بادروا الفتن بالأعمال
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بادروا بالأعمال، فتناً كقطع لالّيل المظلم، يُصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا»([1]).
بادروا بالأعمال: أي أسرعوا بالأعمال، لا أعمال الأحزاب والمنظّمات ذات المبادي الهدّامة، وهي التي جرَّت البلاد والعباد إلى هذا المستنقع النتن، وهو ما أراده العدوّ الوصول إليه فوصل بادروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،بادروا بالصدق والإخلاص بالعمل، نعم بادروا بالصَّوم والصَّلاة، والحجّ والزكاة، والصدق بالقول والعمل، بادروا بترك الطاعة للأجنبي إلى الطاعة إلى الله تعالى، بادروا بالتوبة النصوح، بادروا بالإستغفار من كلّ ذنب أسررناه وأعلناه، بادروا بالأعمال التي تقرّبكم إلى الله تعالى لا إلى شيطان الإنس والجنّ.
فهذه الفتن التي هي كقطع اللّيل المظلم حصيلة ما جنته النفس الأمّارة بالسُّوء، فتن المبادي المستوردة، فتن تعدّد المذاهب والأحزاب، فتن السياسة والرئاسة، فتن حُبّ الدنيا، فتنة حبّ المال والأولاد والنّساء، (وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبَّاً جَمَّاً)([2])، إنَّما أموالكم وأولادكم فتنة، فتنة غزو الأعداء، فتنة الفرقة والعصبيّة القوميّة والمذهبيّة.
فكَم مؤمن يُصبح ويُمسي كافراً لهول ما يرى ويسمع، قتلاً بالجملة وانفجارات وحرقاً، وسرقة أموال النّاس، واختطافاً من أجل المال، وهتك أعراض، فلا تجارة تعمل ولا بيع ولا شراء، ولا من السهولة الحصول على عمل، ولا أمان لتخرج فتعود سالماً، لا تعرف الصديق من العدوّ، ولا الجار من حامل النّار، لا تدري متى تنفجر المفخّخات، ولا تدري متى يضغط على الحزام الناسف، الأولاد، الأولاد يريدون الطعام والشراب، وما في اليد من حيلة، أيعمل مع الأجنبي ضدّ نفسه والشعب والوطن لقاء دريهمات أو دولارات، أم أنَّه يبقى بعيداً يقتله الجوع وتقتله الحسرة وهو يرى أطفاله بحاجة إلى الطعام والدواء والمدرسة وهو لا يستطيع سدّ حاجتهم، يوافق فيقع فريسة النواصب والوهابيّة ودول التحالف، وإذا به كان مؤمناً فأمسى كافراً، أو أمسى كافراً فحاسب نفسه على ما هو عليه من ظلم وحرام وهتك للأعراض، وهو يرى أنَّ عرضه عزيز وماله عزيز ونفسه عزيزة وأنَّ الله تعالى سيحاسبه غداً فيتوب ممَّا عمل ويستغفر ممَّا جناه، ولا يعود إلى ما كان منه، فيصبح مؤمناً، يدعو النّاس إلى التوبة قبل نزول البلاء، والإستغفار من الذنوب، هذا ما عليه النّاس فهم بين نارين ; نار الحاجة والصبر عليها ونار دخول المعمعة، وارتكاب الجرائم، جرائم القتل والسرقة والخطف والتخريب والتسقيط.
كلّ هذا وقع ويقع للبُعد عن الدّين، وعدم الطاعة لله والمرسلين من الأنبياء والوصيّين.
الناس في سخط الله لا يعلمون متى ينزل البلاء المبرم، فكن أيُّها المؤمن على حذر، بعيداً، وإلاّ فالبلاء يشمل المجرمين والأبرياء، فرّوا إلى الله.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى، ما قاله تحقّق قبل أربعة عشر قرناً، قال وكأنَّه اليوم معنا يرى ويسمع ما نحن فيه من حاله، فهو المرشد وهو النبيّ وهو المرسل رحمة للعالمين.
يحثّنا أن نسارع في الخيرات والمبرّات، والأعمال الخيريّة، لأنَّ الظروف التي تحيط بنا والتي نعيشها كظلمة اللّيل أو أشدّ.
العدوّ الظالم القاسي الذي لا يعرف معنى الحقّ والحقوق، ولا يعرف معنى الرحمة للصغير والكبير بقدر ما يعرف مصلحته والإيقاع بنا للإستحواذ على خيراتنا، واستعبادنا والنكاية بنا.
ونحن متفرّقون متحاربون متقاتلون، بلا هدف ولا علم نسير بهديه وهداه.
اللَّهمَّ فرِّج عنّا فرجاً عاجلاً قريباً كلمح بالبصر أو هو أقرب من ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) السنن الواردة، عثمان بن سعيد الداني، ص: 29، باب 7، ح 47، دار الكتب العلميّة.
([2]) الفجر / 20.