• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اثنى عشر خليفة

  • 1

    الاسم الكامل : محمد الرصافي المقداد
    الدولة والمدينة : تونس
    الدين والمذهب السابق : سني ـ مالكي
    المساهمة :

    قراءة في حديث الاثني عشر خليفة

    إن من الأحاديث النبوية التي دلت على أحقية متبعيها بالصحة والنجاة ، وميزت معتنقي خطها على غيرهم من ملل الإسلام ونحله،بالسمع والطاعة واتباع سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق تعاليم الإسلام الصافي من وموارده الأصلية وأبوابه الحقيقية ،التي أوجب الله تعالى إتيانها والتعبد بها، لأن العبادة بلا مثال يحتذى ،وأنموذج يقتدى ، في حقيقتها ليست سوى اتباع هوى وشبهات لا تقف على ساحل حقيقة. مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:”لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمرالله " (1)
    أحاديث الاثني عشر إماما أو خليفة كما جاء في عدد منها. هي من الأحاديث القليلة في خصوص الإمامة التي اتفق على صحة ورودها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجمع رواة الفرق على نقلها وتدوينها ، بعدما سلمت من أيدي المانعين والمحاربين لأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت دعاوى عديدة لا تستقيم مبرراتها، بل هي سبب البلية في الأمة وموضع الداء الذي نخر عودها قرون عديدة ، فما فرق الأمة غير الإصرار على تغييب السنة النبوية في الصدر الأول من الإسلام ، بدعوى اختلاطها بالقرآن ، تحت عناوين ومبررات أخرى ظهرت حسيكة النفاق حائلة بين النبي صلى الله عليه وآله وأمته ،تشكيكا في ما صدر عنه ،تارة بأنه أذن وتارة أخرى بأنه يهجر ،ولو ترك المحرفون لنا كل غميزة قذف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما استوعبت طعونهم كتابا، ذلك السلوك الظالم أسفر عن حدوث هوة فصلت المسلمين عن نبيهم وتراثه الذي يعتبر ثاني مصادر تشريع الأمة والشارح لمقاصد آيات الله تعالى وكلامه ، كما كانت نتيجة ذلك المنع انحسار تواتر الأحاديث إلى عدد محدود من الأحاديث التي لا تشكل في مضونها ولا في مقصدها خطرا على المؤسسين لخط الشورى الصوري .

    الحديث: عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله (ص) يقول :لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا . (2)
    الحديث : وعنه أيضا، قال سمعت رسول الله (ص) يقول :لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة .قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال ؟ فقال كلهم من قريش .(3)
    الحديث : عن قيس بن عبد الله قال كنا جلوسا في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال أيكم عبد الله بن مسعود؟ فقال عبد الله:أنا عبد الله بن مسعود،فقال هل حدثكم نبيكم (ص) كم يكون بعده من الخلفاء؟قال نعم اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل.(4)

    لست في مقام النظر إلى أسانيد الروايات ، لأن مضمون الحديث مما أجمع أرباب المجاميع الروائية عند كافة الفرق الإسلامية على التسليم بصحة وروده عن رسول الله صبى الله عليه وآله وسلم بلا معارضة من أحد من قدامى علماء الحديث النبوي، وإذا ما تسالم الجميع على صحة حديث لم يعد هناك لزوم للنظر في سنده ، لذلك صرفت النظر إلى ما حواه متنه من دلالات ومعان متعلقة بالقيادة في الأمة الإسلامية، وهو الأهم في واقع الأمر،ولا أرى مسألة هي من الحساسية والخطورة كهذه ، منها ضربت الأمة ضربة لا تزال تعاني من آثارها إلى اليوم .
    للحديث دلالة غيبية على من سيلي الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية ، و إعلان بأن هذا الدين (هذا الأمر)غير مسكوت عنه ولا متروك للناس يرون فيه رأيهم من ناحية أخرى ، ولقد أدرجت حديثين من الأحاديث المتفق عليها لبسط البحث في انتظار دعمها بأحاديث أخر.

    لقد اتفق المسلمون على صحة الرواية ومع التسليم بصحتها لم يعد هنالك مجال للقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سكت عن الدور الذي يليه لأنه من تمام الدين وكمال الرسالة ودعوى السكوت أو الإهمال التي رفعها القائلون بأن الله تعالى أوكل للناس حفظ دينه هكذا بلا أدنى حصر ولا تقنين ، وعوض أن تكون قيادة الأمة مستجيبة لقانون التفاضل الطبيعي و اختيار الأفضل ، نكس أمرها إلى اختيار لم يستجب لأبسط قواعد الشورى، ولا لأدنى معايير الاختيار، بل لعل الأدهى أن تصور الشورى عند القائلين به، انبنى على الأساس الذي أسسته حادثة السقيفة ، ببعديه الديني والسياسي، وان كان ذلك البناء متداعيا منذ بدايته لأنه قد طوق به أصحابه بنقضهم لما أسسوا له من تصور شوروي للحكم فالخليفة الأول نص على الثاني والثاني حصر الحكم في ستة ،ظاهر العملية يوحي بشورى محدودة وفي باطن الأمر فان المتتبع للحادثة وما سبقها وما تلاها يدرك أن الخليفة الثاني كان يهيئ لأمر إلى بني أمية منذ تعيين معاوية واليا على الشام مرورا بالتعيين الغير مباشر للخليفة الثالث عبر صهره عبد الرحمان بن عوف الذي أوكل له الخليفة الثاني اختيار من سيلي الأمر من بعده إذا تعادل الستة ثلاثة مقابل ثلاثة بقوله :"فانظروا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمان بن عوف.". لذلك فان مسألة الشورى عند رافعي شعارها مجهظة منذ البداية لبعد النظرية عن التطبيق.

    فنتج عن ذلك انفراط أمر القيادة في الأمة إلى من لم يكن ليهدي أحدا من الأمة إلا أن تقع هدايته ، ثم رجع الأمر إلى من لا يقبل الهداية أبدا ولا يدركها مطلقا، وتلقفها الطلقاء تلقف الكرة كما قال أبو سفيان عند تولي عثمان سدة الحكم واجتمع بنوا أمية في داره، وتواصل انحدار الحكومة إلى شاربي الخمور ومعلني الفجور والمعطلين لأحكام الله تعالى والمحاربين له بكل ما طالته أيديهم القذرة. وهم أغلب ما حكم من بني أمية وبني العباس. وقنن ذلك النتاج الخاطئ لتصبح تولية المفضول مع وجود الفاضل أمرا واقعا وتثبيتا لممارسة أقر المؤسس لها بكونها فلتة وقى الله المسلمين شرها ومن عاد إلى مثلها وجب قتله. فحكم على صنيعه بالفلتة وعلى نفسه بالقتل.

    وبصحة الحديث صح العدد الغيبي الذي فيه ، ذلك العدد الذي يتفق مع السنن والنواميس الإلهية كعدة الساعات الاثني عشر وعدة الشهور وعدة الأبراج ، وعدة العيون التي انفجرت لموسى ، وعدة الكواكب التي رآها يوسف في المنام ساجدة له وعدة الأسباط وأممهم ، إلا أن الجدل الذي قام كان من جهة الأشخاص المعنيين فيه ، من هم ؟ فأعرض عن ذلك من أعرض وأدلى من أدلى بدلوه لفك لغز العدد ، طبقا للمحصل التاريخي للحكومة وليس استنادا إلى ما جاء به النبي الكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانت النتيجة خلط وخبط كما انتهى إلى ذلك الشيخ جلال الدين السيوطي في استنتاجه وصدق من قال عنه إنه حاطب ليل في ذلك الخصوص .

    على أن ذلك العدد الذي ورد في الحديث يدفع البعض إلى التساءل هل إن عدة الخلفاء أو الأئمة مقيدة في بقية الديانات أم إن الأمر متعلق فقط بالدين الإسلامي ؟
    الجواب : نعم لقد سن المولى تعالى عدة خلفائه في أرضه وأئمة عباده ،حفظة الدين ووعاة الشريعة فكانوا اثنا عشر كأسباط بني إسرائيل واثنا عشر كحواريي عيسى بن مريم عليه السلام، وعليه فان أمر العدد والوظيفة قد حسمه المولى تعالى ولم يدعه مطية لكل من انطوت سريرته على أطماع القيادة وفتح لنفسه بابا يفضي إليها بدعوى أو بأخرى.
    إن المتأمل في الروايات التي نقلها حفاظ الخط الأشعري (السنة) يلاحظ إطلاق العدد من دون تقييد على أهميته القصوى وتأثيره البالغ في مصير الأمة،وهو أمر لم يكن مألوفا في أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأن كلامه هو تفسير لا يحتاج في حقيقة الأمر إلى تفسير آخر يفسر القصد من كلامه ، كما إن إحدى الروايات أشارت إلى محاولة لطمس معنى قد يؤدي مفاده إلى رفع الغموض عن الأئمة الاثني عشر، بقول الراوي (وقال ثم تكلم يشئ لم أفهمه) ثم استفسر أباه (فقال: كلهم من قريش)، فهل أن الذي لم بفهمه الراوي هو نسبة الخلفاء ( الأئمة) وهي أنهم من قريش كما صرحت الرواية بذلك ، أم انه كلام أكثر دقة من عموم ما أطلقته ؟

    لكننا هل خفي معنى الحديث عند الجيل الأول من المسلمين وغاب عنهم سؤال النبي عن أشخاص الخلفاء الاثني عشر،إذا لم يكن قد بينه دون الحاجة إلى من ينبهه إلى ذلك ،وهو عهده دائما؟ وقد مضى صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع كل ما تحتاجه الأمة وضعه ،فلم يترك مبهما ولا لبسا يؤدي بالأمة إلى الانتكاس وهو دوره على كل حال.ولقد كان حريصا على المدينة في سفره وغزواته يستخلف عليها في كل مرة من يقوم مقامه لعلمه بأن تركها من دون استخلاف هو تضييع من شأنه أن يفسح المجال إلى أطماع الطامعين وأخص بالذكر منهم المنافقون الذين فضح مخططاتهم المولى سبحانه وتعالى في سورة المنافقون وفي غيرها من السور التي خصصت حيزا هاما منها لفضح مخططاتهم وكشف صفاتهم. وكان عزمهم إخراج المسلمين من المدينة كما صرحت بذلك الآية : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأ ذل." (5)إذا كان حرص النبي صلى الله عليه وآله على المدينة في حياته بذلك الشكل فحرصه عليها بعد مماته أوكد وأشد.

    إن المتتبع لمصادر أحاديث النبي صلى الله عليه وآله عند عامة المسلمين ، والمدقق لتفاصيلها يمكنه أن يقف على أساليب بتر الأحاديث وتقطيع متونها وتدليس أسانيدها وإسقاط بعض عباراتها التي لا تتماشى و كما درج على ذلك البخاري في جامعه وغيره من الرواة والحفاظ الذين كانت تدفعهم عوامل عديدة للسكوت عن بعض الأحاديث وتجاهل البعض الآخر،منها ما هو منطبع في أنفس الرواة والحفاظ كالتعصب ومنها ما هو خارج عن نطاقهم وهو عامل السلط الغاشمة التي كانت تتصنع التدين لمسخه و تحريف أحكامه وسننه ، ولا يخفى أن مسألة الخلافة أو الإمامة هي راس الدين وأساسه.

    إننا عندما نقابل الروايات التي جاءت في المسانيد المعتبرة عند هؤلاء مع ما ورد من طريق أئمة أهل البيت عليهم السلام نجد التفسير الصحيح ورفع اللبس إلى طوقه الطغاة عبر العصور،فقد جاء عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى اله عليه وآله قوله : الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ،هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي بعدي ، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر.(6)
    وعن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله(ص) : الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله تبارك وتعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها.(7)
    وما حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله الأنصاري في أنه سيدرك خامس عترته الطاهرة الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علهم السلام الملقب بباقر العلوم ، وعهد إليه أن يقرئه السلام عندما يلتقي به وكان ذلك كذلك .

    لم أر حديثا أبلغ وأكمل مما أخرجه الشيخ علي بن بابويه الملقب بالصدوق ،حيث أورد بإسناده عن المضل بن عمر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"لما أسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال :"يا محمد إني قد أطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها ،فجعلتك نبيا،واشتققت لك اسما من أسمائي فأنا المحمود وأنت محمد ثم أطلعت ثانية فاخترت منها عليا فجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك ، واشتقت له اسما ن أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي ،وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ثم عرضت ولايتكم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين .يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ،ثم أتاني جاحدا لولايتهم ،ما أسكنته جنتي ولا اظللته تحت عرشي،يا محمد أتحب أن تراهم؟ فقلت :نعم يا رب . فقال عز وجل ارفع رأسك،فرفعت رأسي فإذا أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بم الحسن القائم في وسطهم كأنهم كوكب دري. فقلت . يارب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل جلالي ويحرم حرامي وبه أنتقم من أعدائي وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ." (8)
    الأحاديث عن الأئمة الاثني عشر طفحت بها كتب الفريقين وشغلت حيزا مهما من مصادر المدرستين ، إلا أن التي أخذت دينها من مصدره الذي حدده الله تعالى وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد اعتصمت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، قد وجدت لكل مشكلة حل ومن كل فتنة ملجأ ، سلكت بدينها من براثن الظالمين على المحجة البيضاء ، فلم يغيرهم تلون الناكثين ولا تنمر القاسطين ولا استكبار المارقين ،ومضوا على يقين تام من أمرهم.
    لقد اعترضتني رواية وأنا في بحثي هذا تشير إلى الترتيب في عدد الأئمة أو الخلفاء زيادة عن العدد الذي أشارت إليه الروايتين الأوليين:
    الحديث : عن أبي هريرة قال رسول الله (ص) : كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثروا .قالوا: فما تأمرنا؟ . قال: فوا ببيعة الأول فالأول ، أعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم . (9)

    لقد دل الحديث على أن عدد الخلفاء أو الأئمة المشار إليه في الحديثين الأولين مرتب في الحديث الثالث وفيه دعوة إلى الوفاء ببيعة الأول فالأول ، وعلى ذلك يمكن القول بأن مسألة الحكومة قد كانت من ضمن اهتمامات الوحي وأولى لها النبي صلى الله عليه وآله عناية فاقت حد استخلاف قصير على المدينة ، وتجاوزته إلى إعداد من يقوم مقامه في سياسة المسلمين طبقا لمحتوى الدستور الإلهي ، لانتفاء دعوى النقص في الشريعة ، ولعدم حكمة ترك المسلمين بلا قائد يدفع عنهم غائلة الاختلاف ويجمع كلمتهم وينتصف لهم ويعلمهم دينهم ، ويرشدهم إلى الطريق الأقوم ، ويكون فيهم مثالا يحتذى وقدوة مثلى وعنوان هداية وسبيل رشاد. لا أن يتركهم النبي كما زعموا بلا قائد، لأن الترك مدعاة إلى التفريط ،وهو ما ينفيه الوحي بما حواه من دلالات واشارات وتوضيح ،تكفي كل ذي عقل ، على أنه من جانب آخر لم يظهر من معاصري النبي صلى الله عليه وآله عموما ما يرجح كفة إيكال أمر القيادة في الأمة إليهم ،ولا ترك لهم طريقا إلى ذلك ، ولا كيفية يمكن اعتمادها، و لا استبان لهم من الدين ما يرجح كفة التعيين حسب الشرط والصفة ، لأن المجتمع الحديث العهد بالإسلام والقديم العهد بالجاهلية لا يمكنه أن يستوعب المنظومة الجديدة بسرعة فضلا عن تقبلها من الأصل. بل إن ما جاء في الروايات العديدة والآيات المتعددة ما يفيد قصور هؤلاء الناس عن فهم أبسط الأحكام الشرعة فضلا عن تناول مسألة الحكومة وفق ما يراه الشارع المقدس.

