• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سلمان وأبوذر

سلمان وأبوذر[1]

دعا سلمان أباذر – رحمة الله عليهما – إلى منزله فقدّم إليه رغيفين، فأخذ ابوذر الرغيفين فقلّبهما.

فقال [له] سلمان: يا أباذر لأيّ شيء تقلّب هذين الرغيفين؟

قال: خفت أن لا يكونا نضيجين.

فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً، ثمّ قال: ما أجرأك حيث تقلّب هذين الرغيفين؟ فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتى ألقوة إلى الريح، وعملت فيه الريح حتى ألقته إلى السحاب، وعمل فيه السحاب حتى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والبرق والملائكة حتى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح، وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟

فقال أبوذر: إلى الله أتوب، وأستغفر الله ممّا أحدثت، وإليك أعتذر ممّا كرهت.

قال: ودعا سلمان أباذر (رحمة الله عليهما) ذات يوم إلى ضيافة فقدم إليه من جرابه كسرة يا بسة وبلّها من ركوته[2].

فقال أبوذر: ما أطيب هذا الخبز لو كان معه ملح.

فقام سلمان وخرج فرهن ركوته بملح وحمله إليه.

فجعل ابوذر يأكل الخبز ويذرّ عليه ذلك الملح ويقول: الحمد لله الذي رزقنا هذه القناعة.

فقال سلمان: لوكانت قناعة لم تكن ركوتي مرهونة.

من مآثر الولاية[3]

إنّ الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) لمّا جعله المأمون وليّ عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصّبين على الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا لمّا جاءنا عليّ بن موسى وصار وليّ عهدنا فحبس الله عنّا المطر، واتّصل ذلك بالمأمون فاشتدّ عليه، فقال للرضا (عليه السلام): قد احتبس المطر، فلو دعوت الله عز وجلّ أن يمطر الناس.

فقال الرضا (عليه السلام): نعم.

قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان ذلك يوم الجمعة.

قال: يوم الإثنين.

فلمّا كان يوم الإثنين غدا إلى الصحراء وخرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: اللهمّ يا ربّ أنت عظمت حقّنا أهل البيت فتوسّلوا بنا كما أمرت وأملّوا فضلك ورحمتك، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك فاسقهم سقياً نافعاً عامّاً غير رائث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم.

قال: فوالذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت، وتحرّك الناس كأنّهم يريدون التنحيّ عن المطر.

فقال الرضا (عليه السلام): أيّها الناس هذه سحابة بعثها الله عز وجلّ لكم فاشكروا الله تعالى على تفضّله عليكم، وقوموا إلى مقارّكم ويأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله، ونزل من المنبر وانصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثمّ جاءت بوابل المطر فملأ الأودية والحياض والغدران والفلوات فجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامات الله عز وجلّ.

ثمّ برز إليهم الرضا (عليه السلام) وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيّها الناس اتّقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله عز وجل بشيء بعد الإيمان بالله، وبعد الإعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحبّ إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربّهم فإن من فعل ذلك كان من خاصّة الله تبارك وتعالى.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولاً ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله تعالى عليه فيه إن تأمّله وعمل عليه.

قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت.

فقال رسول الله  (صلى الله عليه وآله): بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلاّ بالحسنى وسيمحو الله عنه السيّئات، ويبدّلها له حسنات إنّه كان يمرّ مرّة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه في مهواه.

فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب ولا ناقشك في الحساب، فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم الله له إلاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن.

فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الرجل فتاب وأناب واقبل على طاعة الله عز وجل فلم يأت سبعة أيّام حتى أغير على سرح المدينة فوجّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثرهم جماعة، وذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم.

قال الإمام محمد بن علىّ بن موسى (عليهم السلام): وعظّم  الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا (عليه السلام) وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو وليّ عهده من دون الرضا (عليه السلام) وحسّاد كانوا بحضرة المأمون للرضا (عليه السلام).

فقال للمأمون بعض أولئك: اعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم، والفخر العظيم، من بيت ولد العباس إلى بيت ولد عليّ، لقد أعنت على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، وقد كان خاملاً فأظهرته، ومتضعاً فرفعته، ومنسيّاً فذكّرت به، ومستخفّاً فنوّهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشوّقاً بهذا المطر الوارد عند دعائه.

ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى إزالة نعمتك، والتواثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟

فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعوا إلى نفسه فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس ممّا ادّعى في قليل ولاكثير.

وإنّ هذا الأمر لنا من دونه وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ويأتي علينا منه ما لا نطيقه.

والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلناه، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوّره عند الرعيّة بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه.

قال الرجل: فولّني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه، وأضع من قدره، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته، وبيّنت للناس قصوره عمّا رشحته له.

قال المأمون: ما شيء أحبّ إليّ من هذا.

قال: فاجمع وجوه أهل مملكتك من القوّاد والقضاة، وخيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذاً له عن محلّه الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفاضلين من رعيّته في مجلس واسع قعد فيه لهم، وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له.

فابتدأ هذا الحاجب المتضمّن للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال له: إنّ الناس قد أكثروا عنك الحكايات، وأسرفوا في وصفك بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إليهم منه، فأوّل ذلك أنّك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا وهذا المأمون أدام الله ملكه وبقاؤه لا يوازن بأحد إلاّ رجح به، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفت.

فليس من حقّه عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذبونه.

فقال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ وإن كنت لا أبغي أشراً ولا بطراً، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلّني، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام) وكان حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب عند ذلك، فقال: يابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله بمطر مقدّر وقته لا يتقدّم ولا يتأخّر جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنّك جئت بمثل آية الخليل ابراهيم (عليه السلام) لمّا أخذ رؤس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال، فأتينه سعياً وتركّبن على الرؤس، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى.

فإن كنت صادقاً فيما توهّم فأحيي هذين وسلّطهما عليّ فإنّ ذلك يكون حينئذٍ آية معجزة.

فأمّا المطر المعتاد مجيئه فلست أنت أحقّ بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستنداً إليه، وكانا متقابلين على المسند.

فغضب علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر!

فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً، فوثب الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الحاجب [وعضّاه] ورضّاه وهشماه وأكلاه ولحسادمه والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون.

فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام) وقالا: يا وليّ الله في أرضه! ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟ أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون فغشي على المأمون ممّا سمع منهما:

فقال الرضا (عليه السلام): قفا فوقفا.

ثمّ قال الرضا (عليه السلام): صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه، ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال: لا، فإنّ لله عز وجل فيه تدبيراً هو ممضيه.

فقالا: ماذا تأمرنا؟

قال: عودا إلى مقرّكما كما كنتما، فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران يعني: الرجل المفترس ثمّ قال للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله هذا الأمر لجدّكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ لكم، فلو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرضا (عليه السلام): لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك فإنّ الله عز وجل قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلاّ جهّال بني آدم فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فللّه عزوجل فيهم تدبيراً.

وقد أمرني بترك الإعتراض عليك، وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف (عليه السلام) بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

قال: فما زال المأمون ضئيلاً في نفسه إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) ما قضى.

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2/52 – 53، ب 31، ح 203: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق – رضي الله عنه – قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا أبوتراب محمد بن عبد الله بن موسى الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن الإمام أبي جعفر الثاني محمد بن علي (عليه السلام) عن آبائه  (عليه السلام) قال:..

[2] - الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

[3] - عيون أخبار الرضا  (صلى الله عليه وآله) 2/ 167 – 172، ب 41، ح 1: حدثنا أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن أبو يهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي(عليهما السلام):..


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page