وجوه جميلة وضمائر رديئة
«... إذا صار لأهل الزمان وجوه جميلة، وضمائر رديئة، فمَن رآهم أعجبوه، ومَن عاملهم ظلموه»([1]).
إنَّ الله تعالى لا ينظر إلى الوجوه، ولكنّه ينظر إلى القلوب التي في الصدور، ينظر إلى النيّات والسريرة: (وَعَلَى نِيَّاتِكُم تُرْزَقُونَ)([2]).
نعم إنَّ الله جميل ويحبّ الجمال، ولكنّه يبغض النيّات الرديئة، والظلم في المعاملة، وجه جميل، ولسان كاذب، وجه جميل ويد تبطش، وجه جميل وغدر ومكر وتحايل، لا يفرق بين الحلال والحرام، ولا بين الحقّ والباطل.
وقد قيل: الدّين النصيحة، والدّين المعاملة، فإذا كانت المعاملة مبنيّة على الغلب، فبئس المعاملة، والعدوّ يفكر دائماً كيف يخلع النّاس وبالخصوص الإسلام من القيم والأخلاق، فاستطاع عن طريق السياسة والأحزاب بمبادئها المستوردة خصيصاً أن يجرّد النّاس من أخلاقهم ومبادئهم ودينهم، ويلبسهم ثوباً ظاهره ناعم الملمس وباطنه السّم القاتل، وفعلاً أصبح المجتمع يفكّر كيف يغش، وكيف يسرق، وكيف يجمع المال، بغضّ النظر من أين ولماذا، وأنَّه حلال أو حرام، وهؤلاء يعدّون هذه الأعمال من قبيل الشطارة والذكاء، أمَّا: (مَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْرَاً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةِ شَرَّاً يَرَه)([3])، فهذا في قاموسهم غير موجود، وأمَّا: (مَا يَلْفظُ مِنْ قَوْل إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)([4])، فهذا هو الآخر غير موجود، وإن وجد فقليل قليل، فهو إن لم يأتِ الحرام ويكذب وينافق ويرابي ويزني، يعتبر نفسه من الخاسرين، حزيناً كئيباً ذلك اليوم.
وقد جاء في بعض الأخبار أنَّه: «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب»، وهذا يعني أنَّ الظلم والجور قد وصل حدّ لا يُطاق، يحتاج إلى مَن يملأها عدلاً وقسطاً، ونحن بالإنتظار، نرفع يد الضراعة في تعجيل الفرج والعافية لوليّه المهدي
المنتظر (عج).
والحديث جاء في محلّه، وينطبق عليهم قول الله تعالى: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِم لَوَلَّيْتَ مِنْهُم فِرَارَاً وَلَمُلِئتَ مِنْهُم رُعبَاً)([5])، منهم لا يفكّرون إلاّ بالقتل والسحل، وهتك الأعراض، وسرقت أموال الغير والكذب والتحايل، واختلاق الفتن والحروب والمشاحنات لإشغال النّاس بعضهم ببعض، ويصفوا لهم الجوّ حتّى يفعلوا ما يطيب لهم، نعم لهم وجوه جميلة، وأعمال قبيحة، وجوههم وجوه الآدميّين، وقلوبهم قلوب الذئاب، إن حدّثتهم هذا حلال وهذا حرام كذّبوك، وإن ولّيت عنهم اغتابوك، لا يردّ عنهم عن سوء فعالهم رادع، ولا يمنعهم من سوء ما هم عليه مانع، لا ترجو منهم خيراً، وشرّهم على الدوام، ألا ساء ما يفعلون، صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله).
لباسهم لباس البشر، من الحرير والديباج، وفعالهم كالسباع الضارية، لا يبالي إن قتل نفساً أو عشيرة أو قوماً ; همّه بطنه وفرجه، وجيبه رصيده وما يفتخر به ; أحدث سيّارة، قصر منيف، مزرعة واسعة، أمر مطاع، سواء أكان حقّاً أم باطلاً، الكلّ في خدمته، أمَّا إطاعة الله، أمَّا الواجبات والمستحبّات، أمَا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك أكل الدهر عليه وشرب.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) يوم الخلاص، ص: 438، وبشارة الإسلام، ص: 75، وإلزام الناصب، ص: 194.
([2]) حديث شريف.
([3]) الزلزلة / 7 ـ 8.
([4]) ق / 18.
([5]) الكهف / 18.