إذلال الشرفاء
«إذلال رجال السلطة النّاس الشرفاء والمحترمين»([1]).
إنَّ الذي ينظر إلى الأحداث يجد أنَّ الصراع بين الحقّ والباطل على قدم وساق وإنَّ أهل الحقّ لا يتبعون الأساليب الملتوية في التعامل مع النّاس سواء أكانوا من أهل الحقّ أم من أهل الباطل، لأنَّ أخلاقهم لا تسمح بذلك، وإنَّ عقيدتهم التي عليها لا تسمح بذلك.
يقول تبارك وتعالى: (وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أحْسَنُ)([2])، ويقول: (فَإذا الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)([3])، وأهل الحقّ يحسبون حساب: (مَا يَلفظُ مِنْ قَوْل إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)([4])، فهم لا يقولون جزافاً، لأنَّ هناك مَن يراقب ويسجِّل ما يُلفظ، وأنَّ هناك يوماً تنشر فيه هذه الأقوال وترى هذه الأعمال، فأين المهرب؟ (فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيْشَة رَاضِيَة)([5])، نعم مَن كثرت حسناته ثقلت موازينه وبالنتيجة فهو في عيشة راضية وجنّة عالية قطوفها دانية لا يُسمع فيها لغواً، وأمَّا أهل الباطل الذين لم يفكّروا بالحسنات والطيّبات، ولم يحسبوا أنَّ أعمالهم ستكون عليهم حسرات أولئك: (وَأمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ)([6])، نعم مَن قلَّت أو انعدمت حسناته، وعرضت عليه أعماله فهو يومئذ في حسرة، وندامة يُلقى به في جهنَّم ملوماً محسوراً.
ولما لم نجد في التاريخ سلطة إسلاميّة حقّة، مخلصة، نظيفة ; حاكم عادل ونزيه، ووزراء وعمّال مخلصون يخافون الله في السرِّ والعلانية نجد الظلم والإعتداء وإذلال الشرفاء والمحترمين، أولئك الذين لا يرضون بالباطل، ولا يعملون الخبائث.
فرجال السلطة الظالمة هذا شأنهم، وهذا ديدنهم، ظنّاً منهم أنَّهم على حقّ ولكنَّهم على باطل، يذلّون الشرفاء، ويأتون المنكرات لإرساء قواعد الحكم والبقاء أكثر فأكثر، فالشرفاء لا يبيعون ضمائرهم بثمن بخس، وهؤلاء يشكّلون في نظر السلطات الظالمة خطراً، وإذلالهم واجب حتمي، متناسين: «اتّقوا دعوة المظلوم فإنَّها تخرق الحجب»، والحال أنَّ الدعاء سلاح المؤمن والمؤمن من الشرفاء، والذي رأيناه رأي العين وسمعناه سمع الأُذن: «ضعوا الشرفاء، وارفعوا الوضعاء»، هذا من بنود ومتطلّبات الحكومات الماضية، متناسين أنَّ الله تعالى: «يُمهل ولا يُهمل»، وإنَّ الله تعالى يقول: (إنَّمَا نُمْلِي لَهُم لِيَزْدَادُوا إثْمَاً)([7]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام)، ج 6، ص: 232، الطبعة الجديدة.
([2]) النحل / 125.
([3]) فصّلت / 34.
([4])ق / 18.
([5]) القارعة / 6، 7.
([6]) القارعة / 8، 9.
([7]) آل عمران / 178.