• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

داود وطالوت

 داود وطالوت

وفي طالوت بعهده، وصدق بوعده، فزوّج داود ابنته (مكيالَ).
وشدَّت طالوتَ إلى صهرهِ الفتى المؤيَّد، المسدَّد، أواصرُ نسبٍ وقربى، وروابطُ مواطنِ صدقٍ وجهاد!..
ولكن طالوتَ، ضاقَ، بعد زمنٍ، بداود، ذَرْعاً!. وقد أصبح هذا الفتى مسموعَ الكلمةِ في قومه، نافذ الرأي، مُهاب الجانب، فهو بالنِّسبةِ لهم موئلُ أملٍ، ومعقد رجاءِ!.. إنه ينتقِلُ بهم في المعارك التي يخوضونها، من نصرٍ إلى نصرٍ، تحوطُه عنايةُ الله، وترعاهُ، فكأنَّ الأقدارَ طوعُ يمينِه يتصرَّفُ بها كيفَ يشاءُ!.
ويشعر داودُ بتغيُّر طالوتَ عليه.. فطالوتُ لايلقاه إلاّ عابس الوجهِ، مُقطِّبَ الجبين، مكفهرَّ المُحيَّا، فما الّذي دهاه؟.. وأين بسمته الأنوسُ، وحديثُه الودود، وطبعُه الصَّافي، كالماء الزُّلالِ؟..
ويُفضي داودُ إلى زوجه "مكيالَ"، بما يلاحِظهُ على أبيها من تجهم، وانقلاب وإعراضٍ،.. فتبوحُ له بالسرِّ: لقد داخَلَ أباها حقدٌ على داودَ وضغيتةٌ، فالحسدُ ينهشُ قلبّه، وقد أصبحَ صِهرُهُ قبلةَ الأنظار. وتنصحُه بأخذِ الحيطةِ، واتِّخاذ الحذرِ. فليس كمثلهِما واقٍ لمن أرادَ على نفسه الإبقاء.
استدعى طالوتُ داودَ إليه يوماً، فمثلَ بين يديهِ.
وبلهجةٍ لاتخلو من حقدٍ ينضحُ، قال طالوتُ لداوودَ:- إن كنعانَ قد قويَت شوكتَهُم، وعظُمَ خطرهُم، وتمادى اذاهم، وشرُّهم، ألّبوا جموعهم يريدون النَّيل من "شعب الله المختار"!... فسِر إليهم، على بركة الله، مع مَن تراهُ من قادةٍ وجندٍ لاستئصال شوكتِهم، وإيّاك أن تعودَ إلاّ وسيفُك يشخُبُ من دمائهم، أو محمولاً على أعناق الرجال!.
وأذعَنَ داودُ لأمرِ طالوتَ، سيِّدِهِ، ومولاه. وما كان له إلاّ أن يُذعنَ ويطيع!.. وظنَّ طالوتُ أنه كُفي أمرَ داود، فهو قد أرسله إلى المقبرة لا إلى المجزرة!..
وتقدَّم داودُ بجيشه زاحفاً على الكنعانيين في عُقر دارهم، فشتَّت جموعهم، ودمَّر مُلكَهم، وكان يرمي نفسَه في كلِّ مهلُكةٍ، لايبالي أوقع على الموت، ام وقع الموتُ عليه!.. ولكنّ الله كان له حفيظاً، وناصراً، ومسدِّداً، ومؤيِّداً- فعاد، منتصراً، ظافراًن ترفرفُ فوقه بيارق الفوز المبين.
ورأى طالوتُ ذلك، فَغُمَّ، واهتمَّ، وتكدَّر خاطرهُ، وثارت وساوسهُ وهواجسُه،.. لقد شاء أمراً، وشاءَ الله أمراً آخر. ولله مايشاء!..
ويزدحمُ رأسُه بأفكارٍ سود... فيقرِّر التخلُّص نهائياً من داود، ولايكون ذلك إلاّ بقتله. فأضمر له كُلَّ سوءِ، وانطوت جوانحه المضطربة على قرارٍ أسود، خطيرٍ، ينتظر، لتنفيذه، الفرَصَ السَّانحات!.. فيخلو له الجوُّ عندئذٍ، وقد أصبح في بني إسرائيل فرداً أوحد، دون منافس، أو منازع، أو شريكٍ!..
وعلمت (مكيالُ) بما يُبيِّتُ أبوها، وما عزم عليه من فادح الشرِّ والبلاء.. فأطلعت زوجها على الأمر، فهتفَ بها:
