي : ج 2 ص 149
    بحارالانوار : ج 10 ص 231

  • 1

    أعلنت الشرطة الأفغانية إن 3 انفجارات هزت مدرسة للبنين، اليوم الثلاثاء، في أحد أحياء طائفة الهزارة الشيعية بالعاصمة الأفغانية كابل، ما أسفر عن سقوط ضحايا.
    و صرحت وسائل إعلام أفغانية اليوم الثلاثاء بأن ستة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب العشرات إثر انفجار بمدرسة في الجزء الغربي من العاصمة الأفغانية كابول.
    وحسب الإعلام إن الانفجار وقع في منطقة مدرسة ممتاز في كابول، أيضًا في الجزء الغربي، وأفاد بأن عددا من الأشخاص أصيبوا بجروح في الانفجار.
    وأضاف المصادر: "بعد الانفجار الأول، كان هناك انفجار ثان في مدرسة رحيم شهيد في منطقة دشت برشي، حيث قُتل ستة أشخاص وأصيب العشرات".
    هذا وكان قد وقع انفجار في وقت سابق من هذا الشهر بمسجد "بل خشتي" والذي يعد أكبر مساجد العاصمة الأفغانية كابول أثناء وجود المصلين.
    المصدر : وكالات

  • 1

    كان بلال مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وآله يؤذّن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمّ عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.
    فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد اُسامة، أذّن بلال ثمّ أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه انّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصلّ بالناس، فإنّها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم.
    قال: فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو عليّاً يصلّي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: انّ رسول الله ثقل وقد أمرني أن اُصلّي بالناس، فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأنّى لك ذلك وأنت في جيش اُسامة، ولا والله ما أعلم أحد بعث إليك ولا أمرك بالصلاة، ثمّ نادى الناس بلالا فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذِن رسول الله في ذلك.
    ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فدقّه دقّاً شديداً، فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: ما هذا الدقّ العنيف؟! فانظروا ما هو، قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، فقال: ما وراؤك يا بلال؟ فقال: انّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله صلّى الله عليه وآله، وزعم انّ رسول الله أمره بذلك، فقال: أوليس أبا بكر مع اُسامة في الجيش؟ هذا والله هو الشرّ العظيم الذي طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك.
    ودخل الفضل وأدخل بلالا معه فقال: ما وراؤك يا بلال، فأخبر رسول الله الخبر، فقال: أقيموني أقيموني اخرجوني إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج صلّى الله عليه وآله معصوب الرأس، يتمادى بين عليّ والفضل بن العباس رضي الله عنهما ورجلاه يجرّان في الأرض حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله، وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال، فلمّا رأى الناس رسول الله صلّى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك.
    وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله فجذب أبا بكر من ورائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتّى قضى صلاته، ثمّ التفت فلم ير أبا بكر فقال: يا أيّها الناس لا تعجبوا من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي اُسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وانّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي المنبر.
    ارشاد القلوب للديلمي ج 2 ص 207

  • 1

     نص الشبهة:
    تدعي الشيعة أن سبب اختفاء إمامهم الثاني عشر هو خوف القتل . فيقال : ولماذا لم يُقتل من قبله من الأئمة ؟! وهم يعيشون في دولة الخلافة ، وهم كبار ، فكيف يُقتل وهو طفل صغير ؟!
    الجواب:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
    فإننا نجيب بما يلي :
    أولاً : هناك روايات تاريخية ، وغيرها تدلُّ على أن الأئمة « عليهم السلام » قد قتلوا إما بالسيف ، وإما بالسم . وتجد هذه الروايات في المصادر التي ذكرت نبذة عن حياة كل إمام منهم « عليهم السلام » ، فراجع .
    ثانياً : ورد في الروايات عنهم أنفسهم : أنه ما منهم إلا مقتول أو مسموم . أو نحو ذلك . وبعض هذه الروايات معتبرة ، مثل ما روي :
    1 ـ عن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن أبي الصلت الهروي ، عن الإمام الرضا « عليه السلام » في نفي قول من قال : إن الإمام الحسين « عليه السلام » لم يقتل ، ولكن شبِّه لهم ، قال « عليه السلام » :
    والله ، لقد قتل الحسين « عليه السلام » ، وقتل من كان خيراً من الحسين « عليه السلام » ، أمير المؤمنين ، والحسن بن علي « عليهما السلام » ، وما منا إلا مقتول ، وإني ـ والله ـ لمقتول بالسم الخ . . (1) .
    2 ـ محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهروي ، قال : سمعت الإمام الرضا « عليه السلام » يقول : « والله ، ما منا إلا مقتول شهيد » (2) .
    وليس في سند هذه الرواية إشكال .
    3 ـ روى محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله « عليه السلام » ، قال : سم رسول الله « صلى الله عليه وآله » يوم خيبر ، فتكلم اللحم ، فقال : يا رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، إني مسموم .
    قال : فقال النبي « صلى الله عليه وآله » عند موته : اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر ، وما من نبي ، ولا وصي إلا شهيد (3) .
    وكلام اللحم هنا قد أراده الله معجزة لرسول الله « صلى الله عليه وآله » تفيد في إقامة الحجة ، وتأكيد وترسيخ إيمان الناس . . حفظاً للدين ، وخدمة للرسالة ، ولم يكن يراد به مجرد حفظ شخص رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ومنعه من أكل السم .
    4 ـقال الصدوق « رحمه الله » : وفي حديث آخر : « . .وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي « صلى الله عليه وآله » قتلوا : منهم بالسيف ، وهو أمير المؤمنين ، والحسين « عليهما السلام » . والباقون قتلوا بالسم ، قتل كل واحد منهم طاغية زمانه ، وجرى ذلك عليهم على الحقيقة والصحة الخ . . » (4) .
    5 ـ روى الخزاز القمي : عن محمد بن وهبان البصري ، عن داود بن الهيثم ، عن إسحاق بن البهلول ، عن طلحة بن زيد ، عن الزبير بن باطا ، عن عمير بن هاني ، عن جنادة بن أميد : أن الإمام الحسن بن علي « عليه السلام » قال في مرضه الذي توفي فيه :
    « والله ، إنه لعهد عهده إلينا رسول الله « صلى الله عليه وآله » : أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي « عليه السلام » وفاطمة « عليها السلام » ، ما منا إلا مسموم ، أو مقتول الخ . . » (5) . أي أن الأئمة الاثنا عشر هم علي وولده « عليهم السلام » يموتون بالسم أو بالسيف .
    ملاحظة : لعل قوله : « اثنا عشر إماماً من ولد علي » قد جاء على سبيل التغليب ، بمعنى أن علياً « عليه السلام » هو الأب ، والبقية هم من ولده ، أو يكون هناك اختلال في التعبير ناشئ عن الناقلين والنساخ .
    6 ـ قال الطبرسي « رحمه الله » ، وكذلك الأربلي « رحمه الله » ، وهما يتحدَّثان عن الإمام العسكري « عليه السلام » : « ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه « عليه السلام » مضى مسموماً ، وكذلك أبوه وجده ، وجميع الأئمة « عليهم السلام » ، خرجوا من الدنيا بالشهادة » .
    واستدلَّ القائلون بذلك : بما روي عن الإمام الصادق « عليه السلام » : والله ، ما منا إلا مقتول أو شهيد (6) .
    7 ـ وروى الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي ، عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، عن الجوهري ، عن عتبة بن الضحاك ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، قال : خطب الإمام الحسن بن علي « عليه السلام » بعد قتل أبيه ، فقال في خطبته :
    « لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله « صلى الله عليه وآله » : « أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته ، ما منا إلا مقتول أو مسموم » (7) .
    يضاف إلى ما تقدم : وجود نصوص روائية ، وتاريخية ، تتحدَّث عن كل إمام ، وأنه قد مات بالسم أو القتل على يد طاغية زمانه ، مع وجود محاذير كبيرة ، وأخطار جسيمة تتهدد من يعلن نفسه إماماً ، لأن إظهاره سيثير الحكام ، لأنه ليس في مصلحتهم .
    وبعد هذا . . فلا يصح نفي حصول هذا الأمر ، أو استبعاده . .
    ثالثاً : إن حرص الطغاة والجبارين على قتل الإمام المهدي « عليه السلام » حتى وهو صغير أشد ، وطلبهم له آكد ، لأنهم يعلمون أنه سيكون سبب ذهاب ملكهم ، وبوار أمرهم ، فإن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد بشر الأمة بأنه « عليه السلام » يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، وسيحكم في الناس بحكم آل داود وذلك لا يتحقق إلا بزوال ملك الجبارين ، وقتل كل من يستحق القتل ، وعلى رأس هؤلاء الحكام الظالمون . .
    والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . (8) .
    ******************************************
    1. عيون أخبار الرضا ج 2 ص 203 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج 1 ص 220 وبحار الأنوار ج 49 ص 285 وج 27 ص 213 وج 44 ص 272 ومدينة المعاجز ج 7 ص 155 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج 1 ص 87 وج 2 ص 405 وتفسير نور الثقلين ج 1 ص 565 وتفسير كنز الدقائق ج 2 ص 660 .
    2. راجع : بحار الأنوار ج 99 ص 32 وج 27 ص 209 والأمالي للصدوق (ط سنة 1417 مؤسسة البعثة ـ قم) ص 120 وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 256 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج 1 ص 287 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 351 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج 2 ص 585 .
    3. بصائر الدرجات ص 523 و مختصر بصائر الدرجات (المكتبة الحيدرية) ص 15 و (ط أخرى) ص 98 .
    4. عيون أخبار الرضا (ط سنة 1404 هـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت) ج 2 ص 193 وبحار الأنوار ج 25 ص 118 .
    5. كفاية الأثر ص 226 و 227 والصراط المستقيم ج 2 ص 128 و (نشر المكتبة المرتضوية) ج 2 ص 132 والأنوار البهية (ط سنة 1417 هـ) ص 322 وبحار الأنوار ج 27 ص 364 وج 44 ص 139 ونهج السعادة ج 8 ص 238 .
    6. كشف الغمة (ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم) ج 2 ص 430 و (ط دار الأضواء) ج 3 ص 227 والأنوار البهية ص 322 وإعلام الورى (ط سنة 1390 هـ .) ص 367 و (ط مؤسسة آل البيت) ج 2 ص 131 وبحار الأنوار ج 50 ص 238 وراجع : الفصول المهمة لابن الصباغ ج 2 ص 1093 .
    7. بحار الأنوار ج 27 ص 217 وج 43 ص 346 وكفاية الأثر ص 162 ومستدرك سفينة البحار (ط سنة 1409 هـ مؤسسة البعثة ـ إيران) ج 1 ص 164 .
    8. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، السؤال رقم (157) .

  • 1

    اشترط المخالفون لصحة الحديث خمسة شروط وهي: عدالة الراوي (أي كونه ثقة)، ضبطه، اتصال السند، عدم كون الحديث شاذا ولا معلولا.

    أما عدالة الراوي، فإن القوم يقبلون روايات جميع الصحابة، مع أن الله تعالى شهد على بعضهم بالنفاق.
    وقد نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} في الوليد بن عقبة، وهو صحابي(1).

    قال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت في الوليد بن عقبة(2).

    فيا عجبا كيف أن الله يصف هذا الصحابي بالفاسق، والقوم يصفونه بالعادل، ووالله لا يترضى على الفاسق إلا فاسق مثله.

    عن ابن عباس قال: قال الوليدُ بنُ عقبةَ لعليٍّ: أنا أحدُّ مِنك سنانًا و أبسَطُ لسانًا وأملأُ للكَتيبةِ، فقال عليٌّ: اسكُت، فإنَّما أنت فاسِقٌ. فنزلَتْ {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا}(3).
    فها قد شهد أمير المؤمنين على هذا الصحابي بأنه فاسق، وعلي عليه السلام لا يخرج منه إلا حق.

    فعن أبي سعيد الخدري قال: كنا عندَ بيتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نفَرٍ من المهاجرينَ والأنصارِ فقال: 《ألَا أُخْبِرُكُمْ بخيارِكُم؟》. قالوا: بلَى. قال: 《خيارُكم الموفونَ المُطَيِّبُونَ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ الخفِيَّ التَقِيَّ》. قال: ومرَّ علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فقال: 《الحقُّ مع ذا، الحقِّ معَ ذَا》(4).

    وقال صلى الله عليه وآله: 《عليٌّ مع القرآنِ، والقرآنُ مع عَلِيٍّ، لن يتفرقَا حتى يرِدَا عَلَيَّ الحوْضَ》(5).
    والقرآن معصوم من الخطأ، فكذلك من كان معه لا يفارقه أبدا، وإلى هنا ثبت فسق الصحابي الوليد بن عقبة. والفاسق ليس عادلا، فكيف يروي عنه القوم؟

    أما شرط الضبط فنقول: من أين لكم أن تثبتوا لنا أن كل الصحابة كانوا ضابطين للحديث، وهم في هذا كغيرهم من الناس، يسمعون ويخطئون، يحفظون وينسون؟ وعلى هذا فالأصل أن كل أحاديث القوم ضعيفة، لعدم ثبوت الضبط لكل من رووا عنه من الصحابة. ومن أراد إثبات ضبطهم فعليه بالدليل.

    أما اتصال السند، فهذا غير حاصل ما دام أن عمر منع تدوين الحديث.

    عن السائب بن يزيد أنه سمِعَ عُمَرَ يقولُ لأبي هُرَيرةَ: لتَترُكَنَّ الحَديثَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو لأُلحِقَنَّكَ بأرضِ دَوسٍ. وقال لكَعبٍ: لتَترُكَنَّ الحَديثَ، أو لأُلحِقَنَّكَ بأرضِ القِرَدةِ(6).

    وقد استمر منع الحديث إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي تولى الحكم سنة 99 ه. وهذا معناه أنه لم يكن أحد من الأمة يروي حديث رسول الله خلال تلك الفترة. فكيف يدعي البخاري ومسلم وأصحاب السنن اتصال أسانيدهم إلى النبي؟ بينما أحاديثهم كلها منقطعة.
    فإن قلت: هناك من كان يحدث خفية. قلت: معناه أن هذا الراوي عصى أمر الخليفة عمر، وقد أمرنا الله بطاعة ولي الأمر، والعاصي لا يكون عادلا.

    أما بالنسبة لشروط الراوي الذي تقبل روايته فخمسة: الإسلام، العدالة، البلوغ، العقل، الضبط.

    أما الإسلام، فقد روى القوم عن كثير من الكفار.

    قال ابن تيمية: وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا، لا يبلغون بضعة عشر نفسا، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضا في كفره(7).
         
    والبخاري ومسلم يعتقدان بأن أغلب الصحابة في النار، وأنه لن ينجو منهم إلا مثل همل النعم.

    فقد أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله قال:《بَيْنا أنا قائِمٌ إذا زُمْرَةٌ، حتَّى إذا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فقالَ: هَلُمَّ، فَقُلتُ: أيْنَ؟ قالَ: إلى النَّارِ واللَّهِ، قُلتُ: وما شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ علَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى. ثُمَّ إذا زُمْرَةٌ، حتَّى إذا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فقالَ: هَلُمَّ، قُلتُ: أيْنَ؟ قالَ: إلى النَّارِ واللَّهِ، قُلتُ: ما شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ علَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى. فلا أُراهُ يَخْلُصُ منهمْ إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ》(8).

    فكيف يقبل القوم روايات البخاري ومسلم وهما كافران؟

    جاء في بهجة الفتاوى: ويجب إكفار الخوارج بإكفار عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة(9).

    وقال تقي الدين السبكي: احتج المكفرون للشيعة والخوارج: بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة، وهذا عندي احتجاج صحيح، فيمن ثبت عليه تكفير أولئك(10).

    وقد حكم البخاري على الخوارج بالكفر، وكذلك كفرهم ابن العربي وابن باز. مع ذلك روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حطان وهو خارجي، فكيف يروي عنه البخاري وهو كافر، ويشترط في الراوي أن يكون مسلما؟ وحتى لو لم نقل بكفر الخوارج، فالقدر المتيقن أنهم منافقون، لبغضهم عليا، ولا يبغض عليا إلا منافق، والمنافق لا يكون عادلا، وشرط صحة الحديث: كون الراوي عادلا.

    أما النواصب فقد قال ابن عثيمين : النواصب هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم(11).

    وقال ابن تيمية: والنواصب: الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل(12).
    وقال أيضا: ولم يكن كذلك علي، فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه(13).

    ومعلوم أن من يسب عليا عليه السلام ويقاتله فقد آذاه، ومن آذاه فهو ناصبي، فثبت أن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا نواصب، فكيف يقولون بعدالة النواصب؟!

    والناصبي منافق إن لم يكن كافرا، لأنه يبغض عليا رضي الله عنه، ولا يبغض عليا كرم الله وجهه إلا منافق، والمنافق لا يكون عادلا.

    هذا وقد شهد الله على المنافقين بأنهم كاذبون، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}(14).
    فكيف يروى القوم عن النواصب والمنافقين والكاذبين من الصحابة والتابعين؟؟؟!!!

    ثم إن كثيرا من الصحابة كان يسب عليا عليه السلام - كما قال ابن تيمية -، بالتالي فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن سبه فقد سب الله، ومن سب الله فقد كفر.

    قال صلى الله عليه وآله: 《مَن سبَّ عليًّا فقد سبَّني، ومَن سبَّني فقد سبَّ اللهَ》(15).

    فيا عجبا كيف أن هؤلاء يوثقون النواصب، ويضعفون العدول!

    قال ابن حبان: حريز بن عثمان، وكان يلعن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك: فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي بالقوس، وكان داعية إلى مذهبه(16).

    وعندهم أن الراوي المبتدع لا تقبل روايته إذا روى ما يؤيد بدعته، لكن إذا كان الراوي ناصبيا فروايته أصح الروايات!!!!

    قال الذهبي: حريز بن عثمان ثقة، وهو ناصبي(17).

    وحريز هذا روى له الستة، إلا مسلما.

    فكيف يروون عن الكفار والمنافقين والنواصب والكاذبين، ويردون رواية الشيعي الذي شهد له النبي صلى الله عليه وآله بالإيمان؟!

    قالَ عَليٌّ عليه السلام: والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّه لَعَهْدُ النبيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلَيَّ: 《أنْ لا يُحِبَّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ》(18).
    ومعلوم عند جميع الناس أن الشيعة يحبون عليا سلام الله عليه، فهم إذن مؤمنون.* *وجب الأخذ بروايتهم.

    قالَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ لعليٍّ عليه السلام:《أما إنّكَ ستلقَى بعدِي جُهداً》،قال:َ فِي سلامةٍ مِن ديني؟ قالَ: 《فِي سلامةٍ مِن دينكَ》(19).
    قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، وقال الشيخ ثامر جبار عباس القيسي: الحديث ليس على شرط الشيخين ولا أحدهما لأن فيه محمد بن فضيل وهو شيعي محترق، وقد روى ما يؤيد مذهبه(20).

    وهذا خالد بن مخلد القطواني أبو الهيثم الكوفي، قال عنه صالح جزرة: ثقة إلا أنه كان متهما بالتشيع(21).

