أقلَّ ما يكون أخ يُوثق به
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أقلّ ما يكون في آخر الزمان أخ يُوثق به أو درهم من حلال»([1]).
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في زماننا تكالبت علينا الأعداء، ونالت منّا أيّ منال، ومزَّقتنا شرّ ممزَّق، وجعلتنا طرائق قدداً، وحبّبت إلينا عيش الترف وسلبتنا أخلاقنا وديننا وألبستنا لباس الذلّ والخوف والجبن، وسيطرت على خيراتنا، وحكّمت علينا الأراذل منّا فسامونا سوء العذاب سجناً وتشريداً وتطريداً، وقتلاً وتجويعاً وترهيباً وترغيباً، والأنكى والأمرّ أنَّها جاءت بالمبادي الهدّامة على شكل أحزاب ومنظّمات لحمتها وسَداها، الكفر والإلحاد، والوجوديّة والطائفية والقوميّة التي لا تتّفق وأبسط المفاهيم الإسلاميّة، وجعلتها في أُطر تكالبت عليها الحمقى! فلا تجد الحزب الواحد متّفقاً يسير على نسق، وإنَّما انشقاق الحزب والأحزاب والتطاحن بشتّى الوسائل، هذا يرفع تقريره على ذاك، وهذا يختال ذاك، وهذا يتربّص الدوائر بذاك لمجرّد أن يعرف قبوله أو انتمائه.
فإن لم تكن في هذا الحزب أو ذاك، لا ترى ولا تحظى بلقمة العيش إلاّ بشقّ الأنفس، وتكون مذموماً ملوماً محارباً مسجوناً أو في عداد الأعداء، فكَم ذهبت أُناس أبرياء في هذا الطريق، وكَم اختلف الآباء والأبناء، وكَم كانت الأخوة سبباً في شقاء الإخوان،للصعود على الأكتاف، وطمعاً في نيل رضى المسؤول أو الحزب أو المنظمة.
قليل هم الأخوة في الله، وقليل هم الذين لم ينتموا، ولم يخوضوا هذه المعمعة، أُولئك الذين ارتضوا رضى الله تعالى على رضى أهل الدنيا، فتحمّلوا التعذيب، والسجون، وضنك العيش، قليل اليوم مَن تثق به في الله، أُولئك هم الأندر فالأندر، كالكبريت الأحمر، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنيئاً للصابرين في البأساء والضرّاء.
أو درهم من حلال: في زماننا هذا تداخلت الدراهم، وارتقت المنابر أحرار وعبدان، فلا زكاة، لأنَّ الزكاة أصبحت مغرماً، ولا خمس، بل تعامل بالربا، وتحليل للفوائد، وتعريف الرشوة بالهديّة، والكذب والخداع وتلاعب بالميزان، وتكالب على جمع المال، وعدم إعطاء الفقير والمسكين واليتيم حقّه، لا بل التسابق في أكل حقوق هؤلاء بتعاريف ومصطلحات، القويّ يأكل الضعيف، فتداخلت الدراهم، الحلال بالحرام، وكثرت الشبهات.
فجاءت لقمة الحرام، وكانت نطفة الحرام، وجاء الولد غيضاً مشوّهاً ناقماً، مجرماً معتاداً يتمنّى موت أُمّه وأبيه، حتّى يضع يده على أموال أجنبيّة، اللَّهمَّ عفوك ورضاك، وفّقنا لمراضيك، جنّبنا معاصيك، ثبّتنا على دينك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنَّك أنت الوهّاب.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام)، ج 4، ص: 179، وإلزام الناصب، ج 2، ص: 187.