• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الساحة الإسلامية وظاهرة الإمامة المبكّرة في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

الساحة الإسلامية وظاهرة الإمامة المبكّرة في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

يشكّل وجود الإمام الجواد (عليه السلام) ـ كما أشرنا ـ برهاناً على صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في الإمامة .

وذلك لأن ظاهرة تولّي شخص في سنّ الطفولة لمنصب الإمامة وما رافقها من شؤون تستطيع أن تقدم لنا دليلاً قاطعاً على سلامة هذه العقيدة التي يتميز بها مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عمّا سواه من المذاهب في قضية الإمامة باعتبارها منصباً ربّانياً لا يكون على اساس الانتخاب والترشيح البشري وإنما يكون على أساس التعيين والنصب الإلهي لشخص تجتمع في وجوده كل عناصر الكفاءة والقدرة الحقيقية لإدارة هذا المنصب الربّاني من قيادة فكرية علمية ودينية وعملية للمؤمنين بإمامته بل للمسلمين جميعاً .

لقد أجمع المؤرخون على أن الإمام الجواد (عليه السلام) قد توفّي أبوه (عليه السلام) وعمره لا يزيد على سبع سنين ، وتولّى منصب الإمامة بعد أبيه وهو في هذه السن من سنيّ الطفولة بحسب ظاهر الحال .

وهذه الظاهرة هي أوّل ظاهرة من نوعها في حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .

ولو درسنا هذه الظاهرة على اساس المعايير الإلهية من جانب والوقائع التاريخية، لوجدناها كافية لوحدها للاقتناع بحقّانية مدرسة الإمام الجواد وخط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد (عليه السلام) .

إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الإمامة الواقعية الربّانية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويقوم فعلاً بقيادة وهداية هذه الطائفة في كل المجالات الروحية والفكرية والدينية الفقهية وغير الفقهية .

والفروض الاُخرى التي لا يمكن افتراضها وقبولها هنا هي كما يلي :

الفرض الأول : 

ن الطائفة الشيعية التي آمنت بإمامة هذا الشخص لم ينكشف لديها بوضوح أن هذا المدعي للإمامة هو صبي .

وهذا الفرض غير صحيح لأن زعامة الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن زعامة محاطة بالشرطة والجيش وابّهة الملك والسلطان بحيث يحجب الزعيم عن رعيّته .

ولم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية وغيرها من الدعوات الباطنية كالفاطمية التي تحجب بين القمة والقاعدة بها .

إن الإمام الجواد مثل غيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان مكشوفاً أمام الطائفة وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وفي قضاياها الروحية والأخلاقية .

إن الإمام الجواد (عليه السلام) نفسه كان قد أصرّ على المأمون حينما استقدمه إلى بغداد في أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة وسمح له بالرجوع الى المدينة فرجع وقضى بقية عمره أو اكثر عمره فيها .

وهكذا بقي الإمام الجواد (عليه السلام) مكشوفاً أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وإمامته .

فافتراض أنه لم يكن مكشوفاً أمام شيعته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي اُنشئت منذ البداية بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقواعدهم الشعبية هذا أوّلاً .

وثانياً أن الإمام الجواد (عليه السلام) كان قد سُلّطت عليه أضواء خاصة من قبل الخليفة العباسي كما لاحظنا في القصة المعروفة عن تزويجه باُمّ الفضل، وهكذا رصد العباسيين له(عليه السلام) للرد على موقف المأمون منه، وهو شاهد آخر على بطلان احتمال عدم انكشافه أمام المسلمين  .

الفرض الثاني :

 ان المستوى الفكري والعلمي للطائفة الشيعية التي آمنت بالإمام (عليه السلام) وقتئذ لم يكن بالمستوى المطلوب الذي تستطيع من خلاله أن تميّز الخطأ من الصواب في مجال الإيمان بإمامة طفل يدّعي الإمامة وهو ليس بإمام .

وهذا الافتراض أيضاً مما يكذّبه الواقع التأريخي لهذه الطائفة مع ما وصلت إليه من مستوى علميّ وفقهيّ .

فإنّ هذه الطائفة قد تربت على أيدي الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) وكان فيها اكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الإسلامي على الإطلاق وهذه المدرسة تتكوّن من جيلين متعاقبين : جيل تلامذة الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) ، وجيل تلامذة تلامذتهم .

وكان هذان الجيلان على رأس هذه الطائفة متميزين في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والأخلاق بل كل جوانب المعرفة الإسلامية .

إذاً فالمستوى الفكري والعلمي لهذه الطائفة ما كان ليمكن أن يُمرّر عليه مثل هذا الاعتقاد ما لم يكن له رصيد واقعي ودليل منطقي ومعقول ومُلزم لمعتنقيه بالايمان بهذه الإمامة المبكّرة التي تشكل تحدّياً لكل الظروف والواقع المعاش الذي لا يستفيد معتنقيه من الايمان به غير التحديد والضغط والمطاردة والقتل والتهديد .

وإن أمكن لشخص أن يتصوّر أنّ رجلاً عالماً كبيراً مُحيطاً مطّلعاً بلغ الخمسين أو الستّين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته وهو ليس بإمام لمجرد أنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم والمعرفة والذكاء والاطلاع فليس بالإمكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره، إذ كيف يستطيع أن يقنع طائفة كبرى بإمامته كذباً وهو مكشوف أمامها وهذه الطائفة ذات مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الإسلامي يومئذ . وهي مدرسة بعض عناصرها في الكوفة وبعضها في قم وبعضها في المدينة ، فهي مدرسة موزّعة في حواضر العالم الإسلامي وكانت على صلة مباشرة بالإمام الجواد(عليه السلام) تستفتيه وتسأله وتنقل إليه الأموال من مختلف الأطراف من شيعته .

فمثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر أنّها تغفل عن حقيقة طفل لا يكون إماماً .

 

الفرض الثالث : 

إن مفهوم الإمام والإمامة لم يكن واضحاً عند الطائفة الشيعية بل إنها كانت تتصوّر أن الإمامة مجرد تسلسل نسبي ووراثي ولم تكن تعرف ما هو الإمام وما هي قيمة الإمام وما هي شروط الإمام .

وهذا الافتراض يكذّبه واقع التراث المتواتر من أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الإمام الرضا (عليه السلام) عن شروط الإمامة وحقيقتها وعلامات الإمام عند هذه الطائفة بنحو يميّزها عما سواها من الطوائف والمذاهب التي تجعل الامامة منصباً بشرياً لا يصعب لكثير من الناس التسلق إليه وانتحالها وادعائها.

بينما قام التشيّع على المفهوم الإلهي المعمّق للإمامة وهو من المفاهيم الاُولى والبديهية للتشيّع ، فإنّ الإمام في المفهوم الشيعي إنسان فذّ فريد في معارفه وأخلاقه وأقواله وأعماله . وهذا المفهوم قد بشّرت به مجموعة كبيرة من عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) الى عهد الإمام الرضا (عليه السلام) .[1] 1

وقد أصبحت كل التفاصيل والخصوصيات بالتدريج واضحة ومرتكزة عند الطائفة الشيعية .

يقول الراوي : دخلت المدينة بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) أسأل عن الخليفة بعد الإمام الرضا (عليه السلام) . فقيل : إن الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت الى تلك القرية ودخلت القرية وكان فيها بيت للامام موسى بن جعفر انتقل الى أولاده . فرأيت البيت غاصّاً بالناس ورأيت أحد إخوة الإمام الرضا (عليه السلام) كان جالساً يتصدّر المجلس إلاّ أن الناس يقولون إن هذا ليس هو الإمام بعد الرضا (عليه السلام) لأننا سمعنا من الأئمة أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين .

نعم كل هذه التفاصيل والخصوصيات النسبية والمعنوية كانت واضحة ومحدّدة عند الطائفة .

إذاً فهذا الافتراض الثالث أيضاً يكذّبه واقع التراث الثابت والمتواتر عن الأئمة السابقين على الإمام الجواد (عليه السلام) .

الفرض الرابع : 

أن يكون هناك بين أبناء الطائفة الشيعية نوع من التواطؤ على الزور والباطل .

وهذا الافتراض أيضاً يكذّبه الواقع . لا لإيماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة وقدسيّتها ، بل لأن الظرف الموضوعي لهذه الطائفة هو الذي يكذب هذا الافتراض .

فإن التشيع لم يكن في يوم من الأيام في حياة هذه الطائفة طريقاً إلى الأمجاد والى المال والجاه والسلطان والمقامات العالية ، بل التشيع طيلة هذه المدّة كان طريقاً الى التعرض للتعذيب والسجون والحرمان والويل والدمار .

لقد كان التشيع طريقاً شائكاً مزروعاً بالألغام، فالخوف والتقية والذل كانت هي مظاهر وثمار هذا الطريق فما الفائدة المادية في التواطؤ على هذا الزور والباطل في الإمامة ما دام التشيع ليس سبيلاً لتحقيق أي مطمع مادي أو مطمع دنيوي آنئذ .

فلماذا يتواطأعقلاء الطائفة الشيعية ووجهاؤها وعلماؤها على إمامة باطلة مع أن ثباتهم عليها يكلفهم كثيراً من ألوان الحرمان والعذاب ، وأيّ عقل يستسيغ مثل هذه التبعات إذا كان مجرّد تباني على أمر باطل .

انّ هذه الظروف الموضوعية ألا تكون شاهداً ودليلاً على أن هذا الاعتقاد إنما كان ناشئاً عن حقيقة ثابتة وملزمة لأبناء الطائفة قد وعوها وآمنوا بها واستسلموا للوازمها وآثارها بالرغم من أنها كانت تكلّفهم حياتهم المادية على طول الخط .

اذن لا يبقى إلاّ القبول بالافتراض الأخير وهو أن الإمام الجواد (عليه السلام) بدعواه الإمامة المبكرة وتحدّيه لكل من وقف أمامه ، وصموده أمام كل الإثارات والتساؤلات والاختبارات شكّل دليلاً تأريخياً علمياً قاطعاً على حقّانية دعواه ومذهبه وخطّه وهو خط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد(عليه السلام) في مجال إمامة المسلمين وزعامة الاُمة الإسلامية التي بدأت بالقيادة النبوية تلك الاُمة التي خلّفها الرسول (صلى الله عليه وآله) لتتكامل وتؤسّس الحضارة الإسلامية على أسس الهية وقيم ربّانية .

وإن التراث القيّم الذي تركه لنا هذا الإمام العظيم لدليل قاطع على عظمة الدور الذي قام به هذا الإمام في تبلور العقيدة الشيعية في مجال القيادة الاسلامية التي أكّدتها الآيات القرآنية والنصوص النبوية الشريفة .[2] 2

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] راجع في هذا الجانب بالخصوص الحديث التفصيلي الذي ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) حول الإمام والامامة في تحف العقول .

[2] اعتمدنا في هذا البحث على محاضرة للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) حول الإمام الجواد (عليه السلام) وعرضناها بتصرّف .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page