لهم في شيعتنا لذعات
عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «توقّعوا آخر دولة بني العبّاس، فإنَّ لهم في شيعتنا لذعات، وفي آخر دولتهم علامات أمضى من الحريق الملتهب»([1]).
الشيعة على مرّ التاريخ عانت الويل من عُبّاد الكراسي والدنيا، وخصوصاً بني أُميّة وبني العبّاس، ولكنَّ الذي عانته من بني العبّاس سابقاً ولاحقاً أكثر بكثير ممَّا لاقته من بني أُميّة، واليوم وبعد مرور القرون على سقوط دولة بني العبّاس، وتجدّده لمدّة أربعة عقود لاقت الأمرّين، سجون ومعتقلات وتعذيب، وتذويب باللّيزر والتيزاب، والثرم وقطع الأعضاء، وسمل العيون، وقطع اللّسان، والتفسير والتهجير والحرب في الرزق، وعدم القبول في الوظائف، وهتك الأعراض، وهدم البيوت على أهلها، ومصادرة الأملاك المنقولة وغير المنقولة، وتقديم الشيعة في الجبهات، وفي الخطوط الأماميّة، وأخذ الشيعي على التهمة والظنّ، والمحاربة لهم في عقائدهم، بحرق كتبهم، وإتلاف المخطوطات منها، ومنبع طبع الجديد منها، وإخراجها من المكتبات العامّة، والسيطرة على المكتبات الخاصّة، وعدم فسح المجال لزيارة الأضرحة والأولياء، ورفع كتب الأدعية والزيارات منها، وضرب البعض بالصواريخ والمدافع والطائرات، ضرب القباب والمآذن ولا زالت آثار البعض منها قائمة إلى اليوم، وأُهمل المُدن الشيعيّة من حيث البناء والدوائر والمدارس والمستشفيات، ومشاريع الماء والكهرباء، وفرض الحصار عليهم في الغاز والوقود، ومنع المواكب والزيارات الخاصّة، ومنع مظاهر الحزن، وتعظيم شعائر الله في وفيات وولادات الأئمّة الهداة الميامين (عليهم السلام).
واليوم يُقتل الشيعي في العراق على الإسم والنسب، لقاء دولارات، ويُرحل الشيعي من أماكن خاصّة ويُنذر بالقتل هو وأفراد عائلته التي سكنها في عهد الآباء والأجداد، كما في اللّطيفيّة وفي المدائن، حيث ذُبح المئات، منهم صغاراً وكباراً، ونساءاً وشيوخاً، كلّ هذا واقع وملموس ومُعاش.
هذا دين البعث، وهذا مبدأ الوهابيّة، وبهذا يريدون أن يحكمونا كما حكمونا هذه القرون ومن غير خجل ولا حياء نقول لهؤلاء: أمن الإسلام الصحيح هذا؟ أيقر الله أعمالكم هذه، ويؤجركم الجنّة؟ أليس دم المسلم وماله وعرضه حرام على المسلم، أحبّ أم كره؟
إنَّكم بهذا تكشفون القناع عن حقيقتكم، وتثبتون أنَّكم على غير دين الإسلام، إنَّ الله تعالى يمهل ولا يهمل، فاتّقوا غضب الحكيم، واعلموا أنَّ الظلم إن دام دمَّر، ولكلِّ بداية نهاية، وأنَّ يوم المظلوم أشدّ على الظالم، وأنَّه سيأتي يوم لا يبقى منكم باقية، ولا لهذه الأعمال الشنيعة داعى.
(إنَّمَا نُمْلِي لَهُم لِيَزْدَادُوا إثْمَاً)([2])، هذا قول الله، فأين تذهبون؟ وبأيّ الأعذار تعتذرون؟
وبسوء فعالكم جئتم بالعدوّ، يسوم الجميع سوء العذاب، جئتم به كابوساً على الصدور، ولكن انقلب السحر على الساحر، وصبّ عليكم جام الغضب، ويصبّ مادمتم على هذا الظلم والتجاوز والإعتداء.
اجعلوا لأنفسكم خطّاً للرجعة، فأنتم اليوم أضعف من الأمس، وستكونون غداً أضعف بكثير ; حين ينفد صبر المظلوم.
(وَإذَا حَكَمْتَ فاحْكُم بَينَهُم بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ)([3])، أين العدل أيُّها القوم؟ أفي المقابر الجماعيّة أم في استعمالكم الأسلحة الكيماويّة كما حدث في حلبچة؟ أم في تفجير المساجد وتسويتها مع الأرض؟ أم في قتل الأبرياء وقطع رؤوسهم؟ أم في محاربة الشعائر؟ أم في كم الأفواه؟
أنتم وراء تأخّر العراق عن ركب الحضارة ولعشرات السنين، أنتم ورائ تبذير خيرات العراق وثرواته وتعاسة شعبه، فهذه دول الجوار تنعم بالأمان وراحة البال، وأنتم جعلتم في العراق مسرحاً للعمليّات، لا لشيء وإنَّما ضُربت مصالحكم: «إذا كنت في نعمة فأرعها».
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بشارة الإسلام، ص: 114، عن الطبرسي في إعلام الورى.
([2]) آل عمران / 178.
([3]) المائدة / 42.