الإقتداء بأهل الشرِّ
«ورأيت النّاس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرِّ»([1]).
النّاس فيها الظريف اللّطيف، فيها القنوع العفيف، فيها الشاكر لأنعم الله تعالى بالقول والعمل، وفيها مَن لا يشبع، ولا يسمع النصح ولا يردع عن المنكرات، وفيها بين هذا وذاك، فيها مَن ينظر إلى مَن هو أعلى منه، فيعمل جاهداً أن يكون مثله، ولما كانت الأرزاق تختلف من شخص لآخر، حيث يرزق الله مَن يشاء بغير حساب، يتّجه لطلب الرزق من غير حلال ويأكله من حرام، كأن يعمل بالربا والربا حرام، ليجمع المال ويساوي ويجاري أصحاب المال، أو أنَّه يميل إلى السرقة، والسرقة حرام ليجمع المال ويساوي ويجاري أصحاب المال، حتّى إذا ماتوغّل في النظر إلى الغير وقع في السجن أو قُتل أثناء السطو والسرقة فخسر الدنيا والآخرة.
وترى مَن يجاهد لأن تكون له ثروة ودور وقصور وعمارات وشركات وأرصدة، يحرم نفسه من لذّة العيش ويعمل ليل نهار، حتّى إذا اجتمعت لديه الأموال، حرم الفقراء والعيال منها، وبخل بما عنده على الأرحام، ليكون مثل فلان وعلاّن، لا يقتنع بالقليل فلا يشبعه الكثير، وقيل: «القناعة كنز لا يفنى»، والناظر ينظر إلى مَن هو دونه، فيمدّ يد العون والمساعدة قربة إلى الله تعالى وإدخالاً للسرور على قلوب الفقراء والمساكين والمحتاجين، لا أن ينظر إلى المالكين والذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله، فهذا يمتلك سيّارة آخر موديل، وذا عنده بستان أو مزرعة، وآخر يمتلك عمارة أو أكثر، فكيف والحال هذه أن يساوي هؤلاء، إلاّ أن يسلك طريقاً معوجاً يذهب به ماء الوجه والإعتبار، وعلى أثره يكون سارقاً محترفاً أو لاعباً للقمار أو عميلاً للعدوّ لكسب المال ومجاراة المالكين، وكلّ ذلك في عرف العقلاء والشريعة باطل ومرفوض.
إمَّا أن ينظر إليهم ; فيتخلّق بأخلاقهم، وإمَّا أن ينظر إليهم فيتعبّد ويتّقي الله
كما هم، وإمَّا أن يكون جواداً معطاءاً كريماً يساعد المحتاج ويدفع الضيم عن المظلوم ويأخذ بحقّه من الظالم، ويصل الرّحم، ويخشى الله في خلواته كما يخشاه في علانيته، فهذه وتلك من محاسن النظر، ولكنَّ الغالب النظر إلى أهل الشرِّ ومحاكاتهم.
وخلاصة القول: أنَّ نظر النّاس بعضهم إلى بعض والإقتداء بالأشرار صفة مذمومة، يجب الإقلاع عنها، وأن ينظر النّاس بعضهم إلى بعض بعين الرحمة والشفقة والأُخوّة فبها ونعمت.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام).