• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

داود والفتنــة

داود والفتنــة

كان "أوريا بن حنان" من خيرة فتيان بني إسرائيل الصالحين.
فلما تاقت نفسُه للزواج، وجد في "سابغ بنت شائع" ضالّته المنشودة.
إنها على اوفر قسطٍ من الجمال والكمال والملاحة والصَّباحة، في فتيات بني إسرائيل. فطار إلى أهلها يخطُبها إليهم، فأجابوه مرحِّبين. وتوثَّقت بينهم وبين الفتى الوسيمِ وشائجُ (أي: روابط) قربى، وأواصرُ نسب.
ودعا داعي الجهاد. فهبَّ "أوريا" منخرطاً في صفوف الجند. وتقاذفتهُ المعاركُ من أرضٍ إلى إرضٍ. ومن ميدانٍ إلى ميدان. ومرَّت عليه، وهو يتنقَّل مقاتلاً، مجاهداً، بضعُ سنين. وقد أبلى في سبيل الله أحسن البلاء!..
وكان يمنِّي نفسه أن يمنَّ الله عليه بالعودة إلى أهله سالماً فيقضي حياته مع شريكةِ عمره، بسعادةٍ ونعيم!.
وفي إحدى المناسبات، وقع نظرُ داود على "سابغ"، فوقعت في نفسِه، وهامَ بها حبّاً!. لقد خلبَ لبَّه جمالُها الآسرُ الطاغي. وليس بين أزواجِه، وهن عشرات، يمتلئُ بهنَّ قصرهُ الرحيب، كسابغٍ جمالاً وحسناً، ووضاءة وجهٍ، ولألاء ابتسامةٍ!..
فتقدّم من أهلها يطلبها إليهم زوجاً له، تنزل في قصره على بحبوحةِ نعماء، وثراء.. فأسرعوا إلى تحقيق رغبة ما يبتغيهِ نبي الله، ومليكهم العظيم.
وأصبحت "سابغ" زوجَ داود الأثيرةَ عنده. وذاتَ الحُظوةِ، والَّدلِّ، والدَّالَّة، والشأن الرفيع. فقَّرِّ داودُ بها عيناً.
وكان داودُ، الملك - النبيُّ، يقسمُ وقتَه أرباعاً:
- فربعٌ لنفسه: يأخذ حظَّه من نعيم الدنيا، ومما آتاه الله من واسع الفضل، وعريض السلطان،...
- وربع لعبادة ربه: يتهجَّد، ويتعبَّد، فهو أمام مولاه جبّار السموات والأرضين، عبدٌ مسكينٌ مستكينٌ.
- وربعٌ للفصل بين الناس، والقضاء في ماهم فيه يختصمون، وللعدل أن يأخذ مجراه.
- وربع أخيرٌ لبني قومه، يعظهُم، ويُرشدهم إلى سواءِ الصِّراط!.
وكان على بابه جندٌ وحرسٌ. فداود قد أخذ نفسَهُ بنظامٍ، تعارف عليه، أيّامذاك، كلُّ الناس. فلكلِّ شئٍ إبّان! (أي: لكلٍ وقته).
وبينما كان نبي الله داود منصرفاً في قصره، إلى بعض شؤونه، وإذ برجلين قد انتصبا أمامه وكأنّهما هبط عليه من السماء. وسألهما داود عما يبغيان. فصرَّحا بأنّهما أتيا، مختصمين، إليه، فيحكُم بينهما بالعدل، دون شططٍ، ولا إسرافٍ!..
وتلفَّت داود حوله، فمن أين دخل الرجلان؟ وكيف غفلت عنهما أعينُ الحُرّاس؟.. فاحتكام الخصوم ليس هذا وقتُه. وابتلع ريقه بعد أن لم يجد بداً من الفصل في ماهما فيه مختلفان!..
قال أحدُهما: {إن هذا أخي له تسعٌ وتسعونَ نعجةً، ولي نعجة واحدة}- والعرب تكني عن المرأة بالنّعجة، فكأنه يقول، كما يراه بعض المفسِّرين، إن لأخي تسعاً وتسعين امرأة ولي أمرأةٌ واحدة- فما زال يغالبني في حجته وبيانه، ومنطقه وبرهانه، حتى غلبني، فأخذها مني.
فالتفت داود، نافراً مما يسمع، إلى الرجل الآخر، مستوضحاً
- أحقاً مايقول خصمُك؟
ويجيبُ الرجل: أجل، ياسيدي!..
- ولم؟.. يصيح داود مستغرباً.
فيجيبه: ليكمل عدد ماعندي إلى المائة!.
فاستشاط داود غيظاً، وانتفخت أوداجه حنقاً، أمام الظُّلم الصُّراح. فصرخَ متهدداً:
- والله، لايكون ذلك. فهذا ما لاحقَّ لك فيه، وإن وإن رمتَه، وأصررتَ عليه، ضربنا منك الجبهَة، والخيشومَ (أي: الأنف).
يشيرُ الرجل بسبّابتِه إلى داود، قائلاً: من فمِك أدينُك يانبيَّ الله!..
فما بالك، وأنت الّذي يغصُّ قصرُه بتسعٍ وتسعين من النساء الحِسان، تنفَسُ (من المنافسة) على (أرويا) زوجتَه الوحيدة، ولاتحفظُ له، وهو يجاهد في سبيل الله، عهداً في أهله، ولاترعى له ذمام حرمة؟..
وشعر داودُ، وكأنَّ السيفَ صدَعَ رأسه، فأُصيب بالذهول، ولم يُحِر جواباً!.
وأطرق إلى الأرضِ لحظةً، ثم رفعَ رأسه ليردَّ على الرجل، فهو لايعلم من أمر خطبةِ "سابغ" على "أوريا" شيئاً.
ولكن الرَّجلين اختفيا، وكأن الارض ابتلعتهما!.. وحملق داود في أرجاء البهو، فلم يجد أحداً،.
وخانتهُ قواه، فلم تعد قدماه تحتملان النهوض بجسمه،.. فخرَّ إلى الأرضِ ساجداً، منيباً، مستغفراً، تائباً، ودموعه تنحدر على وجنيه كلاذع الجمر، فتبتلُّ بها كريمتُه (بمعنى لحيته) التي وخطها المشيبُ. وألقى في روعه أنه كان بحضرة ملكين كريمين، أتياه مؤدِّبين، فعلِّماه مالم يكن يعلم، تلميحاً منهما، ورمزاً!.. وغفر الله لداودَ زلَّته!..
ولنستمع إليه تعالى في هذه الحادثة الفريدة:
{وهل آتاك نبأُ الخصمِ إذ تسوَّرُوا المحرابَ. إذ دخلُوا على داود ففزع منهُم، قالوا: لاتخف. خصمان، بغى بعضُنا على بعضٍ، فاحكُم بيننا بالحقِّ ولاتشطُط، واهدِنا إلى سواء الصِّراط. إن هذا أخي لهُ تسعٌ وتسعونَ نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ، فقال: أكفلنيها. وعزَّني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. وإنّ كثيراً من الخُلطاء ليبغي بعضُهُم على بعضٍ، إلاَّ الّذين آمنوا وعملوا الصَّالحات، وقليلٌ ماهُم. وظنَّ داودُ أنّما فتنّاهُ فاستغفرَ ربَّهُ، وخرَّ راكعاً وأناب} (صدق الله العلي العظيم).

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page