• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

استعلاء أهل الباطل

استعلاء أهل الباطل

 

 

«ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ»([1]).

على المستوى المحلّي، نجد كلّ منافق وفاسق وفاجر، وكلّ مرابي وشارب للخمر وقد يكون ابن زنا أو ابن حيض تسنَّم مقاليد الزعامة والقيادة والإدارة، لا يعرف للإنسانيّة معنى، ولا يعرف من الإسلام سوى أنَّه مسلم، يتنقّل من حزب إلى حزب ومن جماعة إلى جماعة، وتراه مع مَن غلب على درجة عالية من التقولب كالحرباء التي تتلوّن بلون البيئة، وهو سلاح خطر، تجده مُستعل على النّاس، تقاريره جارية مجرى السيف في رقاب الأبرياء، فضحاياه لا تُعدّ ولا تُحصر ويوماً بعد الآخر يتجبّر ويتبختر على معارفه ومتعلّقيه، لأنَّه من الحزب الفلاني، أو المنتفعين وآخر المتضرّرين، أمَّا أُولئك الذين يسمّون بالحكّام والملوك والأُمراء، فليسوا إلاّ جبابرة نسوا الله فأنساهم ذكره، لا يعرفون سوى ما فيه مصلحتهم، ولو كان ذلك على الأشلاء والجماجم وبرك الدماء، سجونهم عامرة بأهلها الأبرياء، وخيرهم غير مأمول، وشرّهم عمَّ على المجتمع، حوله ذئاب إلاّ أنَّهم في ثياب، بقاؤهم من بقائه، يحكمون أكثر من حكمه، فلا دين ولا يقين بالله، عبيد للأجنبي أُسود على أبناء جلدتهم، يتمرّغون في الملذّات والمحرّمات يسرقون قوت الشعوب، ويهتكون الأعراض ويتفنون ببناء الدور والقصور، ويركبون السيّارات المحاطة بالحفاظة، وهي ضدّ الرصاص، وقوّات الأمن عن اليمين وعن الشمال، ومن بين أيديهم ومن خلفهم، والشعب يئنّ ويرزح تحت نير ظلمهم، مَن تكلَّم قتلوه، ومَن سكت دينه وضميره سلبوه، جوع ومرض وجهل وحاجة، يقولون ما لا يفعلون يقولون بالحريّة والديموقراطيّة والإشتراكيّة والوطنيّة، وهم أعداء الدّاء لها في أعمالهم وتصرّفاتهم هي حريّة الحزب أو المنظّمة أو الجماعة التي منها فرض على النّاس، والديموقراطيّة حكم السجون والمعتقلات والقتل والإغتيالات، والإشتراكيّة هي الإشراكيّة بالله تعالى ومحاربة الدّين والمتديّينين وسلب أموال النّاس وقوت النّاس، فلا اهتمام بالمشاريع ولا اهتمام بالتعليم أو الصحّة، بقدر الإهتمام بالسلاح والعتاد، والجيش وقوّات الأمن ولاإستخبارات والشرطة، والمعارض أمَّا القتل ينتظره وأمَّا المعتقل وأمَّا الفصل أو التهجير والتعذيب في السجون، وهناك من العبّاد والزهّاد يعيشون عيشة الكفاف، حُرموا من أبسط معاني الحياة.

وأمَّا على المستوى العالمي، فالدول التي بنت نفسها وأساطيلها وقواعدها، وامتلكت الأسلحة النوويّة والصواريخ العابرة للقارّات هي التي تفرض وتقرّر وهي التي تمنع وتعطي وهي التي تتلاعب، بمقدّرات الشعوب، وهي صاحبة الفيتو، تفرض ما لها مصلحة وإن كانت ضدّ مصلحة الغير، وهذه إسرائيل التي عاثت في البلاد الفساد بأفكارها الجهنميّة وهي في قلب الدول العربيّة والإسلاميّة، مضى عليها أكثر من نصف قرن وهي تسوم جيرانها سوء العذاب، لأنَّها تمتلك أكبر ترسانة في المنطقة من الأسلحة النوويّة، ولها اقتصاد رصين ولها نظريّة الإستعلاء والإستكبار، دخلت مع العرب عدّة حروب وهي فارضة رأيها وقراراتها على غيرها، ورفضت كلّ الإدانات والقرارات الدوليّة ضدّها وبين الآونة والأُخرى تهدّد وترعد وتزبد، اغتصبت فلسطين من أهلها، وشرّدتهم في البلدان وهدّمت على رؤوسهم الدور والقصور، كلّ هذا باطل جملة وتفصيلاً وهي مستعلية بالقوّة والسّلاح والكيد والمكر والدولار، والعرب في سبات عميق، ولست أدري متى ستخلع العرب أعنّتها، وتخرج العبيد على ساداتها، ليعيش النّاس في أمان؟

