«واستعمال صغاركم»([1])
استعمال صغاركم: كناية عن رئاستهم وسلطنتهم، سواء كانوا صغاراً أطفالاً، أو صغاراً في الحقارة والدنائة، يعني يحكم الحقير والصغير، وهم الحرس القومي الذين حكموا العراق فترة من الزمان، وهم صبية، ولكن أيّة صبية حكموا؟ وأيّ حكم حكموا؟ بالحديد والنّار، وكأنَّهم جاؤوا لأخذ الثأر، فأنزلوا الويل والثبور والعويل في كلّ دار.
قتلوا كلّ مَن خالفهم، وهتكوا الأعراض، وسلبوا الأموال، وخرّبوا البلاد، وعاثوا في الأرض الفساد، كلّ ذلك بتوجيه من العدوّ الغربي الصليبي والصهيوني الذي بنى سعادته على شقائنا.
لأنَّ ثورة عبد الكريم قاسم كان فيها نفساً شيعيّاً، فحولوا هذا النفس إلى الشيوعي، وحاربوه بدون هوادة، جمعوا الأموال، وحرّكوا الأذناب، تألّبوا عليه الرعاع حتّى قتلوه وهو صائم، ودمّروا المنشآت، وقتلوا أعوانه ومناصروه على أنَّهم سيوعيّون، واجتمعت الدول العربيّة بالمال والسّلاح والرجال والدعاية والإعلام لإسقاط حكمه فأسقطوه، وهم يعلمون أنَّهم ليسوا بمصافه، لأنَّهم عملاء وجواسيس الغرب والشرق، ولا يطيب لهم وجود مثل هذا النظام، ونراهم قد كرّروا هذه الحالة حين انفجرت ثورة الإسلام العملاقة على يد السيّد الخميني وأصحابه الأبطال فأشاروا إلى طاغية عصره صدّام التكريتي، وهذا بدوره جنَّد كلّ الطاقات الموجودة في العراق والمسندة إليه من خارج العراق، وصبّ جام غضبه على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، في حين لم يجرأ أحد منهم على فعل ذلك والشاه المقبور كان حيّاً، فهي إذن ثارات بدر وخيبر والخندق، وهي الإنقلاب على الإسلام الحقيقي، كما انقلبوا من قبل، ودامت حرب ضَروس ثمان سنين صعبة ذهب فيها الأُلوف من الضحايا ودمّرت المُدن وتهدّمت دور وقصور وعمارات، واحترقت خيرات البلاد الإسلاميّة لا لشيء، وإنَّما الحقد الدّفين يطفو على السطح يوماً بعد آخر.
جاءت حركة القوميّين العرب، وذاق الشعب العراقي الأمرَّين من الحكم الأُموي المبطن، وذهبت ضحايا كثيرة، واحترقت البُنية التحتيّة للعراق، وظهرت على أثرها حركة القوميّات الأُخرى كردّة فعل، ووقعت حرب الشمال الأليمة، وأبيدت قرى ومُدن وقصبات في شمال العراق على أثر ضربات موجعة بالطائرات والمدافع والصواريخ، وسقطت أُلوف الضحايا لسنين طويلة بين العرب والأكراد، وهي خسارة للإسلام والمسلمين وأضعاف ليس إلاّ، ولم يكسب العراق من تلك الحرب إلاّ الدّمار.
وظهرت حركة التركمان، وكانت الضحايا والأحقاد، كلّ ذلك إضعافاً للإسلام والمسلمين، وهذا دَيدن العدوّ في سياسته «فرِّق تسدّ» ; يقوّي فئة، ويضرب بها الفئات الأُخرى حتّى إذا وصل إلى ما خطّط له، ضرب تلك الفئة وما لها من طاقات وقدرات وإمكانات.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بشارة الإسلام، ص: 83.