    فالقوم يريدون من الراوي أن يبغض عليا ويسبه ويقاتله كي يقبلوا روايته!!!! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    وكيف نبغض عليا رضي الله عنه وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وآله بحبه ونصرته، حيث قال:《مَن كنتُ مولاه فهذا مولاه اللهمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وأحبَّ مَن أحبَّه وأبغِضْ مَن يبغضُه وانصرْ مَن نصرَه واخذلْ من خذلَه》(22).

    وقال أيضا: 《مَن أحبَّ عليًّا فقد أحبَّني ومَن أحَبَّني فقد أحبَّ اللهَ ومَن أبغَض عليًّا فقد أبغَضني ومَن أبغَضني فقد أبغَض اللهَ》(23).

    أما شرط البلوغ فنقول: هذا المسور بن مخرمة يروي قصة خطبة أمير المؤمنين لبنت أبي جهل، مع أن خطبته لها - كما يزعم القوم - كانت بعد زواج علي من السيدة الزهراء، وقد كان زواجهما في السنة 2 للهجرة، مع العلم بأن المسور بن مخرمة ولد في نفس هذه السنة، فلو فرضنا أن خطبة علي لبنت أبي جهل كانت في آخر سنة من حياة النبي (11ه) لكان عمر المسور حينها 9 سنوات على أكثر تقدير، ومعلوم أن الرجل إنما يكون بالغا إذا أكمل 15 سنة. فكيف يروي البخاري عمن لم يبلغ الحلم؟

    فالحمد لله على نعمة العقول، واتباع أهل بيت الرسول.

    بقلم: السيد الإدريسي الجزائري
    ------------------------------------------
    (1) مسند أحمد 179/14 قال حمزة أحمد الزين: إسناده صحيح.
    (2) الإستيعاب 632/3.
    (3) سير أعلام النبلاء 413/3 قال الذهبي: إسناده قوي.
    (4) مجمع الزوائد 237/7 قال الهيثمي: رجاله ثقات.
    (5) المستدرك على الصحيحين 134/3 قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وقال الذهبي: صحيح.
    (6) سير أعلام النبلاء 601/2 قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
    (7) الصارم المسلول ص420.
    (8) صحيح البخاري [6587].
    (9) بهجة الفتاوى مع النقول ص176.
    (10) فتاوى السبكي 569/2.
    (11) شرح العقيدة الواسطية 283/2.
    (12) مجموع الفتاوى 93/2.
    (13) منهاج السنة 137/7.
    (14) المنافقون 1.
    (15) الجامع الصغير للسيوطي  [8717] قال: صحيح.
    (16) كتاب المجروحين 268/1.
    (17) الكاشف ص319.
    (18) صحيح مسلم [78].
    (19) المستدرك على الصحيحين 140/3 قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين.
    (20) ما استدركه الحاكم من فضائل علي رضي الله عنه ص94.
    (21)) هدي الساري ص400.
    (22) مجمع الزوائد 108/9 قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة‏‏.
    (23) سلسلة الأحاديث الصحيحة 287/3 قال الألباني: سنده صحيح.

  • 1

    في رسالة بليغة من المحامية الكويتية نسرين العازمي إلى شيعة أهل البيت , من أستاذة في القانون، إعلامية , مذيعة ، كاتبة , صحفية ، باحثة في شؤون الأسرة و باحثة في شؤون المرأة , تقول :-
    لولاكم لنسينا النبي و أهل بيته .. هل تعلمون أنه لولا أفراحكم وتعليقكم الزينة على البيوت و المساجد و توزعون الطعام و الماء على الجياع و العطاشى لما عرفنا يوم مولد الرسول و أهل بيته ؟
    هل تعلمون أيها الشيعة أنكم عندما تحزنون و عندما تفرحون , فقط حينها نحن نتذكر الرسول و أهل بيته الكرام ؟
    و إلا لكنّا نسيناهم بين أغبرة الزمان... إعلموا أيها الشيعة , أنكم عندما تتألمون فنحن نتعلم وعندما تفرحون فنحن نتعلم و عندما تصرخون بأعلى أصواتكم اللهم صل على محمد و آل محمد فنحن نتعلم .
    نعم ؛ إستمروا أيها الشيعة إفعلوا ما تفعلون و لو لم يعجب أحد و لو لم يبق في الدنيا إلا آلامكم و نزف دماءكم فاصرخوا بالصلوات و ضجوا بها و هكذا سنتعلم.
    هدموا القبور و للقبور حرمات حرموا زيارة القبور لأنهم أرادونا أن ننسى , ثم إدَّعوا أنه حكم شرعي , أخبروني في أي كتاب تعتدون على الحرمات؟!
    الإنسان بطبيعته الضعيفة ينسى , لذلك تجدون في القرآن أن الله تعالى يأمر بالتذكير دائماً أفلا يتذكرون... إنما أنت مذكر.. و ذكر .
    و المفسدون يريدوننا أن ننسى , المفسدون هدموا القبور و ادعوا أن بناءها حرام ! عجباً !!! كيف؟؟؟ و لِمَ لم يهدموا قبور علماءهم ؟!
    و الأعجب منه أن علماءهم لم يهدموا تلك القبور في زمانهم !
    المفسدون لا يريدوننا نحن أن ننسى , بل يريدون أجيالنا أن تنسى , لذلك يقتلوننا لأننا حتى الآن لم ننسى و أجيالنا لن يجدوا أثراً ليُذكر !!
    إذا غضب الله على قوم أبادهم من بكرة أبيهم حتى القرى لن تجد لها أثرا كي يتم نسيانهم عبر الأجيال , و لولا القرآن لما عرفوا الإنسان ينسى..
    حرموا تذكر مولد الرسول و أهل بيته , حرموا تذكر وفاتهم , كي لا نسأل , ما السبب ؟ و كيف ؟ و أين ؟ و من قتل من ؟! كي ننسى
     هم يريدون أن يُمحى ذكر الإسلام و أهله و اليوم الوحيدون هم الشيعة و المحبون الذين يحملون تلك الذكرى في قلوبهم و ألسنتهم و أصواتهم و بين عيونهم .
    أيها الشيعة إستمروا في التذكير *و شكراً لكم* و شكراً لكل منصف و لكل أمين بالأمانة العلمية و العملية و الحمد لله رب العالمين .

  • 1

     نص الشبهة:
    نجد في نهج البلاغة رسالة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إلى معاوية، جاء فيها «إنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد...». وفي هذا دليل على أُمور:
    1. أنّ الإمام يُختار من قبل المهاجرين والأنصار.
    2. أنّ عليّاً (عليه السلام) بُويع بنفس الطريقة التي بُويع بها أبو بكر وعمر وعثمان.
    3. أنّ الشورى للمهاجرين والأنصار، وهذا يدلّ على فضلهم.
    4. أنّ قبول المهاجرين والأنصار ورضاهم ومبايعتهم لإمام لهم يكون من رضا الله.
    5. أنّ الشيعة يلعنون معاوية ولم نجد عليّاً (عليه السلام) يلعنه في رسالته.

    الجواب:
    إنّ القرآن الكريم يعلِّم المسلمين كيفية مخاطبة مخالفيهم باتّباع إحدى الأساليب التالية:
    1. إمّا بالبرهان والاستدلال العقلي.
    2. أو بالموعظة الحسنة.
    3. أو بالجدل، ومعناه إقامة الدليل على الخصم اعتماداً على ما يعتقده من مسلّمات ومعتقدات (1).
    وهنا نجد أنّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) ومن خلال كلامه في هذه الرسالة قد اعتمد الأُسلوب الثالث مع خصمه اللدود، وهو الأُسلوب الجدلي; حيث احتجّ على معاوية بنفس منطقه ومعتقده، فقال له: إنّ الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة ـ الذين تدّعي إيمانك بخلافتهم ـ هم أنفسهم الذين بايعوني، فلِمَ تقبل بيعة هؤلاء الناس للخلفاء الثلاثة وتمتنع عن قبول بيعتهم لي؟
    فهذا النوع من الخطاب الجدلي لا يدلّ على أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) يقبل منطق معاوية.
    وإذا أردنا أن نتوسّع قليلاً في هذا المطلب ونبيّن أصل الاختلاف فيه، نقول:
    إنّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) قد أمسك بزمام الخلافة بعدما بايعه المهاجرون والأنصار، وبعد إصرار كبير منهم، ولعلمه أنّ معاوية لم يكن رجلاً صالحاً يُؤتَمن على إمارة الشام، فقد قام (عليه السلام) بعزله عن الإمارة مباشرةً، على رغم ما اقترحه بعض المسلمين بإمهال معاوية حتّى يتمكّن الإمام (عليه السلام) من السيطرة على شؤون الدولة، وتستتب له الأُمور، ثم يعزله بعد ذلك، لكنّه (عليه السلام) رفض هذا الاقتراح وعزل معاوية ولم يدعه في منصبه يوماً واحداً.
    وهنا قام معاوية ـ طالب الدُّنيا ـ بالتمرّد على الإمام (عليه السلام) بدعوى المطالبة بدم عثمان، وحاول اتّهام الإمام (عليه السلام) بالمشاركة في قتله.
    هذه هي الظروف التي كتب فيها الإمام (عليه السلام) تلك الرسالة لمعاوية، لخّص له فيها سبب تمرّده وبيَّن له فيها أنّه على علم بما يدور في خَلده، وهو أنّ قيامك وتمرّدك يعود إلى أمرين:
    الأوّل: أنّك تدّعي أنّ خلافتي غير مشروعة، في حين أنّ خلافتي تتّصف بنفس مواصفات خلافة مَنْ سبقني من جهة الكمّ والكيف; فالأشخاص الذين بايعوني هم نفس الأشخاص الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة.
    الثاني: إن كنت تعتمد على اتّهامي بقتل عثمان فأنت تعلم أنّني بريءٌ من ذلك ولذلك كتب في ذيل رسالته: «لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ » (2).
    من هنا يتبيّن لنا أنّ الإمام علياً (عليه السلام) لم يكن في مقام بيان مسألة كلاميّة وعقائديّة، بل كان في مقام قطع الطريق أمام معاوية الذي تمرّد عليه، وفَضْح دعواه الزائفة عن طريق سلوك الأُسلوب الجدلي المنطقي.
    وكان هذا ديدنه (عليه السلام) مع كثيرين، فقد واجه طلحة والزبير وكذلك الخوارج بنفس ذلك الاُسلوب المنطقي تفادياً لوقوع الحروب وإراقة الدِّماء.
    والنتيجة: أنّ كلّ ما استخلصه السائل من نتائج خمسة، هو استنتاج واه وبلا أساس.
    وأمّا القول بعدم تعرّض عليّ (عليه السلام) إلى لعن معاوية في الرسالة، فلأجل أنّ الإمام يهدف في هذه الرسالة إلى احتواء معاوية وإعادته إلى جادّة الصواب، لا إلى مزيد من الإبعاد والنفرة، فلم يكن اللّعن منسجماً مع هدفه (عليه السلام).
    ثم لماذا يتغافل جامع الأسئلة عن مواقف الإمام (عليه السلام) مع معاوية المذكورة في نفس نهج البلاغة حيث يصفه بالغدر والفجر ومنها: مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ...؟! (3)(4) .
    *************************************
    1. قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
    2. نهج البلاغة: 3 / 7، الكتاب رقم 6.
    3. نهج البلاغة: 2 / 180، من كلامه له برقم 200.
    4. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.

    الشيخ جعفر السبجاني 

  • 1

    ما هو الدليل في الآية رقم 6 من سورة المائدة على مسح الرجلين علماً بأنَّ الحركات الإعرابية تدلُّ على الغسل؟

    الآية من سورة المائدة هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ﴾(1).

    وفي قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ قراءتان مشهورتان:

    القراءة الأولى: بفتح اللام في: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ قرأ بها نافع، وابن عامر، ويعقوب، والكسائي، وحفص، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم.

    والقراءة الثانية: بخفض اللام في: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ قرأ بها الباقون وفيهم ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وغيرهم .(2)

    وعلى كلا القراءتين يتعيَّن ظهورها في وجوب المسح على الرجلين وليس الغسل، أما بناءً على الخفض فواضح، إذ انَّ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ عُطفت على الإسم المجرور ﴿بِرُءُوسِكُمْ﴾ وحيث انَّ الرؤوس في الآية مأمورٌ بمسحها فكذلك المعطوف على الرؤوس وهي الأرجل، لأنَّ المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه، فيكون محصَّل الآية المباركة هو الأمر بمسح الرؤوس والأرجل.

    وأما بناءٍ على نصب الأرجل كما هو المرسوم في المصاحف الشريفة المتداولة فعلاً فكذلك تكون الآية ظاهرة في وجوب المسح على الأرجل، لأنَّ الأرجل معطوفة على محلِّ الرؤوس، إذ انَّ كلمة ﴿رُؤُوسَكُمْ﴾ وإنْ كانت مجرورة بسبب دخول حرف الجرِّ عليها ولكنَّها في محلِّ نصبٍ على المفعولية أي انَّها في محلِّ مفعولٍ به لفعل الأمر ﴿امْسَحُواْ﴾ وإنَّما تمَّ خفضها بسبب دخول حرف الجرِّ ﴿الباء﴾ عليها وإلا فهي في محل نصب، وحيث انَّ ﴿رُؤُوسَكُمْ﴾ مأمورٌ بمسحها فكذلك تكون ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ المعطوفة محلاًّ على رؤوسكم مأموراً بمسحها، لأنَّ المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه.

    والعطف على المحلِّ دون اللفظ في كلام العرب أكثر من ان يُحصى، فيقال مثلاً ﴿مررتُ بزيدٍ وخالداً﴾ فخالدٌ معطوف على زيد ولكنَّه نُصب على محلِّ المعطوف عليه وهو زيد، وذلك لأنَّ زيداً في المثال وإنْ كان مجروراً لفظا ولكنَّه منصوبٌ محلاًّ لأنَّه في محلِّ مفعولٍ به للفعل "مررت ".

    وكذلك قول الشاعر العربي:

    معاويُ إنَّنا بشرٌ فأسجحْ .. فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا

    فالحديد معطوف على الجبال ورغم ذلك تمَّ فتح آخره، لأنَّه عُطف على محلِّ كلمة الجبال، وحيث انَّ كلمة الجبال في محلِّ نصب لكونه خبر ليس -وإنما تمَّ خفضه بسبب دخول حرف الجرِّ عليه- لذلك صار المعطوف وهو كلمة الحديد منصوباً.

    ومن ذلك يتَّضح انِّ الآية دالةٌ على وجوب مسح الأرجل حتى بناءً على فتح اللام في كلمة ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ لأنَّ مفاد الآية هو امسحوا رؤوسكم وأرجلكم أي وامسحوا أرجلكم.

    وأما القائلون بدلالة الآية على وجوب غسل الأرجل فزعموا انَّ الأرجل معطوفةٌ على كلمة ﴿أَيْدِيَكُمْ﴾ وحيث انَّ الآية أمرت بغسل الأيدي فكذلك يكون المعطوف عليها وهي الأرجل.

    إلا انَّ هذه الدعوى غير تامة، لأنَّها تستلزم حمل القرآن على غير الفصيح من الكلام، إذ انَّ هذا الإعراب يستلزم فصل المعطوف عن المعطوف عليه بجملةٍ تامَّة وأجنبية وهي قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ وذلك مخالفٌ لمقتضى الفصاحة في الكلام الذي يتنزَّه عنه القرآن، إذ انَّ مقتضى الفصاحة هو عدم فصل المعطوف عن المعطوف عليه بل إنَّ مثل ذلك مستهجنٌ لاستلزامه الإيهام، لأنَّ مؤدى الآية بناءً على هذه الدعوى هو اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا رؤوسكم واغسلوا أرجلكم أيضا، وكان الأنسب لو كان الواجب هو غسل الأرجل أنْ تكون الآية: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم لا أنْ يتوسَّط الأمر بالمسح بين الأمر بغسل الأيدي وغسل الأرجل.

    وعلى خلاف ذلك البناء على انَّ الأرجل معطوفة على الرؤوس فإنَّه لا فصل بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمعطوف هو أرجلكم والمعطوف عليه هو رؤوسكم وكلٌّ منهما معمولٌ لفعل الأمر امسحوا.

    وهذا هو المستظهَر والمتبادر من الآية لكلِّ من نظر إليها متجرِّداً عن التعصُّب المذهبي، فإنَّ أحداً لا يفهم من مساق الآية سوى انَّ القرآن يأمر بغسل الوجوه والأيدي ومسح الرؤوس والأرجل، فهو قد بدأ بقوله: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ﴾ثم قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ﴾.

    على انَّ المسح على الرجلين في الوضوء هو الثابت عن رسول الله (ص) من طريق أهل البيت(ع)، فمن ذلك ما رواه الكُليني في الكافي بسندٍ صحيح عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (ع): ألَا تُخْبِرُنِي مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ وقُلْتَ إِنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ وبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) ونَزَلَ بِه الْكِتَابُ مِنَ اللَّه، لأَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَجْه كُلَّه يَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ ثُمَّ فَصَّلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَقَالَ: ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ: ﴿بِرُؤُوسِكُمْ﴾ أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ لِمَكَانِ الْبَاءِ ثُمَّ وَصَلَ الرِّجْلَيْنِ بِالرَّأْسِ كَمَا وَصَلَ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْه فَقَالَ: ﴿وأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ﴾ فَعَرَفْنَا حِينَ وَصَلَهَا بِالرَّأْسِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِهَا ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّه (ص) لِلنَّاسِ فَضَيَّعُوه"(3).

    ومنها: ما رواه الكليني أيضاً في الكافي بسندٍ صحيح حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) ألَا أَحْكِي لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّه (ص) فَقُلْنَا بَلَى فَدَعَا بِقَعْبٍ فِيه شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ وَضَعَه بَيْنَ يَدَيْه ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْه ثُمَّ غَمَسَ فِيه كَفَّه الْيُمْنَى ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إِذَا كَانَتِ الْكَفُّ طَاهِرَةً ثُمَّ غَرَفَ فَمَلأَهَا مَاءً فَوَضَعَهَا عَلَى جَبِينِه ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّه وسَدَلَه عَلَى أَطْرَافِ لِحْيَتِه ثُمَّ أَمَرَّ يَدَه عَلَى وَجْهِه وظَاهِرِ جَبِينِه مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَمَسَ يَدَه الْيُسْرَى فَغَرَفَ بِهَا مِلأَهَا ثُمَّ وَضَعَه عَلَى مِرْفَقِه الْيُمْنَى وأَمَرَّ كَفَّه عَلَى سَاعِدِه حَتَّى جَرَى الْمَاءُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِه ثُمَّ غَرَفَ بِيَمِينِه مِلأَهَا فَوَضَعَه عَلَى مِرْفَقِه الْيُسْرَى وأَمَرَّ كَفَّه عَلَى سَاعِدِه حَتَّى جَرَى الْمَاءُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِه، ومَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِه وظَهْرَ قَدَمَيْه بِبِلَّةِ يَسَارِه وبَقِيَّةِ بِلَّةِ يُمْنَاه"(4).

