• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الجواد (عليه السلام) والسلطة

قبل الحديث عن علاقة الإمام أبي جعفر الثاني (عليه السلام) بالسلطة العباسية، والمأمون العباسي رأس السلطة بالخصوص، ثم ما تمخض عن تلك العلاقة من إرهاصات، لابدّ من إلقاء الضوء على بعض المقدمات التي استرعت انتباه السلطة الحاكمة، وجعلتها تولي قضية الإمام الجواد (عليه السلام) أهمية خاصة، سيّما وأن إمامته (عليه السلام) وهو بهذه السن غير المعهودة من قبل، قد طار صيتها في الآفاق، وأخذت تجتذب إليها القلوب، وتستهوي جماهير الأمّة الإسلامية، وراح حديث خلافة أبي جعفر لأبيه الرضا (عليهما السلام) في منصب الإمامة، ونبوغه العلمي وهو في هذا السن المبكر يسري شيئاً فشيئاً إلى مختلف أقطار الدولة الإسلامية، بعد أن أصبح حديث عامة الناس وشغلهم في مكة والمدينة.
ومرة أُخرى اختلفت كلمة الشيعة بعد استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام)، ووقعوا في حيرة من أمر الإمامة؛ لاستصغار بعضهم سنّ أبي جعفر (عليه السلام)، رغم أن الرضا (عليه السلام) طالما أكّد لشيعته وأصحابه حال حياته بصريح العبارة، وأبو جعفر لم يتجاوز الثلاث سنوات، بأنّه إمامهم ومولاهم من بعده، وقد مرّت الإشارة إلى تلك الأحاديث في النص على إمامته (عليه السلام) من الفصل الأول . ولكن... وبعد استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) تحيرت الشيعة واضطرب أمرهم في كلِّ الأمصار، ففي بغداد مثلاً ( اجتمع الريان بن الصلت، وصفوان ابن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمن بن الحجاج، ويونس بن عبد الرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في ( بركة زلزل ) يبكون ويتوجعون من المصيبة.
فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعو البكاء، من لهذا الأمر، وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا الصبي؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام)، وكان له ست سنين وشهور. ثم قال: أنا ومَن مثلي!!
فقام إليه الريّان بن الصلت فوضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشكّ والشرك،: إن كان أمره من الله جلّ وعلا، فلو أنّه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما ينبغي أن يفكّر فيه. فأقبلت العصابة عليه ( يونس بن عبد الرحمن ) تعذله وتوبّخه.
وكان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً، فخرجوا إلى الحج، وقصدوا المدينة؛ ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) فلمّا وافوا، أتوا دار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ؛ لأنّها كانت فارغة، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير، وخرج إليهم عبد الله بن موسى، فجلس في صدر المجلس، وقام منادٍ وقال: هذا ابن رسول الله، فمن أراد السؤال فليسأله.
فقام إليه رجل من القوم فقال له: ما تقول في رجل قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء؟ قال: طلقت ثلاث دون الجوزاء. ثم قام إليه رجل آخر فقال: ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ قال: تقطع يده، ويجلد مئة جلدة، ويُنفى.
فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم، واضطربت الفقهاء وقاموا وهمّوا بالانصراف، وقالوا في أنفسهم: لو كان أبو جعفر (عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبد الله ما كان، ومن الجواب بغير الواجب، فهم في ذلك إذ فُتح باب من صدر المجلس، ودخل ( موفق ) وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه، فدخل (عليه السلام) وعليه قميصان، بناءً على هذه الرواية نستظهر أن شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) كانت سنة ( 202 هـ ).
وعمامة بذؤابتين إحداهما من قدّام والأخرى من خلف، ونعل بقبالين (1)، فجلس وأمسك الناس كلّهم، ثم قام صاحب المسألة الأولى، فقال: يا بن رسول الله، ما تقول فيمن قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء؟
فقال له: ( يا هذا اقرأ كتاب الله، قال الله تبارك وتعالى: ( الطلاقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ )(2) في الثالثة). قال: فإن عمّك أفتاني بكيت وكيت. فقال: ( يا عم اتّق الله ولا تفتِ وفي الأمّة من هو أعلم منك ).
