كثرة الهرج
«...ورأيت الهرج قد كثر...»([1]).
الهرج لغةً يعني: القتل، ورأيت الهرج قد كثر، القتل بدواً بأولاد آدم (عليه السلام)، ويبقى قوله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضهُم بِبَعْض...)([2])، وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُم...)([3])، وهناك آيات كثيرة بهذا المعنى.
ولما كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يأمرهم بالقتال، كان المنافقون يحتجّون أنَّ بيوتهم عورة وما هي بعورة؟
وكانوا يحتجّون بأنَّ الحرّ شديد ولا يقوون على القتال في الحرّ، يقول تعالى: (إنَّ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرَّاً)([4])، وكلّ هذا تهرّباً من القتل والإقتتال، لأنَّهم كانوا على النفاق، وكانوا يريدون خذلان الآخرين، ولكنَّ الله تعالى شدّد عليهم وكشف زيف مقولتهم، وأيّد رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) بمَن لا يضرّ به الحرّ والبرد مقبلاً غير مدبر، وكان صاحب لوائه في جميع غزواته تجاوزت الثمانين، والقائل: «لو اجتمعت عليَّ العرب لما أدبرت» أو بهذا المعنى، والذي نادى جبرئيل (عليه السلام) باسمه: «لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار».
والعدوّ أحياناً يشكل على الإسلام أنَّه دين السيف والدم، ولكنّه اشتبه كما اشتبه في إشكالاته الأُخرى، فاليوم لو أُلقيت قنبلة واحدة على مدينة لإبادتها بما فيها، والقنبلة التي أُلقيت على هيروشيما ونكزاكي، أتت على أضعاف أضعاف مَن قُتلوا في جميع الغزوات التي خاضها المسلمون من أوَّل البعثة إلى آخرها.
فكيف إذا وقعت الحرب العالميّة الثالثة، والتي يذهب ضحيّتها أكثر من ثلثي البشر أي بمعدّل أربعة مليارات أو أكثر من البشر، ونقول لمَن أشكل: ما تقول في الحروب التي وقعت في الحرب العالميّة الأُولى؟ والحرب العالميّة الثانية؟ والقتلى الذين سقطوا فيها؟ وما تقول في الحروب التي وقعت بين الكاثوليك والأرتدوكس على مرّ التاريخ؟ وما تقول في الحروب التي وقعت في أوربا بين ملوكها ومَن سقط فيها من المتحاربين؟
نعود لنقول: نعم لقد كثر الهرج، بين الهند والباكستان، وبين اليمَن الشماليّة والجنوبيّة، وبين المغرب وشعب الصحراء، وبين حكومة الجزائر والمعارضة، وبين الجزائر وفرنسا، والتي قدمت فيها الجزائر أكثر من مليون شهيد وقتيل.
وماذا نقول في حرب السويس، وحرب اليهود والعرب، وبين العرب أنفسهم وبين العرب والعجم بين العراق وجمهوريّة الإسلام في إيران، والحرب بين أمريكا وفيتنام، والقتل فيها يصعب حصره وعدّه؟
نعم، كثر القتل بسبب حوادث المرور، وبسبب الزلازل والبراكين والسيول الجارفة والرياح العاصفة، وهيجان البحر وارتفاع مناسيب المياه، وكثرت الأمطار والسيول، وسقطت البيوت على رؤوس أهلها، وكثرت الأمراض والفتن، والعداء المذهبي والديني، وانهيار المناجم على العاملين فيها، وكثر المنتحرون الذين يئسوا من الحياة لقلّة إيمانهم، كثر القتل في السُّراق.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالهرج قد كثر، وهذا الحديث دليل على صدق النبوّة، وعلى صدق الحديث.
وهي علامة من علائم الظهور، ظهور الإمام (عج)، قيلت فتحقّقت ووقعت، وجاء في بعض الأحاديث: «إذا كثر الهرج والمرج»، قيل: يا رسول الله وما الهرج والمرج؟ قال: «القتل والإقتتال».
اللَّهمَّ فعجِّل لوليّك الفرج والعافيّة والنصر، ولو أمعنا في إحصائيّات الإختصاص لوجدنا أنَّ مَن يُقتل في حوادث سرقة البنوك والسطو والتهريب الشيء الكثير، ومصداقاً لما جاء في الحديث الشريف: «ورأيت الهرج قد كثر».
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) روضة الكافي، الكليني، ج 8، ص: 34، دار الأضواء، بيروت.
([2]) الحج / 32.
([3]) البقرة / 216.
([4]) التوبة / 81.