    ونخلص إلى القول بأن تعيين القائد في الأمة أمر يتقبله العقل السليم إذا جاء من طرف يوثق بإمكانياته وقدراته ،وليس أقدر من خالق الكون والحياة في تحديد اللطف والخير في الأمة وهو الذي خلق أفرادها ويعلم خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم ، والشريعة شريعته والدين دينه ،له وحده الحق في أن يحدد كيفية الحكم ونوع الحكومة وشروط الحاكم بأمره لا بأمر الناس ، لطفه تعالى يوجب ذلك الاختيار، و تركهم بلا قائد ليس فيه أدنى حكمة ، ومدعاة إلى زوال كل ما بناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أسس للدولة الإسلامية المستمدة هداها من الأمثلة الحية ، وأعني بهم الأئمة الاثني عشر الذين جعلهم خلفاءه في أرضه وأمناءه على عباده ، وأعطاهم مقام القيمومة على الدين ، ومنارات هدى في مجتمعاتهم. ولقائل أن يقول: هل هناك دلالة في القرآن على صحة دعوى الاستخلاف ، لتكون ردءا لهذه الروايات وغيرها، وتأييدا لوجهتنا في القول بصحة دعوى الإمامة الإلهية?
    الجواب نعم لقد أشار القرآن إلى الحكومة إشارات فعرض علينا بعضا مما طرأ على الأمم السابقة ،عرض مثل الاعتبار ، وبيان الحكم الجاري العمل به من أول الخليقة إلى آخرها لأن الاختيار والاصطفاء سنة إلهية قال تعالى:"سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا." وقوله تعالى أيضا :"سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ."(10)
    قال تعالى:" اني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين." (11 )

    لقد جرت سنة المولى في أولي العزم من الرسل أن تكون لهم مع وظيفة النبوة والرسالة الإمامة ، والآية مخاطبة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وقد فرح بها إبراهيم وطلبها لذريته فكان له ذلك بشرط أن لا ينالها ظالم من ذريته عليه السلام كما في الآية الشريفة.
    قال تعالى :"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا وأنى يكون له الملك علينا ولم يؤت سعة من المال ، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم."(12)

    لقد اصطلحت الآية على الخليفة أو الإمام بلفظ الملك ،ودلت على أن التعيين في وظيفة ما بعد النبي عليه السلام من مشمولات الباري تعالى ،لاشتمال الوظيفة على دور الهداية والحفظ الذي يلي دور النبوة في البلاغ والتأسيس ، على أنه لا يمكننا أن نغفل على ما اشتملت عليه الآية في مضمونها من دلالات تفيد حرص الناس على الفوز بالحكومة حسب منظورهم المادي وعقيدتهم في أنها أمر منفصل عن الدين وما جاء به النبي (ص)، لذلك كان استنكارهم للتعيين الإلهي وردهم على ذلك الاستخلاف بما انطبع في سرائرهم من قياس باطل.
    قال تعالى :" انا نحن نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ." (13)
    صرحت هذه الآية بمراتب الولاية المستمدة من الله تعالى كما نصت عليه التوراة هي كالآتي :

    المرتبة الأولى:الأنبياء: وهم صفوة الباري تعالى حملة وحيه وسفراءه بينه وبين عباده والقائمون على شريعته والمؤسسون لمجتمع العدل والقسط ، مضافا إلى ذلك هم المثال الأقوم الذي ضربه تعالى للناس حتى يلامسوا أحكامه ويقفوا على حقيقة الدين ، ومن دون ذلك لا يمكن تحقيق الرؤية الصحيحة للدين ولا الغاية من إرسال الرسل ورسالاتهم. قال تعالى :"أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ." (14)

    المرتبة الثانية : الربانيون : وهم الأئمة أو خلفاء الرسل الموكلين بحفظ الشريعة وتطيقها بين الناس. ومثلهم في القرآن كمثل سيدنا آصف بن برخيا الذي قال فيه : "وقال رجل عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك."(15) وسيدنا طالوت الذي أسلفنا ذكر الآية التي تحدثت عنه ، ومع ما كان يتمتع به من معرفة وعلم زاده الله تعالى بسطة فيه ليتم دوره في الحفظ والهداية على أكمل وجه.

    المرتبة الثالثة : الأحبار: وهم علماء الدين الذين تصدوا للقيام بدور البلاغ والهداية والحفظ كل حسب جهده ومقدرته في غياب المرتبتين الأولين أو في حال حضورهما وبأمر منهما.
    قال تعالى :" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وبه يعدلون."(16)

    أما الآيات الخاصة نزولها في الأئمة الاثني عشر الذين فهي :
    قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر." (17)
    دلت الآية على أن المراد بأولي الأمر في الآية هم من خصهم الله تعالى بقيادة الأمة بعد النبي صلى الله عليه وأله لاستحالة أن يأمرنا بطاعة من تصدر عنه المعصية ويترتب من اتباعه الزيغ والضلال ، ودل ذلك أيضا أن أولي الأمر المقصودين في الآية معصومون من الخطا ، أدوات هداية ورشاد.
    على أنه لا بد من الإشارة إلى أن الخطاب في الآية موجه إلى المؤمنين آمرا إياهم بطاعة الله والرسول وأولي الأمر ، ثم يعود الخطاب إلى المؤمنين من جديد ليطرح احتمال التنازع فيما بينهم دون مراتب الولاية المأمورين بطاعتهم ، مؤكدا من جديد على رد ذلك التنازع إلى الله والرسول و إلى أولي الأمر كما في الآية التالية :" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعمه الذين يستنبطونه منهم."(18)

    فدل ذلك على أن أولي الأمر مرتبة خاصة وان كان ظاهرها مطلق اللفظ والدلالة ، بل إن الآية الأخيرة أوضحت من جهة أنه لم يوجد من الحكام الذين نصبوا أنفسهم على رقاب المسلمين من كان في مستوى رفع كل الإشكاليات التي مرت بها الأمة ، فمن ذا الذي يرد إليه كل ما يتعلق بمختلف أوجه الحياة ويكون في مقدوره الإجابة دون عجز ، لم نجد في تاريخ الأمة إلا شخصا واحدا كان يردد على منبر الكوفة والمدينة سلوني قبل أن تفقدوني غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،فعلومه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلوم ذريته منه ،أولئك الذين اختارهم الله تعالى حفظة لدينه ورعاة لشريعته ، شهد لهم الصديق والعدو بتميز الشخصية وتفرد العقل وسعة المعارف ،فكان الناس قاطبة عيالا عليهم .
    قال تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون." (19)

    حيث نزلت الآية عندما تصدق الإمام علي عليه السلام بخاتمه في الصلاة وهو راكع ، ولا يستبعد كون نزولها بلفظ الجمع إشارة إلى أنه عليه السلام أصل الأئمة ورمز الإمامة .
    على أنه لابد من الإشارة إلى تحامل عدد ممن نصبوا أنفسهم أبوابا لابطال الحق بدعوى التحقيق وموازين تطفيف بعنوان القسط ،همهم الأوحد رد خصائص أهل البيت عليهم السلام وتوهين رواتها تحت عناوين متعددة ، متبعين في ذلك سنة معاوية وبني أمية في إعفاء ذلك كله ورده بل ومحاربته بكل الوسائل المتاحة ،وقد صرح الطبري بعزم معاوية ناقلا عنه أساسه الذي أسسه في رد ومحاربة كل ما اختص به أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتازوا به عن غيرهم من أبناء عصرهم ،وما جاء في شأنهم من قرآن وأحاديث نبوية شارحة لكل ذلك ، هذا وليس الحديث ولا الخصائص المشار إليها معنية بأشخاص نكرة أو ممن جهل حاله قي الأمة حتى ترد جملة وتفصيلا ، إنما الأمر متعلق بمن اصطفاهم الله تعالى كما اصطفى غيرهم من بيوتات الأنبياء عليهم السلام ، فلم التحامل إذا ؟ لا يمكننا الاستمرار في هضم حقوق من أمرنا الله تعالى بمودتهم تأسيا بسير الظالمين لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل الذين ناصبوا العداء للصفوة الطاهرة عنادا وكبرا ، لا يطيق عليا ولا أهل بيته عليهم السلام ،لأنه بقي الكاشف لفلولهم والمتتبع لذئبانهم.

    لقد انطلق الذين أنكروا التنصيص على إمامة أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الواقع التاريخي الذي فرض على الأمة ، ومن زيف الروايات التي جمع شتاتها عدد من الحفاظ الذين لم يكونوا بمنأى عن مؤثرات الأنظمة التي عاشوا تحت سلطتها،بل لعلهم كانوا من أعوانها جبرا أم اختيارا،فلم تكن لهم الحرية في نقل ما صح عن النبي صلى الله عيه وآله وسلم ،وما قد يتعارض مع رؤى أمرائهم ، ومع تقدم حركة الوضع في أحاديث النبي (ص) عن حركة التدوين ما يزيد عن القرن عند عموم المسلمين ، تلك الحركة التي قادها كما أشرنا معاوية بن أبي سفيان والتي أطلق فيها المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وأبي هريرة وغيرهم من باع دينه بمتاع زائل، فأدخلوا في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ما ليس منه ، فتسببوا خلط السليم بالسقيم ، فدرج الناس على وتيرة عرجاء وتربت أجيال عديدة على التعبد بالموضوع حتى صار سنة متبعة ودينا حقا وهو أبعد ما يكون من الحقيقة ولو تفطن الناس إلى ذلك الخلل لعدلوا عنه إلى الحق ، لأن الحق أحق أن يتبع.

    إن أئمة أهل البيت ممن لا يخفى حالهم عن البعيد والقريب،كانوا ولا يزالون القمة والقدوة في كل شيء، عهدتهم أجيالهم ممن استقامت حالهم في السر والعلن ولم يحمل إلينا التاريخ طعنا واحدا ثابتا عليهم،فكانت كل أقوال المتحدثين عنهم متطابقة ومتفقة على أن العلم والتقوى وعلو الأخلاق والهمة وتواضع النفس والكرم والصبر وغيرها من الصفات لم نتتقل عنهم ولا إذا ذكرت انصرفت الإشارة إلى غيرهم ،من بيوتهم جاءنا القرآن والفقه وشتى العلوم التي إذ ا لم ينفردوا فقد تميزوا بها عن غيرهم ممن كان يأتي إليهم ليأخذ الفقه وسائر العلوم الشرعية، ولا يتبادر إلى الذهن أن الدين جاء عن غيرهم هيهات ،هيهات إن اللبيب عندما يتناول كتبهم يدرك أن بقية الناس عيال عليهم، نطقهم ينبيك عن كنون ومخزون علومهم ، وإجاباتهم إذا اطلعت عليها تشفي صدور المؤمنين،وأدعيتهم العبقة بفنون البلاغة والعرفان والتأمل تصدح بأن الولاية على الأمة منصب الهي واعداده الهي ،وتصريفه الهي .

    إن الإمامة أعظم مرتبة وأشد خطرا من أن تنالها عقول الناس فهي علاوة على حفظ الشريعة من التحريف والتشويه وسوء الفهم ، مثال حي تجسدت فيه معاني الدين الحنيف كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قرآنا متحركا بين الناس ،وهو المثال الأعظم للإمامة الربانية ، وهي كذلك في الآخرة مرتبة الشهادة بين الناس في المحشر، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه. قال تعالى :" يوم ندعو كل أناس بإمامهم."(20) وقال أيضا : "وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم."(21) وفي نفس السياق أيضا :" ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون." (22)
    وجاء في أحاديث أهل البيت عليهم السلام :" إنما الأئمة قوام الله على خلقه ،وعرفاؤه على عباده ، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه."(23 ) وقولهم عليهم السلام أيضا: إياك أن تقول وتعتقد أن الله أهمل الخلق نولا يهملهم طرفة عين من قيام إمام من أعقاب الرسل والأئمة ،يقوم بأمر الأمة، فان من قال بخلاف هذا فقد أشرك." (24 )

    ولعل الذين لا يزالون على غيهم القديم الذي ورثوه بلا وعي من زمر النفاق وفلول الظلم لا يدركون إلى يوم الناس هذا حيفهم على الصفوة الطاهرة من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ولو أنهم اقتربوا قليلا من بيوتهم لعرفوا فداحة تجنبهم على هداة الأمة ومصابيح رشادها وملاذها عند التباس الأمور، وبتركهم للعروة الوثقى التي لا انفصام لها زاغت بهم السبل عن سبيل الله تعالى ،وانحرفوا عن صراطه المستقيم الذي بينه للناس بلا أدنى شك ، إلا أن الناس أنفسهم أبوا أن يسلكوا طريق الرشاد ، والدلائل بينة والأعلام واضحة جلية كالشمس.
    إذا لا يعتقد عاقل بأن الله تعالى قد أرسل رسله وحملهم شرائعه وأمرهم بإنفاذ أحكامه الصادرة عنه ناسيا لنفسه المرجعية الأولى والأصل لكل حكم ،فقال : "إن الحكم إلا لله."(25) وقال أيضا :"ألا له الحكم ." (26) لينته في آخر الأمر إلى التفريط في دستوره ليكون تحت رحمة الناس الذين وصف أكثرهم بالجهل والتخاذل وعدم الإدراك ،والآيات القرآنية عديدة في هذا المعنى كقوله تعالى :"وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وان هم إلا يخرصون ."(27) وقوله أيضا:" وأكثرهم للحق كارهون."(28)
    وقوله تعالى أيضا :"وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا."

    لقد صرحت الآيات القرآنية بمقام الحكومة وأهميته في التشريع والمجتمع ، فتعدد ذكرها في الكتاب العزيز إلى درجة يستحيل معها سكوت الناس عن الاستفسار عن ماهية الحكومة ونظام الحكم في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن لمن كلف بالتبليغ والبيان وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقصر في التبليغ والبيان أو يسكت عن مسألة لها أهميتها القصوى في استمرار عطاء الدين وسلامته.قال تعالى : "فاحكم بينهم بما أنزل الله ." (29) وقال أيضا "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ." (30 ) وقال أيضا: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون." (31) إلى غير ذلك من الآيات التي تناولت مسألة الحكم وشددت على أهمته ، بحيث يستحيل معه ادعاء سكوت فضلا عن تفريط أو إهمال من المكلف بأدائه ، وعليه فان الذي ادعى السكوت عن نظام الحكم في الإسلام ادعى الإهمال لدين الله وشريعته قد ادعى النقص أيضا ووضع نفسه موضع الراد على الله ورسوله الذين لم يفرطا في دين الله تعالى شيئا.

    على ذلك يتأكد لكل ذي عقل وبصيرة أن الباري تعالى ذكره وجل شأنه ، وبعد مسيرة البشرية الطويلة التي امتلأت بالتحريف والعصيان والتمرد على شرائعه ودساتيره ، قد أدرج ضمن قوانينه آلية تمنع ذلك الزيغ وتجنب البشرية من الانحراف . وعلمه السابق بمآل الناس ودسائس صدورهم يرجح فرضية وجود تلك الآلية المانعة من الزيغ والانحراف .