فقام إليه صاحب المسألة الثانية، فقال له: يا بن رسول الله، ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال: ( يُعزّر، ويُحمى ظهر البهيمة، وتُخرج من البلد حتى لا يبقى على الرجل عارها ). فقال: إنّ عمّك أفتاني بكيت وكيت. فالتفت وقال بأعلى صوته : ( لا إله إلاّ الله، يا عبد الله ! إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك، لم أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الأمّة من هو أعلم منك ؟ ).
فقال عبد الله بن موسى: رأيت أخي الرضا وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): ( إنّما سُئل الرضا عن نبّاش نبش قبر امرأة ففجر بها، وأخذ ثيابها، فأمر بقطعه للسرقة، وجلده للزنا، ونفيه للمثلة ). ففرح القوم، ودعوا له وأثنوا عليه )(3).
نعم، فرح القوم لِمَا عرفوا من أن الإمامة حقاً متعيّنة في هذا الفتى المستوعب للفقه... الحاضر الجواب ... العارف بإجابة أبيه، وقد تركه أبوه طفلاً صغيراً في الخامسة من عمره ...
وجاء في العديد من المصادر أن القوم سألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة (4)، ووجدنا أن البعض أخذ يلتمس وجوهاً لتبرير عدم معقولية مثل هذا العدد الهائل من المسائل في مجلس واحد (5). وهو أمر غير معقول طبعاً، اللهمّ إلاّ أن يستمر انعقاد المجلس لعدة أيام أو يُخفّض العدد إلى الثلاثين. والمرجّح ـ وإلى هذا الرأي ذهب آخرون ـ أن (الألف) زيادة من النسّاخ، فإنّ الفيض الكاشاني؛ نقل الخبر في المحجة البيضاء وليس فيه كلمة (ألف)(6).
من ثمّ ـ وبعد استتباب الأوضاع الأمنية داخلياً ـ بدأ يتناهى إلى سمع الدولة في بغداد، احتفاء الناس بالإمام وانبهارهم بعلومه على صغر سنه. ونظراً لاَنّ اللعبة السياسية لم تنته بعد. فبغياب نجم الإمام الرضا (عليه السلام)، برز نجم آخر لمع في دنيا الإسلام، أخذ يستقطب إليه الأمّة شيئاً فشيئاً بجاذبية يندر وجودها في أكابر الشخصيات العلمية أو السياسية.
إذن فمشكلة الإمامة ـ بالنسبة للسلطة العباسية ـ واستقطاب جماهير الأمّة لم تزل قائمة إلى الآن، وفصول المسلسل ( الدرامي ) الذي لم ينته بانتهاء الإمام الرضا (عليه السلام)... يجب أن يُعالج هذه المرة بأُسلوب أهدأ وطريقة طبيعية تُسقط الإمام والإمامة من أعين الناس، دون استخدام العنف أو التصفية الجسدية...
فلقد سعى المأمون الداهية المتآمر، وهو أعظم خلفاء بني العباس خطراً... وأكثرهم علماً... وأبعدهم نظراً... وأشدهم مكراً... وأخفاهم مكيدة... سعى هو وحاشيته إلى الالتفاف على الإمام أبي جعفر (عليه السلام) بالمكر والتحايل؛ لقتله وهو ما يزال حيّاً، وذلك بإسقاطه في أعين الناس، وكذا فعل المعتصم. ففي إحدى المرات وصل بهم خبث السريرة إلى أنهم أرادوا إيثاق الإمام وسقيه خمراً إلى حدِّ الاسكار، ثم إخراجه إلى الناس على تلك الحالة مضمّخاً بخلوق الملوك. لكنّ كيدهم لم يتم بإذن الله تعالى، إذ منعهم المأمون من ذلك قبل تنفيذ خطتهم، حيث خاف عواقب هذا الفعل الشنيع، قائلاً لهم: لا تؤذوا أبا جعفر... (7).