    ومنها: قَالَ: وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): إِنَّ اللَّه وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ فَقَدْ يُجْزِئُكَ مِنَ الْوُضُوءِ ثَلَاثُ غُرَفَاتٍ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْه واثْنَتَانِ لِلذِّرَاعَيْنِ وتَمْسَحُ بِبِلَّةِ يُمْنَاكَ نَاصِيَتَكَ ومَا بَقِيَ مِنْ بِلَّةِ يَمِينِكَ ظَهْرَ قَدَمِكَ الْيُمْنَى وتَمْسَحُ بِبِلَّةِ يَسَارِكَ ظَهْرَ قَدَمِكَ الْيُسْرَى قَالَ زُرَارَةُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): سَأَلَ رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّه ص فَحَكَى لَه مِثْلَ ذَلِكَ"(5).

    ومنها: ما رواه الكليني في الكافي أيضاً بسندٍ صحيح عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ وبُكَيْرٍ أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا جَعْفَرٍ (ع): عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّه (ص) فَدَعَا بِطَسْتٍ أَوْ تَوْرٍ فِيه مَاءٌ فَغَمَسَ يَدَه الْيُمْنَى فَغَرَفَ بِهَا غُرْفَةً فَصَبَّهَا عَلَى وَجْهِه فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَه ثُمَّ غَمَسَ كَفَّه الْيُسْرَى فَغَرَفَ بِهَا غُرْفَةً فَأَفْرَغَ عَلَى ذِرَاعِه الْيُمْنَى فَغَسَلَ بِهَا ذِرَاعَه مِنَ الْمِرْفَقِ إلى الْكَفِّ لَا يَرُدُّهَا إلى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ غَمَسَ كَفَّه الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى ذِرَاعِه الْيُسْرَى مِنَ الْمِرْفَقِ وصَنَعَ بِهَا مِثْلَ مَا صَنَعَ بِالْيُمْنَى، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَه وقَدَمَيْه بِبَلَلِ كَفِّه لَمْ يُحْدِثْ لَهُمَا مَاءً جَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: ولَا يُدْخِلُ أَصَابِعَه تَحْتَ الشِّرَاكِ قَالَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ﴾ فَلَيْسَ لَه أَنْ يَدَعَ شَيْئاً مِنْ وَجْهِه إِلَّا غَسَلَه وأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ، فَلَيْسَ لَه أَنْ يَدَعَ شَيْئاً مِنْ يَدَيْه إلى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا غَسَلَه لأَنَّ اللَّه يَقُولُ: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرافِقِ﴾ ثُمَّ قَالَ: ﴿وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ﴾ فَإِذَا مَسَحَ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْسِه أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ قَدَمَيْه مَا بَيْنَ الْكَعْبَيْنِ إلى أَطْرَافِ الأَصَابِعِ فَقَدْ أَجْزَأَه.."(6).

    والروايات في ذلك من طرق أهل البيت (ع) كثيرة جداً.
    الهوامش:
    1- سورة المائدة الآية/6.
    2-مجمع البيان للطبرسي ج3/281. | الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6/91. | تفسير السمعاني ج2/16.
    3-الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 30.
    4-الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 25.
    5-الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 25.
    6-الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 26.

    المصدر:مركز الهدى للدراسات الإسامية

  • 1

    اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما، فذهب الأئمة الأربعة إلى أنّ الواجب هو الغسل وحده، وقالت الشيعة الامامية انّه المسح، وقال داود بن علي والناصر للحق من الزيدية يجب الجمع بينهما وهو صريح الطبري في تفسيره: ونقل عن الحسن البصري انّه مخيّر بينهما 1.
    وممّا يثير العجب اختلاف المسلمين في هذه المسالة، مع أنّهم رأوا وضوء رسول اللّه كلّ يوم وليلة في موطنه ومهجره، وفي حضره وسفره ومع ذلك اختلفوا في أشدّ المسائل ابتلاءً وهذا يعرب عن أنّ الاجتهاد لعب في هذه المسألة دوراً عظيماً، فجعل أوضح المسائل أبهمها.
    إنّ الذكر الحكيم تكفّل لبيان المسألة وما أبقى فيها ابهاماً واعضالا، وكان الحاضرون في عصر النزول فهموا من الآية معنىً واحداً. إمّا المسح أو الغسل، ولم يتردّدوا في حكم الرجلين أبداً. ولو خفي حكم هذه المسألة بعد رحلة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على الأجيال الآتية فلا غرو في أن يخفى على المسلمين حكم أكثر المسائل.

    وليس فيها شيء أوثق من كتاب اللّه فعلينا دراسة ما جاء فيه، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... 2 وقد اختلف القرّاء في قراءة ﴿... وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... 2 فمنهم من قرأ بالخفض، ومنهم من قرأ بالكسر. ومن البعيد أن تكون كلّ من القراءتين موصولة إلى النبيّ، فإنّ تجويزهما يضفي على الآية ابهاماً واعضالا، ويجعل الآية لغزاً، والقرآن كتاب الهداية والارشاد، وتلك الغاية تطلب لنفسها الوضوح وجلاء البيان، خصوصاً فيما يتعلّق بالأعمال والأحكام التي يبتلى بها عامّة المسلمين، ولا تقاس بالمعارف والعقائد الّتي يختصّ الامعان فيها بالأمثل فالأمثل. وعلى كل تقدير فممّن حقّق مفاد الآية وبيّنها الامام الرازي في تفسيره، ننقل كلامه بتلخيص:

    قال: حجّة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله ﴿... وَأَرْجُلَكُمْ... 2 وهما:

    الأوّل: قرأ ابن كثير و حمزة وأبو عمرو وعاصم ـ في رواية أبوبكر عنه ـ بالجرّ.
    الثاني: قرأ نافع وابن عامر وعاصم ـ في رواية حفص عنه ـ بالنصب.

    أمّا القراءة بالجرّ فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس، فكذلك في الأرجل.
    فإن قيل لم لا يجوز أن يكون الجرّ على الجوار؟ كما في قوله: «جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب» وقوله: «كَبيرُ اُناس في بِجاد مَزَمِّل».

    قيل: هذا باطل من وجوه:

     1.  إنّ الكسر على الجوار معدود من اللحن الّذي قد يتحمّل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام اللّه يجب تنزيهه عنه.
     2. إنّ الكسر على الجوار انّما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: «جُحرُضَبٍّ خَرِب» فإنّ «الخَرِب» لا يكون نعتاً للضبّ بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.
     3. إنّ الكسر بالجوار انّما يكون بدون حرف العطف وأمّا مع حرف العطف فلم تتكلّم به العرب.

    وأمّا القراءة بالنصب فهي أيضاً توجب المسح، وذلك لأنّ «برؤوسكم» في قوله ﴿... وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ... 2 في محل النصب 3 بامسحوا لأنّه المفعول به ولكنّها مجرورة لفظاً بالباء فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس، وجاز الجر عطفاً على الظاهر.

    ونزيد بياناً انّه على قراءة النصب يتعيّن العطف على محل ﴿... بِرُءُوسِكُمْ... 2 ولا يجوز العطف على ظاهر ﴿... وَأَيْدِيَكُمْ... 2 لاستلزامه الفصل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية وهو غير جائز في المفرد، فضلا عن الجملة، هذا هو الّذي يعرفه المتدبّر في الذكر الحكيم، ولا يسوغ لمسلم أن يعدل عن القرآن إلى غيره فإذا كان هو المهيمن على جميع الكتب السماوية فأولى أن يكون مهيمناً على ما في أيدي الناس من الحقّ والباطل والمأثورات التي الحديث فيها ذو شجون4 مع كونها متضاربة في المقام، فلو ورد فيها الأمر بالغسل، فقد جاء فيها الأمر بالمسح. رواه الطبري عن الصحابة والتابعين نشير إليه على وجه الاجمال:

        1. ابن عباس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
        2. كان أنس إذا مسح قدميه بلّهما. ولمّا خطب الحجّاج وقال: ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه في قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقبيهما، قال أنس: صدق اللّه وكذب الحجّاج، قال اللّه (واسمحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)) وكان أنس إذامسح قدميه بلّهما.
        3. عكرمة، قال: ليس على الرجلين غسل وانّما نزل فيهما المسح.
        4. الشعبي قال: نزل جبرائيل بالمسح وقال: ألاترى انّ التيمّم أن يمسح ما كان غسلا ويلغى ما كان مسحاً.
        5. عامر: اُمر أن يمسح في التيمّم ما اُمر أن يغسل بالوضوء واُبطل ما اُمر أن يمسح في الوضوء : الرأس والرجلان. وقيل له: إنّ اُناسا يقولون: إنّ جبرائيل نزل بغسل الرجلين فقال: نزل جبرائيل بالمسح.
        6. قتادة: في تفسير الآية: افترض اللّه غسلتين ومسحتين.
        7. الأعمش: قرأ «وأرجلكم» مخفوضة اللام.
        8. علقمة: قرأ «أرجلكم» مخفوضة اللام.
        9. الضحاك: قرأ «وأرجلكم» بالكسر.
        10. مجاهد: مثل ما تقدّم 5.

    وهؤلاء من أعلام التابعين وفيهم الصحابيان: ابن عباس وأنس وقد أصفقوا على المسح وقراءة الجر الصريح في تقديم المسح على الغسل، وجمهور أهل السنّة يحتجّون بأقوالهم في مجالات مختلفة، ولماذا، أعرض عنهم الأئمّة الأربعة؟
    أنا لا أدري.
    إنّ القول بالمسح هو المنصوص عن أئمّة أهل البيت وهم يُسندون المسح إلى النبي الأكرم ويحكون وضوءه به قال أبوجعفر الباقر ـ عليه السلام ـ : ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه؟ ثمّ أخذ كفّاً من الماء فصبّها على وجهه... إلى أن قال: ثمّ مسح رأسه وقدميه. وفي رواية اُخرى ثمّ مسح ببقيّة مابقى في يديه، رأسه ورجليه ولم يعدهما في الاناء 6.
    وفي ضوء هذه الروايات والمأثورات اتّفقت الشيعة الامامية على أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان وقال السيّد بحر العلوم في منظومته الموسومة بالدرة النجفيّة:

    انّ الوضوء غسلتان عندنا *** ومسحتان والكتاب معنا
    فالغسل للوجه ولليدين *** والمسح للرأس وللرجلين

    وبعد وضوح دلالة الآية، واجماع أئمّة أهل البيت على المسح، لا يبقى مجال للاستدلال على الغسل، وإليك ما ذكروا من وجوه باطلة.

    1- انّ الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه ويكون غسل الأرجل يقوم مقام مسحها 7.
    يلاحظ عليه: أنّ أخبار الغسل معارضة بأخبار المسح، وليس شيء أوثق من كتاب اللّه فلو دلّ على لزوم المسح، لا يبقى مجال لترجيحه على روايات الغسل، والقرآن هو المهيمن على الكتب والمأثورات، والمعارض منها للكتاب لا يقام لها وزن.
    وأعجب من ذلك قوله: إنّ الغسل مشتمل على المسح، مع أنّهما حقيقتان مختلفتان، فالغسل إمرار الماء على المغسول، والمسح إمرار اليد على الممسوح 8.
    وهما حقيقتان مختلفتان لغة وعرفاً وشرعاً ولو حاول الاحتياط لوجب الجمع بين المسح والغسل، لا الاكتفاء بالغسل.
    2- ما روي عن علي أنّه كان يقضي بين الناس فقال «وأرجلكم» هذا من المقدّم والمؤخّر في الكلام فكأنّه سبحانه قال: «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق واغسلوا أرجلكم وامسحوا برؤوسكم».
    يلاحظ عليه: أنّ أئمّة أهل البيت كالباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ أدرى بما في البيت وهم اتّفقوا على المسح وهل يمكن الاتّفاق على المسح، مع اعتقاد كبيرهم بالغسل. وما روي موضوع عن لسان الامام ليثيروا الشك بين أتباعه وشيعته. ولا نعلّق على احتمال التقديم والتأخير شيئاً، سوى أنّه يجعل معنى الآية شيئاً مبهماً في المورد الّذي يطلب فيه الوضوح، إذ هي المرجع للقروي والبدوي، وللحاضر عصر النزول، والغائب عنه، فيجب أن يكون على نسق ينتقل منه إلى المراد، ثمّ إنّه أىّ ضرورة اقتضت هذا التقديم والتأخير، مع أنّه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير؟ ولو كان الدافع إلى التأخير هو بيان الترتيب، وانّ غسل الأرجل بعد مسح الرأس، فكان من الممكن أن يُذكر فعله ويقال «فامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين». كل ذلك يعرب عن أنّ هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النص وما عليه أئمة أهل البيت من الاتّفاق على المسح.
    3- ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال: تخلّف عنّا رسول اللّه في سفره، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، وجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار» ـ مرتين أو ثلاث ـ 9.
    يلاحظ عليه: أنّ هذه الرواية على تعيّن المسح أدلّ من دلالته على غسل الرجلين فإنّها صريحة في أنّ الصحابة كانوا يمسحون، وهذا دليل على أنّ المعروف عندهم هو المسح. وما ذكره البخاري من أنّ الانكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل، اجتهاد منه، وهو حجّة عليه لا على غيره، فكيف يمكن أن يخفى على ابن عمر حكم الرجلين حتّى يمسح رجليه عدّة سنين إلى أن ينكر عليه النبىّ المسح؟! على أنّ للرواية معنى آخر تؤيّده بعض المأثورات، فقد روي أنّ قوماً من أجلاف العرب، كانوا يبولون وهم قيام فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة، وكان ذلك سبباً لذلك الوعيد 10 ويؤيّد ذلك ما يوصف به بعض الأعراب بقولهم: بوّال على عقبيه، وعلى فرض كون المراد ما ذكره البخاري، فلا تقاوم الرواية نص الكتاب.
    4- روى ابن ماجة القزويني عن أبي إسحاق عن أبي حية، قال: رأيت عليّاً توضّأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثمّ قال: أردت أن اُريكم طهور نبيّكم 11.
    يلاحظ عليه: أنّ أباحية مجهول لا يعرف، ونقله عنه أبوإسحاق الّذي شاخ ونسى واختلط وترك الناس روايته12 أضف إليه انّه يعارض ما رواه عنه أهل بيته، وأئمّة أهل بيته، خصوصاً من لازمه في حياته وهو ابن عباس كما مرّ.
    5- قال صاحب المنار: وأقوى الحجج اللفظية على الامامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين وهذا لا يحصل إلاّ باستيعابهما بالماء، لأنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل.
    يلاحظ عليه: أنّا نفترض أنّ المراد من الكعبين هو ما ذكره، لكن نسأله: لماذا لا تحصل تلك الغاية إلاّ باستيعابهما بالماء؟ مع أنّه يمكن تحصيل تلك الغاية بمسحهما بالنداوة المتبقية في اليد، والاختبار سهل، فها نحن من الذين يمسحون الأرجل إلى العظمين الناتئين بنداوة اليد ولا نرى في العمل اعضالا وعسراً.
    6- الامامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم، ويقولون هو الكعب، ففي الرجل كعب واحد على رأيهم، فلو صحّ هذا لقال إلى الكعاب كما قال في اليدين إلى المرافق13.
    يلاحظ عليه: إنّ المشهور بين الامامية هو تفسير الكعب بقبّة القدم الّتي هي معقد الشراك، وهناك من يذهب إلى أنّ المراد هو المفصل بين الساق والقدم وذهب قليل منهم إلى أنّ المراد هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل وعلى كل تقدير، يصح اطلاق الكعبين، وإن كان حدّ المسح هو معقد الشراك أو المفصل، فيكون المعنى «فامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين منكم» إذ لا شك أن كلّ مكلّف يملك كعبين في رجليه.
    أضف إلى ذلك انّه لو صحّ التفسير بما ذكره يجب أن يوسع الممسوح ويحدّد بالعظمين الناتئين لا أن يبدّل المسح بالغسل، وكأنّه تخيّل أن المسح بالنداوة المتبقّية في اليد لا يتحقّق إليهما وتجفّ اليد قبل الوصول إليهما.
    ولعمري انّ هذه اجتهادات واهية، وتخرّصات لاقيمة لها في مقابل الذكر الحكيم.
    7 - آخر ما عند صاحب المنار في توجيه غسل الأرجل هو التمسّك بالمصالح، حيث قال: لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبلّلة بالماء حكمة، بل هو خلاف حكمة الوضوء، لأنّ طروء الرطوبة القليلة على العضو الّذي عليه غبار أو وسخ، يزيده وساخة، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة.
    يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره استحسان لا يُعرَّج عليه مع وجود النص، فلا شك انّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها، فأي مصلحة في المسح على الرأس ولو بمقدار اصبع أو اصبعين حتّى قال الشافعي: إذا مسح الرجل باصبع واحدة أو بعض اصبع أو باطن كفه، أو أمر من يمسح له أجزأه ذلك، وهناك كلمة قيّمة للامام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها، فقال: نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كل ما كلّفهم به من أحكامه الشرعية، فلم يأمرهم إلاّ بما فيه مصلحتهم، ولم ينههم إلاّ عمّا فيه مفسدة لهم، لكنّه مع ذلك لم يجعل شيئاً من مدارك تلك الأحكام منوطاً من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد، بل تعبّدهم بأدلّة قويّة عيّنها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة عنها إلى ما سواها. وأوّل تلك الأدلّة الحكيمة كتاب اللّه عزّوجلّ، وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء، فلا مندوحة عن البخوع لحكمه، أمّا نقاء الأرجل من الدنس فلابدّ من احرازه قبل المسح عليها عملا بأدلّة خاصّة دلّت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه14 ولعلّ غسل رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رجليه ـ المدعى في أخبار الغسل ـ انّما كان من هذا الباب ولعلّه كان من باب التبرّد، أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء واللّه أعلم15 16.
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------
        1. الطبري: التفسير 6 / 86 ومفاتيح الغيب 11 / 162 والمنار 6 / 228.
        2. a. b. c. d. e. f. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.
        3. يقال ليس هذا بعالم ولا عاملا. قال الشاعر:
        معاوي انّنا بشر فاسجح *** فلسنا بالجبال ولا الحديدا
        لاحظ: المغني لابن هشام: الباب الرابع.
        4. لاحظ الجزء الأوّل من هذه الموسوعة: فصل «علل تكوّن المذاهب وأسبابه».
        5. الطبري: التفسير 6 / 82 ـ 83.
        6. الحرّ العاملي: الوسائل 1، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 9 و 10.
        7. الرازي: مفاتيح الغيب 11 / 162.
        8. قال سبحانه حاكياً عن سليمان: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ أي مسح بيده على سوق الصافنات الجياد وأعناقها.
        9. صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم ص 18 باب من رفع صوته، الحديث 1.
        10. مجمع البيان 2 / 167.
        11. سنن ابن ماجة 1 / 170 باب ما جاء في غسل القدمين الحديث الأوّل.
        12. لاحظ التعليقة لسنن ابن ماجة 170 وميزان الاعتدال للذهبي 4 / 519، برقم 10138 و ص 489 باب «أبو إسحاق».
        13. المنار 6 / 234.
        14. ولذاترى حفاة الشيعة والعمال منهم كأهل الحرث وأمثالهم وسائر من لا يبالون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة المشروطة بالطهارة، إذا أرادوا الوضوء غسلوا أرجلهم ثمّ توضّأوا فمسحوا عليها نقيّة جافّة.
        15. مسائل فقهيه 82.
        16. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.

