اختلاف الشام
عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إذا سمعتم باختلاف الشام فيما بينهم فالهرب من الشام، فإنَّ القتل بها والفتنة...»([1]).
الشام كان يُطلق سابقاً على سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وغزّة، واليوم من الناحية الجغرافيّة لا يُطلق إلاّ على سوريا، وحتّى الجولان اقتُطعت من سوريا وأصبحت تحت النفوذ الإسرائيلي، وهذا أوَّل الإختلاف، فالأردن مملكة، وأمَّا لبنان المنقسم حقيقة إلى المسلمين الشيعة والسُّنة، والمسيحيّين المنقسمين على أنفسهم، وقد وقعت بين هذه الأطراف الاختلافات المذهبيّة والدينيّة والسياسيّة،بفعل دسائس العدوّ، وقد تعرّضت لبنان إلى الغزو الإسرائيلي لأكثر من مرَّة، ولا زالت مزارع شبعة اللّبنانيّة تحت النفوذ الإسرائيلي، وسُفكت دماء ودُمرَّت قرى لبنانيّة وخاصّة في الجنوب، ولكن بفعل ضربات المقاومة اللّبنانيّة والشيعيّة بالخصوص انكسرت هيبة الماريز الأمريكي والجيش الإسرائيلي.
وعلى ما هو من العدّة والعدد والسلاح والعتاد انسحب الجيش الإسرائيلي والميليشيات العميلة لإسرائيل بقيادة جورج لحد من الجنوب، تلاحقهم صواريخ الكاتيوشا، وإلى غير رجعة، بعد أن تركوا السلاح والمعدّات والقتلى في ساحة المعارك، والخلاف لا زال قائماً على مزارع شبعة في الجنوب، وأصابع اليهود لا زالت تعمل في ميادين شتّى للإيقاع بين الفصائل اللّبنانيّة الدينيّة والسياسيّة والمذهبيّة، والخلاف باق إلاّ أنَّه لا يخدم سوى مصالح إسرائيل، والمقاومة في الجنوب تتقوّى وتترسّخ يوماً بعد آخر،...
وأمَّا فلسطين الجريحة التي مضى على نزيف الدم نصف قرن فيها، فهي الأُخرى منقسمة على نفسها أحزاب ومنظّمات متناحرة على السلطة، أو مختلفة عقائديّاً، ولسوء الحالة المعاشيّة فيها يجد المراقب هناك الكثير الذين باعوا ضمائرهم للعدوّ الظالم المغتصب لقاء دريهمات، كانوا وراء اغتيال قادة المنظّمات والمجاهدين، وبثّ الفرقة بين الفصائل المحاربة، ولكن بفضل الضربات الموجعة أجبر العدوّ على الإنسحاب من غزّة، ولم يبقَ إلاّ بالضفّة والقدس، وقد قرب زمان تحريرها من العدوّ والغاصب لها، ومنذ أكثر من نصف قرن مضى.
إذن وقع الإختلاف في الشام جغرافيّاً وسياسيّاً وعقائديّاً ومنذ زمن طويل، وترك الشام الكثير من فلسطين ولبنان وسوريا إلى مختلف البلدان شرقاً وغرباً طواعية وكرهاً، بفعل الأحداث التي وقعت والحروب التي خاضتها إسرائيل مع العرب منذ سنة (1948 م) إلى يومنا هذا، وهناك من المشاكل العالقة بين العرب وإسرائيل مشكلة عودة المهاجرين من فلسطين إلى بلادهم، وهم أعداد كبيرة تكون نسبيّاً في اختلال التوازن السكّاني بين إسرائيل والعرب، وهذا ما لا ترضاه إسرائيل لنفسها، ولكنها تفتح باب الهجرة إليها من يهود العالم على مصراعيه وهذا هو منطق القوّة التي تعاب عليها.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بشارة الإسلام، ص: 109، عن البحار.