نعم أصحاب الفيتو، أصحاب القوّة النوويّة، أصحاب الأساطيل والطائرات، أصحاب الجيوش، المستعمرون الجُدد، أصحاب رؤوس الأموال، والشركات المنتجة للسّلاح، أصحاب القرار، الذين هم وراء تعيين الأُمراء والوزراء ورؤساء الجمهوريّات في العالم، والذين يدعمون الأنظمة الدكتاتوريّة في العالم، الذين لا يؤمنون بمبادي السّماء، لا من اليهود ولا من النصارى ولا من غيرهم، أُولئك هم الباطل الذين لا يعرفون إلاّ مصالحهم ولو كانت على قتل ودمار الشعوب، الذين وراء الشعارات البرّاقة، والكلمات الطنّانة، حقوق الإنسان، حريّة المرأة، وهَرب الهرب، مجلس الأمن وهيئة الأُمم المتّحدة، وما إلى ذلك، أُولئك هم أهل الباطل الذين يفتعلون الحروب والأزمات ومن خلالها يسرقون ويقتلون وينفذون ما يخطّطون، أهل الباطل الذين يحاربون عقيدة السّماء، والمبادي السماويّة، ويطعنون في الكتب السماويّة والأنبياء والمرسلين، أهل الباطل الذين يعيشون على شقاء الشعوب ودماء الأبرياء، أهل الباطل الذين لا يعرفون إلاّ أنفسهم ولا يعرفون الغير إلاّ عبيداً لهم، نعم استعلوا على أهل الحقّ بالصواريخ الموجّهة الحاملة للرؤوس النوويّة، والطائرات المتطوّرة والأسلحة الفتّاكة التي تُبيد البشريّة بدقائق معدودة، استعلوا على أهل الحقّ ; سرقوا المعادن والآثار وقتلوا الصغار والكبار، وقيّدوا الحريّات، ومنعوا الشعوب من التطوّر ومواكبة المسيرة الحضاريّة، ولكن لكلّ أجل كتاب، فإذا جاء وعد الله تعالى جعل بأسهم بينهم، قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضهُم بِبَعْض لَهُدِّمَت صَوَامِعٌ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدٌ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ)([2]).

والغريب في الأمر نجد أنَّ الذي يدّعي الإسلام هو اليد الطولى في ضرب وتخريب الحقّ وأهله ; الأستاذ والدكتور والشريف ظاهراً، هو العون والسند في محاربة الحقّ وأهله، وإنَّ رئيس العشيرة والقبيلة والعامل والفلاّح يُحارب الحقّ وأهله في حين المفروض بهؤلاء أن يكونوا عوناً وسنداً للحقّ وأهله، نعم انقلب المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، وتغيّرت الموازين، وساءت الأُمور حينما ابتعدوا عن الدّين وأركانه، وعن الحقّ وأهله وخرّبوا بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، سُلبت منهم العقول، وفُرَّ الحياء منهم، ونزل الشيطان وفرَّخ في صدورهم، ولم نجد تغييراً في حالهم، غير أنَّهم من سيّء إلى أسوأ، فما عدا ممَّا بدا، ولا غرابة أن نجد الملك والوزير والقاضي والأمير والشرطة والجند كلّ أُولئك عن المعنى الصحيح محرّف.

خصوصاً بعد سقوط الملكيّة في العراق، ومجيء الحكم الجمهوري، ظهرت على السطح أحزاب ومنظّمات بهرت الجماهير بشعاراتها، ولمَّا تكشّفت الحقائق وإذا بها ضدّ كلّ مفهوم إنساني وديني وعقلي ومنطقي، ونحن اليوم نعيش ترسّبات هذه الأحزاب والمنظّمات والمبادي الهدّامة والمستوردة، وأهونها الإستهانة بالدماء وأعظمها نكران الوجود وضرب القيم والمبادي السماويّة عرض الجدار، فاستعلوا وأخذهم الطغيان والجبروت، ونالوا من الحقّ وأهله أيّ منال، فهل من يقظة؟ وهل من عودة إلى الإيمان، إلى الحقّ، إلى الحقيقة؟ بعد كلّ هذه المآسي والآلام ماذا يقول العقلاء؟ وبماذا يجيبون؟ لماذا فضّلتم الغثّ على السمين؟ لماذا فضّلتم الباطل على الحقّ؟ لماذا اتّبعتم الصليبيّة العالميّة والماسونيّة؟ وتركتم المحمّديّة الأصيلة التي أخرجتكم من الظلمات إلى النور، واليوم أهل الباطل يريدون أن يطفئوا نور الله بكم، ولكن يأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.

في كلِّ زمان يكون أهل الباطل أكثر من أهل الحقّ، إلاّ في زمان الحجّة المهدي المنتظر (عج) يكون أهل الحقّ أكثر من أهل الباطل، لكثرة المعاجز والبراهين التي تظهر من الإمام (عج).

