• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

جامع الكلمة

جامع الكلمة

قام بهذا الجهد المبارك.. علم من الأعلام، وسيد من السادة الكرام الذي يرجع نسبه إلى سيد الأنام محمّد (صلى الله عليه وآله).

الاسم: السيد حسن الحسيني الشيرازي (قدس الله روحه الزكية).

الأب: أية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي (قدس الله سره).

الأم: سيدة عظيمة من بيت كله عظماء.. ولولا ذلك لما أنجبت هؤلاء الكوكبة المباركة من عظماء الإنسانية في هذا العصر.

الولادة: في روابي أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السّلام) وحول حرمه الشريف في النجف الأشرف.. كانت ولادته عام 1354 هـ، في بيت يملؤه العلم.. ويحوطه الحلم.. وتتفجر منه الأخلاق والفضيلة.. في أسرة أخذت بزمام المرجعية الشيعية ما يقارب من قرن ونصف.

نعم.. كما الينابيع في الربيع تتفجر.. كما الشمس تعطي الدفء والغذاء.. كما البدر ينشر نوره والضياء دون عناء.. كما الروح ترفرف في السماء.. وكما الرحمة تنزل من السماء إلى الأكوان والخلائق جميعاً دون أي استحقاق..

هكذا ولد ذاك المولود المبارك.. ذاك العملاق الذي تطاول بذكره فوق الزمن.. وبفكره فوق الأزمان.. فكان بحق أمة بذاته..

فما سمعت باسمه ولا رأيت صورة له.. إلا وأخذني العجب العجاب.. وغاص بي الفكر إلى عمق الزمن.. وارتفع إلى ذرى الأيام.. وقلت: يا ليتهم تركوه لنا..

ويا ليتهم تركوه لنا..

أقف أمام صورته.. تأخذني ابتسامته التي تتدفق بالحب.. وأسرح في عينيه لأقرأ قصص التاريخ المظلم.. وقصص المظلومين أبداً.. من الأنبياء والأوصياء والشهداء والصالحين.. فالحزن بادٍ في عينيه الواسعتان سعة الأفق.. الجميلتان جمال البهاء والضياء..

أقرأ في قسمات وجهه الحزن الرسالي.. والهمّ الكوني.. لأنه كان يتطلع الكون ﻻ للأمة فقط.. وللإنسانية كلها ﻻ للمسلمين.. فهو رجل بحجم الإنسانية ﻻ بصغر الإنسان.. وهكذا يكون - او يجب أن يكون - المسلم والمؤمن الرسالي.. وليتهم تركوا ذاك الرسالي لنا..

وأتطلع إلى عمته السوداء تعلو جبينه الوضّاء.. فأقرأ سرّ الوجود.. وأقف بخشوع وخضوع أمام عظمة واهب الوجود سبحانه وتعالى، وأفكر بما حوته هذه العمامة من عقل جبار.. وإنسانية شاملة.. وفكر نادر.. وعلم موسوعي..

فإنها واسعة وسع الكون.. سوداء سواد الليل.. لولا أن يجلوها نور جبهته اللامع.. وبريق عينيه الحزينتين.. فيشغلك النور والبريق عن السواد الحالك.. فتسرح في جمال الليل تخترقه أنوار البدر وتلتمع به نجوم السماء..

وأتطلع إلى جبهته الشريفة.. فتأخذني أنوار طلعته البهية.. لأسرح في بحر من الضياء.. لأن نوره كان بهياً لامعاً..  لم يستطع الطغاة والجبابرة أن ينظروا إليه.. فسعوا - وبئس ما سعوا إليه - إلى إطفاء ذلك النور وأخيراً أطفئوه..

ولكن نور الله يأبى أن ينطفئ.. ويا ليتهم مسخوا وشلوا قبل أن يقتلوه..

أقول: البحر.. بل هو أعظم..

لأن البحر مياه ورمال وحيوانات.. وفيه ما فيه من بقايا سامة ونفايات، وهو واسع وكبير ومترام الأطراف وبعيد السواحل إلا أنه محدود..

أما الإمام الشهيد فهو بحور من العلم والعمل والأخلاق..

والعلم ليس فيه ما يشين.. بل كل ما فيه خير ونور لأنه من علم الله..

والعمل هو أساس الحضارة الإنسانية على مر الدهور..

والأخلاق هو سر الإنسانية ومخزون تقدمها ومقياس ازدهارها..

والإمام الشهيد.. هبّ بالعلم والعمل والأخلاق ليبني حضارة الكون بقدر ما يمكنه.. ولكن لم يتركوا له الفرصة.. ولو سنحوها له لرأينا منه العجب..

والإمام الشهيد.. كان قمة في الفضائل بعيد المنال، لأنه استقى من بحر الجواد والفضل من آبائه الكرام الذين توارثوا كابراً عن كابر.. إلى أن يصلوا إلى أسها ومعدنها في رسول الإنسانية محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه..

وهو الذي قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[1].

وكفاه قول المولى عزوجل: (وإنك لعلى خلق عظيم)[2].

