تخلو الكوفة من المؤمنين
قال الإمام الصّادق (عليه السلام): «تخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر العلم عنها كما تأزر الحيّة في حجرها، ثمَّ يظهر في بلدة يُقال لها: قم، وأهلها قائمون مقام الحجّة...»([1]).
قال إمامنا الصّادق (عليه السلام): «تخلو الكوفة»، يريد تخلو النجف الأشرف، لأنَّ النجف تضمّ الحوزة المحروسة، بعلمائها ومراجعها حفظهم الله ورعاهم ورحم الماضين منهم وطلاّبها وفضلاءها، فعلاً خلت لأنَّ العدوّ أشار إلى عميله حزب البعث وصدّام، إنَّ الخطر يكمن في وجود العلم والعلماء وطلبة العلم والفضلاء في هذه المدينة، فقُتلت العلماء، وسُجن الفضلاء وتشرّد المؤمنون في الأقطار، وما كان إلاّ منازلة وحرب صريحة مع الله تعالى، واليوم نرى حزب البعث تطارده الأمريكان، وصدّام وراء القضبان، ينتظر مصيره الأسود في الدنيا قبل الآخرة، ذلك وعد غير مكذوب، نعم خلت النجف من المؤمنين، ولكن ظهرت الحوزة المحروسة في قم المقدّسة، يا لها من معرفة ربّانيّة قبل أكثر من ألف سنة يقولها الإمام الصّادق (عليه السلام)، واليوم قم قمر يضيء، وشمس مشرقة، تنير الدرب للبشريّة، فيا لها من كرامة، ويا لها من علامة، تحقَّقت وعلى أحسن حال.
قم اليوم عين آنية، وجامعة غنيّة يتخرّج منها العلماء والفضلاء، وتُطبع فيها الكتب والمؤلّفات التي تواكب العصر، وبعدّة لغات، بالعربيّة والفارسيّة والأورديّة،وبالإنكليزيّة وبألوف العناوين، وعلى أحسن طباعة وتحقيق وتدقيق، وتقوم بآياتها مقام الحجّة المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه، وعجَّل الله تعالى فرجه الشريف، حيث عشرات الاُلوف من الدارسين والمدرّسين والباحثين والمحقّقين والمراجع والمجتهدين.
قم الكوكب الدرّي في عصرنا الحاضر تمدّ العالم بعشرات الأُلوف من الكتب والبحوث والمقالات، وتحفظ التراث الذي طالما سعى العدوّ على طمس معالمه، فهي تزخر بالمكتبات العامرة.
قم مربض العلماء الأعلام، والمراجع العظام، وقد أنجبت رجل العصر الذي فجّر أعظم ثورة بعد ثورة الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام)، ذلك روح الله الخميني (قدس سره): (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ)([2]).
أرادوا قتل الدّين في قتلهم العلماء والفضلاء في النجف الأشرف، فظهروا على أبهى وأحلى وأحسن وأقوى صورة في قم المقدّسة، يا أعداء الله للدّين ربّ يحميه.
أدخلوا مئات الأشخاص من المخابرات والبعثيّين في الحوزة، وألبسوهم لباس طلبة الحوزة وجعلوا عملاء لهم في دفاتر العلماء يتجسّسون على الطلبة والأساتذة والمراجع، حتّى أنَّهم قتلوا المئات منهم، وأهانوا الحوزة في اعتقال زعيم الحوزة السيّد الخوئي (قدس سره)، ومن قبل قتل السيّد الشهيد محمَّد باقر الصدر وأُخته العلويّة بنت الهدى، صاحب المؤلّفات الفريدة من نوعها، إلاّ أنَّهم نسوا أنَّ الدّين دين الله وأنَّه كفيل بحفظه بعين الرعاية الإلهيّة.
نعم، حوزات للرجال، وحوزات للنّساء، وجامعات ترفد المجتمع الإسلامي بالأساتذة والفضلاء وهي على وفاق والحوزة المؤيّدة والمحروسة برعاية الله تعالى: «وأهلها قائمون مقام الحجّة»، أراد بها (عليه السلام) أهلها المراجع والعلماء والمحقّقين والمؤلّفين مقام الحجّة لبيان ما خفي من الشريعة، واحتاجه المجتمع.
صدق الإمام الصّادق (عليه السلام)، وخلت الكوفة، وظهر العلم في قم المقدّسة، إنَّه علم آبائه، علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو من علم الله تعالى.
صدقت النبوّة والإمامة، وأضيف إلى الشواهد والدلائل شاهداً ودليلاً ملموساً ومحسوساً، فهل من متّعظ؟ وهل من متدبّر للأُمور؟
فالمهدي (عج) حيّ وعلامات ظهوره تتحقّق يوماً بعد يوم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) يوم الخلاص، ص: 416، الطبعة الأُولى، مطبعة نگين.
([2]) آل عمران / 54.