كما احتال المأمون على أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة فلم يمكنه فيه شيء، فلمّا اعتل وأراد أن يزفّ إليه ابنته، قال محمد بن الريّان: ( دفع إلى مئة ) (8) وصيفة من أجمل ما يكون، إلى كل واحدة منهنّ جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر (عليه السلام) إذا قعد في موضع الأختان. فلم يلتفت إليهنّ، وكان رجل يقال له ( مخارق ) صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون. فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام)، فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغني، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثم رفع رأسه وقال: ( اتقِ الله ياذا العثنون ! )، قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات، قال: فسأله المأمون عن حاله، قال : لمّا صاح بي أبو جعفر، فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً ) (9).
وعلى كلِّ حال، فقد أرسل المأمون إلى محمد بن عبد الملك الزيات يوصيه بحمل أبي جعفر من المدينة إلى بغداد على أحسن محمل، وأن لا يُعجّل بهم السير، ويريحهم في المنازل. فيكلف ابن الزيات الحسن بن علي بن يقطين؛ لمنزلته ومنزلة أبيه من الأئمة (عليهم السلام) والخلفاء والأمراء معاً. بأن يرافق أبا جعفر وأهله وعياله في سفرهم.
ويظعن الرحل مودعاً المدينة المنورة، متجهاً صوب بغداد. وينسى الخليفة أو يتناسى قدوم الوفد المدني، فلقد ألهته ليالي الأنس... وأيام الصيد، السؤال عن القادمين من المدينة أو أنّه فعلاً تناسى أمرهم، وهي عادة الملوك في استصغار من سواهم، وأراد أن يلتقي بأبي جعفر بشكل غير علني، إمّا حياءً من البيت الهاشمي لما أحلّه بأبيهم الرضا (عليه السلام) قبل عهد قريب، وإمّا أنفة واستعلاءً منه ـ وهو أمير المؤمنين المسيطر على الآفاق شرقاً وغرباً ـ أن يلتقي بحدث صغير لم يبلغ الحلم. فلم يكن المأمون قد وقف بعد على علم الإمام الجواد (عليه السلام) ونبوغه المذهل. أو إنّه لم يكن هذا ولا ذاك، إنّما أراد أن يستريح القادمون لبضعة أيام من وعثاء السفر، ثم يستدعي إليه التقي (عليه السلام) ليتعرّف أخباره.
وذكرت الأخبار أن المأمون خرج يوماً في نزهة للصيد، فاجتاز بطرق البلد. ولعلّه كان قاصداً لاختيار هذا الطريق، فقد علم قبل ذلك أين نزل الوافدون... وعلم أيضاً من هم؟!
وهكذا كان... فقد تم ( اللقاء الأول ) في الطريق على ما ينقله المؤرخون، ويمكن أن يكون الإمام الجواد (عليه السلام) هو الذي سعى لاَن يلتقيه المأمون في هذا المكان. فلسان الرواية يقول: اجتاز ـ المأمون ـ بطرف البلد، وثمّ صبيان يلعبون، ومحمد الجواد (عليه السلام) واقف عندهم... فالإمام (عليه السلام) ليس من شأنه الوقوف على قارعة الطريق أو التفرج على ملاعب الصبيان لقضاء الوقت، ولا عُرف عن الأئمة أنهم كانوا يلعبون ويلهون في الطرقات مع أقرانهم في أيام طفولتهم، فهم أجلّ وأسمى من أن يصرفوا أوقاتهم في اللعب أو اللهو؛ لاَنّ الإمام (عليه السلام) متعين عليه هداية الأمّة وبنائها فكرياً واجتماعياً، وقيادتها نحو إرساء قواعد الشريعة بما يحقق حكومة الله في الأرض.
فالإمام (عليه السلام) لا يلهو ولا يلعب (10) قط منذ طفولته، فقد روي عن علي بن حسان الواسطي أنّه كان ممن خرج مع الجماعة (11)، وهم ثمانون عالماً اجتمعوا في موسم عام ( 203 هـ ) من مختلف الأقطار، والتقوا في المدينة المنورة لمعرفة من هو المتعين للإمامة بعد شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) .