  • 1

    ومع استفاضه تلک الأحادیث ووضوحها إلا أن علماء أهل السنه تحیَّروا فی معرفه هؤلاء الخلفاء، ولم یهتدوا فی هذه المسأله إلى شیء صحیح، فجاءت أقوالهم ـ على کثرتها ـ واهیه رکیکه ضعیفه کما سیتضح قریباً إن شاء الله تعالى.
    طرق حدیث الخلفاء الاثنی عشر:
    ۱ـ أخرج البخاری وأحمد والبیهقی وغیرهم عن جابر بن سمره، قال: سمعت النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: یکون اثنا عشر أمیراً، فقال کلمه لم أسمعها، فقال أبی: إنه قال: کلهم من قریش(۱).
    قال البغوی: هذا حدیث متّفق على صحّته(۲).
    ۲ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمره قال: دخلت مع أبی على النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، فسمعته یقول: إن هذا الأمر لا ینقضی حتى یمضی فیهم اثنا عشر خلیفه. قال: ثم تکلم بکلام خفی علیَّ. قال: فقلت لأبی: ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۳).
    ۳ ـ وأخرج مسلم أیضاً ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمره، قال: سمعت النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال أمر الناس ماضیاً ما ولیهم اثنا عشر رجلاً. ثم تکلم النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) بکلمه خفیت علیَّ، فسألت أبی: ماذا قال رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم)؟ فقال: کلهم من قریش(۴).
    ۴ ـ وأخرج مسلم أیضاً وأحمد والطیالسی وابن حبان والخطیب التبریزی وغیرهم عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال الإسلام عزیزاً إلى اثنی عشر خلیفه. ثم قال کلمه لم أفهمها، فقلت لأبی: ما قال؟ فقال: کلهم من قریش(۵).
    ۵ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمره، قال: انطلقت إلى رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ومعی أبی، فسمعته یقول: لا یزال هذا الدین عزیزاً منیعاً إلى اثنی عشر خلیفه. فقال کلمه صَمَّنیها الناس، فقلت لأبی: ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۶).
    ۶ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یوم جمعه عشیه رجم الأسلمی یقول: لا یزال الدین قائماً حتى تقوم الساعه، أو یکون علیکم اثنا عشر خلیفه، کلهم من قریش…(۷).
    ۷ ـ وأخرج الترمذی وأحمد عن جابر بن سمره، قال: قال رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم): یکون من بعدی اثنا عشر أمیراً. ثم تکلم بشیء لم أفهمه، فسألت الذی یلینی، فقال: قال: کلهم من قریش(۸).
    ۸ ـ وأخرج أبو داود حدیث الخلفاء الاثنی عشر بثلاثه طرق صحیحه(۹).
    قال فی أحدها: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال هذا الدین قائماً حتى یکون علیکم اثنا عشر خلیفه، کلهم تجتمع علیه الأمه. فسمعت کلاماً من النبی لم أفهمه، قلت لأبی: ما یقول؟ قال: کلهم من قریش(۱۰).
    وقال فی آخر: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال هذا الدین عزیزاً إلى اثنی عشر خلیفه. قال: فکبَّر الناس وضجّوا، ثم قال کلمه خفیه. قلت لأبی: یا أبه، ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۱۱).
    ۵ ـ وأخرج أحمد ـ واللفظ لغیره ـ، والحاکم فی المستدرک، والهیثمی فی مجمع الزوائد عن الطبرانی فی الأوسط والکبیر والبزَّار، أن النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) قال: لا یزال أمر أمتی صالحاً حتى یمضی اثنا عشر خلیفه. وخفض بها صوته، فقلت لعمی وکان أمامی: ما قال یا عم؟ قال: کلهم من قریش(۱۲).
    ۶ ـ وأخرج أحمد فی المسند، والهیثمی فی مجمع الزوائد، وابن حجر فی المطالب العالیه، والبوصیری فی مختصر الإتحاف، عن مسروق، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: هل حدَّثکم نبیَّکم کم یکون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم، وما سألنی عنها أحد قبلک وإنک لمن أحدث القوم سنًّا.
    قال: یکونون عدّه نقباء موسى، اثنی عشر نقیباً(۱۳).
    ۷ ـ وأخرج أحمد وأبو نعیم والبغوی عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: یکون بعدی اثنا عشر خلیفه کلهم من قریش…(۱۴).
    ۸ ـ وأخرج أحمد بن حنبل فی المسند ـ واللفظ له ـ، والحاکم النیسابوری فی المستدرک عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول فی حجّه الوداع: لا یزال هذا الدین ظاهراً على من ناواه، لا یضرّه مخالف ولا مفارق، حتى یمضی من أمتی اثنا عشر أمیراً، کلهم. ثم خفی من قول رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، قال: یقول: کلهم من قریش(۱۵).
    إلى غیر ذلک مما لا یحصى کثره(۱۶).
    مَن هم الخلفاء الاثنا عشر؟
    لقد حاول علماء أهل السنه کشف المراد بالخلفاء الاثنی عشر فی الأحادیث السابقه، بما یتَّفق مع مذهبهم، ویلتئم مع معتقدهم، فذهبوا ذات الیمین وذات الشمال لا یهتدون إلى شیء.
    وحاولوا جاهدین أن یصرفوا هذه الأحادیث عن أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، ویجعلونها فی غیرهم ممن لا تنطبق علیهم الأوصاف الوارده فیها، فتاهوا وتحیَّروا، حتى ذهبوا إلى مذاهب عجیبه، وصدرت منهم أقوال غریبه، وأقرَّ بعضهم بالعجز، واعترف بعضهم بعدم وضوح معنى لهذه الأحادیث ترکن إلیه النفس.
    قال ابن الجوزی فی کشف المشکل: هذا الحدیث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلَّبتُ مظانّه، وسألتُ عنه، فما رأیت أحداً وقع على المقصود به…(۱۷).
    وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألقَ أحداً یقطع فی هذا الحدیث ـ یعنی بشیء معین(۱۸).
    اختلاف أهل السنه فی الخلفاء الاثنی عشر:
    لقد کثرت أقوالهم فی هذه المسأله، واختلفت آراؤهم اختلافاً عظیماً، وتضاربت تضارباً شدیداً، ومع کثره تلک الأقوال لا تجد فیها قولاً خالیاً من الخدش والخلل، وأهم ما عثرت علیه من أقوالهم فی هذه المسأله ثمانیه أقوال، وإلیک بیانها، وبیان ما فیها:
    ۱ ـ رأی القاضی عیاض والحافظ البیهقی:
    قال القاضی عیاض(۱۹): لعل المراد بالاثنی عشر فی هذه الأحادیث وما شابهها أنهم یکونون فی مده عزَّه الخلافه وقوه الإسلام واستقامه أموره، والاجتماع على مَن یقوم بالخلافه، وقد وُجد فیمن اجتمع علیه الناس، إلى أن اضطرب أمر بنی أمیه، ووقعت بینهم الفتنه زمن الولید بن یزید، فاتصلت بینهم إلى أن قامت الدوله العباسیه، فاستأصلوا أمرهم(۲۰).
    قال ابن حجر العسقلانی: کلام القاضی عیاض أحسن ما قیل فی الحدیث وأرجحه، لتأییده بقوله فی بعض طرق الحدیث الصحیحه: ( کلّهم یجتمع علیه الناس)، وإیضاح ذلک أن المراد بالاجتماع انقیادهم لبیعته، والذی وقع أن الناس اجتمعوا على أبی بکر ثم عمر ثم عثمان ثم علی، إلى أن وقع أمر الحَکَمین فی صفِّین، فتسمَّى معاویه یومئذ بالخلافه، ثم اجتمع الناس على معاویه عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده یزید، ولم ینتظم للحسین أمر، بل قُتل قبل ذلک، ثم لما مات یزید وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملک بن مروان بعد قتل ابن الزبیر، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعه: الولید ثم سلیمان ثم یزید ثم هشام، وتخلل بین سلیمان ویزید: عمرُ بن عبد العزیز، فهؤلاء سبعه بعد الخلفاء الراشدین، والثانی عشر هو الولید بن یزید بن عبد الملک، اجتمع الناس علیه لما مات عمّه هشام، فولی نحو أربع سنین، ثم قاموا علیه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغیرت الأحوال من یومئذ، ولم یتفق أن یجتمع الناس على خلیفه بعد ذلک…(۲۱).
    وهذا هو قول البیهقی(۲۲) أیضاً فی دلائل النبوه، حیث قال بعد أن ساق بعضاً من الأحادیث السابقه: وقد وُجد هذا العدد بالصفه المذکوره إلى وقت الولید بن یزید بن عبد الملک، ثم وقع الهرج والفتنه العظیمه کما أخبر فی هذه الروایه، ثم ظهر ملک العباسیه…(۲۳).
    ثم قال: والمراد بإقامه الدین ـ والله أعلم ـ إقامه معالمه وإن کان بعضهم یتعاطى بعد ذلک ما لا یحل(۲۴).
    أقـول:
    ۱ ـ یرُدّ هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفینه عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) أنه قال: الخلافه ثلاثون سنه، ثم تکون بعد ذلک ملکاً(۲۵).
    ولأجل هذا صرَّحوا بأن الخلافه عندهم منحصره فی أربعه: أبی بکر وعمر وعثمان وعلی استناداً إلى هذا الحدیث، أو خمسه بضمیمه عمر بن عبد العزیز(۲۶)، فکیف صار غیر هؤلاء خلفاء مع أن الحدیث نصَّ على أن ما بعد ثلاثین سنه لا تکون خلافه، بل یکون ملک.
    وفی سنن الترمذی: قال سعید: فقلت له (أی لسفینه راوی الحدیث): إن بنی أمیه یزعمون أن الخلافه فیهم. قال: کذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوک من شر الملوک.
    وفی سنن أبی داود: قلت لسفینه: إن هؤلاء یزعمون أن علیاً لم یکن بخلیفه. قال: کذبت أستاه بنی الزرقاء ـ یعنی بنی مروان(۲۷).
    وقال القاضی عیاض وغیره فی الجمع بین حدیث سفینه وحدیث الخلفاء الاثنی عشر: إنه أراد فی حدیث سفینه خلافه النبوه، ولم یقیّده فی حدیث جابر ابن سمره بذلک(۲۸).
    وقال الألبانی: وهذا جمع قوی، ویؤیّده لفظ أبی داود: ( خلافه النبوه ثلاثون سنه )، فلا ینافی مجیء خلفاء آخرین من بعدهم، لأنهم لیسوا خلفاء النبوه، فهؤلاء هم المعنیون فی الحدیث لا غیرهم، کما هو واضح(۲۹).
    ویردّه: أن خلافه النبوه هذه لم یذکر لها علماء أهل السنه معنى واضحاً، واختلفوا فی بیان المراد منها، فمنهم من قال بأن خلافه النبوه هی التی لا طلب فیها للملک ولا منازعه فیها لأحد(۳۰). فعلیه تخرج خلافه أمیر المؤمنین الإمام علی (علیه السلام) عن کونها خلافه نبوه، لمنازعه أهل الجمل وأهل النهروان ومعاویه وأهل الشام له(۳۱)، مع أنهم ذکروا أن خلافته (علیه السلام) خلافه نبوه. وهذا تهافت واضح.
    ومنهم مَن ذکر أن خلافه النبوه إنما تکون لمن عملوا بالسُّنَّه، فإذا خالفوا السنّه وبدّلوا السیره فهم ملوک وإن تسمّوا بالخلفاء(۳۲).
    وعلیه تکون خلافه النبوه أکثر من ثلاثین سنه، لاتفاقهم على أن عمر بن عبد العزیز کان یعمل بالسنّه، ولعدّهم إیاه من الخلفاء الراشدین، مع أنهم لم یذکروه من ضمن مَن کانت خلافتهم خلافه نبوه.
    ومنهم من قال: إن المراد بالخلافه فی حدیث سفینه هی الخلافه الحقَّه أو المرضیه لله ورسوله، أو الکامله، أو المتصله(۳۳).
    وعلیه فتکون خلافه النبوه هی خلافه أمیر المؤمنین الإمام علی (علیه السلام) وابنه الحسن (علیه السلام) فقط دون غیرهما.
    ولو سلَّمنا أن خلافه الأربعه کانت مرضیّه لله ورسوله أو کامله أو غیر ذلک فلا بد أن یُضاف إلیها عندهم خلافه عمر بن عبد العزیز، فتکون خلافه النبوه حینئذ أکثر من ثلاثین سنه.
    والصحیح أن یقال فی هذا الحدیث على تقدیر صحَّته: إن خلافه النبوه لا یمکن أن یراد بها إلا الخلافه التی کانت بنصّ النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فمَن استخلفه النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على الأمه فهو خلیفه النبی، وخلافته هی خلافه النبوه، ومَن لم یستخلفه واستخلفه الناس فهو خلیفتهم، والنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) استخلف علیّاً (علیه السلام).
    وعلیه یکون معنى حدیث سفینه: إن خلافه النبوه ـ وهی خلافه علی بن أبی طالب (علیه السلام) ـ تستمر إلى ثلاثین سنه، ثم یتولى أمور المسلمین الملوک. وعدم تمکّن أمیر المؤمنین (علیه السلام) من تولی أمور المسلمین، أو عدم اتّباع الناس له إلا النفر القلیل لا یسلب عنه الخلافه بعد حکم الشارع المقدس بها ونصّه علیها، وهذا له نظائر کثیره فی الأصول والفروع لا تخفى(۳۴).
    وأما حدیث الخلفاء الاثنی عشر فهو بیان لعدد أئمه الهدى وخلفاء الحق وساده الخلق المنصوبین من الله سبحانه، الذین لا یضرهم من ناواهم، ویکون الإسلام بهم عزیزاً، وبذلک یتّضح ألا منافاه بین الحدیثین بهذین المعنیین.
    ۲ ـ إن أکثر مَن ذکرهم لم یجتمع علیه الناس، فإن عثمان وإن تمَّت له البیعه واجتماع الناس فی أول خلافته، إلا أن الأمور انتقضت علیه بعد ذلک حتى قتله الناس، وأما علی بن أبی طالب (علیه السلام) فلم یجتمع علیه الناس من أول یوم فی خلافته، وذلک لأن أهل الشام لم یبایعوه، وهم کثیرون، وخرج علیه طلحه والزبیر وعائشه، فحاربهم فی البصره، ثم خرج علیه الخوارج فحاربهم فی النهروان… وکل ذلک کان فی أقل من خمس سنین.
    قال ابن أبی العز الحنفی فی شرح العقیده الطحاویه: علی رضی الله عنه… لم یجتمع الناس فی زمانه، بل کانوا مختلفین، لم ینتظم فیه خلافه النبوه ولا الملک(۳۵).
    فعلى ذلک لا یکون علی (علیه السلام) من هؤلاء الخلفاء عندهم.
    وأما یزید بن معاویه فلم یبایعه الحسین بن علی (علیه السلام) وأهل بیته حتى قُتلوا فی کربلاء، وخرج علیه أهل المدینه، وأخرجوا منها عامله وسائر بنی أمیه، فوقعت بینهم وبینه وقعه الحره، وخرج علیه ابن الزبیر فی مکه واستولى علیها… فأی اجتماع حصل له !!؟.
    ۳ ـ أن معاویه ومن جاء بعده من ملوک بنی أمیه وغیرهم لم یجتمع علیهم الناس، بل کانوا متغلِّبین على الأمَّه بالقوه والقهر، ومن الواضح أن هناک فرقاً بیِّناً بین اجتماع الناس على شیء وجمعهم علیه، فإن الاجتماع مأخوذ فی معناه اختیار المجتمعین، وأما الجمع فمأخوذ فیه عدم الاختیار، والذی حصل لبنی أمیه هو الثانی، والمذکور فی الحدیث هو الأول، وهذا واضح معلوم لمن نظر فی تاریخ بنی أمیه وسیرتهم فی الناس.
    وقد روی فیما یدلِّل ذلک الکثیر، ومنه ما روی عن سعید بن سوید، قال: صلى بنا معاویه بالنخیله ـ یعنی خارج الکوفه ـ الجمعه فی الضحى، ثم خطبنا فقال: ما قاتلتکم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزکّوا، قد عرفت أنکم تفعلون ذلک، ولکن إنما قاتلتکم لأ تأمَّر علیکم، فقد أعطانی الله ذلک وأنتم کارهون(۳۶).
    ۴ ـ أن الخلفاء حسبما ذکر فی کلامه یکونون ثلاثه عشر لا اثنی عشر، وهم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ معاویه. ۶ ـ یزید بن معاویه . ۷ ـ عبد الملک. ۸ ـ الولید. ۹ ـ سلیمان . ۱۰ ـ عمر بن عبد العزیز. ۱۱ ـ یزید بن عبد الملک. ۱۲ ـ هشام بن عبد الملک . ۱۳ ـ الولید بن یزید.
    قال ابن کثیر: إن الخلفاء إلى زمن الولید بن الیزید أکثر من اثنی عشر على کل تقدیر(۳۷).
    ۲ ـ رأی ابن حجر العسقلانی:
    قال ابن حجر العسقلانی: الأَولى أن یحمل قوله: (یکون بعدی اثنا عشر خلیفه) على حقیقه البَعْدیه، فإن جمیع من ولی الخلافه مِن الصدِّیق إلى عمر ابن عبد العزیز أربعه عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولایتهما ولم تطل مدَّتهما، وهما معاویه بن یزید، ومروان بن الحکم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء کما أخبر (صلى الله علیه [وآله] وسلم).
    إلى أن قال: ولا یقدح فی ذلک قوله: ( یجتمع علیه الناس )، لأنه یُحمَل على الأکثر الأغلب، لأن هذه الصفه لم تفقد إلا فی الحسن بن علی وعبد الله بن الزبیر مع صحه ولایتهما، والحُکم بأن مَن خالفهما لم یثبت استحقاقه إلا بعد تسلیم الحسن، وبعد قتل ابن الزبیر، والله أعلم(۳۸).
    أقـول: على هذا القول یکون الخلفاء الاثنا عشر هم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ الإمام الحسن (علیه السلام). ۶ ـ معاویه. ۷ ـ یزید بن معاویه. ۸ ـ عبد الله بن الزبیر. ۹ ـ عبد الملک. ۱۰ ـ الولید. ۱۱ ـ سلیمان. ۱۲ ـ عمر بن عبد العزیز.
    وقوله: (یجتمع علیه الناس) محمول على الأکثر الأغلب، یردّه أن مجیء التأکید بـ (کل) فی قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (کلّهم یجتمع علیه الناس) الدال بالنصّ على العموم یقدح فی هذا القول.
    هذا مع أن الصفه المذکوره ـ وهی اجتماع الناس ـ فُقدت فی غیر الحسن (علیه السلام) وابن الزبیر کما مر آنفاً.
    وقوله: (إن معاویه بن یزید ومروان بن الحکم لم تصح ولایتهما) یردّه أن یزید بن معاویه إن کانت ولایته صحیحه کما قال، فنص یزید على ابنه من بعده یصحِّح ولایته بلا ریب ولا شبهه وإن لم تطل مدّته. وإن کان التغلّب على أمور المسلمین یصحّح خلافه معاویه، فتغلّب مروان بعد ذلک مصحِّح لخلافته.
    ثم إن جعله طول الولایه دلیلاً على صحَّتها واعتبارها لا یمکن التسلیم به، فإنه لم یقل به أحد، هذا مع أنه اعتبر ولایه الإمام الحسن (علیه السلام) التی دامت سته أشهر، ولم یعتبر ولایه مروان بن الحکم التی دامت نفس المده.
    ومن الغریب أنه زعم أن عبد الملک بن مروان لم یثبت استحقاقه للخلافه إلا بعد قیامه على الخلیفه الحق عنده آنذاک وهو عبد الله بن الزبیر وقتله.
    والذی یظهر من کلام ابن حجر أنه یرى أن کل أولئک الحکَّام کانوا متأهِّلین للخلافه مستحقّین لها، مع أن یزید بن معاویه مثلاً لا یختلف المنصفون فی عدم أهلیته للخلافه وعدم استحقاقه لها، لأنه تولَّى ثلاث سنین: السنه الأولى قتل فیها الحسین (علیه السلام)، والسنه الثانیه أباح فیها المدینه، والسنه الثالثه هدم فیها الکعبه… فکیف یکون من الخلفاء الذین یکون الإسلام بهم عزیزاً منیعاً قائماً؟!.