    إن المتدبر لكتاب الله ، وأقصد به كل من يقرأه ليعرف ما فيه لا الذي يقرأه وفي ذهنه أنه يريد ثواب القراءة فقط من دون أن يهتم بمعانيه العظيمة - وأحكامه السياسية منها محل تساؤلنا وبحثنا- يتأكد من أنه جل شأنه أكرم من أن يترك الناس سدى وهو المشير إلى ذلك بل وتقتضي حكمته بأن يختار لهم الأصلح لمواصلة مسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تربية الأمة وتثقيفها وفق المنهجية التي رسمها للبلوغ بالإنسان إلى أرقى درجات الكمال البشري.
    ولئن دأب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على سنة الاستخلاف على المدينة حتى في غيابه القصير عنها ، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نسلم بفرضية ترك الناس بلا قائد وفي كلامه تعالى حث على اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الأمر عليهم السلام . إن اختيار الأصلح للقيادة بعد النبي (ص) من طرف الباري تعالى هو الصواب والأقوم لأنه ليس هناك من هو مؤهل لمعرفة خبايا الناس وحقائقهم غير خالقهم ، لقد صرح النبي الأكرم كما سبق منا القول في مرحلة من هذا البحث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عين عن خالقه وبأمر منه من يلي الأمر من بعده على الأمة ،ذلك التعيين هو سنة إلهية لم تتغير منذ بداية التكليف وإرسال الرسل ، لأن الرسالات الإلهية مناطة بدورين الدور الأول هو مخصوص بالنبي في التبليغ والتأسيس والدور الثاني هو دور الإمام والمعبر عنه بولي الأمر الذي يرجع إليه أمر حفظ الدين والولاية على المؤمنين.

    والأئمة الاثني عشر كما نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرنا بأن نفي لهم بحقهم في بيعة الأول فالأول كما في روايات من خالف الأئمة،هم كالآتي :
    الإمام الأول : أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام .
    الإمام الثاني : المجتبى أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
    الإمام الثالث : سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
    الإمام الرابع : زين العابدين أبي محمد علي بن الحسين عليهما السلام.
    الإمام الخامس : باقر العلوم أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام .
    الإمام السادس : الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام .
    الإمام السابع : الكاظم أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام .
    الإمام الثامن : الرضا أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام .
    الإمام التاسع : الجواد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام .
    الإمام العاشر : الهادي أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام .
    الإمام الحادي عشر: أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام .
    الإمام الثاني عشر : المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ،أبي القاسم محمد بن الحسن عيه السلام .

    لكن قد يتقول قائل لم يفقه فلسفة الاختيار ولا فهم دور الإمامة في الأمة ،فيطرح سؤالا يريد به التشكيك في عقيدة التعيين الإلهي لمنصب الإمامة مفاده : أن أئمة الذكورين لم يتسلم أغلبهم مقاليد الحكم في الأمة ، فكيف يمكن أن ينطبق حلهم مع الحديث ؟
    وجوابه: إن الإمامة كالنبوة لطف من الله تعالى يبينه للناس وعليهم أن يبادروا إلى السمع والطاعة ،ولا أدل من قوله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين إماما قاما أو قعدا." بمعنى أن القيام المادي إن لم يقع بتقاعس الأمة فذلك لا يغير من وظيفة الإمام .وقد ظهر دورهم جلا على مر التاريخ فكانوا القادة الفعليين والرموز الصالحة في الأمة. وبقيت أثراهم وعلومهم ونسبتهم محل احترام وتبجيل واكبار .

    هؤلاء هم الأئمة الهادة الذين أمرنا الله تعالى باتباعهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم جاءنا الدين القيم والعلم الحق ،فه نبعه الصافي وعنهم أخذ الناس واليهم رجع من رجع ليتفقه كما كان الشأن بالنسبة لأبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس وغيرهما كثير ممن كان يأتي إلى مجالسهم ودروسهم فيأخذ عنهم علوم رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم ،أخذ المسلم بصحة ورودها، القانع بسلامة نقله والمخبت للحق .ولو استقصينا عدد الذين أخذوا عن هؤلاء الهداة لما أمكننا أن ننتهي من جمعهم ،فيكفي أن مخالفي هؤلاء الأئمة قد قالوا عنهم كل خير وأثنوا عليهم الثناء الكثير، ونقلوا عنهم ما أمكنهم نقله من فقه وأدعية وعلوم أخرى كشأن جابر بن حيان عالم الكيمياء والرياضيات الذي تتلمذ على يدي الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام،أما سيرتهم وسلوكهم في الأمة فقد شهد بها القاصي والداني وأقر بنقائها المخالف و الموالف وهنا لا بد من الإشارة إلى حادثة وقعت أمام أعين الشاعر الفرزدق الذي سجلها في شعره فكان من روائع الشعر:
    روى أبو نعيم الأصفهاني وهو من علماء العامة بإسناده قال :حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه ، ونصب لهشام منبر فقعد عليه ،فقال له أهل الشام:من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين ،وانشأ قائلا :

    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ***** والبيت يعرفه والحل والحــــــرم
    هذا ابن خير عباد الله كلهــــــم ***** هذا التقي النقي الطاهر العلم
    يكاد يمسكه عرفان راحتــــــــه ***** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
    إذا رأته قريش قال قائلهــــــــــا ***** إلى مكارم هذا ينتهي الكـــرم
    إن عد أهل التقى كانوا أئمتهــــــم ***** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
    هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ***** بجده أنبياء الله قد ختمـــــــــــوا
    وليس قولك من هذا بضائــــــره ***** العرب تعرف من أنكرت والعجــم
    يغضي حياء ويغضى من مهابتــه ***** فلا يكلم إلا حين يبتســــــــــــــم
    ينشق ثوب الدجى عن نور غرتــه ***** كالشمس تنجاب من إشراقها الظلم
    الله شرفه قدما وعظمـــــــــــــــه ***** جرى بذلك له لوحه القلـــــــــــم


    إلى آخر القصيدة التي هي مدونة في ديوانه والتي تناهز الثلاثين بيتا من بديع الشعر ومصفاه،وقد تسبب ذلك التحدي الذي أطلقه الشاعر الفرزدق في سجنه فترة وصله فيها الإمام علي بن الحسين زين العابدين بعطاء،ردا على مدحه،وتعاطفا معه في محنته التي جرت عليه فيها قصيدته التي لم ترق لبني أمية . (32 )
    ولم نر أحدا من فرق الإسلام الكثيرة قد اتخذ من حديث الاثني عشر خليفة أو إماما شعارا صار يعرف به غير المسلمين الشيعة الاثني عشرية الذين يعتقدون بأن الإمامة ركن من أركان عقدتهم ودورها لا يقل أهمية عن دور النبوة ، والدين كله رهن قيامها ، ولا أدل على صحة ما يقولون من واقعنا الذي نعيشه اليوم وعاشه أجدادنا على مدى قرون طويلة أفرغ فيها الدين من جوهره وذبل عوده حتى كادت روحه أن تزهق ، لولا تصدي عدول الأمة من الصفوة الطاهرة من آل محمد صلى الله عليهم أجمعين ومن شايعهم على رؤيتهم لمعالم دينهم ، لاندرست معالمه ولذهب مع من ذهب من الأديان التي طالتها أيدي التحريف .

    ولقد رووا حديث الاثني عشر إماما من طرقهم وطرق غيرهم كما أشرنا في موضع متقدم من هذا البحث مما جعل الحديث متواترا لفظا ومعنى ، فقد أخرج الصدوق علي بن بابويه القمي رضوان الله تعالى عليه في الإكمال وفي من لا يحضره الفقيه والشيخ الطوسي في عدة من كتبه الاستبصار والتهذيب والأمالي والشيخ الكليني في الكافي ، والشيخ المفيد في الأمالي والاختصاص وغيرهم من علماء وحفاظ خط الولاية الحق ما دحض حجة الناكرين للنص ،الكاتمين للحق والمزورين الكلم عن مواضعه ،ويضعنا موضع الماضي على بصيرة من أمره ،اتخذ دينه نصب عينيه ولم يكن كالذي اتخذ إلهه هواه ،فمضى زائغا عن الحق ولو كان يدري خطأ ما هو فيه لانسلخ عنه وثاب إلى رشده ورجع إلى ربه ،لكنه ركن إلى من أسلم له فسه و أعطاه مقاليد أمر دينه ودنياه ،فضل في الدنيا ويوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض ولن ينفعهم ذلك أبدا.

    إن الأمة الإسلامية مطالبة اليوم أن تتدارك أمرها في تنقية معتقداتها من الشوائب التي لحقت بها ليستقيم دينها فتتوضح بذلك رؤيتها لتستطيع التمييز بين ما لديها من موروث ،وتتخلص من كل دخيلة لحقت بالدين أضرت المتعبدين بها لأنها محدثة بعد رسول الله ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد كان حريا بالأمة أن لا تنساق في خط الظالمين الذين زينوا لهم أشياء لا تمت إلى الدين بسبب ، عليها الآن أن تتخذ إلى ربها سبيلا لتكفر عن ما فات وتترد الأمر إلى أهله لأن لديهم الحل الأنجع والدواء الدواء الناجع والبلسم الشافي من كل هذه الأمراض التي لحقتها.قال الله تعالى:" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذي استنبطه منهم."(33)
    هذه هي أرادة الله تعالى في رد كل ما أشكل علي الأمة إلى الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،ولم يثبت عن غيرهم أن رفع عن الأمة إشكالا وقع ،فكان علي بن أبي طالب عليهما السلام الوحيد ومن بعده ذريته المصطفون ملجأ الأمة عند الشدائد ، كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سئل عن إمامة أمير المؤمنين: ما الدليل على إمامة علي عليه السلام ؟ فقال : استغناؤه عن الكل واحتياج الكل إليه دليل على إمامته." وما أبلغه من استدلال يغني عن النصوص .

    ولله الأمر أولا وآخرا و وله الحمد والشكر على نعمه السابغة التي من بها علي بأن هداني صراطه المستقيم ومنحني فرصة القرب منه ومعرفته ووفقني إلى ما ضاق عنه وسع غيري فصرفوا الأنظار عنه ، إلى ما لا يغني من الله تعالى شيئا ، فيتبرأ الذين أتبعوا من الذين اتبعوا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله تعالى بقلب سليم وبضاعة مجزاة حب آل طه وموالاتهم ، ،وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

    المراجع
    1 – رواه كل من مسلم والبخاري في جامعيهما
    2 – رواه أصحاب المجاميع والمسانيد ورواة والسيرة والحديث والتاريخ بدون استثناء.
    3 - ورواه أصحاب المجاميع والمسانيد ورواة السيرة والحديث والتاريخ بون استثناء في باب الامارة.ٍ
    4 – المصادر السابقة
    5 – سورة المنافقون الآية : 8
    6 – عيون أخبار الرضا ج 2 ص 61 62
    7 –– عيون أخبار الرضا ج 2 ص 66 7
    8 – إثبات الهداة ج 1 ص475 /476 لمحمد بن الحسن الحر العاملي عن عيون أخبار الرضا.
    9 – – جامع الأحاديث لمسلم ح 44 باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.
    10 – سورة الفتح الآية :23 – سورة الأحزاب الآية:62
    11 – سورة البقرة الآية :124
    12 – سورة البقرة الآية : 247
    13 – سورة المائدة الآية :47
    14 – سورة الزمر الآية :18
    15 – سورة النمل الآية :40
    16 – سورة الأنبياء الآية :73
    17 – سورة النساء الآية :58
    18 – سورة النساء الآية :82
    19 – سورة المائدة الآية : 58
    20 – الإسراء الآية :71
    21 – سورة الأعراف الآية :45
    22 – سورة الأعراف الآية :47
    23 – أخلاق محتشمي لنصير الدين الطوسي ص18
    24 – المصدر السابق ص18
    25 - سورة الأنعام الآية :57
    26 - سورة يوسف الآية : 40 و67
    27 – سورة الأنعام الآية :62
    28 – سورة الأنعام الآية :116
    29 – سورة المؤمنون الآية : 71
    30– سورة المائدة الآية :51
    31– سورة المائدة الآية : 53
    32– سورة المائدة الآية : 50
    33 – حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني
    34 – سورة النساء الآية : 82

