بغداد
ها هو المعصوم يتكلَّم عن بغداد قبل بنائها.
ويتكلَّم عن الزوراء، وما يقع فيها من الأُمور العظام.
يتكلَّم عن جسور بغداد، وانعقادها، وهي بعد لم تكن عاصمة العراق ; قرية صغيرة.
يتكلَّم عن بغداد، وخرابها، بعد عمارتها، وما يقع فيها من موت ذريع بفعل ما نراه.
كلّ ذلك دليل على أنَّه عالم لا يجاريه عالم من البشر، إنَّه ينظر بنور الله تعالى.
وعن بغداد جاء في المجلّد التاسع من البحار: عن المفضل بن عمر عن الصّادق (عليه السلام) قال: سألته عن بغداد كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟
قال (عليه السلام): «في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء ـ وفي نسخة تركبها الجماء ـ فالويل لها ولمَن بها كلّ الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومَن بجنب الجزيرة، ومن الرايات التي تشير إليها من كلِّ قريب وبعيد والله لينزلنَّ بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلاّ بالسيف»([1]).
بغداد عاصمة العراق بين دجلة والفرات، ويشقها دجلة إلى الكرخ والرصافة، بناها أبو جعفر المعروف بالدوانيقي، أيّ البخيل عمرت، وخربت على عهد هولاكو وجنكيز خان، واليوم في طريقها إلى الخراب، والخراب يعني خراب العمران فيها من دور وقصور وعمارات، وحدائق وشوارع ودوائر وموسّسات، والخراب يعني أنَّ أهلها يتركونها أو أنَّهم يتعرّضون إلى القتل من جرّاء القصف والمواجهة للقوى المتعدّدة، أو يُخسف جانب منها، فالصواريخ وقذائف المدافع، السيّارات المفخّخة وأعمال القتل والإختطاف وإهمالها لعدم وجود مَن يفكّر في نظافتها وإحياء المرافق الخدميّة فيها من ماء وكهرباء وغاز وما إلى ذلك، فالنّاس فيها لايأمنون على أنفسهم، ومع أنَّ دجلة تشقّ بغداد نصفين فماء الشرب فيها لا يسدّ الحاجة، لأنَّ يد التخريب تمتدّ إلى مشروع إسالة الماء بين الحين والآخر، ويد ديمومة إسالة الماء الصافي والمعقَّم بعيدة لضعف السلطة، ومع وجود مشروع الكهرباء الوطني إلاّ أنَّ أهل بغداد في ظلام دامس، لولا المولّدات المحليّة، وتقاطر المخرّبين الذي ضُربت مصالحهم إلى جانب أولئك الذين كانوا يحكمون العراق من الحزبين وأصحاب المراتب والنفوذ، نعم ومَن له مصلحة في بقاء الجيوش الأجنبيّة في العراق لينزلن بها من صنوف العذاب والخراب ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على بال أحد حتّى يقول المارّ بها: هاهنا كانت بغداد، وذلك بما كسبت أيدي النّاس، من تفانيهم بالمال والأنفس والأولاد في بقاء ودوام حكم العفالقة هذه العقود السود وتأييدهم لحزب البعث والأحزاب العلمانيّة: كالحزب الشيوعي والحركة القوميّة المبطنة، التي تحارب الدّين والتقدّم والحضارة في العراق والدول العربيّة والإسلاميّة، ولو أردنا الوقوف على حقيقة العراق وغيره من الدول العربيّة والإسلاميّة نجدها بالنسبة إلى الدول الأوروبيّة متأخّرة مئات السنين، مع أنَّها تمتاز بالكفاءات والعقول المفكّرة، وتمتاز بالمعادن كالنفط وخامات الحديد والنحاس والذهب والزئبق واليورانيوم، والمياه والتربة الصالحة للزراعة والمشاريع الحيوانيّة والإنتاجيّة، إلاّ أنَّنا نرى العراق وغيره يعتمد على الإستيراد، والبنية التحتيّة فيه انهارت أو كادت، في حين نرى اسرائيل على صغر مساحتها وقلّة مواردها استطاعت أن تبني نفسها بحيث تهدِّد الدول العربيّة والإسلاميّة، وتصدِّر منتجاتها، مع أنَّها دخلت عدّة حروب ولا زالت المقاومة في فلسطين ومنذ أكثر من خمسة عقود، ترهق هذا الكيان، إنَ دوام حكم العفالقة في العراق هو السبب الرئيسي في تأخّر العراق، وما يعانيه أهل العراق وخاصّة بغداد من الخوف والقلق ومتى ما شعر النّاس أنَّه السبب في ذلك عملوا جاهدين لاجتثاث هذه الغدّة السرطانيّة من العراق ليشعروا بالأمن والإطمئنان.
يا أهل العراق إنَّ هذه الحالة من الحرب واللاّحرب قبلاً واليوم ومستقبلاً هو وجود هذه الأحزاب والمنظّمات، فاعملوا على الحدِّ من تصرفاتها بسحب الثقة منهم لأنَّهم أوَّل المنتفعين وآخر المتضرّرين، ولا يهم عندهم مَن مات أو يموت، ومَن عاش في خوف وقلق، وإذا قيل الزوراء، فزوراء العرب بغداد، وزوراء العجم الري (طهران)، وزوراء يعني المستديرة، وجاء في الحديث: «حتّى يمرّ المارّ فيقول: كانت هاهنا الزوراء، أو بغداد»، وفي رواية أنَّ عاليها يكون سافلها والله أعلم.
مع وجود هذه الأسلحة الثقيلة، ومع وجود المنتفعين، ومع وجود مَن ضُربت مصالحهم وخرجت من أيديهم تلك المنافع التي كانوا فيها لا يهمّهم سواء بقيت بغداد عامرة أو أنَّ عاليها يكون سافلها، لأنَّهم تجّار حروب، والعقود السود التي مضت وتركت هذه الأعباء والمصاعب عندهم قليل من كثير ممَا يجب لأجل العودة.
ولكن نقول: هي مقدّمات الظهور، والعودة إلى الله ودين الله وأخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هو الكفيل بتغيير الحال من سوء الحال إلى أحسن حال.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بيان الأئمّة (عليهم السلام)، ج 1، ص: 220، الطبعة الجديدة المنقّحة، دار الغدير، قم.