• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النشأة الطيبة

النشأة الطيبة

في مهبط الوحي ومنازل الآيات.. في تلك المنازل التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. ويسبح لله فيها بالغدوّ والآصال.. الرجال الذين ﻻ تلهيهم عن ذكر الله لابيع ولا تجارة ولا أي شيء في الحياة الدنيا.

فذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة هو دائم وكأنه نبع ﻻ ينضب من تلك البيوت المباركة.. بيوت آل البيت الأطهار الذين أراد الله تعالى لهم أن يكونوا قدوة البشرية في الكمال وأسوة لهم في الأعمال.. وذلك بجعل من الله وحصر كذلك.. فقال عز من قائل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[1].

هذه الإرادة الربانية وهذا الجعل الإلهي بالطهارة وإذهاب الرجس وأي نوع من أنواعه الظاهرة والباطنة، جعلهم للناس أسوة حسنة على مرالدهر والعصور ولكل طبقات الشعب.. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)[2].

فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة وكذلك أهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) أسوة حسنة لكل من أراد النجاة في عرصات القيامة.

ومن يدرج ويتربى في تلك البيوت  ما عساه أن تكون؟

وكيف ستكون أخلاقه.. وصفاته.. ومعاشه؟

وكيف سيكون علمه وتقاه وزهده..؟

وللجواب المختصر نلمع إلى علياء ذلك الإمام العظيم ونشير إليه إشارة خجولة.. وإننا مقصرون وقاصرون.. فأين الثرى من الثريا.. وأين الذرة من المجرّة.. وأين نحن من الإمام علي الرضا (عليه السّلام).

ففي ذلك البيت العلوي المبارك.. والذي كان يضج بالأولاد والذريّة الطيبة للإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) وذلك لأنه كان أكثر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ذريّة.. حتى أنه فاق جده أمير المؤمنين (عليه السّلام) بذلك.. وهذه ميزة فريدة في الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) مع أنه قضى عمراً مديداً في السجون العباسية المظلمة ورغم ذلك كان الذي كان بمشيئة الله عزوجل..

فالإمام علي الرضا (عليه السّلام) هو واحد من ست وثلاثين من الأبناء الكرام للإمام موسى الكاظم (عليه السّلام).. كان الامام الكاظم (عليه السّلام) بحراً من أي النواحي أتيته، بحر من النور والعطاء والحب والحنان والعلم والفضل والأخلاق وهذه الكوكبة الطيبة كانت تسبح في ذاك البحر وكل يأخذ حاجته ليربو وينمو على اسم الله.

إلا أن حظ الإمام علي الرضا (عليه السّلام) كان الأوفر والأعظم لأنه كان يملك القابلية والأرضية الصالحة لكل ما يبذره الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام).

وراح الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) يبذر كل ما يريده الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) على أرضية تلك النفس الطيبة والعقل الجبار.. ويفيض عليها من نور الإمامة والرسالة حتى ترتوي فتنبت العلم والخير والفضيلة وكل شيء بهيج.

فالإمام علي الرضا (عليه السّلام) ولد في العام الذي تسلم فيه أبوه الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) قيادة الأمّة الإسلامية من الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) في ظروف حساسة وحاقدة من قبل الأعداء، سنبحث بعض جوانبها بعد قليل.

فمدارج الإمام علي الرضا (عليه السّلام) وشبابه ورجولته كلها كانت في ظل أفياء الإمام موسى الكاظم الوارفة الظلال.. وبلغت حوالي خمساً وثلاثين سنة.. وهذا السن يكون الرجل فيها قمة في العطاء والقابلية.

وهذه الرعاية المكثفة والاستثنائية وبهذا العمر الطويل.. لم تتوفر لأحد من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إلا سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام).

لذلك كان يشار إلى الإمام علي الرضا (عليه السّلام) بالبنان بين أبناء الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) وهو الذي حاز المكارم كلها.