    مركز الابحاث العقائدية

  • 1

    ومع استفاضه تلک الأحادیث ووضوحها إلا أن علماء أهل السنه تحیَّروا فی معرفه هؤلاء الخلفاء، ولم یهتدوا فی هذه المسأله إلى شیء صحیح، فجاءت أقوالهم ـ على کثرتها ـ واهیه رکیکه ضعیفه کما سیتضح قریباً إن شاء الله تعالى.
    طرق حدیث الخلفاء الاثنی عشر:
    ۱ـ أخرج البخاری وأحمد والبیهقی وغیرهم عن جابر بن سمره، قال: سمعت النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: یکون اثنا عشر أمیراً، فقال کلمه لم أسمعها، فقال أبی: إنه قال: کلهم من قریش(۱).
    قال البغوی: هذا حدیث متّفق على صحّته(۲).
    ۲ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمره قال: دخلت مع أبی على النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، فسمعته یقول: إن هذا الأمر لا ینقضی حتى یمضی فیهم اثنا عشر خلیفه. قال: ثم تکلم بکلام خفی علیَّ. قال: فقلت لأبی: ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۳).
    ۳ ـ وأخرج مسلم أیضاً ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمره، قال: سمعت النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال أمر الناس ماضیاً ما ولیهم اثنا عشر رجلاً. ثم تکلم النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) بکلمه خفیت علیَّ، فسألت أبی: ماذا قال رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم)؟ فقال: کلهم من قریش(۴).
    ۴ ـ وأخرج مسلم أیضاً وأحمد والطیالسی وابن حبان والخطیب التبریزی وغیرهم عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال الإسلام عزیزاً إلى اثنی عشر خلیفه. ثم قال کلمه لم أفهمها، فقلت لأبی: ما قال؟ فقال: کلهم من قریش(۵).
    ۵ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمره، قال: انطلقت إلى رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ومعی أبی، فسمعته یقول: لا یزال هذا الدین عزیزاً منیعاً إلى اثنی عشر خلیفه. فقال کلمه صَمَّنیها الناس، فقلت لأبی: ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۶).
    ۶ ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یوم جمعه عشیه رجم الأسلمی یقول: لا یزال الدین قائماً حتى تقوم الساعه، أو یکون علیکم اثنا عشر خلیفه، کلهم من قریش…(۷).
    ۷ ـ وأخرج الترمذی وأحمد عن جابر بن سمره، قال: قال رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم): یکون من بعدی اثنا عشر أمیراً. ثم تکلم بشیء لم أفهمه، فسألت الذی یلینی، فقال: قال: کلهم من قریش(۸).
    ۸ ـ وأخرج أبو داود حدیث الخلفاء الاثنی عشر بثلاثه طرق صحیحه(۹).
    قال فی أحدها: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال هذا الدین قائماً حتى یکون علیکم اثنا عشر خلیفه، کلهم تجتمع علیه الأمه. فسمعت کلاماً من النبی لم أفهمه، قلت لأبی: ما یقول؟ قال: کلهم من قریش(۱۰).
    وقال فی آخر: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: لا یزال هذا الدین عزیزاً إلى اثنی عشر خلیفه. قال: فکبَّر الناس وضجّوا، ثم قال کلمه خفیه. قلت لأبی: یا أبه، ما قال؟ قال: کلهم من قریش(۱۱).
    ۵ ـ وأخرج أحمد ـ واللفظ لغیره ـ، والحاکم فی المستدرک، والهیثمی فی مجمع الزوائد عن الطبرانی فی الأوسط والکبیر والبزَّار، أن النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) قال: لا یزال أمر أمتی صالحاً حتى یمضی اثنا عشر خلیفه. وخفض بها صوته، فقلت لعمی وکان أمامی: ما قال یا عم؟ قال: کلهم من قریش(۱۲).
    ۶ ـ وأخرج أحمد فی المسند، والهیثمی فی مجمع الزوائد، وابن حجر فی المطالب العالیه، والبوصیری فی مختصر الإتحاف، عن مسروق، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: هل حدَّثکم نبیَّکم کم یکون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم، وما سألنی عنها أحد قبلک وإنک لمن أحدث القوم سنًّا.
    قال: یکونون عدّه نقباء موسى، اثنی عشر نقیباً(۱۳).
    ۷ ـ وأخرج أحمد وأبو نعیم والبغوی عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول: یکون بعدی اثنا عشر خلیفه کلهم من قریش…(۱۴).
    ۸ ـ وأخرج أحمد بن حنبل فی المسند ـ واللفظ له ـ، والحاکم النیسابوری فی المستدرک عن جابر بن سمره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) یقول فی حجّه الوداع: لا یزال هذا الدین ظاهراً على من ناواه، لا یضرّه مخالف ولا مفارق، حتى یمضی من أمتی اثنا عشر أمیراً، کلهم. ثم خفی من قول رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، قال: یقول: کلهم من قریش(۱۵).
    إلى غیر ذلک مما لا یحصى کثره(۱۶).
    مَن هم الخلفاء الاثنا عشر؟
    لقد حاول علماء أهل السنه کشف المراد بالخلفاء الاثنی عشر فی الأحادیث السابقه، بما یتَّفق مع مذهبهم، ویلتئم مع معتقدهم، فذهبوا ذات الیمین وذات الشمال لا یهتدون إلى شیء.
    وحاولوا جاهدین أن یصرفوا هذه الأحادیث عن أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، ویجعلونها فی غیرهم ممن لا تنطبق علیهم الأوصاف الوارده فیها، فتاهوا وتحیَّروا، حتى ذهبوا إلى مذاهب عجیبه، وصدرت منهم أقوال غریبه، وأقرَّ بعضهم بالعجز، واعترف بعضهم بعدم وضوح معنى لهذه الأحادیث ترکن إلیه النفس.
    قال ابن الجوزی فی کشف المشکل: هذا الحدیث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلَّبتُ مظانّه، وسألتُ عنه، فما رأیت أحداً وقع على المقصود به…(۱۷).
    وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألقَ أحداً یقطع فی هذا الحدیث ـ یعنی بشیء معین(۱۸).
    اختلاف أهل السنه فی الخلفاء الاثنی عشر:
    لقد کثرت أقوالهم فی هذه المسأله، واختلفت آراؤهم اختلافاً عظیماً، وتضاربت تضارباً شدیداً، ومع کثره تلک الأقوال لا تجد فیها قولاً خالیاً من الخدش والخلل، وأهم ما عثرت علیه من أقوالهم فی هذه المسأله ثمانیه أقوال، وإلیک بیانها، وبیان ما فیها:
    ۱ ـ رأی القاضی عیاض والحافظ البیهقی:
    قال القاضی عیاض(۱۹): لعل المراد بالاثنی عشر فی هذه الأحادیث وما شابهها أنهم یکونون فی مده عزَّه الخلافه وقوه الإسلام واستقامه أموره، والاجتماع على مَن یقوم بالخلافه، وقد وُجد فیمن اجتمع علیه الناس، إلى أن اضطرب أمر بنی أمیه، ووقعت بینهم الفتنه زمن الولید بن یزید، فاتصلت بینهم إلى أن قامت الدوله العباسیه، فاستأصلوا أمرهم(۲۰).
    قال ابن حجر العسقلانی: کلام القاضی عیاض أحسن ما قیل فی الحدیث وأرجحه، لتأییده بقوله فی بعض طرق الحدیث الصحیحه: ( کلّهم یجتمع علیه الناس)، وإیضاح ذلک أن المراد بالاجتماع انقیادهم لبیعته، والذی وقع أن الناس اجتمعوا على أبی بکر ثم عمر ثم عثمان ثم علی، إلى أن وقع أمر الحَکَمین فی صفِّین، فتسمَّى معاویه یومئذ بالخلافه، ثم اجتمع الناس على معاویه عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده یزید، ولم ینتظم للحسین أمر، بل قُتل قبل ذلک، ثم لما مات یزید وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملک بن مروان بعد قتل ابن الزبیر، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعه: الولید ثم سلیمان ثم یزید ثم هشام، وتخلل بین سلیمان ویزید: عمرُ بن عبد العزیز، فهؤلاء سبعه بعد الخلفاء الراشدین، والثانی عشر هو الولید بن یزید بن عبد الملک، اجتمع الناس علیه لما مات عمّه هشام، فولی نحو أربع سنین، ثم قاموا علیه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغیرت الأحوال من یومئذ، ولم یتفق أن یجتمع الناس على خلیفه بعد ذلک…(۲۱).
    وهذا هو قول البیهقی(۲۲) أیضاً فی دلائل النبوه، حیث قال بعد أن ساق بعضاً من الأحادیث السابقه: وقد وُجد هذا العدد بالصفه المذکوره إلى وقت الولید بن یزید بن عبد الملک، ثم وقع الهرج والفتنه العظیمه کما أخبر فی هذه الروایه، ثم ظهر ملک العباسیه…(۲۳).
    ثم قال: والمراد بإقامه الدین ـ والله أعلم ـ إقامه معالمه وإن کان بعضهم یتعاطى بعد ذلک ما لا یحل(۲۴).
    أقـول:
    ۱ ـ یرُدّ هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفینه عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) أنه قال: الخلافه ثلاثون سنه، ثم تکون بعد ذلک ملکاً(۲۵).
    ولأجل هذا صرَّحوا بأن الخلافه عندهم منحصره فی أربعه: أبی بکر وعمر وعثمان وعلی استناداً إلى هذا الحدیث، أو خمسه بضمیمه عمر بن عبد العزیز(۲۶)، فکیف صار غیر هؤلاء خلفاء مع أن الحدیث نصَّ على أن ما بعد ثلاثین سنه لا تکون خلافه، بل یکون ملک.
    وفی سنن الترمذی: قال سعید: فقلت له (أی لسفینه راوی الحدیث): إن بنی أمیه یزعمون أن الخلافه فیهم. قال: کذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوک من شر الملوک.
    وفی سنن أبی داود: قلت لسفینه: إن هؤلاء یزعمون أن علیاً لم یکن بخلیفه. قال: کذبت أستاه بنی الزرقاء ـ یعنی بنی مروان(۲۷).
    وقال القاضی عیاض وغیره فی الجمع بین حدیث سفینه وحدیث الخلفاء الاثنی عشر: إنه أراد فی حدیث سفینه خلافه النبوه، ولم یقیّده فی حدیث جابر ابن سمره بذلک(۲۸).
    وقال الألبانی: وهذا جمع قوی، ویؤیّده لفظ أبی داود: ( خلافه النبوه ثلاثون سنه )، فلا ینافی مجیء خلفاء آخرین من بعدهم، لأنهم لیسوا خلفاء النبوه، فهؤلاء هم المعنیون فی الحدیث لا غیرهم، کما هو واضح(۲۹).
    ویردّه: أن خلافه النبوه هذه لم یذکر لها علماء أهل السنه معنى واضحاً، واختلفوا فی بیان المراد منها، فمنهم من قال بأن خلافه النبوه هی التی لا طلب فیها للملک ولا منازعه فیها لأحد(۳۰). فعلیه تخرج خلافه أمیر المؤمنین الإمام علی (علیه السلام) عن کونها خلافه نبوه، لمنازعه أهل الجمل وأهل النهروان ومعاویه وأهل الشام له(۳۱)، مع أنهم ذکروا أن خلافته (علیه السلام) خلافه نبوه. وهذا تهافت واضح.
    ومنهم مَن ذکر أن خلافه النبوه إنما تکون لمن عملوا بالسُّنَّه، فإذا خالفوا السنّه وبدّلوا السیره فهم ملوک وإن تسمّوا بالخلفاء(۳۲).
    وعلیه تکون خلافه النبوه أکثر من ثلاثین سنه، لاتفاقهم على أن عمر بن عبد العزیز کان یعمل بالسنّه، ولعدّهم إیاه من الخلفاء الراشدین، مع أنهم لم یذکروه من ضمن مَن کانت خلافتهم خلافه نبوه.
    ومنهم من قال: إن المراد بالخلافه فی حدیث سفینه هی الخلافه الحقَّه أو المرضیه لله ورسوله، أو الکامله، أو المتصله(۳۳).
    وعلیه فتکون خلافه النبوه هی خلافه أمیر المؤمنین الإمام علی (علیه السلام) وابنه الحسن (علیه السلام) فقط دون غیرهما.
    ولو سلَّمنا أن خلافه الأربعه کانت مرضیّه لله ورسوله أو کامله أو غیر ذلک فلا بد أن یُضاف إلیها عندهم خلافه عمر بن عبد العزیز، فتکون خلافه النبوه حینئذ أکثر من ثلاثین سنه.
    والصحیح أن یقال فی هذا الحدیث على تقدیر صحَّته: إن خلافه النبوه لا یمکن أن یراد بها إلا الخلافه التی کانت بنصّ النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فمَن استخلفه النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على الأمه فهو خلیفه النبی، وخلافته هی خلافه النبوه، ومَن لم یستخلفه واستخلفه الناس فهو خلیفتهم، والنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) استخلف علیّاً (علیه السلام).
    وعلیه یکون معنى حدیث سفینه: إن خلافه النبوه ـ وهی خلافه علی بن أبی طالب (علیه السلام) ـ تستمر إلى ثلاثین سنه، ثم یتولى أمور المسلمین الملوک. وعدم تمکّن أمیر المؤمنین (علیه السلام) من تولی أمور المسلمین، أو عدم اتّباع الناس له إلا النفر القلیل لا یسلب عنه الخلافه بعد حکم الشارع المقدس بها ونصّه علیها، وهذا له نظائر کثیره فی الأصول والفروع لا تخفى(۳۴).
    وأما حدیث الخلفاء الاثنی عشر فهو بیان لعدد أئمه الهدى وخلفاء الحق وساده الخلق المنصوبین من الله سبحانه، الذین لا یضرهم من ناواهم، ویکون الإسلام بهم عزیزاً، وبذلک یتّضح ألا منافاه بین الحدیثین بهذین المعنیین.
    ۲ ـ إن أکثر مَن ذکرهم لم یجتمع علیه الناس، فإن عثمان وإن تمَّت له البیعه واجتماع الناس فی أول خلافته، إلا أن الأمور انتقضت علیه بعد ذلک حتى قتله الناس، وأما علی بن أبی طالب (علیه السلام) فلم یجتمع علیه الناس من أول یوم فی خلافته، وذلک لأن أهل الشام لم یبایعوه، وهم کثیرون، وخرج علیه طلحه والزبیر وعائشه، فحاربهم فی البصره، ثم خرج علیه الخوارج فحاربهم فی النهروان… وکل ذلک کان فی أقل من خمس سنین.
    قال ابن أبی العز الحنفی فی شرح العقیده الطحاویه: علی رضی الله عنه… لم یجتمع الناس فی زمانه، بل کانوا مختلفین، لم ینتظم فیه خلافه النبوه ولا الملک(۳۵).
    فعلى ذلک لا یکون علی (علیه السلام) من هؤلاء الخلفاء عندهم.
    وأما یزید بن معاویه فلم یبایعه الحسین بن علی (علیه السلام) وأهل بیته حتى قُتلوا فی کربلاء، وخرج علیه أهل المدینه، وأخرجوا منها عامله وسائر بنی أمیه، فوقعت بینهم وبینه وقعه الحره، وخرج علیه ابن الزبیر فی مکه واستولى علیها… فأی اجتماع حصل له !!؟.
    ۳ ـ أن معاویه ومن جاء بعده من ملوک بنی أمیه وغیرهم لم یجتمع علیهم الناس، بل کانوا متغلِّبین على الأمَّه بالقوه والقهر، ومن الواضح أن هناک فرقاً بیِّناً بین اجتماع الناس على شیء وجمعهم علیه، فإن الاجتماع مأخوذ فی معناه اختیار المجتمعین، وأما الجمع فمأخوذ فیه عدم الاختیار، والذی حصل لبنی أمیه هو الثانی، والمذکور فی الحدیث هو الأول، وهذا واضح معلوم لمن نظر فی تاریخ بنی أمیه وسیرتهم فی الناس.
