سألت العالم عليه السلام : أجبر الله العباد على المعاصي ؟
فقال : الله أعدل من ذلك 1.
فقلت له : ففوض إليهم ؟
فقال : هو أعز من ذلك.
فقلت له : فتصف لنا المنزلة بين المنزلين ؟
فقال : أجبر هو الكره ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ لم يُكره على معصيته ، وإنما لجبر أن يجبر الرجل على ما يَكْره وعلى ما لا يشتهي ، كالرجل يغلب على أن يضرب أو يقطع يده ، أو يؤخذ ماله ، أو يغضب على حرمته ، أو من كانت له قوة ومنعة فقهر ، وأما من أتى إلى أمر طائعاً محباً له ، يعطي عليه ماله لينال شهوة ، فليس ذلك بجبر ، إنما الجبر من أكرهه عليه ، أو أغضبه حتى فعل ما لا يريد ولا يشتهيه ، وذلك أن الله ـ تبارك تعالى ـ لم يجعل له هوى ولا شهوة ولا محبة ولا مشيئة ، إلا فيما علم أن كان منهم ، وإنما يجزون في علمه وقضائه وقدره ، على الذي في علمه وكتابة السابق فيهم قبل خلقهم ، الذي علم أنه غير كائن منهم ، هو الذي لم يجعل لهم فيه شهوة ولا إرادة.
وأروي عن العالم عليه السلام ، أنه قال : منزلة بين منزلتين في المعاصي وسائر الأشياء ، فالله ـ جل وعز ـ الفاعل لها ، والقاضي ، والمقدر ، والمدبر.
وقد أروي أنه قال : لا يكون المؤمن مؤمنا حقاً ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه 2.
وأروي عن العالم عليه السلام ، أنه قال : مساكين القدرية ، أرادوا أن يصفوا الله ـ عزوجل ـ بعدله ، فأخرجوه من قدرته وسلطانه 3.
وروي : لو أراد الله ـ سبحانه ـ أن لا يعصى ، ما خلق الله إبليس.
وأروي أن رجلاً سأل العالم عليه السلام : أكلف الله العباد مالا يطيقون ؟ فقال : كلف الله جميع الخلف مالا يطيقونه ، إن لم يعنهم عليه ، فإن أعانهم عليه أطاقوه ، قال الله ـ جل وعز ـ لنبيه صلى الله عليه وآله ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) 4.
قلت : ورويت عن العالم عليه السلام ، أنه قال : القدر والعمل ، بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير الجسد لايتحرك ولايرى ، والجسد بغير الروح صورة لا حراك له ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا وحسنا وملحا ، كذلك القدر والعمل ، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل ، لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر ، لم يمض ولم يتم ولكن باجتماعها قويا وصلحا ، ولله فيه العون لعباده الصالحين 5.
ثم تلا هذه الاية ( وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) 6 الاية ثم قال العالم عليه السلام : وجدت ابن ادم بين الله وبين الشيطان ، فإن أحبه الله ـ تقدست أسماؤه ـ خلصه واستخلصه ، وإلا خلى بينه وبين عدوه.
وقيل للعالم عليه السلام : إن بعض أصحابنا يقولون بالجبر ، وبعضهم يقولون بالإستطاعة ، قال فأمر أن يكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله عزوجل : يا بني آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوتي أديت فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، خلقتك سميعاً بصيراً ما أصابك من حسنة فمني ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك بذنوبك ومعاصيك ، وذلك أني أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، لا أسال عما أفعل وهم يسألون.
ثم قال عليه السلام : قد بينت لك كل شيء تريده 7.
__________________
1 ـ التوحيد : ٣٦٢ / ١٠ باختلاف يسير.
2 ـ الكافي ٢ : ٤٨ / ٤ و ٧ ، مشكاه الأنوار : ١٢ ، شهاب الأخبار : ١٠٩ / ٥٩٦ باختلاف يسير من « لايكون المؤمن مؤمناً ... ».
3 ـ ورد باختلاف في ألفاظه في التوحيد : ٣٨٢ / ٢٩.
4 ـ النحل ١٦ : ١٢٧.
5 ـ التوحيد : ٣٦٦ / ٤ ، مختصر بصائر الدرجات : ١٣٧ باختلاف يسير من « القدر والعمل ... ».
6 ـ الحجرات ٤٩ / ٧.
7 ـ الكافي ١ : ١٢٢ / ١٢ ، التوحيد : ٣٣٨ / ٦ باختلاف يسير. من « وقيل للعالم عليه السلام : ان بعض أصحابنا ... ».