- أإلى هذا الحدِّ، وصل الأمر بأبيك، ياابنةَ الكرام؟..
وفرَّ داودُ هارباً تحت جُنح الظّلام!.. ولحق بداود أنصارٌ وأعوانٌ. وافتُضح أمرُ طالوت، وانفضَّ عنه أتباعٌ وجندٌ. فلجأ إلى السيف، فلَه، وحدَه، فصلُ الخطاب!.. وثار عليه عُلماءٌ، وناصبه العداء قُرّاءُ، فأعمل في رقابهم السيف البتّار. وألقى الرُّعب في قلوب من حوله، وبدا لهم بطّاشاً، جبّاراً، دمويَّاً!..
والدّمُ يستتبعُ الدمَ!.. فليس لمعارضيه ومناوئيه إلاّ حدُّ الحُسام!.
فعلت الصّرخةُ،.. وباتت القلوبُ ترعدُ حقداً على هذا الطّاغية السفّاح، الّذي انقلب على من حوله من الرِّجال الأخيار!.
وخرج داودُ في ليلةٍ دكناءَ يتحسَّسُ أمر طالوت، فوجدهُ يغُطُّ في سباتٍ عميقٍ، وحوله ثُلَّةٌ من الجند يرقُدون.
فدنا منه على حذرٍ وترقُّبٍ، وئيدَ الخطو، رشيقَهُ، كالنَّملةِ في دبيبها على صفاةٍ. (أي: حجر أملس) فوجد الرمح إلى جانب طالوت، فاستلّه بخِفَّةٍ، وعاد!.
وأفاق طالوتُ بعد ساعةٍ، وتلمَّس رمحه فلم يجده، وتفقَّد جُنده فإذا هم نيام!.. فصاح بهم، فهبُّوا، وهم يفرُكون أعيُنهم، مذعورين.
وسألهم بصوتٍ هدّار: من المتجرِّئ على سلطان بني إسرائيل، فانتزع رمحه الذي كان إلى جانبه؟ فمطُّوا شفاههم، مستغربين، مُستنكرين، ونظر بعضُهم إلى بعضٍ، متسائلينَ، وقد قلقوا سيُوفهم في أغمادها،:
- الويل للمتجرِّئ الوقاح!..
وأرسلَ داودُ إلى "طالوت" رسولاً: إن رمحك معي. وقد أمكنني الله من نفسك ولكنَّني لم أبسُط إليك يداً بأذىً مخافة الله ربِّ العالمين. فلعلَّ في ذلك عبرةً لك واتعاظاً، لتُقلعَ عمّا أنت سادرٌ فيه من عماوةٍ وجهالةٍ، وغيٍّ وضلال!.. وكان لهذه الكلمات أثرُها الفعَّالُ في نفسٍ طالوت، فأصبح كمن بدأ يعودُ إليهِ رشدُه تدريجيَّاً، متلمِّساً سبيل هداه!.. وتحرَّكتْ نوازعُ الخير في نفسه، فأعلن أسفهُ على مافرَّطَ في جنب الله، وعضَّ أصابع النّدم على مااجترم من موبقاتٍ، وما أهدر من دماء الصالحين، وعلى مافتك بعلماءَ وقراءَ أخيارٍ!.. فهام على وجههِ فسي الصحراء، ينشُد (أي: يطلب) غفرانَ ربِّ الأرضِ والسَّماء، حتَّى وافاهُ الحِمام (أي: أدركه الموت).
وعلم بنو إسرائيل بهلاك الطّاغية، فهُرِعوا إلى داود مؤيدين، وتهافتوا عليه مُبايعين وشدَّ الله ملكه، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب!.. وآتاه الله أيداً (أي قوةً وسلطاناً) من لدُنه، وسُلطاناً مبيناً، وسخَّر له الجبال مسبِّحاتٍ معه صبحاً وعشياً. وحشد الطيرَ له، فهي طوعُ أمره بما يُريدُ ويشاء!..
وتحكي الرواياتُ قصة المزامير، فتنسُبُ إلى النبيِّ داودَ مجموعةً من مئة وخمسين نشيداً، تُعرفُ بمزامير داود، وتؤلِّفُ سفراً من التوراة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page