زمان كثرة الآراء
وفيه عن المجلسي، عن صاحب الفتوحات المكيّة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يأتي على أُمّتي زمان تكثر فيه الآراء، وتتبع فيه الأهواء»([1]).
كثرة الآراء: جمع الرأي، وهو ما اعتقده الإنسان وارتآه، تقول: رأيي كذا، أيّ بصحة ما اختاره وارتآه، إنَّه مصيب في تدبيره فيتَّبع الآراء.
وتتبع فيه الأهواء: أي ما تهواه أنفسهم وتشتهيه، وإن كان حراماً شرعاً.
نعم كثرة الآراء الشرقيّة، والآراء الغربيّة، والآراء المحليّة التي تسير في ركاب الشرقيّة والغربيّة، فالشيوعيّة، والماركسيّة، والإشتراكيّة الرشيدة والمجيدة، والديموقراطيّة، والوطنيّة، والحريّة والوحدة كلّ ذلك مجتمعاً يُراد به السلب والنهب والقتل وهتك الأعراض والخروج على القيم والأعراف، ومحاربة الدّين والمؤمنين، ووسيلة لطاعة الأجنبي، وفرض آراء الأجنبي على الأُمّة، وما نراه اليوم من كثرّة الآراء والأهواء هو السبب في هذه المآسي والآلام، وما يعيشه النّاس من ظلم وظلام وتناحر وتقاتل وإلاّ فالإسلام يقول: (إنَّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُم)([2])، والإسلام يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا)([3])، فبعدنا عن الإسلام سبب الضعف فينا، والقوّة في أعدائنا، لماذا لا نرى واقعاً صحيحاً لوحدة الرأي؟ ولماذا لا نرى استقراراً وهدوءاً للأوضاع؟ فالكلّ يحسب الحساب لنفسه: كيف يسرق؟ وكيف يقتل منافيه؟ حتّى يحلَّ محلّه، لأنَّه يعرف مصيره سلفاً، ولماذا لا نرى مثل هذه الأحزاب المتناحرة في دول الغرب والشرق؟ لأنَّهم يحسبون الحساب للمستقبل البعيد، كما يحسبون الحساب للمستقبل القريب.
إنَّ الآراء والأهواء المستوردة، ما هي إلاّ سموم قاتلة في كبسولات عسليّة، وها قد مضت أجيال على هذه الحال، ولم يتغيّر الحال إلاّ سوءاً، ومن سيء إلى أسوأ! وسنبقى هكذا إلى أن نعود إلى ديننا ومبادئنا، ونتخلّق بأخلاق نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، وأخلاق ومبادي أئمّتنا الأبرار، وعلمائنا الأخيار.
جاء الحزب الشيوعي بآرائه، الضاربة لمبادي السَّماء عرض الجدار، وانشغل بالسلب والنهب والقتل والسَّحل وهتك الأعراض، وقتل الروح الإسلاميّة والعلماء والفضلاء وتمزيق المجتمع الإسلامي.
وجاءت حملة الرأي القومي، وكان التجبّر والتعنّت للقوميّة العربيّة، فخسرنا القوميّات الأُخرى، وأخذت هي الأُخرى تتجبّر وتتعنّت، وكان القتل وسفك الدماء وكانت حرق البُنية التحتيّة للبلاد والعباد، وإعدام حملة الفكر والعلماء من العرب ومن القوميّات الأُخرى، وكان الجيش منشغلاً، تارة في حرب الشمال حيث الأخوة الأكراد، وأُخرى الأخوة الشيعة، وثالثة محاربة الأخوة التركمان، ويسود اليهود والنصارى على البلاد، وأُمور البلاد تسير من سيء إلى أسوأ، لا أمان ولا عدل ; غلاء في الأسعار وتردي الأحوال الإقتصاديّة والإجتماعيّة والثقافيّة.
وجاء حملة الرأي البعثي الماسوني الصليبي، وجاءت المآسي والحروب، وجاء القتل على الظنّ والشبهة، وجاءت السجون والمعتقلات، وحملة لقتل العلماء والأشراف، ورفع الوضيع والخسيس، وأصبح الأمر بيد الزناة وأولاد الزناة، والفسقة ومَن لا دين له، من حرب طاحنة إلى أُخرى مبيدة، أكلت الرجال ورمّلت النّساء، وكانت طوابير الأيتام والفقراء والمعوّقين، فتردت أحوال المجتمع العراقي، فبين مسَفَّر ومهَجَّر، وبين معدوم وسجين، أيادي عاطلة، وهكذا!
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام)، ج 2، ص: 458، دار الغدير.
([2]) الحجرات / 13.
([3]) آل عمران / 103.