فمنذ ولادته وربما قبل ذلك كان مسمى ومكنى وموصوف من قبل أبيه.. فاسمه علي وكنيته أبو الحسن ووصفه الرضا.. فكان الإمام الكاظم (عليه السّلام) يجل ولده كثيراً ولا يذكره إلاّ بكنيته ولا يذكره إلاّ بالتعظيم والتبجيل.. ولا يتوانى عن ذكره بين العام والخاص منوّهاً ومصرّحاً بإمامته من بعده..

فروى عبد الله بن مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة فلما صرت في بعض الطريق لقيت أبا إبراهيم (الإمام موسى (عليه السّلام)) وهو يذهب به إلى البصرة فأرسل إليّ.. فدفع إليّ كتباً وأمرني أن أوصلها بالمدينة فقلت: إلى من أدفعها جعلت فداك.

قال (عليه السّلام): إلى ابني علي فإنه وصييّ والقيّم بأمري وخير بنيّ[3].

وقال (عليه السّلام): (علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري)[4].

وقال (عليه السّلام): (علي أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبهم إليّ)[5].

ومن هذه بعض أحوال نشأته فماذا سيكون منه؟

1.            في الأخلاق.. كان خلقه القرآن.. وتخلقه بأخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأدبه واضحة لكلّ من عاشره أو قرأ عنه (عليه السّلام).

وبرواية عيون الأخبار للشيخ الجليل الصدوق (رحمه الله) أنه ينقل وصف إبراهيم بن العباس الصولي للإمام الرضا (عليه السّلام) قائلاً:

ما رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) جفا أحداً بكلمة قط.. ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه.. وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها.. ولا مدرجله بين يدي جليس له قط..

ولا اتكأ بين يدي جليس له قط..

ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط..

ولا رأيته يقهقه في ضحكة قط.. بل كان ضحكه التبسّم.

وكان إذا نصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس.

وكان (عليه السّلام) قليل النوم بالليل كثير السهر.. يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح..

وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول: ذلك صوم الدهر.

وكان (عليه السّلام) كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة.. فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق[6]... وهذه أخلاق الأنبياء حقاً..

2: في الكرم: فهو بحر الجود والكرم.. فهو يجود بكل ما كان عنده لفقير أو محتاج أو طالب حاجة.. وقصصه بذلك كثيرة حتى أنه فرّق ماله كله عندما كان بخراسان.. وهو ولي عهد، وقيل بذلك أنه لمغرم.. فقال (عليه السّلام): بل هو المغنم[7].

وروى الكليني في الكافي الشريف بسنده عن اليسع بن حمزة قوله: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) وقد اجتمع عليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام.. إذ دخل عليه رجل طوال آدم - أسمر - فقال: السلام عليك يابن رسول الله .. رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك. مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلة.. فإن رأيت أن تنهضني إلى بلادي.. ولله عليّ نعمة إذا بلغت بلدي تصدقت بالذي تولني عنك فلست موضع صدقة - أي أنه غني -.

فقال (عليه السّلام): اجلس رحمك الله..

وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا.. وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا.. فقال (عليه السّلام): أتأذنون لي بالدخول.

فقال سليمان: قدم الله أمرك.

فقام فدخل الحجرة.. وبقي ساعة _ أي بعض الوقت - ثم خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب وقال: أين الخراساني..

فقال: ها أنا ذا.

فقال (عليه السّلام): خذ هذه المائتي دينار واستعن بها على مؤونتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تتصدق بها عني.. واخرج فلا أراك، ولا تراني.. وستر وجهه عنه..

فقال له سليمان الجعفري: جعلت فداك، لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك؟

فقال (عليه السّلام): مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته.. أما سمعت حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة.. والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له)[8].

كرم ﻻ يضاهى.. وأخلاق ﻻ تجارى.. فسبحان الذي امتحن الخلق بالخلق.. ولم يمتحن الخلق بالحق..

3: أما العلم: فهو الإمام المفترض الطاعة وعلمه من علم الله.. إرثاً رسوليّاً أو إلهاماً أو ما أشبه.

