تولية أصناف النّاس
وفيه عن غيبة النعماني (رحمه الله) بإسناده إلى هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنَّه قال: «ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من النّاس إلاّ قد ولّوا على النّاس حتّى لا يقول قائل: إنَّا لو ولّينا لعدلنا، ثمَّ يقوم القائم بالحقّ والعدل»([1]).
ما يكون هذا الأمر: يعني لا يظهر القائم من آل محمَّد (عج) حتّى لا يبقى صنف من النّاس إلاّ قد ولّوا على النّاس، والمراد بالصنف: الجماعة ذات المصالح المشتركة وتربطهم روابط، ارتضوها لأنفسهم، كأن يكونوا أحزاباً أو. منظّمات، وهؤلاء لهم نظام داخلي يسيرون وفق مواد هذا النظام، وما أكثر الأحزاب والمنظّمات؟
الحزب الشيوعي، والحزب البعثي والحزب الديموقراطي الكردستاني، والإتّحاد الوطني الكردستاني والحزب التوراني وغيرها، كلّ أُولئك جاؤوا إلى الحكم ولم يعدلوا، لا همَّ لهم إلاّ القتل والكذب والتسقيط، وسرقة قوت الشعب، وهتك الأعراض ومحاربة الدّين، وقتل المؤمنين، والسير في ركاب الكافر، لأجل; المناصب والكراسي والمصالح الشخصيّة، والمستفيد الأوَّل هو العدوّ، والخاسر الأوَّل هو الشعب بصورة عامّة، خيرات البلد تسرق علناً، جهاراً ليلاً ونهاراً، والخبراء والعلماء، يُقتلون ويُخطفون.
نعم، لم يبقَ صنف من النّاس لم يرتقوا منبر الحكم إلاّ المستضعفون أصحاب المهدي (عج)، حتّى لا يقول صنف من هذه الأصناف حين يرى عدل المهدي (عليه السلام): إنَّا لو حكمنا لعدلنا ولكان منّا القسط، لأنَّهم حكموا قبل ظهوره (عج) وظلموا.
ملكت بنو أُميّة، وملكت بنو العبّاس، وملك المغول والتتار، وملك الأتراك، وملك الزنوج، وملك الإنكليز، وملك الأمريكان، وملك الأعراب، وملك الأكراد، وملك الأقطاع، وملك اللصوص، وقطّاع الطرق، وملك البرّ، وملك الفاجر، ولگنّهم لم يعدلوا، وإذا أدرك من هؤلاء المهدي (عج) ورأى عدله وقسطه، عجز عن القول: إنِّي إذا حكمت لعدلت، لأنَّه حكم وظلم وطغى وتجبّر، ولم يفكِّر إلاّ في مصالحه، ومصالح أسياده، ولو على حساب الآخرين، واللّطيف في الأمر في هذه الأزمنة ; أنَّ الحكّام يسرقون، ويودعون ما يسرقون في بنوك الأسياد من الإنكليز والأمريكان وسويسرا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول الكفر شرقاً وغرباً، وما يودعون بالملياردات وبالعملة الصعبة، يضطر أن يضعها باسم مستعار، أو برقم سرّي، فإذا مات، أو دُبّر له حادث أودى بحياته، ذهبت هذه المسروقات في حساب البلد، ويعني خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
لذا نجد كثرة القتل والإقتتال، وغلاء الأسعار والزلازل والنكبات والإنقلابات التي تؤدِّي بهذا الحاكم وتأتي بذاك، بحكم هذا الحزب أو ذاك، وتضرب المطارات والمعسكرات، وتقصف الإذاعة وتقطع الطرق وتفرض الأحكام العرفيّة، ويسجن هذا ويعدم ذاك وتقع الخسائر الماديّة والمعنويّة وعلى مدى عقود لم نَرَ حكومة أو حاكماً جاء لخدمة البلد وعمَّ على عهده الأمن والأمان، ليس هذا في العراق وحسب، ولكن في أغلب دول المنطقة، وخصوصاً العربيّة والأفريقيّة، ولذا نرى المستوى المعاشي دون المستوى، والشعوب تعاني من الفقر والجهل والمرض فبين مهاجر وبين مسجون، ومَن ينتظر الموت من مرض عضال، ونكبات الدهر تتوالى وتنزل بما كسبت أيدي النّاس وكما قيل: كيفما تكونوا يولَّ عليكم، اللَّهمَّ فعجِّل لوليّك الفرج والعافية والنصر.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام)، ج 4، ص: 77، دار الغدير.