حياة اللهو والطرب خلفاء بني عباس
وعاش أكثر خلفاء بني العباس عيشة لهو وطرب ومجون، ليس فيها ذكر لله ولا لليوم الآخر، لقد قضوا أيامهم في هذه الحياة التافهة التي تمثّل السقوط والانحطاط، يقول الشاعر في بعض خلفائهم:
خليفة في قفص***بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له***كما تقول الببغا
وقد روى أحمد بن صدقة قال: دخلت على المأمون في يوم السعانين[1] وبين يديه عشرون وصيفة جلباً روميات مزنرات قد تزيّنّ بالديباج الرومي وعلّقن في أعناقهنّ صلبان الذهب، وفي أيديهنّ الخوص والزيتون، فقال المأمون: ويلك يا أحمد قد قلت في هؤلاء أبياتاً فغنّي فيها ثمّ أنشده:
ظباء كالدنانير***ملاح في المقاصير
جلاهنّ السعانين***علينا في الزنانير
وقد رزقن أصداغاً***كأذناب الزرازير
وأقبلن بأوساط***كأوساط الزنابير
فغنّاه بها فلم يزل يشرب، وترقص الوصائف بين يديه أنواع الرقص[2]. وقد حفلت كتب التاريخ والأدب بالشيء الكثير من مجونهم وطربهم وانشغالهم عن النظر في أمور المسلمين بالدعارة والفجور.
وكان من مظاهر الحياة اللاهية لعبهم بالنرد والشطرنج، والعناية بتربية الحمام والمغالاة في أثمانه[3] كما تهارشوا بالديوك والكلاب[4] ولعبوا بالميسر وقد انتشر ذلك حتى في حانات الفقراء[5].
ومن المؤسف أنّ الطرب والمجون قد سرى إلى بعض المحدّثين الذين يجب أن يتّصفوا بالإيمان والاستقامة فقد ذكر الخطيب البغدادي عن المحدث محمد بن الضوء إنّه ليس بمحلّ لأن يؤخذ عنه العلم؛ لأنه كان من المتهتّكين بشرب الخمر والمجاهرة بالفجور، وكان أبو نواس يزوره في الكوفة في بيت خمّار يقال له جابر[6].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] يوم السعانين: عيد للنصارى.
[2] الأغاني: ج 19 ص 138.
[3] حياة الحيوان: ج 3 ص 91.
[4] الأغاني: ج 6 ص 75.
[5] حياة الحيوان: ج 5 ص 115.
[6] الأوراق: ص 61.