رغم ابتعاد الإمام الباقر ، ومن قبله أبوه الإمام السجّاد عليهماالسلام ، عن كل ما يمت بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها ، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة للسلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء ، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الأبناء عن الآباء من رجالات السلطة ، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النشاط الذي يمارسه عليها ، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة ، التي تكنّ له التبجيل والاحترام ، فعملت السلطة على تصفيته جسدياً ، ولجأت إلى سلاحها المعهود فاغتالته بالسم في زمان هشام بن عبد الملك ، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر عليهالسلام ولأهل بيته (1). ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته.
ومهما يكن فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض ، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر عليهالسلام استُشهد مسموماً كأبيه ، ولم تذكر الذي باشر ذلك ، في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه ، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه (2).
غير أنّ هناك رواية طويلة لأبي بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليهالسلام ، جاء فيها أنّ سبب إقدام السلطة على قتل الإمام عليهالسلام هو وشاية زيد بن الحسن إلى عبد الملك بن مروان ، وأنّه قال له حين دخل عليه : أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه ، وأنّ عنده سلاح رسول اللّه وسيفه ودرعه وخاتمه وعصاه وترِكته ، مما أثار حفيظة عبد الملك بن مروان ، وذلك لأنّ زيداً خاصم الإمام الباقر عليهالسلام في ميراث رسول اللّه إلى القاضي ، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بسرج إلى الإمام الباقر عليهالسلام ، فلما أسرج له نزل متورّماً ، وعاش ثلاثاً ، ثم مضى إلى كرامة ربّه (3).
وتقدّم أنّ الرواية تذكر الأحداث في زمان عبد الملك ، ولا يصحّ إلاّ بافتراض السقط والتحريف ، لتكون أجواء الرواية في أيام هشام بن عبد الملك.
وممّا يدلّ على إصرار هشام على قتل الإمام عليهالسلام ، أنّه كتب إلى عامل المدينة بعد أن أشخص الإمام مع ولده الصادق عليهماالسلام أن يحتال في سمّ أبي جعفر عليهالسلام عند عودته في طعام أو شراب ، فلم يتهيّأ له شيء من ذلك (4).
قال الشاعر :
هلم بنا نبكي على باقر العلم سليل النبي المصطفى الأُمّي
على لذّة العيش العفا بعد ما قضى شهيداً بلا ذنب أتاه ولا جرم
له طول حزني ما حييت وحرقتي ونوحي ولو أنّ البكا قد برى عظمي
سقاه على رغم الوقى السمّ خفية هشام ردي الأب والجدّ والأُم
عليه من الرحمن لعن مؤبّد بما سرّ من بغي وما سنّ من ظلم (5)
__________________
(1) الهداية الكبرى : ٢٣٧.
(2) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩. دلائل الإمامة : ٢١٥ و ٢١٦ ، نور الأبصار : ١٩٥ ، الصواعق المحرقة : ٢٠١ ، اسعاف الراغبين : ٢٥٤ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٢ ، أحسن القصص / الشريف علي فكري ٤ : ٢٧٢ ، الفصول المهمة : ٢٢٢ ، بحار الانوار ٤٦ : ٢١٧ / ١٩ ، التتمة : ٩٦.
(3) الثاقب في المناقب : ٣٨٩ ، الصراط المستقيم : ١٨٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٢٩ / ١٢.
(4) دلائل الإمامة : ٢٤٠.
(5) وفيات الأئمة : ٢١٠.
شهادته عليهالسلام
- الزيارات: 1479