فعلمه لدني، ﻻ بشري مكتسب، وهو معصوم مسدد من الباري تعالى. وأفاض من علمه بما ملأ الخافقين فهو أحد الأئمة الأربعة الذي أتيح لهم - ولو بنسبة - نشر مبادئ الإسلام وحقائق الأحكام في الدنيا كلها، وكان آخر من سنحت له تلك الفرصة بعد أجداده الكرام (عليهم أفضل الصلاة والسلام): أمير المؤمنين .. الامام الباقر والامام الصادق (عليهم السلام).

أما بقية الأئمّة الكرام (عليهم السلام) فلم تسمح لهم تلك الظروف بسبب الطغاة والجبابرة من الحكام (أمويين وعباسيين ﻻ فرق بينهما) ومع ذلك فقد ربوا الأجيال الى يومنا هذا..

هذا وقد قال الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) بحقه أقوالا كثيرة منها:

(هذا أفقه ولدي.. قد نحلته كنيتي)..

كما أوصى ولده: (هذا أخوكم علي بن موسى - عالم آل محمّد - فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم..) وغير هذا كثير..

أما اعتراف البشر وشهادتهم من علماء وفقهاء وحكماء وحتى الأعداء بسعة علمه وإحاطته بمحتوى الكتاب المجيد وأسراره اللطيفة ومعارفه المنيفة، وشمول معرفة الإمام لكليات الشريعة وجزئياتها وأدق دقائقها على كل المستويات وبمختلف الاتجاهات.. فمما ﻻ يمكن حصره.

فقد كافح الفساد الثقافي المستشري في الأمّة سواء كان وافداً أو بدعاً من المبتدعين والضالين المضلّين من فلاسفة ومتصوّفة ومتكلمين وزنادقة وملاحدة و.. وذلك إما بالمناظرات أو المحاورات أو الإفتاءات (الاستفتاءات) العقائدية.. وكان بكل ذلك ثقة ومأمون على الحلال والحرام والشريعة الغراء.

ومنذ أن كان في العشرين من عمره الشريف كان يجلس في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويفتي.. وكان قبلة الأنظار عند المعضلات والكل يشير إليه بالبنان عند تعرضهم لأي مسألة عويصة أياً كان نوعها..

هذا في فتوته وشبابه.. أما في أيام تواجده في طوس وأيام إمامته المباركة فقد كان ما سارت به الركبان وتحدثت به الشيوخ والفتيان.. وروى الرواة أن حديثاً واحداً حدثه الإمام (عليه السّلام) في نيسابور بعد اجتماع العلماء والفقهاء وأهل الفضل حوله.. فقد كان باجتماعهم  أمور عجيبة حقاً.. فكانوا خلقاً كثيراً وكلهم بين صارخ وباك ومتمرّغ في التراب. ومقبل لحافر بغلته.

فحدثهم حديث السلسلة الذهبية المشهور الذي قيل في إسناده: (لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبريء من جنته)[9].

هذا وقد أحصى أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفاً.. الله أكبر.. الكتّاب كانوا عشرين ألفاً فكم كان عدد من حضر ذاك المحضر المبارك..؟

وبكلمة..

علم الإمام ﻻ يدركه ولا يعرفه إلاّ إمام مثله.. إلاّ أن الأمّة يجب أن تنتفع من علمه كانتفاعها بالقرآن الكريم.. ولا غرو.. فهم عدل القرآن وشقه الناطق وهم أهل الذكر الذي أمرنا أن نسألهم إذا التبس علينا شيء من علوم الدين والدنيا..

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة الأحزاب: 33.

[2] - سورة الأحزاب: 21.

[3] - عيون الأخبار: ج 1 ص 27.

[4] - بحار الأنوار: ج 49 ص 38.

[5] - بحار الأنوار: ج 49 ص 38.

[6] - عيون الأخبار: ج 1 ص 197.

[7] - بحار الأنوار: ج 49 ص 101.

[8] - في رحاب أئمة أهل البيت: ج 4 ص 111.

[9] - الصواعق المحرقة لابن حجر، راجع (فضائل آل الرسول) للإمام الشيرازي ص 158.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page