فأخلاق الشهيد السيد حسن الشيرازي.. شعاع من تلك الشمس الضاحية..

وسمعت.. وكم سمعت عن أخلاقه.. وفضائله.. وحسن شمائله..

حقاً إنه حسن .. فاسم على مسمى.. وسيد وتحق له السيادة..

أما علم سماحة الإمام الشهيد.. فهو أكبر وأجل وأعلى من أن نقيمه نحن لأن أمثاله من العلماء الأعلام يقيمهم من هم أعلم وأعظم منهم أولا أقل أمثالهم.. إلا إنني يمكن أن أقول عنه: موسوعة متكاملة من جميع أطرافها..

ففي الفقه: فهو عالم مجتهد وبلغ الاجتهاد منذ نعومة أظفاره..

وفي الأدب: فهو الأديب اللامع.. والمثقف الجامع لكل نواحي الأدب المعاصر.. شعراً ونثراًُ.. كتابةً ونقداً.. تنظيراً وتوجيهاً وتعليماً.. وله دواوين من أنواع الشعر الحر الحديث.. والملتزم العمودي القديم.. وكلاهما عنده آية من الجمال..

وله كتب: (الأدب الموجه)، (العمل الأدبي)، (التوجيه الديني) وغيرها من الأعمال الأدبية التي تمتاز بحسن العبارة.. ورشاقة الكلمة.. وتوجيه الفكرة.. وإسلامية الطرح.. ورسالية العمل الأدبي ككل..

وفي مجال التفسير فله تجربة رائعة بخواطره عن القرآن الكريم والتي جمعت فيما بعد بثلاثة مجلدات ضخمة.. وكم كان هذا العمل جيداً ومفيداً وفريداً لو تم..

وفي الاقتصاد كذلك.. فله حظ وافر من التنظير والتوجيه الاقتصادي لهذه الأمة وذلك بكتابه: (الاقتصاد الإسلامي).

أما الولاء والولائيات.. فكانت تنبض مع قلبه الكبير حين ينبض ليضخ الدم المبارك في عروقه الشريفة.. وكذلك كان يضخ الولاء والحب لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام) فيطفو ذلك على وجهه بشراً وسحراً أخاذاً.. وعلى لسانه العذب شعراً ونثراً جميلاً.. يمدح الأئمة والرسول (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا سيما أمير النحل وزوجته المطهرة البتول (عليهما السلام)..

فكان له - نتيجة ذلك العلم الغزير والتتبع الدقيق والحب الكبير - (موسوعة الكلمة) والتي تضم ما يقارب 20 كلمة مباركة..

وربما كان يفكر السيد الشهيد (عليه الرحمة والرضوان) بكلمات أخرى يختزنها في فكره الموسوعي.. وقلبه الواسع وسع الحياة.. وضميره الحي حياة الرسالة الإسلامية الخالدة..

وهذا الكتاب هو (كلمة) من تلك (الكلمات) أو قل هو حرف من حروف تلك (الكلمة الجامعة).. جمع فيه ما جاد به الزمان وحفظه التاريخ من أقوال وأحاديث الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا.. عليه وعلى آبائه وأبنائه الأطهار آلاف التحية والثناء..

وعلى (جامع الكلمة) الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) ذاك البطل الذي قضى كل حياته في سبيل الله والحق.. والشرف والكرامة.. حتى ضرجوه في دمه الزكي وأفرغوا عشرات الطلقات في جميع أعضاء جسده الطاهر.. من الرأس حتى أخمص القدمين.. على تراب لبنان الصامد بتاريخ 16 جمادى الثانية 1400 هـ مساء الجمعة في حوالي الساعة السادسة الموافق لـ 2/5/1980 م.

تلك الطلقات قد انطلفت من قلوبهم حقداً وحسداً وبغياً وظلماً وتعنتاً وتجبراً وتكبراً، وكفراً وضلالاً.. قبل أن تنطلق من فوهات بنادقهم ورشاشاتهم اللعينة.. لتستقر وتخرق ذاك الجسد الفاني لذاك العملاق الباقي بقاء الإنسانية..

يبقى يقض مضاجعهم ويدك عروشهم ثائراً.. وعالماً أدبياً وهادياً.. وشهيداً مظلوماً وشاهداً.. يشهد عليهم وعلى أعمالهم الخبيثة.. وعلى الأمة وخنوعها لهم ولأذنابهم وأمثالهم.. وعلى الإنسانية وانسحاقها تحت أقدام الطغاة الجبارين في عصر تضج فيه وتعج الأبواق بحقوق الإنسان.. فهو شاهد على هذا العصر..

وليكون شعلة وضاءة تنير دروب العزةوالكرامة لمن أراد النجاة والسلامة.. وناراً حارقة تلهب ظهور الظلمة وأعوان الظالمين.. إلى أن يقوم داعي الحق.. وساحق الظلم والطغيان.. وناشر العدل والإحسان.. والحب والسلام في جميع أنحاء هذه الكرة الترابية: الإمام الخالد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن (عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف).. وجعلنا من جنده الأوفياء.. ومن المستشهدين بين يديه إنه سميع مجيب الدعاء..

