• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الباب الثالث الرسالة الذهبية ومصنفات الإمام علي الرضا

مصنفات الإمام علي الرضا للإمام علي الرضا مصنفات كثيرة بعضها مفقود وبعضها موجود، ومنها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط.. وقد جاء في نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا (1) وفهرس مخطوطات الطب الاسلامي (2) وذخائر التراث العربي الاسلامي (3) ودليل ببلوغرافي للمخطوطات العربية (4) تحت مادة الرضا المصنفات التالية:
1 - صحيفة الرضا: وهي أحاديث رواها الإمام علي الرضا عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر الصادق عن محمد الباقر عن علي زين العابدين عن سيد شباب الجنة الحسين السبط عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد جمعها الفضل بن حسن الطبرسي. وطبع الكتاب لأول مرة في لكنو بالهند طبع حجر سنة 1883 م ثم طبع مرة أخرى في طهران سنة 1377 ه‍ - 1958 م، نشره حسين علي محفوظ، وأعيد طبع الكتاب في النجف بالعراق سنة 1391 ه‍ / 1971 م.
وطبع الكتاب في دمشق مرتين أحدهما سنة 1334 ه‍ / 1916 والثانية 1395 ه‍ / 1975 م. وتوجد مخطوطة في مكتبات تركيا باسم أحاديث مروية عن الإمام علي الرضا بسنده عن أبيه عن جده برواية أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي. مخطوط رقم 1083 ومكتبة فيض الله أفندي رقم 166. وقد كتبت المخطوطة سنة 926 ه‍.
2 - مسند الإمام علي الرضا وقد طبع مع مسند الامام زيد في القاهرة.
3 - فقه الرضا: مطبوع في طهران 1374 ه‍ / 1954 تقديم محمد مهدي بحر العلوم.
4 - رسالة في التوحيد.
5 - طب الإمام الرضا المسمى الرسالة الذهبية (الرسالة المذهبة) وهذه هي الرسالة التي سنقوم بإعادة نشرها مع التعليق عليها بإذن الله تعالى وسنوضح سبب تأليفها وقيمتها التاريخية والعلمية، وسبب تسميتها.
مخطوطات الرسالة الذهبية:
وتوجد هذه الرسالة مخطوطة ومطبوعة في مكتبات مختلفة. ويوجد من المخطوط النسخ التالية في مكتبات تركيا (5):
أ - برواية محمد بن جمهور القمي تلميذ الإمام علي الرضا في مكتبة رئيس الكتاب برقم 1661 / 15 بخط نسخ، كتبه أبو عبد الله محمد بن أحمد المصري الدمياطي الشافعي الأنصاري سنة 789 ه‍ بدمشق.
ب - نسخة في مكتبة بغداد لي وهبي برقم 1485 / 1، كتبت المخطوطة سنة 1227 ه‍.
ج - نسخة بمكتبة علي أميري، بالقسم العربي برقم 2843 / 2 بخط نسخ كتبت في القرن الحادي عشر الهجري.
د - نسخة بمكتبة شيخ الاسلام أسعد أفندي برقم 184 / 2 بخط نسخ، برواية الشيخ محمد بن إبراهيم بن مساعد الأنصاري المعروف بابن الكنفاني وقد كتبت المخطوطة في القرن التاسع الهجري.
وتوجد في مكتبات تركيا أيضا نسختان من ترجمة الرسالة الذهبية (الرسالة المذهبة) إلى اللغة الفارسية وقد ترجمها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن أبي بكر السلماسي الوراق المتوفى في حدود سنة 624 ه‍ / 1226 م. وهي موجودة في مكتبة الفاتح باستنابول برقم 5297 / 4 بخط يد المترجم وهي نسخة نفيسة جدا. وقد كتبت سنة 624 ه‍. وتوجد نسخة أخرى في مكتبة بغداد لي وهبي برقم 1488 / 9 وقد كتبت المخطوطة سنة 1058.
وتوجد من المخطوطة نسخ عديدة في مكتبات العراق وخاصة في النجف ومكتبات طهران، ودار الكتب المصرية (6). وقد طبع طبعات عديدة ومع هذا فإن الكتاب شبه مفقود ما عدا لدى بعض المختصين. حتى أن الدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل في تحقيقه لكتاب المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي (7) والذي نال به درجة الماجستير من الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة ذكر أن كتاب الإمام علي الرضا في الطب، الرسالة الذهبية، مفقود. وكذلك ذكر الدكتور ناظم نسيمي في كتابه الطب النبوي والعلم الحديث (8) أن هذا الكتاب مفقود. وكلاهما وضعه ضمن الكتب المفقودة في الطب النبوي والتي لا توجد منها أي نسخة مخطوطة فضلا عن مطبوعة.