قال علي بن حسان: حملت معي إليه (عليه السلام) من الآلة التي للصبيان، بعضها من فضة، وقلت: أُتحف مولاي أبا جعفر بها. فلما تفرّق الناس عنه بعد جواب الجميع قام فمضى إلى صريّا واتّبعته، فلقيت موفقاً، فقلت: استأذن لي على أبي جعفر، فدخلتُ فسلّمت، فردّ عليَّ السلام وفي وجهه كراهة، ولم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر إليَّ نظر مغضب، ثم رمى يميناً وشمالاً، ثم قال : ( ما لهذا خلقني الله، ما أنا واللعب ؟! ) فاستعفيته، فعفا عني، فأخذتها وخرجت (12).
إذن، يبدو أن الإمام أبا جعفر (عليه السلام) استغل فرصة خروج المأمون ومروره بالقرب من منازلهم، فوقف بإزاء صبيان يلعبون في الطريق؛ ليتم هنالك اللقاء... وخبر هذا اللقاء ينقله لنا ابن شهرآشوب، وابن الصباغ المالكي، والمحدّث الشيخ عباس القمي، وغيرهم. ونحن ننقل نصّ رواية ابن شهرآشوب حيث قال: اجتاز المأمون بابن الرضا (عليه السلام) وهو بين صبيان يلعبون، فهربوا سواه، فقال: عليّ به، فقال له: مالك ما هربت في جملة الصبيان؟ قال (عليه السلام): ( مالي ذنب فأفرّ، ولا الطريق ضيّق فأوسعه عليك، تمرّ من حيث شئت، فقال: من تكون؟
قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
فقال: ما تعرف من العلوم؟ قال: سلني عن أخبار السموات ). فودّعه ومضى، وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد. فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم ير صيداً، والباز يثب عن يده، فأرسله وطار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه وقد صاد حية، فوضع الحية في بيت الطعم، وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي، ثم عاد وابن الرضا في جملة الصبيان.
فقال: ما عندك من أخبار السموات؟
فقال: ( نعم يا أمير المؤمنين، حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي، عن جبرائيل، عن ربِّ العالمين، أنّه قال: بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج، فيه حيّات خضر البطون، رقط الظهور، ويصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء ).
فقال: صدقت، وصدق آباؤك، وصدق جدّك، وصدق ربك. فأركبه ثم زوّجه أُمّ الفضل (13).
بعد ذلك اللقاء والحوار الحاسمين أدرك المأمون عظمة هذا الصبي، وبُعد شأوه... فاصطحبه معه إلى قصوره حيث الرفاه ونعومة العيش وطراوة الحياة باستبرقها وجواريها وقيانها... لكن الخليفة علم أن الصبي لا تستهويه فخامة الخدمة، وأبّهة الملوك كثيراً، ولم يسترع انتباهه الجمال الفاتن لحظة... فقرر ـ وفي مناورة سياسية حاذقة ـ اصطياد ثلاثة في رمية واحدة، ورميته هي أن يزوجه من ابنته الجميلة الصغيرة ( زينب ) المكناة بأم الفضل، ولا فضل لها. خاصة وهي مسمّاة له منذ سنوات خمس. أمّا صيده الذي توخّى إصابته، فقد حسب:
أولاً: أنه سيصرف الإمام الصبي اليافع إلى ملاذ الحياة، وتنتشي نفسه بقرب النساء، وسوف يشغفن قلبه شيئاً فشيئاً فيصبو إليهنّ.
وثانياً: أراد أن يجعل من ابنته وخدمها رقيباً دائمياً على كلِّ حركة للإمام، وعلى من يتصل به من الشيعة، ثم إنه أسكنه بالقرب منه كي يحدّ من اتصال الناس به؛ لاَنّ القصور الملكية لا يتيسر لكلِّ أحد أن يدخلها، ولا دخولها بالأمر اليسير.