ولم يكثر أهل الباطل إلاّ بالباطل، ولم يقلّ الحقّ إلاّ بالباطل، فالباطل هو عكس الحقّ، وهو العادل عن الحقّ والمنحرف عنه، والباطل شيمة الشيطان وأتباع الشيطان، والحقّ شيمة الرحمان وأتباع الرحمان من االأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين ومن المؤمنين الأتقياء الصلحاء.

الباطل يختلف عن الحقّ في كلِّ شيء، وأهل الباطل يتّبعون كلّ الوسائل سواء كانت حقّاً أو باطلاً من أجل تحقيق مصالحهم، وعادة تكون مصالح أهل الباطل غير شريفة وغير مقبولة عقلاً وعرفاً، ومحرّمة شرعاً.

أمَّا أهل الحقّ فلا يتّبعون إلاّ الحقّ، ولا يتّبعون إلاّ ما أحلّه الله وجاء به الأنبياء والمرسلين وارتضاه العقلاء، ومن أجل ذلك جعل الله تعالى لأهل الحقّ الجنّة، ولأهل الباطل النّار.

وما ورد في الدنيا أنَّها جنّة الكافر، يأكل ويشرب ويلبس ويركب ويسكن من غير قيد ولا شرط، وما ورد في الدنيا للمؤمن: «أنَّ القابض على دينه على كالقابض على الجمر»، ومن هذا الجمر ساد أهل الباطل على أهل الحقّ، فتراه سكّيراً كذّاباً ومرابياً، يخادع النّاس ويمكرهم ويتلوّن كالحرباء من غير حياء ولا وخجل، ضابطاً في الأمن والإستخبارات، أو من أعضاء الشغب، أو عضو قيادي، أو ضابط كبير في الجيش، مُطاع تسير الجلاوزة بين يديه وتنفّذ أوامره من غير نقاش: «نفّذ ثمَّ ناقش»، يفعل ما يشاء من غير قانون ولا نظام، لأنَّه هو السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة.

وصاحب الحقّ أعزل لا يخاتل ولا يكذب ولا ينافق ولا يتذلّل، تسوقه الجلاوزة بالهراوات والصوندات، وتذلّه، وتنال منه شتماً ولعناً وسلباً، وفي بعض الأحيان يودع السجن من غير ما جرم أو جريرة، لأنَّه مؤمن، ولأنَّه خارج إطار أهل الباطل ورؤيته توجب النفور وتستوجب العقاب، فأهل الباطل بيدهم السلطة، وأهل الباطل بيدهم المال، وأهل الباطل بيدهم الإعلام، وأمَّا أهل الحقّ فأغلبهم فقراء، لا جاه ولا سلطة ولا إعلام، مبعدون عن الوظائف الحسّاسة وعليهم رقابة، وتحبس عليهم أنفاسهم، فمن أين لهم الدفاع؟ ومن أين لهم أسباب الغلبة وهم بهذا الحال؟ يحسبون للحلال والحرام حساباً ; ويحسبون أنَّهم عليهم رقيباً، وأنَّهم تحت نظر الباري تعالى الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء، ويؤمنون أنَّ الدنيا دار فناء والآخرة دار قرار، وأنَّ المحسن والمطيع في جنّات النعيم، والمسيء والكافر في النّار وبئس القرار.

فلا حاكم بالعدل، ولا دستور ولا قانون وفق ما أنزل الله تعالى، فمن أين يأتي العدل بحيث يأخذ كلّ ذي حقّ حقّه؟ ويرى أهل الباطل أنَّهم على باطل؟

وأهل الحقّ على حقّ لتكون الغلبة لأهل الحقّ على أهل الباطل، نظم علمانيّة وماسونيّة، وصليبيّة، وكلّ أُولئك أعداء الحقّ وأنصار الباطل.

برامج التعليم فارغة من الحقّ والفائدة، والأخلاق الحميدة، الإذاعة والتلفاز، تبثّ المفسدة ليل نهار، والمساجد محرَّمة دخولها، والعلماء في حجز دام، والمعاهد خلوّ من الأطياب والأخيار، والشارع يعجّ بالباطل، فلِمَ لا يتغلّب الباطل على الحقّ؟ والآباء والأُمّهات في شغل شاغل عن التربية والتوجيه، همّهم الكسب وتهيئة لقمة العيش وإشباع الشهوات، ومجارات ما يستحدث في عالم الغرب، الذي يسعى لانحراف الأجيال عن جادّة الصواب، وبه يمكن السيطرة والغلبة.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) روضة الكافي، الكليني، ج 8، ص: 32، دار الأضواء، بيروت.

([2]) الحج / 40.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page