والأمر على غير ذلك فالنسخ المخطوطة كثيرة جدا في تركيا والعراق وإيران وفي غيرها من مكتبات العالم، أما المطبوع فما بلغنا عنه هو الآتي:
مطبوعات الرسالة الذهبية:
1 - منشورات ملتقى العصرين، بغداد، مطبعة المعارف 1953 م في 170 صفحة ونشره د. صاحب زيني مع تعليقات على ضوء الطب الحديث.
2 - نشرة مرتضى العسكري في بغداد سنة 1954 م.
3 - المطبعة الحيدرية النجف 1386 ه‍ / 1967 وقدم لها محمد مهدي السيد حسن الخرسان في 48 صفحة.
4 - المطبعة الحيدرية، النجف سنة 1965 م في 144 صفحة.
5 - طبع مؤخرا في طهران (1987 م).
6 - مطبوعة ضمن كتاب: رمز الصحة في طب النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام للسيد محمود الموسوي ألده سرخي الأصفهاني، دار الارشاد الاسلامي، الطبعة الثانية 1403. من ص 95 إلى ص 129.
الشروح التي وضعت على هذه الرسالة لقد حظيت الرسالة المذهبة في حفظ صحة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة التي بعث بها الإمام علي الرضا إلى المأمون باهتمام العلماء على مدار القرون وقام بشرحها عدد منهم نذكر منها ما يلي (9):
1 - السيد ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي المتوفى سنة 548 ه‍ له شرح سماه (ترجمة العلوي للطب الرضوي) ذكره إسماعيل باشا في إيضاح المكنون ج 1 / 281.
2 - المولى فيض الله عصارة التستري: وكان في عصر فتح علي خان وحكومته بتستر حوالي سنة 1078 ه‍. وقد ترجم الذهبية باللغة الفارسية وشرحها.. وقال محمد بن محمد صالح الشيرازي في كتابه عافية البرية في شرح الذهبية أنه بحث عن هذا الشرح بحثا متصلا ولكنه لم يجده.
3 - ابن محمد هاشم الطبيب له شرح على الذهبية باللغة الفارسية. وقد قدم الشرح والأصل للشاه سليمان الصفوي.
4 - المولى محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1111 ه‍. وقد شرح الرسالة في كتابه الجامع بحار الأنوار. وقد أطنب في مدحه محمد بن محمد صالح الشيرازي صاحب عافية البرية في شرح الذهبية.
5 - محمد شريف بن محمد صادق الخواتون آبادي.. له شرح على الرسالة الذهبية. وقد ذكر ذلك في كتابه حافظ الأبدان.
6 - المولى السيد عبد الله شبر المتوفى سن 1242 ه‍ له شرح على الذهبية.
7 - المولى محمد بن الحاج محمد حسن المشهدي المدرس بالمشهد (طوس) المتوفى سنة 1257 ه‍ له شرح على الذهبية أورده بتمامه تلميذه نوروز علي البسطامي في كتابه (فردوس التواريخ) وقد طبع الشرح مستقلا باسم الفوائد الرضوية سنة 1315 ه‍، كما أن نوروز البسطامي له شرح آخر على الذهبية.
8 - السيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي (نسبة إلى مشهد وهي طوس) له شرح على الذهبية. فرغ من تأليفه سنة 1125 ه‍.
9 - المولى محمد بن يحيى له شرح الذهبية باللغة الفارسية.
10 - الحاج مرزا كاظم الموسى الزنجاني المتوفى سنة 1292 ه‍ له شرح على الذهبية سماه (المحمودية).
11 - السيد نصر الله الموسوي الأرومي له شرح على الذهبية بالفارسية سماه (الطب الرضوي).
12 - المولوي مقبول أحمد له شرح اسمه (الذهبية في أسرار العلوم الطبيعية) باللغة الأوردية وقد طبع بحيدر أباد.
13 - السيد محمود الده سرخي له كتاب سماه مفاتيح الصحة جمع فيه طب النبي صلى الله عليه وسلم وطب الأئمة والرسالة الذهبية مع شرح يسير باللغة الفارسية. وقد طبع بالنجف سنة 1370 ه‍.
14 - السيد ميرزا علي إمام جمعة التفرشي له شرح على الذهبية باللغة الفارسية.
15 - السيد حسين بن نصر الله بن صادق الأرومي الموسوي له كتاب (ترجمة الموسوي في الطب الرضوي) شرح فيه الرسالة الذهبية.
16 - د. السيد صاحب زيني: شرح الرسالة الذهبية وتناول جوانبا منها على ضوء العلم الحديث وقد طبع ببغداد في سلسلة ملتقى العصرين 1953 م.