لم نطل الحديث عن السيد الشهيد.. فاسمه يدل على سمته، ونعته يدل على علو همته في كل المجالات.. علماً.. عملاً..

علماً وقد تناولنا شعاعاً من أنواره ولمعاً من أفكاره وأشرنا إليها إشارة.

وعملاً.. فمشاريعه تشهد على عظمة إنجازاته التي تنوعت وتناثرت في أكثر من بلد وأكثر من قارة.. وجميعها ما زالت منائر تبث العلم والقرآن والأدب والدعاء.. والفقه والحديث.. وتربي الأجيال على فضائل ومحاسن الإسلام الحنيف..

من كربلاء العراق.. إلى دمشق الشام وساحله.. إلى بيروت لبنان.. إلى أفريقيا ودولها.. وإلى أكثر من موقع وأكثر من مشروع في كل مكان كان يحل فيه.. فإن وجوده كان بركة.. وجهاده كان موفقاً.. لذلك كان شهيداً..

فللشهيد مكانة ﻻ يبلغها إلا بالشهادة.. وكلمة الإمام الحسين (عليه السّلام) تشهد بذلك.. وعظيم الإنسانية محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).. قبلاً قال: (فوق كل برٍّ برٌّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس بعد ذاك البر بر..)[3].

فسلام على روحك الطاهرة سيدي.. التي ما زلنا نحس بها حتى الآن.. وكأنها ترفرف فوق رؤسنا في عليين..

وسلام على جسك الطاهر سيدي.. الذي اخترقته رصاصات الغدر والكفر.. فافتقدناك بيننا.. وجمعنا الله بك تحت مستقر رحمته..

عفوك سيدي.. أيها الشهيد.

عفوك أيها السيد الجليل..

يا حسن الشمائل والفضائل..

أيها العالم.. العامل..

أيها المجاهد المناضل..

يا عظيم.. ما أقلّ أمثالك في هذه الأمة اليوم.. بل ما أندرهم..

يارائداً.. ما أراد إلا أن تعمّ الرسالة وتكون كلمة الله هي العليا..

ياذائداً.. ذاد عن حمى الإسلام ما استطاع حتى سقط شهيداً..

يارافعاً.. رفع راية الحق فوق الروابي..

.. ورفع راية القلم كسنان من نار في وجه كل ظالم.

ورفع راية الجهاد.. حتى.. ﻻ يبقى على الأرض استعباد..

يا وليداً.. أين ولدت؟

يا فتياً.. اين درجت؟

يا طالباً.. أين تعلمت؟

يا مهاجراً.. ماذا تركت؟ ماذا أخذت؟ وأين توجهت؟

ياثائراً.. ماذا فعلت؟

يا مجاهداً.. لماذا قُتلت؟ ولماذا استشهدت؟

يا شهيداً.. أين قُتلت؟ وأين دفنت؟

يا أديباً.. أين القرطاس والقلم يشهد؟

يا شاعراً.. أين المنابر والمحاجر والحناجر تشهد؟

يافقيهاً.. أين العمائم سوداء وبيضاء تشهد؟

آه.. سيدي..

أيها الشيهد السعيد.. ما أرفعتك وأعلاك وأقربك..

نعم سيدي.. أنت عظيم ما اعظمك، (والعظمة تلامس طيب النفس)[4]، ما أطيب نفسك.. وما أعمق سرك.. وما أعلى فكرك أيها العبقري..

إنك عبقرية نادرة.. (وكما تنبت الأزهار الجميلة الطيبة.. كذلك تنبت العبقريات..)[5]، نعم.. كالنرجس وشقائق النعمان.. كالفل ينبت على أكتاف الغدران.. وروابي الجبال الخضراء دون تكلف أو تصرف إلا من الديان..

تنشر في الوجود عبيرها دون طلب أو امتنان.. ولكن ندعوك لتسبّح خالق الأكوان..

نعم.. هكذا العبقريات تنبت..

وهكذا العظمة تكون.. (فالعظيم ﻻ يفكر في مكان قبره)[6]، ولكن يفكر في مصير رسالته.. وتحقيق أهدافه، وتوحيد كلمة أمته.. تحت راية (ﻻ إله إلا الله.. محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وعلي ولي الله).

هكذا كان السيد الشهيد حسن الشيرازي (رحمه الله)..

كان عبقرياً فريداً..

كان رسالياً مؤمناً..

كان شخصاً أمةً..

كان شهيداً.. شاهداً..

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - مكارم الأخلاق: 8.

[2] - سورة القلم: 4.

[3] - مستدرك الوسائل ج 2 ص 242.

[4] - التجارب والعبر للإمام الشيرازي (دام ظله) مخطوط.

[5] - التجارب والعبر للإمام الشيرازي (دام ظله) مخطوط.

[6] - التجارب والعبر للإمام الشيرازي (دام ظله) مخطوط.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page