    ۳ ـ قول ابن أبی العز شارح العقیده الطحاویه:
    قال ابن أبی العز الحنفی(۳۹): والاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعه، ومعاویه وابنه یزید، وعبد الملک بن مروان وأولاده الأربعه، وبینهم عمر بن عبد العزیز ثم أخذ الأمر فی الانحلال، وعند الرافضه أن أمر الأمَّه لم یزل فی أیام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، یتولّى علیه الظالمون المعتدون، بل المنافقون الکافرون، وأهل الحق أذل من الیهود. وقولهم ظاهر البطلان، بل لم یزل الإسلام عزیزاً فی ازدیاد فی أیام هؤلاء الاثنی عشر(۴۰).
    أقول: الخلفاء الاثنا عشر على هذا القول هم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ معاویه. ۶ ـ یزید بن معاویه. ۷ ـ عبد الملک. ۸ ـ الولید. ۹ ـ سلیمان. ۱۰ ـ عمر بن عبد العزیز. ۱۱ ـ یزید بن عبد الملک. ۱۲ ـ هشام بن عبد الملک.
    ویَرِد علیه ما قلناه فی خلافه معاویه بن یزید، وخلافه مروان بن الحکم، فراجعه.
    ثم إن کل مَن نظر فی تاریخ المسلمین یعلم أن الأمه لا تزال فی ذلّ وهوان فی زمن أکثر هؤلاء الخلفاء، وأقوال علماء أهل السنه تشهد بذلک وتصرح به، ولو لم یکن فی زمانهم إلا قتل الحسین (علیه السلام) لکفى، کیف وقد أعلن بنو أمیه سب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) على المنابر قرابه ستین سنه، وضُرِبت الکعبه حتى تهدّمت حیطانها، وأبیحت المدینه ثلاثه أیام، فوقع فیها من المخازی ما یندى له جبین التاریخ.
    فإنهم کانوا یقتلون کل من وجدوه من الناس، وکانوا یسلبون کل ما وقع تحت أیدیهم من الأموال، ووقعوا على النساء حتى قیل: إنه حبلت ألف امرأه من أهل المدینه من غیر زوج. وقُتل من وجوه المهاجرین والأنصار سبعمائه، ومن سائر الناس عشره آلاف، ولما دخل مسلم بن عقبه المدینه دعا الناس للبیعه على أنهم عبید وخَدَم لیزید بن معاویه، یحکم فی دمائهم وأموالهم وأهلیهم ما شاء(۴۱).
    إلى غیر ذلک مما یطول ذِکره.
    وقال السیوطی فی تاریخ الخلفاء: لو لم یکن من مساوئ عبد الملک إلا الحجَّاج وتولیته إیاه على المسلمین وعلى الصحابه رضی الله عنهم، یهینهم ویذلّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابه وأکابر التابعین ما لا یُحصى، فضلاً عن غیرهم، وختم على عنق أنَس وغیره من الصحابه ختماً، یرید بذلک ذلَّهم، فلا رحمه الله ولا عفا عنه(۴۲) .
    وقال الذهبی فی کتابه العِبَر: قال عمر بن عبد العزیز رحمه الله: الولید بالشام، والحجَّاج بالعراق، وقُرَّه (بن شریک) بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز، امتلأت والله الأرض جوراً(۴۳).
    فهل کان الإسلام عزیزاً وفی ازدیاد!!؟ وهل کان الناس عامه والمؤمنون خاصه فی عز وکرامه، أم فی ذلَّ ومهانه؟ الأمر معلوم وواضح، ولا ینکر ذلک إلا مکابر أو جاهل أو متعصب.
    ویکفی قول سفینه المتقدم فیهم لما سأله سعید فقال: إن بنی أمیه یزعمون أن الخلافه فیهم. قال: کذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوک من شر الملوک.
    ۴ ـ قول ابن کثیر وابن تیمیه:
    وهو أن المراد وجود اثنی عشر خلیفه فی جمیع مده الإسلام إلى یوم القیامه، یعملون بالحق وإن لم تتوالَ أیامهم، ویؤیده ما أخرجه مُسدَّد فی مسنده الکبیر من طریق أبی بحر، أن أبا الجلد حدَّثه أنه لا تهلک هذه الأمه حتى یکون منها اثنا عشر خلیفه، کلهم یعمل بالهدى ودین الحق، منهم رجلان من أهل بیت محمد (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، یعیش أحدهما أربعین سنه، والآخر ثلاثین سنه.
    وعلى هذا فالمراد بقوله: (ثم یکون الهرج) أی الفتن المؤذنه بقیام الساعه، من خروج الدجال ثم یأجوج ومأجوج إلى أن تنقضی الدنیا(۴۴).
    قال ابن کثیر: قد وافق أبا الجلد طائفه من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذکرنا، وقد کان ینظر فی شیء من الکتب المتقدمه، وفی التوراه التی بأیدی أهل الکتاب ما معناه: إن الله تعالى بشَّر إبراهیم بإسماعیل، وأنه ینمیه ویکثِّره، ویجعل فی ذرّیّته اثنا عشر عظیماً. قال شیخنا العلامه أبو العباس بن تیمیه: وهؤلاء المبشَّر بهم فی حدیث جابر بن سمره، وقرّر أنهم یکونون مفرّقین فی الأمّه، ولا تقوم الساعه حتى یوجدوا(۴۵).
    قال السیوطی: وعلى هذا فقد وُجد من الاثنی عشر خلیفه: الخلفاء الأربعه، والحسن ومعاویه وابن الزبیر وعمر بن عبد العزیز، ویحتمل أن یُضم إلیهم المهتدی من العباسیین، لأنه فیهم کعمر بن عبد العزیز، وکذلک الطاهر لما أوتیه من العدل، وبقی الاثنان المنتظران، أحدهما المهدی، لأنه من أهل بیت محمد (صلى الله علیه وآله وسلم)(۴۶).
    أقول: یفسد هذا القول أن الإمام علیًّا وابنه الإمام الحسن (علیهم السلام) ـ وهما من أهل البیت (علیهم السلام) ـ لم یعش واحد منهما ثلاثین سنه والآخر أربعین، وعلیه فینبغی إخراجهما من جمله هؤلاء الاثنی عشر.
    قال ابن کثیر: إن إخراج علی وابنه الحسن من هؤلاء الاثنی عشر خلاف ما نصَّ علیه أئمه السنه، بل والشیعه(۴۷).
    هذا مضافاً إلى أن عد السیوطی من هؤلاء الخلفاء ثلاثه من أهل البیت خلاف حدیث أبی الجلد الذی أیَّدوا به قولهم.
    ثم إن عد معاویه ممن یعمل بالهدى ودین الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله، وحسبک أنهم اتَّفقوا على إخراجه من زمره الخلفاء الراشدین، فجعلوهم أربعه أو خمسه، ولم یجعلوه منهم.
    وأخرج مسلم فی الصحیح عن عبد الرحمن بن عبد رب الکعبه ـ فی حدیث طویل قال: فقلت له ـ أی لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ: هذا ابن عمک معاویه یأمرنا أن نأکل أموالنا بیننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله یقول (یا أیها الذین آمنوا لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجاره عن تراضٍ منکم ولا تقتلوا أنفسکم إن الله کان بکم رحیماً). قال: فسکت ساعه، ثم قال: أطعه فی طاعه الله، واعصِه فی معصیه الله(۴۸).
    وأخرج الحاکم وصحَّحه على شرط الشیخین، عن عباده بن الصامت، أنه قام قائماً فی وسط دار عثمان بن عفان رضی الله عنه، فقال: إنی سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) محمداً أبا القاسم یقول: ( سیلی أمورکم من بعدی رجال یعرفونکم ما تنکرون، وینکرون علیکم ما تعرفون، فلا طاعه لمن عصى الله، فلا تعتبوا أنفسکم)، فوالذی نفسی بیده إن معاویه من أولئک. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً(۴۹).
    ثم إن إخبار النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهؤلاء الخلفاء إنما کان لفائده عظیمه وغایه مهمه یرید النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) إیضاحها للأمه، وهی مبایعه هؤلاء الخلفاء، ومتابعتهم، والأخذ بهدیهم دون غیرهم ممن لم یکن بهذه الصفه.
    وعلیه، فلو صحَّ هذا القول لما کان ثمه أی فائده فی بیان وجود اثنی عشر خلیفه یعملون بالحق فی جمیع مده الإسلام إلى یوم القیامه، وإن لم تتوالَ أیامهم، فکل خلیفه یتولى أمور الناس لا یُعلم أنه منهم أم لا، فلا یُدرى هل یُبایَع ویُتابَع أم لا. ولا فائده فی ذکر العدد المجرد، القابل للانطباق على کل واحد یتولّى أمر الأمَّه إذا لم یتمیّز هؤلاء الخلفاء بأعیانهم وأشخاصهم بحیث لا یدخل فیهم غیرهم.
    والغریب من ابن کثیر کیف رجَّح قول أبی الجلد بکونه ینظر فی کتب أهل الکتاب، واستدل فی هذه المسأله بحدیث مذکور فی التوراه، مع أنَّا لا نحتاج لإثبات مسأله مهمَّه کهذه بتوراه أو إنجیل محرَّفین، وعندنا أحادیث النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) التی تکفّلت ببیان هذه المسأله وغیرها.
    وهذا دلیل واضح على مبلغ التخبّط والحیره التی وقع فیها أعلام أهل السنّه فی هذه المسأله حتى التجأوا إلى ما لا یجوز الالتجاء إلیه، واعتمدوا على ما لا یصح الاعتماد علیه.
    ثم إن البیان الذی ذکره السیوطی لو سلَّمنا به فهو لا یزال ناقصاً، فإن الخلفاء الذین ذکرهم أحد عشر خلیفه، فیبقی علیه ذکر الثانی عشر، فأین هو؟
    ۵ ـ قول ابن الجوزی والخطابی(۵۰):
    وهو أنه (صلى الله علیه وآله وسلم) أشار إلى ما یکون بعده وبعد أصحابه، وأن حکم أصحابه مرتبط بحکمه، فأخبر عن الولایات الواقعه بعدهم، فکأنه أشار بذلک إلى عدد الخلفاء من بنی أمیه، وکأن قوله: (لا یزال الدین) أی الولایه إلى أن یلی اثنا عشر خلیفه، ثم ینتقل إلى صفه أخرى أشد من الأولى، وأول بنی أمیه یزید بن معاویه، وآخرهم مروان الحمار، وعدّتهم ثلاثه عشر، ولا یُعَد عثمان ومعاویه ولا ابن الزبیر، لکونهم صحابه، فإذا أسقطنا مروان بن الحکم للاختلاف فی صحبته، أو لأنه کان متغلِّباً بعد أن اجتمع الناس على ابن الزبیر صحَّت العده، وعند خروج الخلافه من بنی أمیه وقعت الفتن العظیمه والملاحم الکثیره حتى استقرت دوله بنی العباس، فتغیرت الأحوال عما کانت علیه تغیراً بیناً…(۵۱)
    أقول: لا یخفى ضعف هذا القول ورکاکته، فإن أحادیث الخلفاء الاثنی عشر وردت بلسان المدح لهم والبشاره بهم، ووصفتهم بأن الإسلام بهم یکون عزیزاً منیعاً قائماً، وقد تقدم مفصلاً أن حال هؤلاء لیس کذلک، ومنه یتضح أن هذه الأحادیث أجنبیه عن أولئک الخلفاء وبعیده کل البعد عنهم.
    وقوله: (إن حکم أصحاب النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) مرتبط بحکمه فی هذا الأمر) لا تدل علیه هذه الأحادیث ولا غیرها.
    والعجیب فی المقام أن الخطابی جعل أحادیث الخلفاء الاثنی عشر مقصوره على بنی أمیه خاصه، مع أنها جاءت مادحه للاثنی عشر مبشره بهم، وغفل عن الأحادیث الصحیحه الأخرى التی دلَّت على ذم بنی أمیه وبنی أبی العاص بأشد ما یکون الذم، وهی کثیره جداً.
    منها: ما دلَّ على أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ساءه ملک بنی أمیه.
    فقد أخرج الترمذی فی السنن والسیوطی فی الدر المنثور وغیرهما أن النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) رأى بنی أمیه على منبره فساءه ذلک، فنزلت (إنا أعطیناک الکوثر)… ونزلت (إنا أنزلناه فی لیله القدر …. لیله القدر خیر من ألف شهر) یملکها بنو أمیه یا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هی ألف شهر لا یزید یوم ولا ینقص(۵۲).
    وأخرج الهیثمی فی مجمع الزوائد، والحاکم فی المستدرک وصحَّحه، وابن حجر فی المطالب العالیه والبوصیری فی مختصر الإتحاف وابن کثیر فی البدایه والنهایه، وغیرهم عن أبی هریره أن رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) رأى فی منامه کأن بنی الحکَم(۵۳) ینزون على منبره وینزلون، فأصبح کالمتغیظ، فقال: ما لی رأیت بنی الحکَم ینزون على منبری نزو القرده؟ قال: فما رؤی رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) مستجمعاً ضاحکاً بعد ذلک حتى مات (صلى الله علیه [وآله] وسلم(۵۴).
    وأخرج السیوطی عن ابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل وابن عساکر عن سعید بن المسیب، قال: رأى رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) بنی أمیه على المنابر فساءه ذلک، فأوحى الله إلیه: (إنما هی دنیا أُعطوها). فقرَّت عینه، وهی قوله (وما جعلنا الرؤیا التی أریناک إلا فتنه للناس) یعنی بلاء(۵۵).
    ومنها: ما دلَّ على أن بنی أمیّه أبغض الناس إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم).
    فقد أخرج الهیثمی والحاکم وصحَّحه ووافقه الذهبی، والبوصیری وحسَّنه، عن أبی برزه الأسلمی، قال: کان أبغض الأحیاء إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) بنو أمیه وبنو حنیفه وثقیف(۵۶).
    ومنها: ما دلَّ على سوء فعلهم وعظم ضررهم إذا کثر عددهم.
    فقد أخرج الحاکم والبوصیری وحسَّنه والهیثمی والبیهقی وابن حجر عن أبی سعید الخدری، قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم): إذا بلغ بنو أبی العاص(۵۷) ثلاثین رجلاً اتّخذوا مال الله دُوَلاً (۵۸)، ودین الله دَغَلاً (۵۹)، وعباد الله خَوَلاً (۶۰) (۶۱).
    وفی روایه أخرجها الحاکم قال: إذا بلغت بنو أمیه أربعین… (۶۲)
    ومنها: ما دلَّ على أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لعن بعض هؤلاء الخلفاء وهم فی الأصلاب.
    ومن ذلک ما أخرج الحاکم وصحَّحه ووافقه الذهبی عن عبد الله بن الزبیر، أن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) لعن الحکَم وولده (۶۳).
    واخرج الحاکم وصحَّحه عن عمرو بن مره الجهنی وکانت له صحبه أن الحکم بن أبی العاص استأذن على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فعرف النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) صوته وکلامه، فقال: ایذنوا له، علیه لعنه الله وعلى من یخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقلیل ما هم، یشرفون فی الدنیا، ویضعون فی الآخره، ذو مکر وخدیعه، یعطون فی الدنیا، وما لهم فی الآخره من خلاق (۶۴).
    ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم أشر على هذه الأمه من فرعون لقومه، وهو الولید بن عبد الملک، أو الولید بن یزید.
    فقد أخرج أحمد فی المسند، والهیثمی فی مجمع الزوائد عن عمر، قال: وُلد لأخی أم سلمه زوج رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) غلام فسمَّوه الولید، فقال النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم): سمّیتموه بأسماء فراعنتکم؟ لیکونن فی هذه الأمه رجل یقال له الولید، لَهُو أشر على هذه الأمه من فرعون لقومه (۶۵).
    قال ابن کثیر: قال أبو عمر الأوزاعی: کان الناس یرون أنه الولید بن عبد الملک، ثم رأینا أنه الولید بن یزید، لفتنه الناس به، حتى خرجوا علیه فقتلوه، وانفتحت على الأمه الفتنه والهرج (۶۶).
    أقول: سواء أکان هذا أم ذاک فکلاهما من الخلفاء الاثنی عشر عندهم، فیکون واحد من هؤلاء الخلفاء أشر على هذه الأمه من فرعون.
    ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم جبابره.
    ومن ذلک ما أخرجه الهیثمی وابن کثیر وغیرهما عن ابن وهب ـ فی حدیث ـ قال: وذکر مروان حاجه له ـ أی لمعاویه ـ فردَّ مروان عبد الملک إلى معاویه، فکلمه فیها، فلما أدبر عبد الملک قال معاویه (لابن عباس وکان جالساً معه على سریره): أنشدک بالله یا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ذکر هذا فقال: أبو الجبابره الأربعه؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم (۶۷).
    أقول: الجبابره الأربعه هم أولاد عبد الملک، وهم: الولید وسلیمان ویزید وهشام، وهم من الخلفاء الاثنی عشر عندهم، فتدبَّر.
    فهل یصح بعد النظر فی هذه الأحادیث الصحیحه وغیرها أن یقال: إن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بشَّر بهؤلاء الملوک من بنی أمیه، وأخبر أن الدین بهم یکون عزیزاً منیعاً صالحاً…
    ثم إن الخطابی أخرج مروان بن الحکم من عداد هؤلاء الاثنی عشر للاختلاف فی صحبته، مع أن أقوال علماء أهل السنه تنص على عدم صحبته.
    قال البخاری: لم یرَ النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) (۶۸).
    وقال ابن حجر: روى عن النبی، ولا یصح له منه سماع (۶۹).
    وقال أیضاً: لم أرَ من جزم بصحبته (۷۰).
    وقال الذهبی: لم یرَ النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) لأنه خرج مع أبیه وهو طفل (۷۱).
    وقال النووی: لم یسمع النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ولا رآه، لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا یعقل حین نفى النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) أباه الحکم، فکان مع أبیه بالطائف حتى استخلف عثمان فردَّهما (۷۲).
    وکذلک قال ابن الأثیر فی أسد الغابه وابن عبد البر فی الاستیعاب وغیرهما (۷۳).
    ثم إن لازم إخراج مروان من عدّه هؤلاء الخلفاء لتغلّبه إخراج کل خلفاء بنی أمیه معه، لأن خلافتهم کانت بالتغلّب والقهر أیضاً کما هو معلوم.
    على أنَّا إذا أخرجنا مروان من العدّه فلا بد أن ندخل إبراهیم بن الولید بن عبد الملک لیتم العدد، مع أن إبراهیم هذا تولّى الملک سبعین لیله، ثم خلع نفسه، وسلَّم الأمر إلى مروان بن محمد، وبایعه طائعاً (۷۴).
    وقوله: (وعند خروج الخلافه من بنی أمیّه وقعت الفتن العظیمه…) إلى آخر ما قاله، یفسده أن ما وقع من الحوادث والفتن فی زمن هؤلاء الخلفاء من بنی أمیه أعظم وأشنع من الفتن الواقعه فی زمن جمله من خلفاء بنی العباس، کالمنصور والمهدی والهادی وهارون والمأمون والمعتصم، وهذا ظاهر معلوم.
    ۶ ـ قول ابن حبَّان:
    قال ابن حبَّان (۷۵): معنى الخبر عندنا: أن مَن بعد الثلاثین سنه یجوز أن یقال لهم خلفاء أیضاً على سبیل الاضطرار وإن کانوا ملوکاً على الحقیقه، وآخر اثنی عشر من الخلفاء کان عمر بن عبد العزیز، فلما ذکر المصطفى (صلى الله علیه [وآله] وسلم) الخلافه ثلاثین سنه وکان آخر الاثنی عشر عمر بن عبد العزیز، وکان من الخلفاء الراشدین المهدیین، أطلق على مَن بینه وبین الأربع الأول اسم الخلفاء…