    وقد روی فیما یدلِّل ذلک الکثیر، ومنه ما روی عن سعید بن سوید، قال: صلى بنا معاویه بالنخیله ـ یعنی خارج الکوفه ـ الجمعه فی الضحى، ثم خطبنا فقال: ما قاتلتکم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزکّوا، قد عرفت أنکم تفعلون ذلک، ولکن إنما قاتلتکم لأ تأمَّر علیکم، فقد أعطانی الله ذلک وأنتم کارهون(۳۶).
    ۴ ـ أن الخلفاء حسبما ذکر فی کلامه یکونون ثلاثه عشر لا اثنی عشر، وهم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ معاویه. ۶ ـ یزید بن معاویه . ۷ ـ عبد الملک. ۸ ـ الولید. ۹ ـ سلیمان . ۱۰ ـ عمر بن عبد العزیز. ۱۱ ـ یزید بن عبد الملک. ۱۲ ـ هشام بن عبد الملک . ۱۳ ـ الولید بن یزید.
    قال ابن کثیر: إن الخلفاء إلى زمن الولید بن الیزید أکثر من اثنی عشر على کل تقدیر(۳۷).
    ۲ ـ رأی ابن حجر العسقلانی:
    قال ابن حجر العسقلانی: الأَولى أن یحمل قوله: (یکون بعدی اثنا عشر خلیفه) على حقیقه البَعْدیه، فإن جمیع من ولی الخلافه مِن الصدِّیق إلى عمر ابن عبد العزیز أربعه عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولایتهما ولم تطل مدَّتهما، وهما معاویه بن یزید، ومروان بن الحکم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء کما أخبر (صلى الله علیه [وآله] وسلم).
    إلى أن قال: ولا یقدح فی ذلک قوله: ( یجتمع علیه الناس )، لأنه یُحمَل على الأکثر الأغلب، لأن هذه الصفه لم تفقد إلا فی الحسن بن علی وعبد الله بن الزبیر مع صحه ولایتهما، والحُکم بأن مَن خالفهما لم یثبت استحقاقه إلا بعد تسلیم الحسن، وبعد قتل ابن الزبیر، والله أعلم(۳۸).
    أقـول: على هذا القول یکون الخلفاء الاثنا عشر هم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ الإمام الحسن (علیه السلام). ۶ ـ معاویه. ۷ ـ یزید بن معاویه. ۸ ـ عبد الله بن الزبیر. ۹ ـ عبد الملک. ۱۰ ـ الولید. ۱۱ ـ سلیمان. ۱۲ ـ عمر بن عبد العزیز.
    وقوله: (یجتمع علیه الناس) محمول على الأکثر الأغلب، یردّه أن مجیء التأکید بـ (کل) فی قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (کلّهم یجتمع علیه الناس) الدال بالنصّ على العموم یقدح فی هذا القول.
    هذا مع أن الصفه المذکوره ـ وهی اجتماع الناس ـ فُقدت فی غیر الحسن (علیه السلام) وابن الزبیر کما مر آنفاً.
    وقوله: (إن معاویه بن یزید ومروان بن الحکم لم تصح ولایتهما) یردّه أن یزید بن معاویه إن کانت ولایته صحیحه کما قال، فنص یزید على ابنه من بعده یصحِّح ولایته بلا ریب ولا شبهه وإن لم تطل مدّته. وإن کان التغلّب على أمور المسلمین یصحّح خلافه معاویه، فتغلّب مروان بعد ذلک مصحِّح لخلافته.
    ثم إن جعله طول الولایه دلیلاً على صحَّتها واعتبارها لا یمکن التسلیم به، فإنه لم یقل به أحد، هذا مع أنه اعتبر ولایه الإمام الحسن (علیه السلام) التی دامت سته أشهر، ولم یعتبر ولایه مروان بن الحکم التی دامت نفس المده.
    ومن الغریب أنه زعم أن عبد الملک بن مروان لم یثبت استحقاقه للخلافه إلا بعد قیامه على الخلیفه الحق عنده آنذاک وهو عبد الله بن الزبیر وقتله.
    والذی یظهر من کلام ابن حجر أنه یرى أن کل أولئک الحکَّام کانوا متأهِّلین للخلافه مستحقّین لها، مع أن یزید بن معاویه مثلاً لا یختلف المنصفون فی عدم أهلیته للخلافه وعدم استحقاقه لها، لأنه تولَّى ثلاث سنین: السنه الأولى قتل فیها الحسین (علیه السلام)، والسنه الثانیه أباح فیها المدینه، والسنه الثالثه هدم فیها الکعبه… فکیف یکون من الخلفاء الذین یکون الإسلام بهم عزیزاً منیعاً قائماً؟!.
    ۳ ـ قول ابن أبی العز شارح العقیده الطحاویه:
    قال ابن أبی العز الحنفی(۳۹): والاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعه، ومعاویه وابنه یزید، وعبد الملک بن مروان وأولاده الأربعه، وبینهم عمر بن عبد العزیز ثم أخذ الأمر فی الانحلال، وعند الرافضه أن أمر الأمَّه لم یزل فی أیام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، یتولّى علیه الظالمون المعتدون، بل المنافقون الکافرون، وأهل الحق أذل من الیهود. وقولهم ظاهر البطلان، بل لم یزل الإسلام عزیزاً فی ازدیاد فی أیام هؤلاء الاثنی عشر(۴۰).
    أقول: الخلفاء الاثنا عشر على هذا القول هم:
    ۱ ـ أبو بکر. ۲ ـ عمر. ۳ ـ عثمان. ۴ ـ الإمام علی (علیه السلام). ۵ ـ معاویه. ۶ ـ یزید بن معاویه. ۷ ـ عبد الملک. ۸ ـ الولید. ۹ ـ سلیمان. ۱۰ ـ عمر بن عبد العزیز. ۱۱ ـ یزید بن عبد الملک. ۱۲ ـ هشام بن عبد الملک.
    ویَرِد علیه ما قلناه فی خلافه معاویه بن یزید، وخلافه مروان بن الحکم، فراجعه.
    ثم إن کل مَن نظر فی تاریخ المسلمین یعلم أن الأمه لا تزال فی ذلّ وهوان فی زمن أکثر هؤلاء الخلفاء، وأقوال علماء أهل السنه تشهد بذلک وتصرح به، ولو لم یکن فی زمانهم إلا قتل الحسین (علیه السلام) لکفى، کیف وقد أعلن بنو أمیه سب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) على المنابر قرابه ستین سنه، وضُرِبت الکعبه حتى تهدّمت حیطانها، وأبیحت المدینه ثلاثه أیام، فوقع فیها من المخازی ما یندى له جبین التاریخ.
    فإنهم کانوا یقتلون کل من وجدوه من الناس، وکانوا یسلبون کل ما وقع تحت أیدیهم من الأموال، ووقعوا على النساء حتى قیل: إنه حبلت ألف امرأه من أهل المدینه من غیر زوج. وقُتل من وجوه المهاجرین والأنصار سبعمائه، ومن سائر الناس عشره آلاف، ولما دخل مسلم بن عقبه المدینه دعا الناس للبیعه على أنهم عبید وخَدَم لیزید بن معاویه، یحکم فی دمائهم وأموالهم وأهلیهم ما شاء(۴۱).
    إلى غیر ذلک مما یطول ذِکره.
    وقال السیوطی فی تاریخ الخلفاء: لو لم یکن من مساوئ عبد الملک إلا الحجَّاج وتولیته إیاه على المسلمین وعلى الصحابه رضی الله عنهم، یهینهم ویذلّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابه وأکابر التابعین ما لا یُحصى، فضلاً عن غیرهم، وختم على عنق أنَس وغیره من الصحابه ختماً، یرید بذلک ذلَّهم، فلا رحمه الله ولا عفا عنه(۴۲) .
    وقال الذهبی فی کتابه العِبَر: قال عمر بن عبد العزیز رحمه الله: الولید بالشام، والحجَّاج بالعراق، وقُرَّه (بن شریک) بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز، امتلأت والله الأرض جوراً(۴۳).
    فهل کان الإسلام عزیزاً وفی ازدیاد!!؟ وهل کان الناس عامه والمؤمنون خاصه فی عز وکرامه، أم فی ذلَّ ومهانه؟ الأمر معلوم وواضح، ولا ینکر ذلک إلا مکابر أو جاهل أو متعصب.
    ویکفی قول سفینه المتقدم فیهم لما سأله سعید فقال: إن بنی أمیه یزعمون أن الخلافه فیهم. قال: کذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوک من شر الملوک.
    ۴ ـ قول ابن کثیر وابن تیمیه:
    وهو أن المراد وجود اثنی عشر خلیفه فی جمیع مده الإسلام إلى یوم القیامه، یعملون بالحق وإن لم تتوالَ أیامهم، ویؤیده ما أخرجه مُسدَّد فی مسنده الکبیر من طریق أبی بحر، أن أبا الجلد حدَّثه أنه لا تهلک هذه الأمه حتى یکون منها اثنا عشر خلیفه، کلهم یعمل بالهدى ودین الحق، منهم رجلان من أهل بیت محمد (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، یعیش أحدهما أربعین سنه، والآخر ثلاثین سنه.
    وعلى هذا فالمراد بقوله: (ثم یکون الهرج) أی الفتن المؤذنه بقیام الساعه، من خروج الدجال ثم یأجوج ومأجوج إلى أن تنقضی الدنیا(۴۴).
    قال ابن کثیر: قد وافق أبا الجلد طائفه من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذکرنا، وقد کان ینظر فی شیء من الکتب المتقدمه، وفی التوراه التی بأیدی أهل الکتاب ما معناه: إن الله تعالى بشَّر إبراهیم بإسماعیل، وأنه ینمیه ویکثِّره، ویجعل فی ذرّیّته اثنا عشر عظیماً. قال شیخنا العلامه أبو العباس بن تیمیه: وهؤلاء المبشَّر بهم فی حدیث جابر بن سمره، وقرّر أنهم یکونون مفرّقین فی الأمّه، ولا تقوم الساعه حتى یوجدوا(۴۵).
    قال السیوطی: وعلى هذا فقد وُجد من الاثنی عشر خلیفه: الخلفاء الأربعه، والحسن ومعاویه وابن الزبیر وعمر بن عبد العزیز، ویحتمل أن یُضم إلیهم المهتدی من العباسیین، لأنه فیهم کعمر بن عبد العزیز، وکذلک الطاهر لما أوتیه من العدل، وبقی الاثنان المنتظران، أحدهما المهدی، لأنه من أهل بیت محمد (صلى الله علیه وآله وسلم)(۴۶).
    أقول: یفسد هذا القول أن الإمام علیًّا وابنه الإمام الحسن (علیهم السلام) ـ وهما من أهل البیت (علیهم السلام) ـ لم یعش واحد منهما ثلاثین سنه والآخر أربعین، وعلیه فینبغی إخراجهما من جمله هؤلاء الاثنی عشر.
    قال ابن کثیر: إن إخراج علی وابنه الحسن من هؤلاء الاثنی عشر خلاف ما نصَّ علیه أئمه السنه، بل والشیعه(۴۷).
    هذا مضافاً إلى أن عد السیوطی من هؤلاء الخلفاء ثلاثه من أهل البیت خلاف حدیث أبی الجلد الذی أیَّدوا به قولهم.
    ثم إن عد معاویه ممن یعمل بالهدى ودین الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله، وحسبک أنهم اتَّفقوا على إخراجه من زمره الخلفاء الراشدین، فجعلوهم أربعه أو خمسه، ولم یجعلوه منهم.
    وأخرج مسلم فی الصحیح عن عبد الرحمن بن عبد رب الکعبه ـ فی حدیث طویل قال: فقلت له ـ أی لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ: هذا ابن عمک معاویه یأمرنا أن نأکل أموالنا بیننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله یقول (یا أیها الذین آمنوا لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجاره عن تراضٍ منکم ولا تقتلوا أنفسکم إن الله کان بکم رحیماً). قال: فسکت ساعه، ثم قال: أطعه فی طاعه الله، واعصِه فی معصیه الله(۴۸).
    وأخرج الحاکم وصحَّحه على شرط الشیخین، عن عباده بن الصامت، أنه قام قائماً فی وسط دار عثمان بن عفان رضی الله عنه، فقال: إنی سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) محمداً أبا القاسم یقول: ( سیلی أمورکم من بعدی رجال یعرفونکم ما تنکرون، وینکرون علیکم ما تعرفون، فلا طاعه لمن عصى الله، فلا تعتبوا أنفسکم)، فوالذی نفسی بیده إن معاویه من أولئک. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً(۴۹).
    ثم إن إخبار النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهؤلاء الخلفاء إنما کان لفائده عظیمه وغایه مهمه یرید النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) إیضاحها للأمه، وهی مبایعه هؤلاء الخلفاء، ومتابعتهم، والأخذ بهدیهم دون غیرهم ممن لم یکن بهذه الصفه.
    وعلیه، فلو صحَّ هذا القول لما کان ثمه أی فائده فی بیان وجود اثنی عشر خلیفه یعملون بالحق فی جمیع مده الإسلام إلى یوم القیامه، وإن لم تتوالَ أیامهم، فکل خلیفه یتولى أمور الناس لا یُعلم أنه منهم أم لا، فلا یُدرى هل یُبایَع ویُتابَع أم لا. ولا فائده فی ذکر العدد المجرد، القابل للانطباق على کل واحد یتولّى أمر الأمَّه إذا لم یتمیّز هؤلاء الخلفاء بأعیانهم وأشخاصهم بحیث لا یدخل فیهم غیرهم.
    والغریب من ابن کثیر کیف رجَّح قول أبی الجلد بکونه ینظر فی کتب أهل الکتاب، واستدل فی هذه المسأله بحدیث مذکور فی التوراه، مع أنَّا لا نحتاج لإثبات مسأله مهمَّه کهذه بتوراه أو إنجیل محرَّفین، وعندنا أحادیث النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) التی تکفّلت ببیان هذه المسأله وغیرها.
    وهذا دلیل واضح على مبلغ التخبّط والحیره التی وقع فیها أعلام أهل السنّه فی هذه المسأله حتى التجأوا إلى ما لا یجوز الالتجاء إلیه، واعتمدوا على ما لا یصح الاعتماد علیه.
    ثم إن البیان الذی ذکره السیوطی لو سلَّمنا به فهو لا یزال ناقصاً، فإن الخلفاء الذین ذکرهم أحد عشر خلیفه، فیبقی علیه ذکر الثانی عشر، فأین هو؟
    ۵ ـ قول ابن الجوزی والخطابی(۵۰):
    وهو أنه (صلى الله علیه وآله وسلم) أشار إلى ما یکون بعده وبعد أصحابه، وأن حکم أصحابه مرتبط بحکمه، فأخبر عن الولایات الواقعه بعدهم، فکأنه أشار بذلک إلى عدد الخلفاء من بنی أمیه، وکأن قوله: (لا یزال الدین) أی الولایه إلى أن یلی اثنا عشر خلیفه، ثم ینتقل إلى صفه أخرى أشد من الأولى، وأول بنی أمیه یزید بن معاویه، وآخرهم مروان الحمار، وعدّتهم ثلاثه عشر، ولا یُعَد عثمان ومعاویه ولا ابن الزبیر، لکونهم صحابه، فإذا أسقطنا مروان بن الحکم للاختلاف فی صحبته، أو لأنه کان متغلِّباً بعد أن اجتمع الناس على ابن الزبیر صحَّت العده، وعند خروج الخلافه من بنی أمیه وقعت الفتن العظیمه والملاحم الکثیره حتى استقرت دوله بنی العباس، فتغیرت الأحوال عما کانت علیه تغیراً بیناً…(۵۱)
    أقول: لا یخفى ضعف هذا القول ورکاکته، فإن أحادیث الخلفاء الاثنی عشر وردت بلسان المدح لهم والبشاره بهم، ووصفتهم بأن الإسلام بهم یکون عزیزاً منیعاً قائماً، وقد تقدم مفصلاً أن حال هؤلاء لیس کذلک، ومنه یتضح أن هذه الأحادیث أجنبیه عن أولئک الخلفاء وبعیده کل البعد عنهم.
    وقوله: (إن حکم أصحاب النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) مرتبط بحکمه فی هذا الأمر) لا تدل علیه هذه الأحادیث ولا غیرها.
    والعجیب فی المقام أن الخطابی جعل أحادیث الخلفاء الاثنی عشر مقصوره على بنی أمیه خاصه، مع أنها جاءت مادحه للاثنی عشر مبشره بهم، وغفل عن الأحادیث الصحیحه الأخرى التی دلَّت على ذم بنی أمیه وبنی أبی العاص بأشد ما یکون الذم، وهی کثیره جداً.
    منها: ما دلَّ على أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ساءه ملک بنی أمیه.
