ضيعت الأمانة
في عمدة ابن بطريق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظروا السّاعة»، قالوا: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): «إذا أُسند الأمر إلى غير أهله، فانتظروا السّاعة»([1]).
نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضُيِّعت الأمانة، وغدرت الأُمّة، وسُفكت الدّماء، وارتقت القرود المنابر، وانقلبت الحقائق، وزوّرت المبادي، وفشى الكذب، واستملحت الغيبة، وتفكّهوا بالنميمة، وأمروا بالمنكر، ونهوا عن المعروف، فلا الكبير يحترم الصغير، ولا الصغير يوقّر الكبير، وركبت السروج الفروج، النّساء كاسيات عاريات، من الدّين مارقات، وفي الكفر داخلات، رُفع الحياء، وقلَّ الإيمان، وكثر الكفر بالنِعَم، وتغيّرت أحوال النّاس، وحذو حذو اليهود والنصارى، حذو النعل بالنعل، حتّى أصبح تقليدهم الشغل الشاغل، وهم يرون الآيات والبراهين والدلالات، ولكن ما أكثر العبر وأقلّ الإعتبار، حالهم يُرثى له، تشتّت واختلاف في الدّين، من دين ملك إلى دين ملك، ومن حزب إلى حزب ومنظّمة، يحاربون الله في الإسلام جهاراً ليلاً ونهاراً، سرّاً وأعلاناً، لا يخافون لومة لائم، ولا يحسبون يوماً ينفردوا في حفرة مظلمة ضيّقة، فهم نيام، لا همَّ لهم سوى بطونهم وفروجهم، وجمع الأموال وطاعة النّساء، ومعصية الرسول، يشربون الخمر ويلعبون القمار، ويأكلون التراث أكلاً لمَّا، ويحبّون المال حبّاً جمّاً، لا همَّ لهم إلاّ الأكل والنوم، أمَّا الحلال والحرام، أمَّا الحقّ والباطل، أمَّا الحقوق والواجبات، أمَّا كتاب الله، فقد جعلوها ورائهم ظِهريّاً، وأعرضوا عنها ظُهريّاً، نعم ضيّعوا الأمانة من أوَّل يوم أُجيب داعي الله تعالى، فانقلبوا على أعقابهم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُم عَلَى أعْقَابكُم وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)([2]).
والسّاعة هنا، ساعة ظهور صاحب العصر والزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه.
نعم، نحن ننتظر ساعة ظهوره، بفارغ الصبر، لأنَّه هو المجعول، وهو المختار من قِبَل الواحد القهّار، وهو الذي يأخذ بثأرنا ممَّن ظلمنا، وهو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت جوراً وظلماً، اللَّهمَّ فعجِّل لوليّك الفرج والعافية والنصر.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) إلزام الناصب، ج 2، ص: 123.
([2]) آل عمران / 144.