دعبل والمأمون!
الموقف الجريء
جاء في أمالي الشيخ ج 1 ص 98، 99، وأمالي المفيد ص 200، 201، و ط الحيدرية في النجف ص 192 ـ 193 والأغاني 8 ص 57، والغدير ج 2 ص 375، 376 عنه، وعن ابن عساكر في تاريخه ج 5 ص 233 وأخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص 94 ـ 95 ما يلي:
عن يحيى بن أكثم، قال: إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله، وآمنه على نفسه، فلما مثل بين يديه، وكنت جالساً بين يدي المأمون، فقال له: أنشدني قصيدتك «الرائية» فجحدها دعبل، وأنكر معرفتها، فقال له: لك الأمان عليها كما آمنتك على نفسك، فأنشده:
تأسفت جارتي لمــا رأت زوري***وعدت الحلم ذنباً غير مغتفــر
ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبهـا***وقد جرت طلقا في حلبة الكبـر
أجارتي: إن شيب الدهر يعلمنـي***ذكر المعاد، وأرضاني عن القدر
لو كنت أركن للدنيا وزينتهـــا***إذن بكيت على الماضين من نفر
أخنى الزمان على أهلي فصدعهـم***تصدع الشعب لاقى صدمة الحجر
بعض أقام، وبعض قد أصار بــه***داعي المنية والباقي على الأثـر
أما المقيم: فأخشى أن يفارقنـــي ***ولست أوبة من ولى بمنتظــر
أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي***كحالم قص رؤيا بعد مدكـــر
لولا تشاغل عيني بالأولى سلفـوا***من أهل بيت رسول الله لم أقـر
وفي مواليك للحرين مشغلــــة***من أن تبيت لمشغول على أثـر
كم من ذراع لهم بالطف بائنـــة***وعارض بصعيد الترب منعفـر
أمسى الحسين ومسراهم لمقتلـــه***وهم يقولون هذا سيد البشـــر
يا أمة السوء ما جازيت أحمد فــي***حسن البلاء على التنزيل والسور
خلفتموه على الأبناء حين مضــى***خلافة الذئب في انفاد ذي بقــر
قال يحيى: وأنفذني المأمون في حاجة، فقمت، فعدت إليه، وقد انتهى إلى قوله:
لم يبق حي من الأحياء نعلمـــه***من ذي يمان، ولا بكر، ولا مضـر
إلا وهم شركاء في دمائهـــــم***كما تشارك أيسار على جــــزر
قتلاً، وأسراً، وتخويفاً ومنهبـــة***فعل الغزاة بأهل الروم والخـــزر
أرى أمية معذورين إن قتلــــوا***ولا أرى لبني العباس من عـــذر
قوم قتلتم على الإسلام أولهــــم***حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفـر
أبناء حرب، ومروان، وأسرتهــم***بنو معيط، ولاة الحقد والوغــــر
إربع بطوس على قبر الزكي بهـا***إن كنت تربع من دين على وطـر
قبران في طوس: خير الناس كلهم***وقبر شرهم، هذا من العبـــــر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا***على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت***له يداه فخذ من ذاك أو فـــــذر
قال: فضرب المأمون بعمامته الأرض، وقال: «صدقت والله يا دعبل».