    ثم ساق کلاماً طویلاً ذکر فیه کل مَن تولّى، ولم یعیِّن من هم الاثنا عشر، إلا أنه ذکر الأربعه، ومعاویه، والإمام الحسن (علیه السلام)، ویزید، ومعاویه ابن یزید، وعبد الله بن الزبیر، ومروان بن الحکم، وعبد الملک، والولید، وسلیمان، وعمر بن عبد العزیز، وهو آخرهم (۷۶).
    أقول: هؤلاء أربعه عشر نفساً، وهو قول فاسد على جمیع الاحتمالات.
    قال ابن کثیر: وعلى کل تقدیر فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزیز.
    ثم أوضح ذلک بما حاصله: أنه إن أُدخل یزید بن معاویه خرج عمر بن عبد العزیز، مع أن الأئمه عدّوه من الخلفاء الراشدین، وإن أعتُبر مَن اجتمعت الأمه علیه خرج علی وابنه الحسن، وهذا خلاف ما نصّ علیه أئمه السنه بل والشیعه، وخلاف ما دلَّ علیه نصّاً حدیث سفینه، وقد بیَّنَّا دخول خلافه الحسن وکانت نحواً من سته أشهر فیها أیضاً… إلى آخر ما قاله (۷۷).
    ۷ ـ رأی المهلب:
    نُسب إلى المهلَّب (۷۸) أنه قال: الذی یغلب على الظن أنه علیه الصلاه والسلام أخبر بأعاجیب تکون بعده من الفتن، حتى یفترق الناس فی وقت واحد على اثنی عشر أمیراً. قال: ولو أراد غیر هذا لقال: (یکون اثنا عشر أمیراً یفعلون کذا… )، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم یکونون فی زمن واحد.
    قال ابن حجر: وهو کلام مَن لم یقف على شیء من طرق الحدیث غیر الروایه التی وقعت فی البخاری هکذا مختصره، وقد عرفت من الروایات التی ذکرتها من عند مسلم وغیره أنه ذکر الصفه التی تختص بولایتهم، وهو کون الإسلام عزیزاً منیعاً. وفی الروایه الأخرى صفه أخرى، وهی أن کلهم یجتمع علیه الناس کما وقع عند أبی داود.
    إلى أن قال: ولو لم یرِد إلا قوله: کلهم یجتمع علیه الناس (لکفى) فإن وجودهم فی عصر واحد عین الافتراق، فلا یصح أن یکون المراد (۷۹).
    ۸ ـ قول أبی الحسین بن المنادی (۸۰):
    فإنه قال فی الجزء الذی جمعه فی المهدی: یحتمل فی معنى حدیث: (یکون اثنا عشر خلیفه) أن یکون هذا بعد المهدی الذی یخرج فی آخر الزمان، فقد وجدت فی کتاب دانیال: إذا مات المهدی مَلَکَ بعده خمسه رجال من ولد السبط الأکبر، ثم خمسه من ولد السبط الأصغر، ثم یوصی آخرهم بالخلافه لرجل من ولد السبط الأکبر، ثم یملک بعده ولده، فیتم بذلک اثنا عشر ملکاً، کل واحد منهم إمام مهدی.
    ثم ساق روایه رواها أبو صالح عن ابن عباس، وروایه أخرى عن کعب بهذا المعنى (۸۱).
    قال ابن حجر: الوجه الذی ذکره ابن المنادی لیس بواضح، ویعکِّر علیه ما أخرجه الطبرانی من طریق قیس بن جابر الصدفی، عن أبیه، عن جدّه رفعه: (سیکون من بعدی خلفاء، ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوک، ومن بعد الملوک جبابره، ثم یخرج رجل من أهل بیتی، یملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً، ثم یؤمّر القحطانی، فوالذی بعثنی بالحق ما هو دونه)، فهذا یرِد على ما نقله ابن المنادی من کتاب دانیال، وأما ما ذکره عن أبی صالح فواهٍ جداً، وکذا عن کعب (۸۲).
    أقول: الذی ذکره ابن المنادی لیس بظاهر البته من أحادیث الخلفاء الاثنی عشر المتقدمه، بل الظاهر منها خلافه، فإن الخطاب فی قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (یکون علیکم اثنا عشر خلیفه) إنما هو لصحابته الباقین بعده، ولأنهم فهموا ذلک علا الضجیج الذی حال دون سماع جابر بن سمره باقی کلام رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، ولو کان الأمر مرتبطاً بغیرهم ویقع فی آخر الزمان لما کان ثمه ما یثیر مشاعرهم إلى هذا الحد.
    هذا مضافاً إلى أن أحادیث آخر الزمان لم تذکر هؤلاء الخلفاء الاثنی عشر الذین ذکرهم ابن المنادی فی کلامه، اللهم إلا ما ورد فی کتاب دانیال، وهو کتاب إن صحَّ فلعل المراد بیان أن ثمه اثنی عشر ملکاً یکونون بعد المهدی، غیر الاثنی عشر الذین یکونون بعد زمان رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم).
    هذه بعض أقوالهم التی وقفت علیها فی هذه المسأله، وهی کلها کما رأیت ضعیفه واهیه، لا یمکن الأخذ بها بحال.
    الخلفاء الاثنا عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام):
    بعد أن تبین بطلان الأقوال السابقه کلها نقول:
    إن الخلفاء الاثنی عشر الذین بشَّر بهم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فی الأحادیث المتقدمه هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، ویدل على ذلک أمور:
    ۱ ـ أن هذه الأحادیث نصَّت على العدد المعیَّن ـ أی الاثنی عشر ـ وهو عدد أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، بلا زیاده ولا نقیصه، فلا نحتاج لأن نتکلَّف إسقاط بعض أو ضم بعض آخر.
    ولا یصح أن یراد بهم ملوک بنی أمیه أو ملوک بنی العباس کلهم، لأنهم یزیدون على هذا العدد بکثیر، ولا أن یُراد بعضهم دون بعض، لأنه لا ترجیح فی البین، لأن أحوالهم متقاربه، وسِیَرهم متشابهه، مع أن کل واحد منهم لا تنطبق علیه الأوصاف المذکوره فی الأحادیث کما مرَّ مفصَّلاً.
    ۲ ـ أن الأحادیث المذکوره أشارت إلى أوصافهم، فأوضحت أن الدین یکون بهم عزیزاً منیعاً قائماً، وأن أمر الناس یکون بهم صالحاً ماضیاً، وهذا لا یتحقق إلا إذا تولى أمر المسلمین من یرشدهم إلى الحق، ویدلّهم على الهدى، ویحملهم على الخیر، ویکون اتّباع الناس له سبباً لسعادتهم فی الدنیا ولفوزهم فی الآخره.
    ولا یختلف المسلمون فی أن الإسلام یکون عزیزاً منیعاً قائماً، وأمر الناس یکون ماضیاً صالحاً بأئمه أهل البیت (علیهم السلام)، الذین أجمعت الأمه على أنهم عصمه للأمه من الضلال، وأمان لها من الفرقه والاختلاف، فإن أهل السنه لا یختلفون فی ورعهم وتقواهم وعلمهم، وأن الناس لو اتبعوهم لما ضلو، ولو اجتمعوا علیهم لما افترقوا، فلذا قلنا بأن الأمه أجمعت واجتمعت علیهم.
    وأما غیرهم ـ ولا سیما بنو أمیه ـ فإن الأمه لم تنل بولایتهم إلا التفرق والوقوع فی الفتن والمهالک، وهو واضح لا یحتاج إلى بیان.
    ۳ ـ قد قلنا فیما تقدم أن الغایه من ذِکر هؤلاء الخلفاء فی هذه الأحادیث هی الحث على اتّباعهم والاهتداء بهم، وحدیث الثقلین وغیره من الأحادیث قد أوضحت أن الذین یلزم اتّباعهم والاهتداء بهم هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، فتکون هذه الأحادیث مبیِّنه للمراد بالخلفاء الاثنی عشر فی تلک الأحادیث. ولا سیما أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) أطلق لفظ (الخلیفه) على العتره النبویه الطاهره کما فی بعض طرق حدیث الثقلین، حیث قال: إنی تارک فیکم خلیفتین: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی، وإنهما لن یتفرَّقا حتى یَرِدَا علیَّ الحوض.
    ولعل قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (کلهم من قریش) فیه نوع إشاره إلى هؤلاء الخلفاء، فإنه (صلى الله علیه وآله وسلم) لما أراد أن یوضح هؤلاء الأئمه وینص علیهم بأعیانهم حال الضجیج بینه وبین ذلک، فاکتفى بالإشاره عن صریح العباره.
    ولیس من البعید أن یکون النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) قد أوضح هذا الأمر ونص على هؤلاء الأئمه من عترته أو من بنی هاشم، إلا أن ید التحریف عبثت بهذه الأحادیث رعایه لمآرب أعداء آل محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) من الحُکَّام وغیرهم.
    ویشهد لذلک أنها رُویَت هکذا فی بعض کتب القوم، کما فی ینابیع الموده وغیره، عن جابر بن سمره، قال: کنت مع أبی عند النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، فسمعته یقول: بعدی اثنا عشر خلیفه. ثم أخفى صوته، فقلت لأبی: ما الذی أخفى صوته؟ قال: قال: کلهم من بنی هاشم (۸۳).
    والحاصل أن صلاح هؤلاء الأئمه، وحسن سیرتهم، وطیب سریرتهم، وأهلیتهم للإمامه العظمى والخلافه الکبرى مما لا ینکره إلا مکابر أو متعصب.
    أما أهلیه الإمام أمیر المؤمنین وولدیه الحسن والحسین (علیهم السلام) للإمامه والخلافه فهی واضحه لا تحتاج إلى بیان، ومع ذلک فقد أقرَّ بها وبأهلیه غیرهم من الأئمه بعض علماء أهل السنه.
    قال الذهبی: فمولانا الإمام علی من الخلفاء الراشدین المشهود لهم بالجنه رضی الله عنه نُحِبّه ونتولاه… وابناه الحسن والحسین فسبطا رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) وسیدا شباب أهل الجنه، لو استُخلفا لکانا أهلاً لذلک (۸۴).
    وقال فی ترجمه الإمام علی بن الحسین زین العابدین (علیه السلام): وکان له جلاله عجیبه، وحقَّ له والله ذلک، فقد کان أهلاً للإمامه العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وکمال عقله(۸۵).
    وقال فی ترجمه الإمام أبی جعفر الباقر (علیه السلام): وکان أحد مَن جمع بین العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقه والرزانه، وکان أهلاً للخلافه(۸۶).
    وقال فی ترجمه الإمام جعفر الصادق (علیه السلام): مناقب جعفر کثیره، وکان یصلح للخلافه، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضی الله عنه (۸۷).
    وقال فی الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام): کبیر القدر، جیّد العلم، أولى بالخلافه من هارون (الرشید)(۸۸).
    وقال فی ترجمه الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام): وقد کان علی الرضا کبیر الشأن، أهلاً للخلافه(۸۹).
    وقال ابن تیمیه فی ضمن ردّه على من قال بإمامه الأئمه الاثنی عشر دون غیرهم لِما امتازوا به من الفضائل التی لم یحزها غیرهم: إن تلک الفضائل غایتها أن یکون صاحبها أهلاً أن تُعقد له الإمامه، لکنه لا یصیر إماماً بمجرد کونه أهلاً، کما أنه لا یصیر الرجل قاضیاً بمجرد کونه أهلاً لذلک.
    ثم قال: إن أهلیه الإمامه ثابته لآخرین کثبوتها لهؤلاء، وهم أهل أن یتولّوا الإمامه، فلا موجب للتخصیص، ولم یصیروا بذلک أئمه(۹۰).
    وکلامه واضح فی الاعتراف بأهلیه هؤلاء الأئمه الاثنا عشر (علیهم السلام) للخلافه، ولو کان بوسعه إنکار أهلیتهم للخلافه لأنکرها کما أنکر کثیراً من الأحادیث الصحیحه فی کتابه منهاج السنه.
    هذا ما عثرت علیه من إقرار علماء أهل السنه بأهلیه هؤلاء الأئمه، ولولا قله المصادر لدی لعثرت على أکثر من ذلک، ولعل الباحث المتتبّع یجد المزید، إلا أن فیما ذکرناه کفایه، فإن علماءهم مع إقرارهم بأهلیه أئمه أهل البیت (علیهم السلام) للخلافه لم یتّفقوا على إدخال الخلفاء الثلاثه الأوائل فی الخلفاء الاثنی عشر، فضلاً إثبات أهلیتهم وأهلیه غیرهم، وهذا دلیل واضح على أن کل ما قالوه لصرف هذه الأحادیث عن أئمه أهل البیت (علیهم السلام) إنما کان ظناً وتخرّصاً لا یغنیان عن الحق شیئاً.
    شبهه وجوابها:
    قد یقول قائل: إن أئمه أهل البیت لم یتولوا أمور المسلمین وإن کانوا أهلاً لذلک، فلا یصدق علیهم أنهم خلفاء بمجرد أهلیتهم للخلافه، کما أن القاضی لا یصدق علیه أنه قاض بمجرد کونه أهلاً للقضاء ما لم یتولّ القضاء، فکیف صار هؤلاء الأئمه هم الخلفاء الاثنی عشر؟
    والجواب:
    لمَّا دلَّت النصوص الصحیحه على أن الخلفاء الاثنی عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، وأنهم هم الذین یجب اتّباعهم ومبایعتهم وطاعتهم دون سواهم. فحینئذ لا یجوز العدول عنهم، ومبایعه من عداهم، لأن ذلک تبدیل لحکم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، ورَدٌّ لقوله، وإبطال لأمره.
    على أن انصراف أکثر الناس عنهم لا یصیّرهم رعیّه، ولا یصیر غیرهم أئمه وخلفاء، کما أن انصراف أکثر الناس عن الاعتقاد بنبوّه النبی لا یبطل نبوّته. قال تعالى (وما کان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن یکون لهم الخِیَرَه من أمرهم ومن یعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبیناً)[سوره الأحزاب: الآیه ۳۶].
    ولا ریب فی أن ثمه فرقاً بین القاضی المنصوب وبین مَن له أهلیه القضاء، فإن الأول یسمَّى قاضیاً، والآخر لا یسمَّى بذلک، إلا أن هذا أجنبیاً عما نحن فیه، فإن الأئمه قد أخبر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهم ونصَّ علیهم، فهُم خلفاء لأن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) سمَّاهم بذلک، وإن لم یبایعهم الناس أو یقرّوا لهم بالخلافه. وحال هؤلاء حال من نصَّبه النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) للقضاء فأبى الناس، فإنه یکون قاضیاً شاء الناس أم أبوا، وهذا واضح لا یحتاج إلى مزید بیان.
    ثم إن الأئمه (علیهم السلام) قاموا بأمور الإمامه خیر قیام، فبیّنوا الأحکام، وأوضحوا شرائع الإسلام، ونفوا عن الدین تحریف المبطلین وتأویل الجاهلین، وردّوا شبهات المُضلّین، فجزاهم الله خیر الجزاء عن الإسلام والمسلمین. والنبوه فضلاً عن الإمامه لا تتقوم باتباع الناس أو بخلافهم، فإن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) کان رسولاً نبیا وهو فی مکه لم یؤمن به إلا قلیل، والإمام کذلک.
    شبهه أخرى وجوابها:
    وقد یقول قائل: إن بعض الأحادیث الصحیحه دلّت على أن أولئک الخلفاء کلّهم یجتمع علیه الناس، مع أن أئمه أهل البیت لم یجتمع علیهم أحد، حتى أمیر المؤمنین (علیه السلام) اختلف الناس فی زمانه، فکیف یکونون هم الأئمه المعنیین فی تلک الأحادیث؟
    والجواب:
    إذا کان المراد باجتماع الناس علیهم هو ما فهمه بعض علماء أهل السنه من الاتفاق على البیعه، فهذا لا ینطبق على أی واحد ممن تولّوا أمر الناس، حتى أبی بکر وعمر، فإن أبا بکر تمَّت له البیعه فی سقیفه بنی ساعده وأکثر المهاجرین کانوا غائبین عنها، وأما عمر فکانت خلافته بنص أبی بکر لا باجتماع الناس، حتى قال بعضهم لأبی بکر: ما أنت قائل لربّک إذا سألک عن تولیه عمر علینا وقد ترى غلظته… (۹۱)، وأما غیرهما ممن جاء بعدهما فقد بیَّنّا أنهم لم یجتمع علیهم الناس بهذا المعنى.
    وعلیه فإن کان المراد من اجتماع الناس هذا المعنى فهو لا ینطبق على أحد، فیکون هذا الحدیث باطلاً، فحینئذ لا مناص من القول بأن المراد من اجتماع الناس فی الحدیث هو اجتماعهم على صلاح هؤلاء الخلفاء، وحسن سیرتهم، وطیب سریرتهم، والاجتماع بهذا المعنى متحقق فی أئمه أهل البیت (علیهم السلام) دون غیرهم، فهُم وحدهم الذین اتفق الشیعه وأهل السنه على اتّصافهم بذلک، فیکون هذا المعنى هو المراد فی الحدیث، لوجود مصادیق له دون المعنى الأول.
    قال الدهلوی (۹۲): وقد عُلم أیضاً من التواریخ وغیرها أن أهل البیت ولا سیما الأئمه الأطهار من خیار خلق الله تعالى بعد النبیین، وأفضل سائر عباده المخلصین والمقتفین لآثار جدّهم سید المرسلین(۹۳).
    ویمکن أن نقول: أن اللام فی (الناس) لاستغراق الصفات، فیکون المراد بهم الکُمَّل من الناس، لا سواد الناس الهمج الرعاع، الذین ینعقون مع کل ناعق، أتباع سلاطین الجور وأئمه الضلال، فإنهم لا قیمه لهم، ولا عبره بخلافهم.
    والکُمَّل من الناس اجتمعوا على بیعه هؤلاء الأئمه خلفاء للأمّه دون غیرهم، وفیهم بحمد الله کفایه للدلاله على صدق الحدیث.
    وبعد کل هذا البیان یتّضح أن الخلفاء الاثنی عشر الذین بشَّر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهم أمّته، ووصفهم بأن الإسلام یکون بهم عزیزاً منیعاً قائماً، وأمر الناس یکون بهم صالحاً ماضیاً؟ وکلهم تجتمع علیه الأمه، لا یمکن أن یکونوا هم أولئک الخلفاء الذین ذکروهم، وکانت أیامهم مملوءه بالفتن والهرج والاختلاف، ولیالیهم کلها خمر ومجون، وانتهاک لحرمات الله، وعبث بأحکام الله، وما إلى ذلک مما هو معلوم، فإن الأمه لم تجنِ من ولایه هؤلاء خیراً.
    وحینئذ لا مناص من الجزم بأن الخلفاء الاثنی عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، الذین حث النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على اتّباعهم والتمسک بهم.
    إلا أنَّا نتساءل: هل خفی على أعلام أهل السنه هؤلاء الخلفاء الذین وصفهم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بأوضح الصفات التی بها امتازوا عن سواهم؟ أم أنهم أخفوا بیان ذلک للناس؟
    إن زعم خفاء هذه المسأله یرجع فی واقعه إلى الطعن فی نبی الأمه (صلى الله علیه وآله وسلم) بالتقصیر فی بیان هذه المسأله المهمه حتى خفیت على علماء الأمه، وهذا لا یصدر من مسلم، فإن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لم یکن یتحدَّث بالأحاجی والألغاز ولا سیما فی أهم المسائل الدینیه، وهی مسأله الإمامه والخلافه.
    إذن، لماذا خفیت هذه المسأله عن علماء أهل السنه؟ أو لماذا أخفوها؟
    هذه أسئله تدور، وتحتّم على أهل السنه أن یجیبوا علیها إجابات علمیه صحیحه لیست مبتنیه على الظن والتخمین والاحتمالات التی لا تغنی من الحق شیئاً.
    (وإن فریقاً منهم لیکتمون الحق وهم یعلمون)[سوره البقره: ۱۴۶].
    ـــــــــــــــــــــ
    ۱- صحیح البخاری ج ۹ ص ۱۰۱ کتاب الأحکام باب ۵۱، مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۰، ص ۹۵، دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۱۹٫