    فقد أخرج الترمذی فی السنن والسیوطی فی الدر المنثور وغیرهما أن النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) رأى بنی أمیه على منبره فساءه ذلک، فنزلت (إنا أعطیناک الکوثر)… ونزلت (إنا أنزلناه فی لیله القدر …. لیله القدر خیر من ألف شهر) یملکها بنو أمیه یا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هی ألف شهر لا یزید یوم ولا ینقص(۵۲).
    وأخرج الهیثمی فی مجمع الزوائد، والحاکم فی المستدرک وصحَّحه، وابن حجر فی المطالب العالیه والبوصیری فی مختصر الإتحاف وابن کثیر فی البدایه والنهایه، وغیرهم عن أبی هریره أن رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) رأى فی منامه کأن بنی الحکَم(۵۳) ینزون على منبره وینزلون، فأصبح کالمتغیظ، فقال: ما لی رأیت بنی الحکَم ینزون على منبری نزو القرده؟ قال: فما رؤی رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) مستجمعاً ضاحکاً بعد ذلک حتى مات (صلى الله علیه [وآله] وسلم(۵۴).
    وأخرج السیوطی عن ابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل وابن عساکر عن سعید بن المسیب، قال: رأى رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) بنی أمیه على المنابر فساءه ذلک، فأوحى الله إلیه: (إنما هی دنیا أُعطوها). فقرَّت عینه، وهی قوله (وما جعلنا الرؤیا التی أریناک إلا فتنه للناس) یعنی بلاء(۵۵).
    ومنها: ما دلَّ على أن بنی أمیّه أبغض الناس إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم).
    فقد أخرج الهیثمی والحاکم وصحَّحه ووافقه الذهبی، والبوصیری وحسَّنه، عن أبی برزه الأسلمی، قال: کان أبغض الأحیاء إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) بنو أمیه وبنو حنیفه وثقیف(۵۶).
    ومنها: ما دلَّ على سوء فعلهم وعظم ضررهم إذا کثر عددهم.
    فقد أخرج الحاکم والبوصیری وحسَّنه والهیثمی والبیهقی وابن حجر عن أبی سعید الخدری، قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم): إذا بلغ بنو أبی العاص(۵۷) ثلاثین رجلاً اتّخذوا مال الله دُوَلاً (۵۸)، ودین الله دَغَلاً (۵۹)، وعباد الله خَوَلاً (۶۰) (۶۱).
    وفی روایه أخرجها الحاکم قال: إذا بلغت بنو أمیه أربعین… (۶۲)
    ومنها: ما دلَّ على أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لعن بعض هؤلاء الخلفاء وهم فی الأصلاب.
    ومن ذلک ما أخرج الحاکم وصحَّحه ووافقه الذهبی عن عبد الله بن الزبیر، أن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) لعن الحکَم وولده (۶۳).
    واخرج الحاکم وصحَّحه عن عمرو بن مره الجهنی وکانت له صحبه أن الحکم بن أبی العاص استأذن على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فعرف النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) صوته وکلامه، فقال: ایذنوا له، علیه لعنه الله وعلى من یخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقلیل ما هم، یشرفون فی الدنیا، ویضعون فی الآخره، ذو مکر وخدیعه، یعطون فی الدنیا، وما لهم فی الآخره من خلاق (۶۴).
    ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم أشر على هذه الأمه من فرعون لقومه، وهو الولید بن عبد الملک، أو الولید بن یزید.
    فقد أخرج أحمد فی المسند، والهیثمی فی مجمع الزوائد عن عمر، قال: وُلد لأخی أم سلمه زوج رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) غلام فسمَّوه الولید، فقال النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم): سمّیتموه بأسماء فراعنتکم؟ لیکونن فی هذه الأمه رجل یقال له الولید، لَهُو أشر على هذه الأمه من فرعون لقومه (۶۵).
    قال ابن کثیر: قال أبو عمر الأوزاعی: کان الناس یرون أنه الولید بن عبد الملک، ثم رأینا أنه الولید بن یزید، لفتنه الناس به، حتى خرجوا علیه فقتلوه، وانفتحت على الأمه الفتنه والهرج (۶۶).
    أقول: سواء أکان هذا أم ذاک فکلاهما من الخلفاء الاثنی عشر عندهم، فیکون واحد من هؤلاء الخلفاء أشر على هذه الأمه من فرعون.
    ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم جبابره.
    ومن ذلک ما أخرجه الهیثمی وابن کثیر وغیرهما عن ابن وهب ـ فی حدیث ـ قال: وذکر مروان حاجه له ـ أی لمعاویه ـ فردَّ مروان عبد الملک إلى معاویه، فکلمه فیها، فلما أدبر عبد الملک قال معاویه (لابن عباس وکان جالساً معه على سریره): أنشدک بالله یا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ذکر هذا فقال: أبو الجبابره الأربعه؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم (۶۷).
    أقول: الجبابره الأربعه هم أولاد عبد الملک، وهم: الولید وسلیمان ویزید وهشام، وهم من الخلفاء الاثنی عشر عندهم، فتدبَّر.
    فهل یصح بعد النظر فی هذه الأحادیث الصحیحه وغیرها أن یقال: إن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بشَّر بهؤلاء الملوک من بنی أمیه، وأخبر أن الدین بهم یکون عزیزاً منیعاً صالحاً…
    ثم إن الخطابی أخرج مروان بن الحکم من عداد هؤلاء الاثنی عشر للاختلاف فی صحبته، مع أن أقوال علماء أهل السنه تنص على عدم صحبته.
    قال البخاری: لم یرَ النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) (۶۸).
    وقال ابن حجر: روى عن النبی، ولا یصح له منه سماع (۶۹).
    وقال أیضاً: لم أرَ من جزم بصحبته (۷۰).
    وقال الذهبی: لم یرَ النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) لأنه خرج مع أبیه وهو طفل (۷۱).
    وقال النووی: لم یسمع النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) ولا رآه، لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا یعقل حین نفى النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم) أباه الحکم، فکان مع أبیه بالطائف حتى استخلف عثمان فردَّهما (۷۲).
    وکذلک قال ابن الأثیر فی أسد الغابه وابن عبد البر فی الاستیعاب وغیرهما (۷۳).
    ثم إن لازم إخراج مروان من عدّه هؤلاء الخلفاء لتغلّبه إخراج کل خلفاء بنی أمیه معه، لأن خلافتهم کانت بالتغلّب والقهر أیضاً کما هو معلوم.
    على أنَّا إذا أخرجنا مروان من العدّه فلا بد أن ندخل إبراهیم بن الولید بن عبد الملک لیتم العدد، مع أن إبراهیم هذا تولّى الملک سبعین لیله، ثم خلع نفسه، وسلَّم الأمر إلى مروان بن محمد، وبایعه طائعاً (۷۴).
    وقوله: (وعند خروج الخلافه من بنی أمیّه وقعت الفتن العظیمه…) إلى آخر ما قاله، یفسده أن ما وقع من الحوادث والفتن فی زمن هؤلاء الخلفاء من بنی أمیه أعظم وأشنع من الفتن الواقعه فی زمن جمله من خلفاء بنی العباس، کالمنصور والمهدی والهادی وهارون والمأمون والمعتصم، وهذا ظاهر معلوم.
    ۶ ـ قول ابن حبَّان:
    قال ابن حبَّان (۷۵): معنى الخبر عندنا: أن مَن بعد الثلاثین سنه یجوز أن یقال لهم خلفاء أیضاً على سبیل الاضطرار وإن کانوا ملوکاً على الحقیقه، وآخر اثنی عشر من الخلفاء کان عمر بن عبد العزیز، فلما ذکر المصطفى (صلى الله علیه [وآله] وسلم) الخلافه ثلاثین سنه وکان آخر الاثنی عشر عمر بن عبد العزیز، وکان من الخلفاء الراشدین المهدیین، أطلق على مَن بینه وبین الأربع الأول اسم الخلفاء…
    ثم ساق کلاماً طویلاً ذکر فیه کل مَن تولّى، ولم یعیِّن من هم الاثنا عشر، إلا أنه ذکر الأربعه، ومعاویه، والإمام الحسن (علیه السلام)، ویزید، ومعاویه ابن یزید، وعبد الله بن الزبیر، ومروان بن الحکم، وعبد الملک، والولید، وسلیمان، وعمر بن عبد العزیز، وهو آخرهم (۷۶).
    أقول: هؤلاء أربعه عشر نفساً، وهو قول فاسد على جمیع الاحتمالات.
    قال ابن کثیر: وعلى کل تقدیر فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزیز.
    ثم أوضح ذلک بما حاصله: أنه إن أُدخل یزید بن معاویه خرج عمر بن عبد العزیز، مع أن الأئمه عدّوه من الخلفاء الراشدین، وإن أعتُبر مَن اجتمعت الأمه علیه خرج علی وابنه الحسن، وهذا خلاف ما نصّ علیه أئمه السنه بل والشیعه، وخلاف ما دلَّ علیه نصّاً حدیث سفینه، وقد بیَّنَّا دخول خلافه الحسن وکانت نحواً من سته أشهر فیها أیضاً… إلى آخر ما قاله (۷۷).
    ۷ ـ رأی المهلب:
    نُسب إلى المهلَّب (۷۸) أنه قال: الذی یغلب على الظن أنه علیه الصلاه والسلام أخبر بأعاجیب تکون بعده من الفتن، حتى یفترق الناس فی وقت واحد على اثنی عشر أمیراً. قال: ولو أراد غیر هذا لقال: (یکون اثنا عشر أمیراً یفعلون کذا… )، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم یکونون فی زمن واحد.
    قال ابن حجر: وهو کلام مَن لم یقف على شیء من طرق الحدیث غیر الروایه التی وقعت فی البخاری هکذا مختصره، وقد عرفت من الروایات التی ذکرتها من عند مسلم وغیره أنه ذکر الصفه التی تختص بولایتهم، وهو کون الإسلام عزیزاً منیعاً. وفی الروایه الأخرى صفه أخرى، وهی أن کلهم یجتمع علیه الناس کما وقع عند أبی داود.
    إلى أن قال: ولو لم یرِد إلا قوله: کلهم یجتمع علیه الناس (لکفى) فإن وجودهم فی عصر واحد عین الافتراق، فلا یصح أن یکون المراد (۷۹).
    ۸ ـ قول أبی الحسین بن المنادی (۸۰):
    فإنه قال فی الجزء الذی جمعه فی المهدی: یحتمل فی معنى حدیث: (یکون اثنا عشر خلیفه) أن یکون هذا بعد المهدی الذی یخرج فی آخر الزمان، فقد وجدت فی کتاب دانیال: إذا مات المهدی مَلَکَ بعده خمسه رجال من ولد السبط الأکبر، ثم خمسه من ولد السبط الأصغر، ثم یوصی آخرهم بالخلافه لرجل من ولد السبط الأکبر، ثم یملک بعده ولده، فیتم بذلک اثنا عشر ملکاً، کل واحد منهم إمام مهدی.
    ثم ساق روایه رواها أبو صالح عن ابن عباس، وروایه أخرى عن کعب بهذا المعنى (۸۱).
    قال ابن حجر: الوجه الذی ذکره ابن المنادی لیس بواضح، ویعکِّر علیه ما أخرجه الطبرانی من طریق قیس بن جابر الصدفی، عن أبیه، عن جدّه رفعه: (سیکون من بعدی خلفاء، ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوک، ومن بعد الملوک جبابره، ثم یخرج رجل من أهل بیتی، یملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً، ثم یؤمّر القحطانی، فوالذی بعثنی بالحق ما هو دونه)، فهذا یرِد على ما نقله ابن المنادی من کتاب دانیال، وأما ما ذکره عن أبی صالح فواهٍ جداً، وکذا عن کعب (۸۲).
    أقول: الذی ذکره ابن المنادی لیس بظاهر البته من أحادیث الخلفاء الاثنی عشر المتقدمه، بل الظاهر منها خلافه، فإن الخطاب فی قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (یکون علیکم اثنا عشر خلیفه) إنما هو لصحابته الباقین بعده، ولأنهم فهموا ذلک علا الضجیج الذی حال دون سماع جابر بن سمره باقی کلام رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، ولو کان الأمر مرتبطاً بغیرهم ویقع فی آخر الزمان لما کان ثمه ما یثیر مشاعرهم إلى هذا الحد.
    هذا مضافاً إلى أن أحادیث آخر الزمان لم تذکر هؤلاء الخلفاء الاثنی عشر الذین ذکرهم ابن المنادی فی کلامه، اللهم إلا ما ورد فی کتاب دانیال، وهو کتاب إن صحَّ فلعل المراد بیان أن ثمه اثنی عشر ملکاً یکونون بعد المهدی، غیر الاثنی عشر الذین یکونون بعد زمان رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم).
    هذه بعض أقوالهم التی وقفت علیها فی هذه المسأله، وهی کلها کما رأیت ضعیفه واهیه، لا یمکن الأخذ بها بحال.
    الخلفاء الاثنا عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام):
    بعد أن تبین بطلان الأقوال السابقه کلها نقول:
    إن الخلفاء الاثنی عشر الذین بشَّر بهم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فی الأحادیث المتقدمه هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، ویدل على ذلک أمور:
    ۱ ـ أن هذه الأحادیث نصَّت على العدد المعیَّن ـ أی الاثنی عشر ـ وهو عدد أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، بلا زیاده ولا نقیصه، فلا نحتاج لأن نتکلَّف إسقاط بعض أو ضم بعض آخر.
    ولا یصح أن یراد بهم ملوک بنی أمیه أو ملوک بنی العباس کلهم، لأنهم یزیدون على هذا العدد بکثیر، ولا أن یُراد بعضهم دون بعض، لأنه لا ترجیح فی البین، لأن أحوالهم متقاربه، وسِیَرهم متشابهه، مع أن کل واحد منهم لا تنطبق علیه الأوصاف المذکوره فی الأحادیث کما مرَّ مفصَّلاً.
    ۲ ـ أن الأحادیث المذکوره أشارت إلى أوصافهم، فأوضحت أن الدین یکون بهم عزیزاً منیعاً قائماً، وأن أمر الناس یکون بهم صالحاً ماضیاً، وهذا لا یتحقق إلا إذا تولى أمر المسلمین من یرشدهم إلى الحق، ویدلّهم على الهدى، ویحملهم على الخیر، ویکون اتّباع الناس له سبباً لسعادتهم فی الدنیا ولفوزهم فی الآخره.
    ولا یختلف المسلمون فی أن الإسلام یکون عزیزاً منیعاً قائماً، وأمر الناس یکون ماضیاً صالحاً بأئمه أهل البیت (علیهم السلام)، الذین أجمعت الأمه على أنهم عصمه للأمه من الضلال، وأمان لها من الفرقه والاختلاف، فإن أهل السنه لا یختلفون فی ورعهم وتقواهم وعلمهم، وأن الناس لو اتبعوهم لما ضلو، ولو اجتمعوا علیهم لما افترقوا، فلذا قلنا بأن الأمه أجمعت واجتمعت علیهم.
    وأما غیرهم ـ ولا سیما بنو أمیه ـ فإن الأمه لم تنل بولایتهم إلا التفرق والوقوع فی الفتن والمهالک، وهو واضح لا یحتاج إلى بیان.
    ۳ ـ قد قلنا فیما تقدم أن الغایه من ذِکر هؤلاء الخلفاء فی هذه الأحادیث هی الحث على اتّباعهم والاهتداء بهم، وحدیث الثقلین وغیره من الأحادیث قد أوضحت أن الذین یلزم اتّباعهم والاهتداء بهم هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، فتکون هذه الأحادیث مبیِّنه للمراد بالخلفاء الاثنی عشر فی تلک الأحادیث. ولا سیما أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) أطلق لفظ (الخلیفه) على العتره النبویه الطاهره کما فی بعض طرق حدیث الثقلین، حیث قال: إنی تارک فیکم خلیفتین: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی، وإنهما لن یتفرَّقا حتى یَرِدَا علیَّ الحوض.
