• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الرضا في ظلّ أبيه الكاظم(عليهما السلام)

الإمام الرضا في ظلّ أبيه الكاظم(عليهما السلام)

في المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيه (عليهما السلام) برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضا (عليه السلام) أثناء تصدّيه للإمامة. ونشير الى أهمها كما يلي:

1 ـ الانحراف الفكري والديني :
 لقد تعدّدت التيارات المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة، وتيّار القياس والاستحسان والرأي، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه الفترة خطيرة جدّاً إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي الخانق.

2 ـ الفساد الاخلاقي والمالي :
 وعاصر الإمام الرضا (عليه السلام) وهو في ظلّ أبيه حكّاماً يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكاً لهم، لا يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائماً على أساس هوى الحاكم العبّاسي ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه [1] .

وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف ألف دينار [2] .

ودخل مروان بن أبي حفصة على المهدي العبّاسي فأنشده شعراً مدح فيه بني العبّاس وذمّ أهل البيت (عليهم السلام) فأجازه سبعين ألف درهم[3] .

وأرسل عبدالله بن مالك الى المهدي جارية مغنّية فأرسل إليه أربعين ألفاً [4] .

وكان الرشيد مولعاً بالشراب مع جعفر البرمكي ومع اُخته العبّاسة بنت المهدي، وكان يحضرها إذا جلس للشرب، ثمّ يقوم من مجلسه ويتركهما يثملان من الشراب[5] .

3 ـ الفساد السياسي :
 وشاهد الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة لهم من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق عمّه العباس، واتّبعوا اُسلوب الاستخلاف دون النظر الى آراء المسلمين ولم يرجعوها الى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى. وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستاراً يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل الله تعالى فلا يجوز للناس نقدهم أو محاسبتهم.

4 ـ تعاطف المسلمين مع أهل البيت (عليهم السلام) :
 وعاش الإمام الرضا(عليه السلام) روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيت (عليهم السلام) وهي ثمرة جهود آبائه السابقين (عليهم السلام)[6].

 واعترف بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظم (عليه السلام) : أنت الذي تبايعك الناس سرّاً[7] .

كما عاش الإمام الرضا(عليه السلام) أساليب الرشيد الماكرة واستدعاءاته المتكررة لأبيه الكاظم (عليه السلام) وسجنه الطويل الذي أدّى الى اغتياله .

5 ـ الحركات المسلّحة :
 ومن الظواهر المهمّة البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيه(عليه السلام) ، فمن الثورات المهمة ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسن (عليه السلام) المعروف بصاحب فخ الذي قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم.

واستمرت المعارضة المسلّحة ضد الحكم العبّاسي ففي سنة (176 هـ ) خرج يحيى بن عبدالله بن الحسن، فبعث هارون آلاف الجنود لقتاله ثم أعطاه الأمان وحبسه فمات في الحبس[8].

لقد كانت هذه الثورات انعكاساً طبيعياً للسياسة العباسية الظالمة.

هذا ملخّص لأهمّ الأحداث التي برزت في حياة الإمام الرضا(عليه السلام) وهو في ظلّ أبيه الكاظم(عليه السلام) لنرى كيف واجهها الإمام (عليه السلام) فيما بعد وكيف مارس مسؤولياته وقت تصدّيه للإمامة في بحوث قادمة إن شاء الله تعالى.

الإمام الكاظم والتمهيد لإمامة الرضا (عليهما السلام)
حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إحدى مسؤوليات الإمام بقوله : «في كل خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ...»[9].

والإمام الرضا (عليه السلام) باعتباره أحد ائمة أهل البيت المعصومين (عليه السلام) مكلّف بهذه المسؤولية، وتتأكد هذه المسؤولية حينما يتصدّى بالفعل لإمامة المسلمين، أمّا في ظل إمامة والده الإمام الكاظم (عليه السلام) فان مسؤوليته تكون تبعاً لمسؤولية الإمام المتصدّي، والمتصدّي هو الاولى بتحمّل الأعباء والتكاليف، ويبقى غيره صامتاً الاّ في حدود خاصة، وفي هذا الصدد أجاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن سؤال حول تعدد الائمة في وقت واحد، فقال : «لا، الاّ وأحدهما صامت»[10].

ففي عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) كان الإمام الرضا (عليه السلام) صامتاً بمعنى عدم تصدّيه للامامة، وعدم اتخاذ المواقف بشكل مستقل واتباع مواقف الإمام المتصدّي بالفعل لمنصب الامامة، والصمت لا يعني التوقف عن العمل الاصلاحي والتغييري داخل الامة، فقد كان (عليه السلام) يعمل ويتحرك داخل الامة تبعاً لمسؤوليته المحددّة له، فكان (عليه السلام) ينشر المفاهيم والقيم الاسلامية، ويردّ على الاسئلة العقائدية والفقهية وكان يفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة[11].

وقال الذهبي : أفتى وهو شاب في أيّام مالك[12].

وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في عهد إمامة والده (عليه السلام)، كما كان يروي عن والده وعن أجداده، وينشر أحاديث أهل البيت (عليه السلام) وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وروى عنه جماعة من الرواة منهم : أبو بكر أحمد بن الحباب الحميري، وداود بن سليمان بن يوسف الغازي، وسليمان بن جعفر وآخرون[13].

وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) يوجّه الأنظار اليه ويُرجع أصحابه إليه، ومما قاله بحقّه :

«هذا ابني كتابه كتابي، وكلامه كلامي، وقوله قولي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله»[14].

وكان يقول لبنيه : «هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم»[15].

وكان (عليه السلام) يهيّء الأجواء للامام الرضا (عليه السلام) ليقوم بالأمر من بعده، وممّا قاله لعلي بن يقطين : « يا علي بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي أما إنّه قد نحلته كنيتي»[16].

الوصيّة بالإمامة
الإمامة مسؤولية إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلاّ بتعيين ونصب من الله ونص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم الذي أكّد الله عصمته بقوله تعالى : (لا ينال عهدي الظالمين)[17]، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة، ومنها ما صرّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بداية الدعوة بقوله : «انّ الأمر لله يضعه حيث يشاء»[18].

وصرّح رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غير مرّة بأنّ الائمة اثنى عشر وأنّ جميعهم من قريش، وقد ورد النص على ذلك بألفاظ عديدة [19].

ووردت روايات تؤكد أن الائمة من بني هاشم ومن تلك النصوص قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بعدي اثنى عشر خليفة ... كلهم من بني هاشم»[20].

ووردت روايات عديدة لتفسّر بني هاشم بعلي بن ابي طالب (عليه السلام) وأولاده، ثم تحصرها بالحسين (عليه السلام) وذريته [21].

ووردت روايات عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر فيها اسماء الائمة الاثني عشر، بعضه عام وبعضها خاص، ومن هذه الروايات قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الائمة من بعدي اثناعشر، أولهم علي ورابعهم عليّ وثامنهم علي ...»[22].

وعلى ضوء ذلك فإن الإمامة تعيّن بالوصية، فكل امام يوصي الى الإمام من بعده بعهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتناقله كل امام عن الإمام قبله .

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «أترون الأمر الينا نضعه حيث نشاء ؟ ! كلاّ والله إنّه لعهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى رجل فرجل، حتى ينتهي الى صاحبه»[23].

وفي خصوص تعيين الإمام الرضا (عليه السلام) إماماً للمسلمين، فإنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) قد نصَّ عليه تلميحاً وتصريحاً لخاصة أصحابه ليقوموا بدورهم في إثبات امامته في الاُمة، ولم يعلن عن إمامته أمام الملأ لأن ظروف الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة العباسية كانت تحول دون ذلك .

وقد تظافرت النصوص على تعيين الإمام الكاظم (عليه السلام) لابنه الإمام الرضا (عليه السلام) اماماً وقائماً بالأمر من بعده .

فعن نعيم بن قابوس قال : قال لي ابو الحسن (عليه السلام) : «علي ابني اكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري، ينظر معي في كتاب الجفر والجامعة، وليس ينظر فيه الاّ نبي أو وصيّ نبي»[24].

وقد صرّح (عليه السلام) بامامته منذ نشأته الأُولى، ففي رواية قال المفضل بن عمر للامام الكاظم (عليه السلام) : «جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقال : يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبي(عليه السلام) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، قلت : هو صاحب هذا الأمر من بعدك ؟ قال : نعم»[25].
 
[1] مروج الذهب : 3 / 308.

[2] مروج الذهب : 3 / 308 .

[3] تاريخ الطبري : 8 / 182.

[4] تاريخ الطبري : 8 / 185 .

[5] تاريخ الطبري : 8/294.

[6] تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل : 200.

[7] الصواعق المحرقة : 309.

[8] الصواعق المحرقة : 309.

[9] الصواعق المحرقة : 231 .

[10] الكافي : 1 / 178 .

[11] تهذيب التهذيب : 7 / 339 .

[12] سير أعلام النبلاء : 9 / 388 .

[13] تهذيب الكمال : 21 / 148 .

[14] اُصول الكافي: 1/312، وعيون أخبار الرضا: 1/31، والارشاد : 2/250 والغيبة للطوسي: 37. وروضة الواعظين : 1 / 222، الفصول المهمة: 244

[15] اعلام الورى : 2/64 وعنه في كشف الغمة : 3/107 وعنهما في بحار الأنوار: 49/100 .

[16] الارشاد: 2/249 وعنه في اعلام الورى : 2/43 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3/60 وعن العيون في بحار الأنوار: 49/13 .

[17] البقرة(2): 124 .

[18] تاريخ الطبري : 2 / 350، السيرة الحلبية : 2 / 3، السيرة النبوية لابن كثير : 2 / 159 .

[19] مسند أحمد : 1 / 657، سنن ابي داود : 4 / 106، سنن الترمذي : 4 / 501، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 11، كنز العمّال : 12 / 32 .

[20] ينابيع المودة : 1 / 308، مودة القربى : 445، احقاق الحق : 13 / 30 .

[21] كفاية الاثر : 23، 29، 35 .

[22] جامع الأخبار : 62.

[23] بحار الأنوار : 23 / 70 عن الصدوق في كمال الدين .

[24] اُصول الكافي : 1/311 ح 2 وعيون أخبار الرضا : 1 / 31 والارشاد: 2/249 عن الكليني، وعنه الطوسي في الغيبة: 36 .

[25] عيون أخبار الرضا : 1 / 32 .
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page