ملك السنين
«يذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيَّام»، فقيل: هل يطول ذلك؟ فقال: «لا»([1]).
الملك عقيم كما قيل ; ومنهم مَن ملك عشرات السنين أو أكثر، ملك ظالماً مثل فرعون ونمرود، والأقاصرة والأكاسرة، ولمَّا أخبر الكهّان فرعون موسى أنَّ ملكه ينتهي على يد مولود يولد من بني إسرائيل، قتل الأُلوف من الأطفال، وبقر بطون الحوامل للحيلولة دون ذلك، ولكن شاء الله أن يتمّ أمره ولو كره الكافرون، فوُلد موسى (عليه السلام) وتربّى وترعرع في بيت فرعون وكان أمر الله مفعولاً.
وهناك مَن حكم الكثير، وهناك مَن حكم الأيَّام، والحاكم العادل الكافر خير من الحاكم المسلم الظالم، والعدل أساس الحكم، وعند الله ليلة خير من حكم ألف شهر وهي ليلة القدر، والألف شهر حكم بني أُميّة الذي حكموه بالجور والظلم، على أن يتّعظ النّاس، ولكن لمَّا جاء بنو العبّاس طغوا في البلاد وأكثروا الفساد وطال حكمهم أكثر من أربعمائة عام، ومَن جاء من بعدهم ملكوا السنين والأشهر والأيَّام، حتّى أنَّ هذا الحديث الشريف كشف عن حقيقة نعيشها اليوم في العراق، وهي أنَّ نوري السعيد رئيس وزراء الحكم الملكي حكم أكثر من ثلاثة عقود، وصدّام التكريتي هو الآخر حكم أكثر من ثلاثة عقود، ولكن بالحديد والنّار، يصعب علينا إحصاء مَن قتلهم بالحروب وفي السجون والمعتقلات، والمقابر الجماعيّة وهم أحياء، سواء كان من العراق أو الكويت أو إيران وسواء كانوا من العرب أو العجم أو الأكراد أو التركمان لإطالة مدّة حكمه، فسلّط الله عليه أسياده الذين جاؤوا به، فجاء من بعده مجلس الحكم، وحكم البعض منهم شهراً واحداً، والبعض الآخر اغتيل قبل أن يحكم، وهذا مصداق الحديث الشريف، وهو من دلائل صدق الإسلام وصدق النبوّة والإمامة، وإلاّ قبل أربعة عشر قرناً خلت كان هذا الحديث، واليوم يتحقّق علناً ومن غير تأويل ولا تغيير، ليس إلاّ دليلاً على صدق النبوّة ومَن يدري ماذا سيكون في المستقبل القريب والبعيد، ومَن يحكم أقلّ أو أكثر، لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم ولما كنّا ننتظر حكم الحجّة (عج) فقد ورد أنَّه يحكم خمس، أو سبع، أو تسع سنين، وكلّ سنة تعدل عشر سنين من سنيّنا، من حيث يأمر الله تعالى الفلك في الإبطاء بالحركة، ويكون مجموع ما يحكمه الحجّة (عج) خمسين أو سبعين أو تسعين سنة من سنيّنا.
وأمَّا ما نعيشه اليوم في ظلّ هذه الحكومات القصيرة العمر والضعيفة، لا يطول لأنَّ الفوضى والهرج والمرج أي القتل والإقتتال في زيادة لا في نقصان وإنَّ الأنفس تزهق من غير حساب ولا طائل، وأنَّ الحوادث في تزايد وتعاظم، لأنَّها من مصلحة العدوّ، لتكون ذريعة في البقاء، وكلّنا آمل أنَّ هذه المآسي لا تدوم، وأنَّ الله تعالى سيبعث مَن يستأصل جذورها وما علينا إلاّ الصبر والسلوان، والإلتزام بتوجيهات النبيّ (صلى الله عليه وآله): «كونوا أحلاس بيوتكم»، أي لا تخرجوا من بيوتكم إلاّ للضرورة وقضاء الحوائج، ويومئذ الأمان على عشر، تسع منها في السكوت، وواحدد في الركون إلى الدار، وما من فتنة إلاّ والقاعد فيها خير من القائم والساعي، حتّى يفرّج الله تعالى الغمّة عن هذه الأُمّة والبشريّة، ولو أنَّنا كنّا قد التزمنا بما جاء من عند الله تعالى، ومن الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومن الأئمّة الهداة الميامين (عليهم السلام)، لما آل الأمر بنا أن نُباع ونُشرى في الأسواق كالعبيد في سوق النخاسين، فهل من عودة إلى الدّين؟ وهل من نبذ هذه المبادي الهدّامة من سبيل؟
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الغيبة، للشيخ الطوسي، ص، 271، البحار، ج 52، ص: 210، بشارة الإسلام، ص: 123،
الإمام المهدي (عليه السلام)، ص: 230، يوم الخلاص، ص: 505، ط. 1، سنة (1417 هـ)،
أنوار الهدى.