    ولعل قوله (صلى الله علیه وآله وسلم): (کلهم من قریش) فیه نوع إشاره إلى هؤلاء الخلفاء، فإنه (صلى الله علیه وآله وسلم) لما أراد أن یوضح هؤلاء الأئمه وینص علیهم بأعیانهم حال الضجیج بینه وبین ذلک، فاکتفى بالإشاره عن صریح العباره.
    ولیس من البعید أن یکون النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) قد أوضح هذا الأمر ونص على هؤلاء الأئمه من عترته أو من بنی هاشم، إلا أن ید التحریف عبثت بهذه الأحادیث رعایه لمآرب أعداء آل محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) من الحُکَّام وغیرهم.
    ویشهد لذلک أنها رُویَت هکذا فی بعض کتب القوم، کما فی ینابیع الموده وغیره، عن جابر بن سمره، قال: کنت مع أبی عند النبی (صلى الله علیه [وآله] وسلم)، فسمعته یقول: بعدی اثنا عشر خلیفه. ثم أخفى صوته، فقلت لأبی: ما الذی أخفى صوته؟ قال: قال: کلهم من بنی هاشم (۸۳).
    والحاصل أن صلاح هؤلاء الأئمه، وحسن سیرتهم، وطیب سریرتهم، وأهلیتهم للإمامه العظمى والخلافه الکبرى مما لا ینکره إلا مکابر أو متعصب.
    أما أهلیه الإمام أمیر المؤمنین وولدیه الحسن والحسین (علیهم السلام) للإمامه والخلافه فهی واضحه لا تحتاج إلى بیان، ومع ذلک فقد أقرَّ بها وبأهلیه غیرهم من الأئمه بعض علماء أهل السنه.
    قال الذهبی: فمولانا الإمام علی من الخلفاء الراشدین المشهود لهم بالجنه رضی الله عنه نُحِبّه ونتولاه… وابناه الحسن والحسین فسبطا رسول الله (صلى الله علیه [وآله] وسلم) وسیدا شباب أهل الجنه، لو استُخلفا لکانا أهلاً لذلک (۸۴).
    وقال فی ترجمه الإمام علی بن الحسین زین العابدین (علیه السلام): وکان له جلاله عجیبه، وحقَّ له والله ذلک، فقد کان أهلاً للإمامه العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وکمال عقله(۸۵).
    وقال فی ترجمه الإمام أبی جعفر الباقر (علیه السلام): وکان أحد مَن جمع بین العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقه والرزانه، وکان أهلاً للخلافه(۸۶).
    وقال فی ترجمه الإمام جعفر الصادق (علیه السلام): مناقب جعفر کثیره، وکان یصلح للخلافه، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضی الله عنه (۸۷).
    وقال فی الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام): کبیر القدر، جیّد العلم، أولى بالخلافه من هارون (الرشید)(۸۸).
    وقال فی ترجمه الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام): وقد کان علی الرضا کبیر الشأن، أهلاً للخلافه(۸۹).
    وقال ابن تیمیه فی ضمن ردّه على من قال بإمامه الأئمه الاثنی عشر دون غیرهم لِما امتازوا به من الفضائل التی لم یحزها غیرهم: إن تلک الفضائل غایتها أن یکون صاحبها أهلاً أن تُعقد له الإمامه، لکنه لا یصیر إماماً بمجرد کونه أهلاً، کما أنه لا یصیر الرجل قاضیاً بمجرد کونه أهلاً لذلک.
    ثم قال: إن أهلیه الإمامه ثابته لآخرین کثبوتها لهؤلاء، وهم أهل أن یتولّوا الإمامه، فلا موجب للتخصیص، ولم یصیروا بذلک أئمه(۹۰).
    وکلامه واضح فی الاعتراف بأهلیه هؤلاء الأئمه الاثنا عشر (علیهم السلام) للخلافه، ولو کان بوسعه إنکار أهلیتهم للخلافه لأنکرها کما أنکر کثیراً من الأحادیث الصحیحه فی کتابه منهاج السنه.
    هذا ما عثرت علیه من إقرار علماء أهل السنه بأهلیه هؤلاء الأئمه، ولولا قله المصادر لدی لعثرت على أکثر من ذلک، ولعل الباحث المتتبّع یجد المزید، إلا أن فیما ذکرناه کفایه، فإن علماءهم مع إقرارهم بأهلیه أئمه أهل البیت (علیهم السلام) للخلافه لم یتّفقوا على إدخال الخلفاء الثلاثه الأوائل فی الخلفاء الاثنی عشر، فضلاً إثبات أهلیتهم وأهلیه غیرهم، وهذا دلیل واضح على أن کل ما قالوه لصرف هذه الأحادیث عن أئمه أهل البیت (علیهم السلام) إنما کان ظناً وتخرّصاً لا یغنیان عن الحق شیئاً.
    شبهه وجوابها:
    قد یقول قائل: إن أئمه أهل البیت لم یتولوا أمور المسلمین وإن کانوا أهلاً لذلک، فلا یصدق علیهم أنهم خلفاء بمجرد أهلیتهم للخلافه، کما أن القاضی لا یصدق علیه أنه قاض بمجرد کونه أهلاً للقضاء ما لم یتولّ القضاء، فکیف صار هؤلاء الأئمه هم الخلفاء الاثنی عشر؟
    والجواب:
    لمَّا دلَّت النصوص الصحیحه على أن الخلفاء الاثنی عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، وأنهم هم الذین یجب اتّباعهم ومبایعتهم وطاعتهم دون سواهم. فحینئذ لا یجوز العدول عنهم، ومبایعه من عداهم، لأن ذلک تبدیل لحکم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، ورَدٌّ لقوله، وإبطال لأمره.
    على أن انصراف أکثر الناس عنهم لا یصیّرهم رعیّه، ولا یصیر غیرهم أئمه وخلفاء، کما أن انصراف أکثر الناس عن الاعتقاد بنبوّه النبی لا یبطل نبوّته. قال تعالى (وما کان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن یکون لهم الخِیَرَه من أمرهم ومن یعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبیناً)[سوره الأحزاب: الآیه ۳۶].
    ولا ریب فی أن ثمه فرقاً بین القاضی المنصوب وبین مَن له أهلیه القضاء، فإن الأول یسمَّى قاضیاً، والآخر لا یسمَّى بذلک، إلا أن هذا أجنبیاً عما نحن فیه، فإن الأئمه قد أخبر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهم ونصَّ علیهم، فهُم خلفاء لأن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) سمَّاهم بذلک، وإن لم یبایعهم الناس أو یقرّوا لهم بالخلافه. وحال هؤلاء حال من نصَّبه النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) للقضاء فأبى الناس، فإنه یکون قاضیاً شاء الناس أم أبوا، وهذا واضح لا یحتاج إلى مزید بیان.
    ثم إن الأئمه (علیهم السلام) قاموا بأمور الإمامه خیر قیام، فبیّنوا الأحکام، وأوضحوا شرائع الإسلام، ونفوا عن الدین تحریف المبطلین وتأویل الجاهلین، وردّوا شبهات المُضلّین، فجزاهم الله خیر الجزاء عن الإسلام والمسلمین. والنبوه فضلاً عن الإمامه لا تتقوم باتباع الناس أو بخلافهم، فإن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) کان رسولاً نبیا وهو فی مکه لم یؤمن به إلا قلیل، والإمام کذلک.
    شبهه أخرى وجوابها:
    وقد یقول قائل: إن بعض الأحادیث الصحیحه دلّت على أن أولئک الخلفاء کلّهم یجتمع علیه الناس، مع أن أئمه أهل البیت لم یجتمع علیهم أحد، حتى أمیر المؤمنین (علیه السلام) اختلف الناس فی زمانه، فکیف یکونون هم الأئمه المعنیین فی تلک الأحادیث؟
    والجواب:
    إذا کان المراد باجتماع الناس علیهم هو ما فهمه بعض علماء أهل السنه من الاتفاق على البیعه، فهذا لا ینطبق على أی واحد ممن تولّوا أمر الناس، حتى أبی بکر وعمر، فإن أبا بکر تمَّت له البیعه فی سقیفه بنی ساعده وأکثر المهاجرین کانوا غائبین عنها، وأما عمر فکانت خلافته بنص أبی بکر لا باجتماع الناس، حتى قال بعضهم لأبی بکر: ما أنت قائل لربّک إذا سألک عن تولیه عمر علینا وقد ترى غلظته… (۹۱)، وأما غیرهما ممن جاء بعدهما فقد بیَّنّا أنهم لم یجتمع علیهم الناس بهذا المعنى.
    وعلیه فإن کان المراد من اجتماع الناس هذا المعنى فهو لا ینطبق على أحد، فیکون هذا الحدیث باطلاً، فحینئذ لا مناص من القول بأن المراد من اجتماع الناس فی الحدیث هو اجتماعهم على صلاح هؤلاء الخلفاء، وحسن سیرتهم، وطیب سریرتهم، والاجتماع بهذا المعنى متحقق فی أئمه أهل البیت (علیهم السلام) دون غیرهم، فهُم وحدهم الذین اتفق الشیعه وأهل السنه على اتّصافهم بذلک، فیکون هذا المعنى هو المراد فی الحدیث، لوجود مصادیق له دون المعنى الأول.
    قال الدهلوی (۹۲): وقد عُلم أیضاً من التواریخ وغیرها أن أهل البیت ولا سیما الأئمه الأطهار من خیار خلق الله تعالى بعد النبیین، وأفضل سائر عباده المخلصین والمقتفین لآثار جدّهم سید المرسلین(۹۳).
    ویمکن أن نقول: أن اللام فی (الناس) لاستغراق الصفات، فیکون المراد بهم الکُمَّل من الناس، لا سواد الناس الهمج الرعاع، الذین ینعقون مع کل ناعق، أتباع سلاطین الجور وأئمه الضلال، فإنهم لا قیمه لهم، ولا عبره بخلافهم.
    والکُمَّل من الناس اجتمعوا على بیعه هؤلاء الأئمه خلفاء للأمّه دون غیرهم، وفیهم بحمد الله کفایه للدلاله على صدق الحدیث.
    وبعد کل هذا البیان یتّضح أن الخلفاء الاثنی عشر الذین بشَّر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بهم أمّته، ووصفهم بأن الإسلام یکون بهم عزیزاً منیعاً قائماً، وأمر الناس یکون بهم صالحاً ماضیاً؟ وکلهم تجتمع علیه الأمه، لا یمکن أن یکونوا هم أولئک الخلفاء الذین ذکروهم، وکانت أیامهم مملوءه بالفتن والهرج والاختلاف، ولیالیهم کلها خمر ومجون، وانتهاک لحرمات الله، وعبث بأحکام الله، وما إلى ذلک مما هو معلوم، فإن الأمه لم تجنِ من ولایه هؤلاء خیراً.
    وحینئذ لا مناص من الجزم بأن الخلفاء الاثنی عشر هم أئمه أهل البیت (علیهم السلام)، الذین حث النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على اتّباعهم والتمسک بهم.
    إلا أنَّا نتساءل: هل خفی على أعلام أهل السنه هؤلاء الخلفاء الذین وصفهم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بأوضح الصفات التی بها امتازوا عن سواهم؟ أم أنهم أخفوا بیان ذلک للناس؟
    إن زعم خفاء هذه المسأله یرجع فی واقعه إلى الطعن فی نبی الأمه (صلى الله علیه وآله وسلم) بالتقصیر فی بیان هذه المسأله المهمه حتى خفیت على علماء الأمه، وهذا لا یصدر من مسلم، فإن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لم یکن یتحدَّث بالأحاجی والألغاز ولا سیما فی أهم المسائل الدینیه، وهی مسأله الإمامه والخلافه.
    إذن، لماذا خفیت هذه المسأله عن علماء أهل السنه؟ أو لماذا أخفوها؟
    هذه أسئله تدور، وتحتّم على أهل السنه أن یجیبوا علیها إجابات علمیه صحیحه لیست مبتنیه على الظن والتخمین والاحتمالات التی لا تغنی من الحق شیئاً.
    (وإن فریقاً منهم لیکتمون الحق وهم یعلمون)[سوره البقره: ۱۴۶].
    ـــــــــــــــــــــ
    ۱- صحیح البخاری ج ۹ ص ۱۰۱ کتاب الأحکام باب ۵۱، مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۰، ص ۹۵، دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۱۹٫
    ۲- شرح السنه ج ۱۵ ص ۳۱٫
    ۳- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۲ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش.
    ۴- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۲ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۸، ص ۱۰۱٫ سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۶۵۱، قال الألبانی: وهذا إسناد صحیح على شرطهما.
    ۵- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص۹۰ ص ۱۰۰٫ مسند أبی داود الطیالسی ص ۱۰۵، ص ۱۸۰، مشکاه المصابیح ج ۳ ص ۱۶۸۷ وقال التبریزی: متفق علیه. الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۳۰٫
    ۶- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند احمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۸، ص ۱۰۱٫ وفی ص ۹۶ قال: عزیزاً منیعاً ظاهراً على من ناواه، لا یضره من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۳۰٫
    ۷- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۵۳ کتاب الإماره، باب الناس تبع لقریش، والخلافه فی قریش. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۸۶، ص ۸۸، ص ۸۹٫ سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۲ ص ۶۹۰٫
    ۸- سنن الترمذی ج۴ ص ۵۰۱ قال الترمذی: هذا حدیث حسن صحیح. مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۹۲، ص ۹۴، ص ۹۹، ص ۱۰۸٫
    ۹- صححها الالبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۰۷٫
    ۱۰- سنن أبی داود ج ۴ ص ۱۰۶ کتاب المهدی. وهذا الحدیث ذکره البیهقی فی دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۲۰ والألبانی فی صحیح الجامع الصغیر ج ۲ ص ۱۲۷۴ بعین لفظه، وأخرجه ابن أبی عاصم فی کتاب السنه، ص ۵۱۸ بلفظ متقارب.
    ۱۱- سنن أبی داود ج ۴ ص ۱۰۶ کتاب المهدی. وذکره الخطیب فی تاریخ بغداد ج ۲ ص ۱۲۶، وأخرجه أحمد فی المسند ج ۵ ص ۹۸، ص ۹۹ وفیه: ثم لغط القوم وتکلموا. وفی نفس الصفحه: فجعل الناس یقومون ویقعدون.
    ۱۲- مسند أحمد ج ۵ ص ۹۷، ص ۱۰۷ إلا أن فیه: لا یزال هذا الأمر صالحاً. المستدرک ج ۳ ص ۶۱۸٫ مجمع الزوائد ج ۵ ص ۱۹۰ قال الهیثمی: رجال الطبرانی رجال الصحیح. ورواه عن جابر فی ص ۱۹۱ وقال: رجاله ثقاه.
    ۱۳- مسند أحمد بن حنبل ج ۱ ص ۳۹۸، مجمع الزوائد ج ۵ ص ۱۹۰، المطالب العالیه ج ۲ ص ۱۹۷٫ مختصر إتحاف الساده المهره بزوائد المسانید العشره ج ۶ ص ۴۳۶٫ وهذا الحدیث حسنه ابن حجر العسقلانی فی فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱، وابن حجر الهیتمی فی تطهیر الجنان واللسان، ص ۳۱۳، والسیوطی فی تاریخ الخلفاء، ص۸، والبوصیری فی مختصر إتحاف الساده المهره بزوائد المسانید العشره ج ۶ ص ۴۳۶٫
    ۱۴- مسند أحمد بن حنبل ج ۱ ص ۳۹۸٫ حلیه الأولیاء ج ۴ ص ۳۳۳٫ شرح السنه ج ۱۵ ص ۳۰ قال البغوی: هذا حدیث صحیح.
    ۱۵- مسند أحمد بن حنبل ج ۵ ص ۸۷، ص ۸۸، ص ۹۰٫ المستدرک ج ۳ ص ۶۱۷٫
    ۱۶- راجع المعجم الکبیر للطبرانی ج ۲ ص ۱۹۵ وما بعدها، ح ۱۷۹۱ ـ ۱۸۰۱، ۱۸۰۸، ۱۸۰۹، ۱۸۴۱، ۱۸۴۹ ـ ۱۸۵۲، ۱۸۷۵، ۱۸۷۶، ۱۸۸۳، ۱۸۹۶، ۱۹۲۳، ۱۹۳۶، ۱۹۶۴، ۲۰۰۷، ۲۰۴۴، ۲۰۵۹ ـ ۲۰۶۳، ۲۰۶۷ ـ ۲۰۷۱، ۲۰۷۳٫