والهدف الأخير الذي حاول إصابته هو أن يجعل من نفسه قريباً من البيت العلوي، فهو عمّ ولدهم الإمام الجواد (عليه السلام) اليوم، والأب الأكبر ( جدٌّ ) لصبيهم غداً الذي هو ابن رسول الله، وهذا مكسب سياسي واجتماعي مهم جداً. وفيما لو أصابت رمياته الثلاث هذه فسوف يكمّ أفواه الطالبيين، ويقطع أي قيام أو تحرك لهم، وهو العالم المتيقن بأنهم أحق بالخلافة من أي إنسان على هذه الأرض.
وبناءً على تحقيق هذه الأغراض وغيرها مما كان يدور في رأس المأمون، خطى خطوته الأولى وقرر من جانب واحد أن يتم الزواج والاقتران مهما يكن من أمر، ورغم كل المعترضين، ولا موافق لهذا الزواج سواه.
ثم يأتي دور المعتصم الذي لم يكن أرأف بالإمام خاصة، والعلويين عامّة من أخيه المأمون، فقد احتال هو الآخر على الإمام الجواد (عليه السلام) للوقيعة به، وإيجاد مبرّر لسجنه ثم قتله، بأن اتهمه بجمع السلاح، وأنّه يريد الثورة عليه، وأشهد بذلك عليه شاهدين حلفا زوراً وكذباً أنّهما رأيا السلاح يُجمع . لكنّ الإمام (عليه السلام) تخلّص من هذا الموقف بأن أراهم معجزة أرهبهم بها، فخاف المعتصم سوء العاقبة فتركه لسبيله دون أن يتعرّض له مضمراً عليه حقداً دفيناً.
--------------------------------------------------------------------------------------
1- القِبال: سير من الجلد طويل يربط على الرجل لشدّ النعال.
2- سورة البقرة: الآية 229.
3- النص أخذناه عن عيون المعجزات: 122 ـ 123 . وعنه بحار الأنوار 50 : 99 | 12. والزيادات فيه أوردناها عن رواية الطبري في دلائل الإمامة: 388 ـ 390 . وراجع: اختصاص الشيخ المفيد: 102 طبع قم. ومناقب آل أبي طالب 4 : 382 ـ 383.
4- أُصول الكافي 1 : 496 | 7.
5- راجع: بحار الأنوار 50 : 93.
6- راجع: المحجة البيضاء 4 : 306؛ لكنه في كتاب الوافي 3 : 830 | 1440 أورد الخبر نفسه عن أُصول الكافي وفيه ثلاثون ألف مسألة ولم يعلّق عليه.
7- راجع: اختيار معرفة الرجال: 560 | 1058 ترجمة محمد بن أحمد بن حماد المحمودي.
8- في الكافي: مئتي. وما أثبتناه عن ابن شهرآشوب والعلاّمة المجلسي.
9- أُصول الكافي 1 : 494 | 4. وعنه مناقب آل أبي طالب 4 : 396.
10- وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن منها، ما رواه الكليني بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) في معرض بيانه علائم الإمام المعصوم فقال: ( طهارة الولادة، وحسن المنشأ، ولا يلهو ولا يلعب ).
وروى صفوان الجمّال عن الإمام الصادق (عليه السلام) في صفات الإمام، فقال (عليه السلام): ( صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ). وما تعرّض له أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من خصائص وعلامات الإمام المعصوم، فقال : ( والإمام المستحق للإمامة له علامات فمنها: أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو، ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا ). راجع: مناقب آل أبي طالب 4 : 317 . وبحار الأنوار 25 : 164.
11- إثبات الوصية: 188. ودلائل الإمامة: 402 | 360.
12- المصدر السابق نفسه.
13- مناقب آل أبي طالب 4 : 388 ـ 389 . أما رواية ابن الصباغ في الفصول المهمة: 252، والشيخ المحدِّث القمي في منتهى الآمال 2 : 527 ـ 528 عن مستدرك العوالم 23 : 522 . وبحار الأنوار 50 : 56 فهي تختلف عن هذه في بعض أحداثها، فراجع. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page