    ۲- شرح السنه ج ۱۵ ص ۳۱٫
    ۳- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۲ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش.
    ۴- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۲ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۸، ص ۱۰۱٫ سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۶۵۱، قال الألبانی: وهذا إسناد صحیح على شرطهما.
    ۵- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص۹۰ ص ۱۰۰٫ مسند أبی داود الطیالسی ص ۱۰۵، ص ۱۸۰، مشکاه المصابیح ج ۳ ص ۱۶۸۷ وقال التبریزی: متفق علیه. الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۳۰٫
    ۶- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند احمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۸، ص ۱۰۱٫ وفی ص ۹۶ قال: عزیزاً منیعاً ظاهراً على من ناواه، لا یضره من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۳۰٫
    ۷- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۸۶، ص ۸۸، ص ۸۹٫ سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۲ ص ۶۹۰٫
    ۸- سنن الترمذی ج۴ ص ۵۰۱ قال الترمذی: هذا حدیث حسن صحیح. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۲، ص ۹۴، ص ۹۹، ص ۱۰۸٫
    ۹- صححها الالبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۰۷٫
    ۱۰- سنن أبی داود ج ۴ ص ۱۰۶ کتاب المهدی. وهذا الحدیث ذکره البیهقی فی دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۲۰ والألبانی فی صحیح الجامع الصغیر ج ۲ ص ۱۲۷۴ بعین لفظه، وأخرجه ابن أبی عاصم فی کتاب السنه، ص ۵۱۸ بلفظ متقارب.
    ۱۱- سنن أبی داود ج ۴ ص ۱۰۶ کتاب المهدی. وذکره الخطیب فی تاریخ بغداد ج ۲ ص ۱۲۶، وأخرجه أحمد فی المسند ج ۵ ص ۹۸، ص ۹۹ وفیه: ثم لغط القوم وتکلموا. وفی نفس الصفحه: فجعل الناس یقومون ویقعدون.
    ۱۲- مسند أحمد ج ۵ ص ۹۷، ص ۱۰۷ إلا أن فیه: لا یزال هذا الأمر صالحاً. المستدرک ج ۳ ص ۶۱۸٫ مجمع الزوائد ج ۵ ص ۱۹۰ قال الهیثمی: رجال الطبرانی رجال الصحیح. ورواه عن جابر فی ص ۱۹۱ وقال: رجاله ثقاه.
    ۱۳- مسند أحمد بن حنبل ج ۱ ص ۳۹۸، مجمع الزوائد ج ۵ ص ۱۹۰، المطالب العالیه ج ۲ ص ۱۹۷٫ مختصر إتحاف الساده المهره بزوائد المسانید العشره ج ۶ ص ۴۳۶٫ وهذا الحدیث حسنه ابن حجر العسقلانی فی فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱، وابن حجر الهیتمی فی تطهیر الجنان واللسان، ص ۳۱۳، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء، ص۸، والبوصیری فی مختصر إتحاف الساده المهره بزوائد المسانید العشره ج ۶ ص ۴۳۶٫
    ۱۴- مسند أحمد بن حنبل ج ۱ ص ۳۹۸٫ حلیه الأولیاء ج ۴ ص ۳۳۳٫ شرح السنه ج ۱۵ ص ۳۰ قال البغوی: هذا حدیث صحیح.
    ۱۵- مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۸۷، ص ۸۸، ص ۹۰٫ المستدرک ج ۳ ص ۶۱۷٫
    ۱۶- راجع المعجم الکبیر للطبرانی ج ۲ ص ۱۹۵ وما بعدها، ح ۱۷۹۱ ـ ۱۸۰۱، ۱۸۰۸، ۱۸۰۹، ۱۸۴۱، ۱۸۴۹ ـ ۱۸۵۲، ۱۸۷۵، ۱۸۷۶، ۱۸۸۳، ۱۸۹۶، ۱۹۲۳، ۱۹۳۶، ۱۹۶۴، ۲۰۰۷، ۲۰۴۴، ۲۰۵۹ ـ ۲۰۶۳، ۲۰۶۷ ـ ۲۰۷۱، ۲۰۷۳٫
    ۱۷- کشف المشکل ج ۱ ص ۴۴۹ وذکر ابن حجر هذه العباره فی فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۱۸- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۱۹- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ، ص ۴۶۸: القاضی عیاض بن موسى بن عیاض بن عمرو بن موسى بن عیاض العلامه عالم المغرب أبو الفضل الیحصبی السبتی الحافظ، ولد سنه ۴۷۶ هـ، وأجاز له أبو علی النسائی، وتفقه وصنف التصانیف التی سارت بها الرکبان کـ (الشفا) و (طبقات المالکیه) و (شرح مسلم)، و(المشارق) فی الغریب، و (شرح حدیث أم زرع… وبعد صیته، وکان إمام أهل الحدیث فی وقته، وأعلم الناس بعلومه، وبالنحو واللغه وکلام العرب وأیامهم وأنسابهم. ولی القضاء سبته ثم غرناطه، ومات لیله الجمعه سنه ۵۴۴ هـ بمراکش.
    ۲۰- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۲۱- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۲۲- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ ص ۴۳۳: البیهقی الإمام الحافظ العلامه شیخ خراسان أبو بکر أحمد بن الحسین بن علی بن موسى الخسروجردی صاحب التصانیف، ولد سنه ۳۸۴ هـ، ولزم الحاکم وتخرج به، وأکثر عنه جداً، وهو من کبار أصحابه، بل زاد علیه بأنواع العلوم. کتب الحدیث وحفظه من صباه، وبرع وأخذ فی الأصول، وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل… وعمل کتباً لم یسبق إلیها (کالسنن الکبرى)، و (الصغرى)، و(شعب الإیمان)، و (الأسماء والصفات)، و (دلائل النبوه) وغیر ذلک مما یقارب ألف جزء. مات سنه ۴۵۸ هـ بنیسابور، ونقل فی تابوت إلى بیهق (بتصرف).
    ۲۳- دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۲۰٫
    ۲۴- المصدر السابق ج ۶ ص ۵۲۱٫
    ۲۵- أخرجه أبو داود فی سننه ج۴ ص ۲۱۱ ح ۴۶۴۶، ۴۶۴۷، والترمذی فی سننه ج ۴ ص ۵۰۳ وقال: هذا حدیث حسن، وأخرجه ابن حبان فی صحیحه کما فی الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۹ ص ۴۸، والحاکم فی المستدرک ج ۳ ص ۷۱، ص ۱۴۵، وأحمد فی المسند ج ۵ ص ۲۲۰، ص ۲۲۱، والبیهقی فی دلائل النبوه ج ۶ ص۳۴۲ وصححه الألبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۷۹، وسلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۷۴۲ ح ۴۵۹، ونقل تصحیحه عن الحاکم والذهبی وابن حبان وابن حجر وابن جریر الطبری وابن تیمیه، ونقل عنه اعتماد الإمام أحمد علیه، وأنه متفق علیه بین الفقهاء وعلماء السنه. ورد الالبانی على من ضعف الحدیث کابن خلدون فی تاریخه، وأبی بکر بن العربی فی العواصم من القواصم، ثم قال: فقد تبین بوضوح سلامه الحدیث من عله قادحه فی سنده، وأنه صحیح محتج به.
    ۲۶- قال السیوطی فی تاریخ الخلفاء، ص ۱۸۳: عمر بن عبد العزیز بن مروان، الخلیفه الصالح أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدین. وقال الذهبی فی کتابه العبر ج ۱ ص ۹۱: فی رجب [ سنه إحدى ومائه ] توفی الإمام العادل أمیر المؤمنین وخامس الخلفاء الراشدین أبو حفص عمر بن عبد العزیز. وأخرج أبو داود فی سننه ج ۴ ص ۲۰۷: عن سفیان الثوری أنه قال: الخلفاء خمسه: أبو بکر وعمر وعثمان وعلی وعمر بن عبد العزیز.
    ۲۷- سنن أبی داود ج ۴ ص ۲۱۰٫ وصححه الألبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۷۹٫
    ۲۸- فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۲۹- سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۷۴۸٫
    ۳۰- هذا القول للطیبی، نقله فی عون المعبود ج ۱۲ ص ۳۸۸٫
    ۳۱- ذهب إلى ذلک ابن أبی العز حیث قال: إن زمان علی لم ینتظم فیه الخلافه ولا الملک. وستأتی کلمته قریباً. وقال الطیبی کما فی عون المعبود ج ۱۲ ص ۳۸۸: إن الخلافه فی زمن عثمان وعلی رضی الله عنهما مشوبه بالملک.
    ۳۲- ذکر ذلک الإمام البغوی فی شرح السنه ج ۱۴ ص ۷۵، والمناوی فی فیض القدیر ج ۳ ص ۵۰۹٫
    ۳۳- هذا القول للملا علی القاری فی مرقاه المفاتیح ج ۹ ص ۲۷۱٫
    ۳۴- منها: أن وصف الرساله والنبوه لا یرتفع عن النبی والرسول بسبب عدم اتباع الناس له، وصاحب المال أو المتاع لا یحکم بصیروره المال لغیره بمجرد عدم تمکنه من التصرف فیه، وتمکن غیره منه، وهو واضح معلوم.
    ۳۵- شرح العقیده الطحاویه ص ۴۷۳٫
    ۳۶- البدایه والنهایه ج ۸ ص ۱۳۴٫
    ۳۷- المصدر السابق ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۳۸- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۳۹- قال ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب ج ۶ ص ۳۲۶: صدر الدین محمد بن علاء الدین علی بن محمد بن أبی العز الحنفی الصالحی، اشتغل قدیماً ومهر ودرس وأفتى وخطب بحسبان مده، ثم ولی قضاء دمشق فی سنه ۷۷۹ هـ، ثم ولی قضاء مصر بعد ابن عمه، فأقام شهراً ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوه فاعتقل بسببها، وأقام مده مقتراً خاملاً إلى أن جاء الناصری، فرفع إلیه أمره فأمر برد وظائفه، فلم تطل مدته بعد ذلک، وتوفی فی سنه ۷۹۲ هـ (بتصرف).
    ۴۰- شرح العقیده الطحاویه ص ۴۸۹٫
    ۴۱- نقلنا ذلک باختصار من کتاب البدایه والنهایه ج ۸ ص ۲۲۴، راجع لسان المیزان ج ۶ ص ۲۹۴، تاریخ الإسلام، حوادث سنه ۶۱ ـ ۸۰ هـ .
    ۴۲- تاریخ الخلفاء ص ۱۷۶٫
    ۴۳- العبر فی خبر من غبر ج۱ ص ۸۵٫
    ۴۴- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۶، فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۴۵- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۶٫
    ۴۶- تاریخ الخلفاء ص ۱۰٫
    ۴۷- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۴۸- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۷۲٫ کتاب الإماره، باب وجوب الوفاء ببیعه الخلفاء الأول فالأول.
    ۴۹- المستدرک على الصحیحین ج ۳ ص ۳۵۷٫
    ۵۰- قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۷ ص ۲۳: الإمام العلامه الحافظ اللغوی أبو سلیمان حمد بن محمد بن إبراهیم بن خطاب البستی الخطابی صاحب التصانیف، ولد سنه بضع وعشره وثلاثمائه. أخذ الفقه على مذهب الشافعی عن القفال الشاشی وغیره، وحدث عنه الحاکم النیسابوری والإمام والإسفرایینی وغیرهما. قال السلفی: وأما أبو سلیمان الشارح لکتاب أبی داود فإذا وقف منصف على مصنفاته واطلع على بدیع تصرفاته فی مؤلفاته تحقق إمامته ودیانته فیما یورده وأمانته، وکان قد رحل فی الحدیث وقراءه العلوم وطوف، وألف فی فنون العلم وصنف.. توفی ببست سنه ۳۸۸ هـ (بتصرف).
    ۵۱- فتح الباری ج۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۵۲- سنن الترمذی ج ۵ ص ۴۴۵٫ الدر المنثور ج ۸ ص ۵۹۶٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۵۳- الحکم هو الحکم بن أبی العاص الأموی والد مروان بن الحکم وعم عثمان بن عفان، طرده رسول الله (صلى الله علیه وآله) ونفاه من المدینه إلى الطائف، ولعنه رسول الله (صلى الله علیه وآله) ولعن من فی صلبه، توفی فی خلافه عثمان.
    ۵۴- مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳، قال الهیثمی: رواه أبو یعلى ورجاله رجال الصحیح غیر مصعب بن عبد الله بن الزبیر وهو ثقه. المستدرک ج ۴ ص ۴۸۰ وقال: هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین. ورمز له الذهبی بـ ( م ) أی على شرط مسلم. المطالب العالیه ج ۴ ص ۳۳۲٫ مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۱۰ ص ۵۰۵ وقال: رواه أبو یعلى ورواته ثقات. البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۵۵- الدر المنثور ج ۵ ص ۳۱۰٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫ وراجع إن شئت تاریخ بغداد ج ۹ ص ۴۴، معجم الطبرانی الکبیر ج ۲ ص ۹۲٫
    ۵۶- المستدرک ج۴ ص ۴۸۱ قال الحاکم: هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین ولم یخرجاه ووافقه الذهبی. وأخرجه البویصری فی مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۹ ص ۲۰۲، وروى عنه (صلى الله علیه وآله وسلم) أنه قال: ( وشر قبائل العرب بنو أمیه)، قال البویصری: رواه أبو یعلى الموصلی بإسناد حسن. مجمع الزوائد ج ۱۰ ص ۷۱ وقال: رواه أحمد وأبو یعلى… وکذلک الطبرانی، ورجالهم رجال الصحیح غیر عبد الله بن مطرف بن الشخیر وهو ثقه.
    ۵۷- هم الحکم وابنه مروان وأولادهما.
    ۵۸- أی یتداولونه فیما بینهم.
    ۵۹- قال ابن الأثیر فی النهایه ج ۲ ص ۱۲۳: أی یخدعون به الناس، وأصل الدغل الشجر الملتف الذی یکمن أهل الفساد فیه…
    ۶۰- أی خدم وعبید.
    ۶۱- المستدرک ج ۴ ص ۴۸۰٫ مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳ إلا أنه قال: بنو أبی الحکم. وقال: رواه الطبرانی، وفیه ابن لهیعه وفیه ضعف، وحدیثه حسن. دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۰۷٫ مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۱۰ ص ۵۰۵ وقال: رواه أبو یعلى بسند صحیح. المطالب العالیه ج ۴ ص ۳۳۲٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۶۲- المستدرک ج ۴ ص ۳۷۹٫
    ۶۳- المصدر السابق ج ۴ ص ۴۸۱ وقال الحاکم: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ووافقه الذهبی.
    ۶۴- المستدرک ج ۴ ص ۴۸۱ وقال الحاکم: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.
    ۶۵- مسند أحمد بن حنبل ج۱ ص ۱۸، مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۰ وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
    ۶۶- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۷٫
    ۶۷- مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳٫ وقال: رواه الطبرانی، وفیه أبن لهیعه وفیه ضعف، وحدیثه حسن. البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۷٫
    ۶۸- میزان الاعتدال ج ۴ ص ۸۹٫
    ۶۹- تهذیب التهذیب ج ۱۰ ص ۸۳٫
    ۷۰- الإصابه ج ۳ ص ۴۷۷٫
    ۷۱- التجرید ج ۲ ص ۶۹٫
    ۷۲- تهذیب الأسماء اللغات ج ۲ ص ۸۷٫
    ۷۳- اُسد الغابه ج ۴ ص ۳۴۸، الاستیعاب ج ۳ ص ۴۲۵٫
    ۷۴- تاریخ الخلفاء، ص ۲۰۴٫
    ۷۵- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ، ص ۳۷۴: أبن حبان الحافظ العلامه أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ… التمیمی البستی صاحب التصانیف، سمع النسائی والحسن بن سفیان وأبا یعلى الموصلی، وولی قضاء سمرقند، وکان من فقهاء الدین وحفاظ الآثار، عالماً بالنجوم والطب وفنون العلم. صنّف المسند الصحیح و(التاریخ) و(الضعفاء). قال الخطیب: کان ثقه نبیلاً فهماً. وقال ابن الصلاح: ربما غلط الغلط الفاحش. مات فی شوال سنه ۳۵۴ هـ.
    ۷۶- الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۲۷٫
    ۷۷- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۷۸- هو أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبی صفره اسید بن عبد الله الاسدی الأندلسی، مصنف شرح صحیح البخاری . قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۷ ص ۵۷۹: کان أحد الأئمه الفصحاء الموصوفین بالذکاء… ولی قضاء المریه، وتوفی فی سنه ۴۳۵ هـ (بتصرف).
    ۷۹- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۸۰- قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۵ ص ۳۶۱: الإمام المقرئ الحافظ أبو الحسین، أحمد بن جعفر بن المحدث أبی جعفر محمد بن عبید الله بن أبی داود بن المنادی البغدادی صاحب التوالیف. ولد سنه ۲۵۷ هـ تقریباً، وتوفی سنه ۳۳۶ هـ . قال الدانی: مقرئ جلیل غایه فی الإتقان، فصیح اللسان عالم بالآثار، نهایه فی علم العربیه، صاحب سنه، ثقه مأمون (بتصرف). قال الخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد ج ۴ ص ۶۹: کان صلب الدین، شرس الأخلاق، فلذلک لم تنتشر عنه الروایه، وقد صنف أشیاء وجمع.
    ۸۱- فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۸۲- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۸۳- ینابیع الموده ج ۳ ص ۱۰۴٫
    ۸۴- سیر أعلام النبلاء ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۵- المصدر السابق ج ۴ ص ۳۹۸٫ وذکر أهلیته للخلافه أیضاً فی ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۶- المصدر السابق ج ۴ ص ۴۰۲٫ وکذلک فی ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۷- تاریخ الإسلام: حوادث ووفیات سنه ۱۴۱ ـ ۱۶۰ هـ، ص ۹۳٫ سیر أعلام النبلاء ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۸- سیر أعلام النبلاء ج۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۹- المصدر السابق ج ۹ ص ۳۹۲٫
    ۹۰- منهاج السنه النبویه ج۴ ص ۲۱۳٫ قول ابن تیمیه هذا یدل على انه لم یکن فی وسعه أن یجحد فضل أئمه أهل البیت (علیهم السلام) وأهلیتهم للإمامه، ولو کان ذلک فی وسعه لأنکر ما وسعه الإنکار، لإنه کان فی مقام المناظره مع خصمه لا فی مقام المجامله. وتنظیره الإمام بالقاضی مغالطه واضحه، والصحیح أن ینظر بالقاضی المنصوب من قبل النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فإنه یکون قاضیاً وإن جحده کثیر من الناس، ومع نص النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على خلافتهم لا یضرهم من خالفهم ولا من ناواهم. وقوله: (فلا موجب للتخصیص) غیر صحیح، لأن التخصیص حاصل بالنصوص الصحیحه الآمره بالتمسک بأهل البیت دون غیرهم، فلا سبیل للعدول عنهم إلى غیرهم.
    ۹۱- الطبقات الکبرى ج ۳ ص ۱۹۹، تاریخ الخلفاء ص ۶۲، الصواعق المحرقه ج ۱ ص ۲۵۴٫
    ۹۲- قال محب الدین الخطیب فی ترجمته فی مقدمه مختصر التحفه الاثنی عشریه: کبیر علماء الهند فی عصره شاه عبد العزیز الدهلوی (۱۱۵۹ ـ ۱۲۳۹) أکبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولی الله الدهلوی، وکان شاه عبد العزیز یعد خلیفه أبیه ووارث علمه.
    ۹۳- مختصر التحفه الاثنی عشریه ص ۵۵٫