    ۱۷- کشف المشکل ج ۱ ص ۴۴۹ وذکر ابن حجر هذه العباره فی فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۱۸- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۱۹- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ، ص ۴۶۸: القاضی عیاض بن موسى بن عیاض بن عمرو بن موسى بن عیاض العلامه عالم المغرب أبو الفضل الیحصبی السبتی الحافظ، ولد سنه ۴۷۶ هـ، وأجاز له أبو علی النسائی، وتفقه وصنف التصانیف التی سارت بها الرکبان کـ (الشفا) و (طبقات المالکیه) و (شرح مسلم)، و(المشارق) فی الغریب، و (شرح حدیث أم زرع… وبعد صیته، وکان إمام أهل الحدیث فی وقته، وأعلم الناس بعلومه، وبالنحو واللغه وکلام العرب وأیامهم وأنسابهم. ولی القضاء سبته ثم غرناطه، ومات لیله الجمعه سنه ۵۴۴ هـ بمراکش.
    ۲۰- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۲۱- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۲۲- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ ص ۴۳۳: البیهقی الإمام الحافظ العلامه شیخ خراسان أبو بکر أحمد بن الحسین بن علی بن موسى الخسروجردی صاحب التصانیف، ولد سنه ۳۸۴ هـ، ولزم الحاکم وتخرج به، وأکثر عنه جداً، وهو من کبار أصحابه، بل زاد علیه بأنواع العلوم. کتب الحدیث وحفظه من صباه، وبرع وأخذ فی الأصول، وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل… وعمل کتباً لم یسبق إلیها (کالسنن الکبرى)، و (الصغرى)، و(شعب الإیمان)، و (الأسماء والصفات)، و (دلائل النبوه) وغیر ذلک مما یقارب ألف جزء. مات سنه ۴۵۸ هـ بنیسابور، ونقل فی تابوت إلى بیهق (بتصرف).
    ۲۳- دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۲۰٫
    ۲۴- المصدر السابق ج ۶ ص ۵۲۱٫
    ۲۵- أخرجه أبو داود فی سننه ج۴ ص ۲۱۱ ح ۴۶۴۶، ۴۶۴۷، والترمذی فی سننه ج ۴ ص ۵۰۳ وقال: هذا حدیث حسن، وأخرجه ابن حبان فی صحیحه کما فی الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۹ ص ۴۸، والحاکم فی المستدرک ج ۳ ص ۷۱، ص ۱۴۵، وأحمد فی المسند ج ۵ ص ۲۲۰، ص ۲۲۱، والبیهقی فی دلائل النبوه ج ۶ ص۳۴۲ وصححه الألبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۷۹، وسلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۷۴۲ ح ۴۵۹، ونقل تصحیحه عن الحاکم والذهبی وابن حبان وابن حجر وابن جریر الطبری وابن تیمیه، ونقل عنه اعتماد الإمام أحمد علیه، وأنه متفق علیه بین الفقهاء وعلماء السنه. ورد الالبانی على من ضعف الحدیث کابن خلدون فی تاریخه، وأبی بکر بن العربی فی العواصم من القواصم، ثم قال: فقد تبین بوضوح سلامه الحدیث من عله قادحه فی سنده، وأنه صحیح محتج به.
    ۲۶- قال السیوطی فی تاریخ الخلفاء، ص ۱۸۳: عمر بن عبد العزیز بن مروان، الخلیفه الصالح أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدین. وقال الذهبی فی کتابه العبر ج ۱ ص ۹۱: فی رجب [ سنه إحدى ومائه ] توفی الإمام العادل أمیر المؤمنین وخامس الخلفاء الراشدین أبو حفص عمر بن عبد العزیز. وأخرج أبو داود فی سننه ج ۴ ص ۲۰۷: عن سفیان الثوری أنه قال: الخلفاء خمسه: أبو بکر وعمر وعثمان وعلی وعمر بن عبد العزیز.
    ۲۷- سنن أبی داود ج ۴ ص ۲۱۰٫ وصححه الألبانی فی صحیح سنن أبی داود ج ۳ ص ۸۷۹٫
    ۲۸- فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۲۹- سلسله الأحادیث الصحیحه ج ۱ ص ۷۴۸٫
    ۳۰- هذا القول للطیبی، نقله فی عون المعبود ج ۱۲ ص ۳۸۸٫
    ۳۱- ذهب إلى ذلک ابن أبی العز حیث قال: إن زمان علی لم ینتظم فیه الخلافه ولا الملک. وستأتی کلمته قریباً. وقال الطیبی کما فی عون المعبود ج ۱۲ ص ۳۸۸: إن الخلافه فی زمن عثمان وعلی رضی الله عنهما مشوبه بالملک.
    ۳۲- ذکر ذلک الإمام البغوی فی شرح السنه ج ۱۴ ص ۷۵، والمناوی فی فیض القدیر ج ۳ ص ۵۰۹٫
    ۳۳- هذا القول للملا علی القاری فی مرقاه المفاتیح ج ۹ ص ۲۷۱٫
    ۳۴- منها: أن وصف الرساله والنبوه لا یرتفع عن النبی والرسول بسبب عدم اتباع الناس له، وصاحب المال أو المتاع لا یحکم بصیروره المال لغیره بمجرد عدم تمکنه من التصرف فیه، وتمکن غیره منه، وهو واضح معلوم.
    ۳۵- شرح العقیده الطحاویه ص ۴۷۳٫
    ۳۶- البدایه والنهایه ج ۸ ص ۱۳۴٫
    ۳۷- المصدر السابق ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۳۸- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۳۹- قال ابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب ج ۶ ص ۳۲۶: صدر الدین محمد بن علاء الدین علی بن محمد بن أبی العز الحنفی الصالحی، اشتغل قدیماً ومهر ودرس وأفتى وخطب بحسبان مده، ثم ولی قضاء دمشق فی سنه ۷۷۹ هـ، ثم ولی قضاء مصر بعد ابن عمه، فأقام شهراً ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوه فاعتقل بسببها، وأقام مده مقتراً خاملاً إلى أن جاء الناصری، فرفع إلیه أمره فأمر برد وظائفه، فلم تطل مدته بعد ذلک، وتوفی فی سنه ۷۹۲ هـ (بتصرف).
    ۴۰- شرح العقیده الطحاویه ص ۴۸۹٫
    ۴۱- نقلنا ذلک باختصار من کتاب البدایه والنهایه ج ۸ ص ۲۲۴، راجع لسان المیزان ج ۶ ص ۲۹۴، تاریخ الإسلام، حوادث سنه ۶۱ ـ ۸۰ هـ .
    ۴۲- تاریخ الخلفاء ص ۱۷۶٫
    ۴۳- العبر فی خبر من غبر ج۱ ص ۸۵٫
    ۴۴- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۶، فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۴۵- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۶٫
    ۴۶- تاریخ الخلفاء ص ۱۰٫
    ۴۷- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۴۸- صحیح مسلم ج ۳ ص ۱۴۷۲٫ کتاب الإماره، باب وجوب الوفاء ببیعه الخلفاء الأول فالأول.
    ۴۹- المستدرک على الصحیحین ج ۳ ص ۳۵۷٫
    ۵۰- قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۷ ص ۲۳: الإمام العلامه الحافظ اللغوی أبو سلیمان حمد بن محمد بن إبراهیم بن خطاب البستی الخطابی صاحب التصانیف، ولد سنه بضع وعشره وثلاثمائه. أخذ الفقه على مذهب الشافعی عن القفال الشاشی وغیره، وحدث عنه الحاکم النیسابوری والإمام والإسفرایینی وغیرهما. قال السلفی: وأما أبو سلیمان الشارح لکتاب أبی داود فإذا وقف منصف على مصنفاته واطلع على بدیع تصرفاته فی مؤلفاته تحقق إمامته ودیانته فیما یورده وأمانته، وکان قد رحل فی الحدیث وقراءه العلوم وطوف، وألف فی فنون العلم وصنف.. توفی ببست سنه ۳۸۸ هـ (بتصرف).
    ۵۱- فتح الباری ج۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۵۲- سنن الترمذی ج ۵ ص ۴۴۵٫ الدر المنثور ج ۸ ص ۵۹۶٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۵۳- الحکم هو الحکم بن أبی العاص الأموی والد مروان بن الحکم وعم عثمان بن عفان، طرده رسول الله (صلى الله علیه وآله) ونفاه من المدینه إلى الطائف، ولعنه رسول الله (صلى الله علیه وآله) ولعن من فی صلبه، توفی فی خلافه عثمان.
    ۵۴- مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳، قال الهیثمی: رواه أبو یعلى ورجاله رجال الصحیح غیر مصعب بن عبد الله بن الزبیر وهو ثقه. المستدرک ج ۴ ص ۴۸۰ وقال: هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین. ورمز له الذهبی بـ ( م ) أی على شرط مسلم. المطالب العالیه ج ۴ ص ۳۳۲٫ مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۱۰ ص ۵۰۵ وقال: رواه أبو یعلى ورواته ثقات. البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۵۵- الدر المنثور ج ۵ ص ۳۱۰٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫ وراجع إن شئت تاریخ بغداد ج ۹ ص ۴۴، معجم الطبرانی الکبیر ج ۲ ص ۹۲٫
    ۵۶- المستدرک ج۴ ص ۴۸۱ قال الحاکم: هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین ولم یخرجاه ووافقه الذهبی. وأخرجه البویصری فی مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۹ ص ۲۰۲، وروى عنه (صلى الله علیه وآله وسلم) أنه قال: ( وشر قبائل العرب بنو أمیه)، قال البویصری: رواه أبو یعلى الموصلی بإسناد حسن. مجمع الزوائد ج ۱۰ ص ۷۱ وقال: رواه أحمد وأبو یعلى… وکذلک الطبرانی، ورجالهم رجال الصحیح غیر عبد الله بن مطرف بن الشخیر وهو ثقه.
    ۵۷- هم الحکم وابنه مروان وأولادهما.
    ۵۸- أی یتداولونه فیما بینهم.
    ۵۹- قال ابن الأثیر فی النهایه ج ۲ ص ۱۲۳: أی یخدعون به الناس، وأصل الدغل الشجر الملتف الذی یکمن أهل الفساد فیه…
    ۶۰- أی خدم وعبید.
    ۶۱- المستدرک ج ۴ ص ۴۸۰٫ مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳ إلا أنه قال: بنو أبی الحکم. وقال: رواه الطبرانی، وفیه ابن لهیعه وفیه ضعف، وحدیثه حسن. دلائل النبوه ج ۶ ص ۵۰۷٫ مختصر إتحاف الساده المتقین ج ۱۰ ص ۵۰۵ وقال: رواه أبو یعلى بسند صحیح. المطالب العالیه ج ۴ ص ۳۳۲٫ البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۸٫
    ۶۲- المستدرک ج ۴ ص ۳۷۹٫
    ۶۳- المصدر السابق ج ۴ ص ۴۸۱ وقال الحاکم: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ووافقه الذهبی.
    ۶۴- المستدرک ج ۴ ص ۴۸۱ وقال الحاکم: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.
    ۶۵- مسند أحمد بن حنبل ج۱ ص ۱۸، مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۰ وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
    ۶۶- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۷٫
    ۶۷- مجمع الزوائد ج ۵ ص ۲۴۳٫ وقال: رواه الطبرانی، وفیه أبن لهیعه وفیه ضعف، وحدیثه حسن. البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۴۷٫
    ۶۸- میزان الاعتدال ج ۴ ص ۸۹٫
    ۶۹- تهذیب التهذیب ج ۱۰ ص ۸۳٫
    ۷۰- الإصابه ج ۳ ص ۴۷۷٫
    ۷۱- التجرید ج ۲ ص ۶۹٫
    ۷۲- تهذیب الأسماء اللغات ج ۲ ص ۸۷٫
    ۷۳- اُسد الغابه ج ۴ ص ۳۴۸، الاستیعاب ج ۳ ص ۴۲۵٫
    ۷۴- تاریخ الخلفاء، ص ۲۰۴٫
    ۷۵- قال السیوطی فی طبقات الحفاظ، ص ۳۷۴: أبن حبان الحافظ العلامه أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ… التمیمی البستی صاحب التصانیف، سمع النسائی والحسن بن سفیان وأبا یعلى الموصلی، وولی قضاء سمرقند، وکان من فقهاء الدین وحفاظ الآثار، عالماً بالنجوم والطب وفنون العلم. صنّف المسند الصحیح و(التاریخ) و(الضعفاء). قال الخطیب: کان ثقه نبیلاً فهماً. وقال ابن الصلاح: ربما غلط الغلط الفاحش. مات فی شوال سنه ۳۵۴ هـ.
    ۷۶- الإحسان بترتیب صحیح ابن حبان ج ۸ ص ۲۲۷٫
    ۷۷- البدایه والنهایه ج ۶ ص ۲۵۵٫
    ۷۸- هو أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبی صفره اسید بن عبد الله الاسدی الأندلسی، مصنف شرح صحیح البخاری . قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۷ ص ۵۷۹: کان أحد الأئمه الفصحاء الموصوفین بالذکاء… ولی قضاء المریه، وتوفی فی سنه ۴۳۵ هـ (بتصرف).
    ۷۹- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۰٫
    ۸۰- قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء ج ۱۵ ص ۳۶۱: الإمام المقرئ الحافظ أبو الحسین، أحمد بن جعفر بن المحدث أبی جعفر محمد بن عبید الله بن أبی داود بن المنادی البغدادی صاحب التوالیف. ولد سنه ۲۵۷ هـ تقریباً، وتوفی سنه ۳۳۶ هـ . قال الدانی: مقرئ جلیل غایه فی الإتقان، فصیح اللسان عالم بالآثار، نهایه فی علم العربیه، صاحب سنه، ثقه مأمون (بتصرف). قال الخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد ج ۴ ص ۶۹: کان صلب الدین، شرس الأخلاق، فلذلک لم تنتشر عنه الروایه، وقد صنف أشیاء وجمع.
    ۸۱- فتح الباری ج ۱۳ ص ۱۸۱٫
    ۸۲- المصدر السابق ج ۱۳ ص ۱۸۲٫
    ۸۳- ینابیع الموده ج ۳ ص ۱۰۴٫
    ۸۴- سیر أعلام النبلاء ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۵- المصدر السابق ج ۴ ص ۳۹۸٫ وذکر أهلیته للخلافه أیضاً فی ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۶- المصدر السابق ج ۴ ص ۴۰۲٫ وکذلک فی ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۷- تاریخ الإسلام: حوادث ووفیات سنه ۱۴۱ ـ ۱۶۰ هـ، ص ۹۳٫ سیر أعلام النبلاء ج ۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۸- سیر أعلام النبلاء ج۱۳ ص ۱۲۰٫
    ۸۹- المصدر السابق ج ۹ ص ۳۹۲٫
    ۹۰- منهاج السنه النبویه ج۴ ص ۲۱۳٫ قول ابن تیمیه هذا یدل على انه لم یکن فی وسعه أن یجحد فضل أئمه أهل البیت (علیهم السلام) وأهلیتهم للإمامه، ولو کان ذلک فی وسعه لأنکر ما وسعه الإنکار، لإنه کان فی مقام المناظره مع خصمه لا فی مقام المجامله. وتنظیره الإمام بالقاضی مغالطه واضحه، والصحیح أن ینظر بالقاضی المنصوب من قبل النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فإنه یکون قاضیاً وإن جحده کثیر من الناس، ومع نص النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على خلافتهم لا یضرهم من خالفهم ولا من ناواهم. وقوله: (فلا موجب للتخصیص) غیر صحیح، لأن التخصیص حاصل بالنصوص الصحیحه الآمره بالتمسک بأهل البیت دون غیرهم، فلا سبیل للعدول عنهم إلى غیرهم.
    ۹۱- الطبقات الکبرى ج ۳ ص ۱۹۹، تاریخ الخلفاء ص ۶۲، الصواعق المحرقه ج ۱ ص ۲۵۴٫
    ۹۲- قال محب الدین الخطیب فی ترجمته فی مقدمه مختصر التحفه الاثنی عشریه: کبیر علماء الهند فی عصره شاه عبد العزیز الدهلوی (۱۱۵۹ ـ ۱۲۳۹) أکبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولی الله الدهلوی، وکان شاه عبد العزیز یعد خلیفه أبیه ووارث علمه.
    ۹۳- مختصر التحفه الاثنی عشریه ص ۵۵٫

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page