رسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون
النص الأول للرسالة:
قال أبو الفرج الأصفهاني، صاحب كتاب «الأغاني»، في كتابه: مقاتل الطالبيين ص 630، 631، في معرض حديثه عن عبد الله بن موسى، بن عبد الله بن الحسن، بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي كان قد توارى في أيام المأمون:
«.. وأخبرني جعفر بن محمد الوراق الكوفي، قال: حدثني عبد الله بن علي بن عبيد الله العلوي الحسيني، عن أبيه، قال: كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى، وهو متوار منه، يعطيه الأمان، ويضمن له: أن يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسى، ويقول:
«.. ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعدما عملته بالرضا..».
وبعث الكتاب إليه. فكتب إليه عبد الله بن موسى:
«.. وصل كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي.
وعجبت من بذلك العهد، وولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟!.
أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته؟!. فوالله، لأن أقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إلي من أن ألي أمراً بين المسلمين، أو أشرب شربة من غير حلها، مع عطش شديد قاتل..
أم في العنب المسموم، الذي قتلت به الرضا؟!.
أم ظننت أن الاستتار قد أملني، وضاق به صدري؟!. فوالله، إني لذلك، ولقد مللت الحياة، وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك، حتى تبلغ من قبلي مرادك. لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر علي المخاطرة بدمي. وليتك قدرت علي، من غير أن أبذل نفسي لك. فتقتلني، ولقيت الله عز وجل بدمي، ولقيته قتيلاً مظلوماً، فاسترحت من هذه الدنيا.
واعلم: أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عني، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شيء من ذلك. فرجعت إلى القرآن. الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه، من الشهادة في طلب مرضاته.
ثم تتبعته ثانية، أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جل وعلا يقول: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة) فطلبت أي الكفار أضر على الإسلام. وأقرب من موضعي، فلم أجد أضر على الإسلام منك، لأن الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم. وأنت ختلت المسلمين بالإسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت مال الله من غير حله، فأنفقته في غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحاً، وأنفقت مال الله على الملهين، وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالإسلام. وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك، خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك، بذلا يرضيه مني، وأن يمهلك ويؤخرك، ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الأيام قبل ذلك. فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي، والسلام».
وثمة نص آخر:
وكان أبو الفرج قد ذكر قبل ذلك أي في ص 628، 629 من نفس الكتاب نصاً آخر هو إما رسالة أخرى. أو نص آخر لهذه الرسالة نفسها.. والظاهر أنه رسالة أخرى.. وكيف كان فقد قال أبو الفرج:
«وكان عبد الله توارى في أيام المأمون، فكتب بعد وفاة الرضا يدعوه إلى الظهور، ليجعله مكانه، ويبايع له، واعتد عليه بعفوه عمن عفا من أهله، وما أشبه هذا من القول:
فأجابه عبد الله برسالة طويلة يقول فيها:
فبأي شيء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن ـ صلوات الله عليه ـ بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته.
والله، ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت، ولا كراهة له، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي، ولولا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة.
ويقول فيها:
هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا، الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا، ولكنني كنت امرءاً حبب إلي الجهاد، كما حبب إلى كل امرئ بغيته، فشحذت سيفي، وركبت سناني على رمحي، واستفرهت فرسي، لم أدر أي العدو أشد ضرراً على الإسلام، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء، فقرأته، فإذا فيه: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة).
فما أدري من يلينا منهم، فأعدت النظر، فوجدته يقول: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم) فعلمت أن علي أن أبدأ بما قرب مني..
وتدبرت، فإذا أنت أضر على الإسلام والمسلمين من كل عدو لهم، لأن الكفار خرجوا منه، وخالفوه، فحذرهم الناس، وقاتلوهم، وأنت دخلت فيه ظاهراً، فأمسك الناس. وطفقت تنقض عراه عروة عروة، فأنت أشد أعداء الإسلام ضرراً عليه..
ثم قال أبو الفرج: وهي رسالة طويلة أتينا بها في الكتاب الكبير..