  • 1

     إن التسمية التي أطلقت على الفريقين ، ليست وفية للحقيقة . و هي أسماء سموها من عند أنفسهم ، نزاعة للتشويه و التضليل ، أكثر من حرصها على الموضوعية . و استخدام الاسمين في الأبعاد التضليلية ، كان من دأب التيار الأموي . فالنقطة الحساسة التي توحي بها المفارقة بن الاسمين ، هو أن ( سنة ) الرسول صلى الله عليه و آله لها شمتها في عنوان ( السنة و الجماعة ) ، في الوقت الذي لا رائحة لها في عنوان ( مذهب الشيعة ) . هذا يعني إن مذهب الشيعة يقف مقابلا لمذهب ( السنة و الجماعة ) بما هي الممثل الوحيد لسنة الرسول صلى الله عليه و آله !.
    و هذا التشويه ، و التضليل ، قد أوتي أكله على امتداد الأيام التي أردفت عصور المحنة . فلقد أصبح ( الشيعة ) يفتقدون للمسوغات النفسية و الإعلامية في ذهن الجمهور .

    و السؤال الصميمي هنا : من هم الشيعة ، و من هم السنة ؟.
    السنة
    السنة في اللغة ، تعني الطريقة ، و المنهاج . و سنة الرسول صلى الله عليه و آله معناها طريقته . و في لسان العرب لابن منظور ، السنة ، و التسنن تعني الطريقة المحمودة المستقيمة . و لذلك قيل : فلان من أهل السنة ، بمعنى ، إنه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة ، و هي مأخوذة من السنن و هو الطريقة ، و يقال للخط الأسود على متن الحمار : سنة .
    و هي اصطلاحا ، تعني كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه و آله من قول و فعل و تقرير . و يسمى السنة مذهبهم ( أهل السنة و الجماعة ) و يقصدون بذلك إنهم أصحاب الطريقة المحمودة 1. و اتباع الرسول صلى الله عليه و آله و الجماعة ، و غيرهم لا يسلك طريق النبي صلى الله عليه و آله و هي الجماعة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه و آله ( يد الله مع الجماعة ) .
    الشيعة
    و الشيعة لغة ، هم الأتباع و الأنصار . و في لسان العرب ( هم القوم الذين يجتمعون على الأمر . و كل قوم اجتمعوا على أمر ، فهم شيعة . و كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع .
    و في القرآن الكريم : ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴾ 2 .
    و شايع تأتي بمعنى والاه ، من التولي..
    يقول الكميت :
    وما لي إلا آل أحمد شيعة *** و ما لي إلا مذهب الحق مذهب
    و ( الشيعة ) اصطلاحا يراد بهم أتباع و أنصار آل البيت ( عليهم السلام ) و هم الذين ناصروهم في كل محنهم ، و سلكوا سبيلهم و والوهم !.
    يقول ابن خلدون 3: ( إعلم أن الشيعة لغة هم الصحب و الاتباع ، و يطلق في عرف الفقهاء و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه ( رضي الله عنهم ) .
    و الشيعة حسب تعريف علمائهم ، هم الذين يسلكون سنة الرسول صلى الله عليه و آله مأخوذة من عترته الطاهرة .
    بيد أن الملابسات السياسية و الإيديولوجية التي رافقت حركت الفرقتين أضفت على القضية ، مجموعة من الشبهات لا تحصى و لا تعد . و بالتالي يكون من الضروري التعرض إلى المصطلحين . بشكل أعمق ، يستمد مرتكزاته من عمق التأريخ الإسلامي ذاته .
    و ذلك لأن أعداء الشيعة طالما تحاملوا على الشيعة ، ملتمسين كل سلبية غريبة و إلصاقها بهم . و في ذلك يقول طه حسين 4 : ( و ما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة ) .
    ثم ماذا ؟
    إنني ما زلت أتتبع تاريخ المذاهب الإسلامية ، حتى انتهيت إلى أن مذهب آل البيت ( عليهم السلام ) هو أول مذهب في الإسلام . و هذا لا يعني إنهم انفردوا عن غيرهم بطريقة ابتدعوها ، و لكنهم احتفظوا بموقعهم الأصيل الذي عرفوا به ، هذا في الوقت الذي شردت فيه جميع الملل و النحل ، و تفرقت تبتغي الحق عند غير أهله .
    يقول السيد محسن الأمين في الأعيان 5 : ( فما يظهر من فهرست ابن النديم من أن تسمية أتباع علي ( عليه السلام ) بإسم الشيعة كان ابتداؤه من يوم الجمل ليس بصواب ، بل تسميتهم بذلك من زمن الرسول صلى الله عليه و آله قال ابن النديم في الفهرست ما لفظه : ذكر السبب في تسمية الشيعة بهذا الاسم . قال محمد بن إسحاق لما خالف طلحة و الزبير على علي و أبيا إلا الطلب بدم عثمان بن عفان و قصدهما علي ( عليه السلام ) ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل أسمه ، فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة فكان يقول شيعتي ) .
    فالتشيع ليس بدعة في تاريخ الإسلام . و لطالما حاول البعض إلصاقه بالعهود المتأخرة . بل لقد بلغت القسوة ببعضهم فربطه ( بالفرس ) .
    و كان لهذه الدعايات أثر علي في البداية ، مع أنني لم أستسلم لها بسهولة ، فلم أكن سلسا لتقبل كل فكرة بدون اختبار .
    و استقرت قناعتي في النهاية بعد أن تأكدت من تلك الحبكات الخرافية . ففي ( فجر الإسلام ) لأحمد أمين ، و هو من أكبر المناصبين للشيعة ، يقول : ( كانت البذرة الأولى للشيعة ، الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ) 6 .
    و في دحض فكرة ( فارسية ) التشيع ، قال : ( و الذي أرى ـ كما يدلنا التاريخ ـ إن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ، و لكن بمعنى ساذج ، و هو أن عليا أولى من غيره من وجهتين ، كفايته الشخصية و قرابته للنبي ) 7 .
    فالذين لا يعلمون ـ من إخواننا السنة ـ يجب أن يدركوا ، كما أدركت ـ منذ فتحت قلبي للحقيقة ـ أن أغلب علمائهم من ( فارس ) .
    إنني ما زلت أقتفي آثار علماء السنة الكبار ، في البلاغة و النحو و الفقه و الحديث و التصوف.. فأجد الأغلبية الغالبة منهم ، فرسا . و منهم : البخاري و الترمذي و النسائي و ابن ماجة القزويني و الإمام الرازي و القاضي البيضاوي و أبو زرعمه الرازي و الفيروزآبادي ( صاحب القاموس المحيط ) و الزمخشري و الإمام فخر الدين الرازي والكازروني و أبو القاسم البلخي و القفال المروزي و التفتازاني و الراغب الأصفهاني و البيهقي و التبريزي الخطيب ، و الجرجاني و أبو حامد الغزالي .. و غيرهم مما يعجز عن عدهم اللسان و يضيق عنهم المقام . فأعلام ( السنة و الجماعة ) الفطاحل ، و علماؤهم النحارير و محدثوهم النقاريس ، كانوا من بلاد ( فارس ) .
    و التشيع أدخل إلى فارس ، من بلاد العرب ، و ساهم في نشر التشيع في بلاد فارس علماء من العراق ، و جبل عامل و الأحساء ، و المدينة المنورة .
    ليست التسمية ـ إذا ـ هي موضوع الإشكال ، و إنما الواقع الفعلي للمذهبين هو موضوع النقاش . إذ إننا و نحن ننظر في سنة الرسول صلى الله عليه و آله القولية و الفعلية و التقريرية . سوف نتبين أي الفريقين أقرب إليها .
    إن الشيعة لم يكونوا يوما مبتدعة ، بل إن مذهبهم قائم في الأساس على ( النص ) . و إذا أتيت إن الإسلام الحقيقي بعد الرسول صلى الله عليه و آله تمثل في علي ( عليه السلام ) فإن التشيع لعلي ( عليهم السلام ) هو التعبير المرحلي عن التشيع لمحمد صلى الله عليه و آله بالثبات على تعاليمه و توصياته في حق علي (عليه السلام ) و الذي هو الإسلام ) !.
    فإسم ( السنة ) أتى ، كأستراق للفرصة ، لمحاصرة ( الشيعة ) اصطلاحيا ، لأن التيار السائد يومها لم يكن له من الحجة سوى اللعب على وتر المفاهيم القشرية . و كان اليوم الذي تحولت فيه الخلافة إلى ملك عضود ، هو عام الجماعة ، و منها جاء ( السنة و الجماعة ) !.
    كان همي أن أبحث عن الإسلام الحق ، فأنا لم أكن أبحث عن التمذهب .
    و ما أن دخلت في لجج التأريخ ، حتى تبين لي أن الباحث عن اللامذهبية ، كالباحث عن السراب . إن الإسلام ، تفرق أهله إلى فرق لا تحصى ، و ما بقي من إسلام حق ، بدا للمتمذهبين ، مذهبا . فأي المذاهب ، إذا ، تمثل الإسلام الصحيح . أو حتى ما يقارب 95 في المائة من الإسلام الصحيح ؟
    و من يضمن لي يومها إن هذه الفرقة أو تلك ، هي الأقرب إلى ( الحقيقة ) و أنا في خضم المعترك أبحث عن خشبة نجاة ؟ و لكنني لم أشك في القرآن الكريم .
    ففيه عثرت على مقومات البحث عن الحقيقة . تعلمت أن من شروط البحث عن الحقيقة ، عدم الاستماع إلى القول الواحد ، و إلى الفرقة الواحدة . و لكن ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ... ﴾ 8 . كما رأيت إن الله ، يمدح القلة و يذم الكثرة ، حسب معايير الحق و الباطل.. حيث يقول ﴿... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ 9 كما يقول ذاما الكثرة الجاهلة ﴿ ... بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ 10 .
    إن قلبي بدأ ينفتح ، شيئا فشيئا على التأريخ ، و الشيعة الآن أصبحوا جزءا من الإسلام ، و هذا ما توصلت إليه حتى تلك اللحظات . لقد كان الرسول صلى الله عليه و آله أول من تكلم في الشيعة ، و وصفهم للصحابة . و أول من ربط التشيع بالإمام علي ( عليه السلام ) ، و هو يريد بذلك إثارة المستقبل في ذهن الصحابة ، و يلفت المسلمين إلى قيمة علي (عليه السلام ) في الآن و في المستقبل . ليكونوا في أجوائه حين يقع ما يقع . و إلا ماذا يعني أن يقول : ( علي مع الحق و الحق مع علي ) .
    أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و آله فأقبل علي ( عليه السلام ) فقال النبي صلى الله عليه و آله : ( و الذي نفسي بيده ، إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة . و نزلت ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 11 12.
    و أخرج ابن مردويه عن علي (عليه السلام ) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله ألم تسمع قول الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 11 ؟، هم أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ) 13 .
    و روى ابن حجر في الصواعق المحرقة ، و هو من أكبر الناقمين على الشيعة عن ابن عباس أنه قال ، لما أنزل الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ 11 ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي (عليه السلام ): ( هم أنت و شيعتك ، تأتي أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، و يأتي عدوك غضابا مقمحين .
    قال : من عدوي ؟ قال : من تبرأ منك و لعنك .
    و روى الحمويني الشافعي في فرائد السمطين إن الآية الكريمة : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 11 ، نزلت في علي (عليه السلام ) فكان أصحاب محمد صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي (عليه السلام ) قالوا قد جاء خير البرية .
    و روى ابن المغازلي المالكي في مناقبه عن ابن عباس ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ 14 فقال : قال لي جبريل : ذلك علي و شيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله لكرامته .
    و لما كانت الأحاديث التي ربطت الآية بعلي (عليه السلام ) و شيعته ، و بعد أن تواترت و استعصى تكذيبها ، لما كان رواتها من فطاحل أهل السنة و الجماعة ، حاول ابن حجر ـ في صواعقه المحرقة ـ أن يفلسفها و يخنقها بترهاته المعهودة ، قائلا : عن علي ( عليه السلام ) فقال ، قال ( عليه السلام ) : إن خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله قال يا علي إنك ستقدم على الله و شيعتك راضين مرضيين و يقدم عليه عدوك غضابا مقمعين ، ثم جمع علي يديه إلى عنقه يريهم الاقحام قال ـ بن حجر ـ و شيعته هم أهل السنة و لا تتوهم الرافضة ، و الشيعة قبحهم الله ) .
    و لا أحد يشك ؟ في هذا التهافت الباطل . إذ كيف يستقيم كلام هذا ـ المخرف ـ ، و هل يظن أنه يكتب للأرانب . إذا كان شيعة علي ( عليه السلام ) هم أهل السنة ، فأعداؤه من ؟؟ هل هم شيعته الذين قاتلوا إلى جنبه الطاغوت الأموي ؟. و نحن إلى الآن ، لن نجد تراث بني أمية سوى عند أهل السنة ، ولم نجده عند الشيعة قط .
    و من المؤسف بالنسبة لي ، أن بدأت أخسر بعض أصدقائي المقربين . الذين ما ألفنا منهم سوى العمق في الدراسة و التحليل . إنه عزيز علي أن أرى صاحب ( التأريخ الإسلامي ) محمود شاكر ، يقول : ( بل لم تكن كلمة الشيعة تحمل أكثر من معنى التأييد و المناصرة . و لكنها غدت مع الزمن فكرا خاصا و عقيدة خاصة ، و نسب إلى الأوائل أقوال لم يقولوها و أخبار لم يعرفوها ، و أفكار لم تخطر على بالهم أبدا 15.
    و كان على أستاذنا الجليل أن يبحث أكثر من ذلك . فمع أنه لم ينكر إن ( كلمة ) الشيعة كانت في البداية . إلا أنه لم يحفر في الخلفيات التاريخية ، التي أظهرت التشيع كحالة مذهبية ، انفردت بأفكار و عقائد خاصة ، فأستاذنا ، لم يحدثنا عن الآخرين ، و هل ثبتت أفكارهم و عقائدهم . لقد ابتعد المسلمون عن الأفكار و العقائد في صفائها الإسلامي الأول ، حتى بدت لهم عقائد أهل البيت ( عليه السلام ) و كأنها هي المتحركة . فهم أشبه بمن يعتقد بحركة الجبال و الأشجار من رواء نافذة القطار . ثم هل خصوصية هذه الأفكار و العقائد ، دليل على أخطائها ؟!
    كنت متأكدا من أن هؤلاء يجتهدون في دائرة أخطائهم ، و يتألقون في فلسفة الباطل .
    فالشيعة لغة و اصطلاحا ، هم أولئك الذين تمحوروا حول الرسول صلى الله عليه و آله و من بعده على آل البيت ( عليهم السلام ) استجابة للنصوص الواردة .
    ******************************
    1. هذا المعنى في الواقع جديد على هذا العنوان . لأنه تاريخيا كان له هدف معين و معنى آخر ، كما سنوضح !.
    2. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 83 ، الصفحة : 449 .
    3. تاريخ ابن خلدون ، الفصل السابع و العشرون : في مذهب الشيعة في حكم الإمامة / 348.
    4. اسلاميات لـ طه حسين
    5. اعيان الشيعة لمحسن امين :1 / 19
    6. فجر الإسلام لأحمد أمين : 366 .
    7. نفس المصدر : 277 .
    8. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 460 .
     9. القران الكريم : سورة سبأ ( 34 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 429 .
    10. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 63 ، الصفحة : 403 .
    11. a. b. c. d. القران الكريم : سورة البينة ( 98 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 598 .
    12. الدر المنثور للسيوطي
    13. نفس المصدر السابق
    14. القران الكريم : سورة الواقعة ( 56 ) ، الآية : 10 و 11 ، الصفحة : 534 .
    15. التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ـ الخلفاء الراشدون و العهد الأموي. الطبعة الرابعة ( 1405 ه‍ ـ 1985 م ) المكتب الإسلامي .

    المصدر : مرکز الإشعاع الإسلامي

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page