17 - ميرزا محمد هادي بن ميرزا محمد صالح الشيرازي (محمد بن محمد بن صالح الشيرازي المعروف بالهادي) له شرح واسع باسم عافية البرية في شرح الذهبية ألفه وأهداه للسلطان حسين الصفوي. وتوجد من المخطوط نسخة في المدرسة الأحمدية بالموصل بالعراق، برقم 591، كتبها الملا بن حسين علي النويري 1121 ه‍ في 430 ورقة بخط نسخي وفي كل ورقة 15 سطرا. والورقة x 14 20 سم وبها مقدمة طويلة ويليها فهرس الكتاب وعلى هوامشها عناوين للموضوعات وبعض الشروح لما جاء بالمتن.
وهناك نسخة مشابهة لها توجد في مكتبة الأوقاف بالموصل (10) وأولها بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين. الحمد لله الحكيم الذي قدر في طب رضاه عافية البرية (11)، وصور تشريح السماوات من أشعة النيرات بخطوط ذهبية، وبين خلق الانسان وأصول تراكيب الأبدان موجزا من قانون حكمته الباهرة تذكرة لأولي الألباب وأوضح من شامل لطفه وكامل صنعه حدود الأمراض النفسانية والجسمانية ودستور علاجها أيضا عافية غنية وكفاية بالعلامات والأسباب. نسألك اللهم بجوامع ألطافك الشافية دواء الآلام وشفاء الأسقام وترويح الأرواح وتيسير النجاح وبرء الساعة وقوة الطاعة. يا من طاعته مفتاح الشفاء وتدارك الخطاء....).
وينتهي المخطوط بالعبارة التالية:
(فرغت بحمد الله من تحرير هذا الكتاب الذي هو عجب العجاب، ولب اللباب، ومقصد أولي الألباب، الموسوم بعافية البرية في شرح الذهبية، نقلا من خط مؤلفه الفاضل الشارح، الذي كوكب الفضل من عبارته ساطع لائح أيده الله وأبقاه وصانه من كل سوء.. وأنا أحوج الورى إلى الله الغني، الملا ابن حسين النيريزي عبد العلي. وكان ذلك ضحوة يوم الأحد الثالث شهر المرجب من شهور سنة 1121 (ه‍) في المدرسة السنية السلطان حسينية. من مدارس دار السلطنة، أصبهان، صينت عن الحدثان.
وفي آخر صفحة مكتوب تاريخ تأليف الكتاب لمؤلفه شعر باللغة الفارسية ثم ذكر السنة في أسفل الصفحة سنة 1117 ه‍.
وذلك يدل على أن المؤلف كان حيا أثناء كتابة الناسخ الملا بن حسين النيريزي عبد العلي سنة 1121 ه‍ حيث دعا الناسخ للمؤلف بطول البقاء وبالتأييد والصيانة من كل سوء.
وهذه النسخة موجودة برقم 3774 - 3775 مكتبة الأوقاف العامة بالموصل في 415 ورقة. وكل ورقة تشمل صفحتين وكل صفحة 15 سطرا وكل سطر فيه حوالي 14 - 15 كلمة، بخط نسخ، 18 - السيد محمود الموسوي الده سرخي الأصفهاني: وضع شرحا مختصرا، بعضه بالفارسية للمفردات. وذلك ضمن كتابه رمز الصحة من طب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة. دار الارشاد الاسلامي، 1403 ه‍، الطبعة الثانية.
سبب تأليف هذه الرسالة وتسميتها بالرسالة الذهبية ذكر محمد بن محمد صالح الشيرازي صاحب كتاب عافية البرية سبب تأليف هذه الرسالة وكذلك ذكرها السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان في مقدمته على كتاب طب الإمام الرضا.
ونقلا عن الشيخ المجلسي في بحاره وغيره عن موسى بن علي السلامي بسنده وعن هارون به موسى التلعكبري بسنده أن محمد بن جمهور القمي الذي كان ملازما لأبي الحسن علي الرضا لخدمته وكان معه حين استقدمه المأمون من المدينة إلى خراسان وبقي معه حتى وفاته بطوس وكان المأمون ذات يوم في مجلسه في نيسابور (12). وفي المجلس أبو الحسن علي الرضا وجماعة من المتطببين والفلاسفة مثل يوحنا بن ماسويه (13) وجبريل بن بختيشوع (14) وصالح بن بهلة الهندي (15)، وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث والنظر، فجرى ذكر الطب وما فيه صلاح الأجسام وقوامها. فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى هذا الجسد وجميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة

من الطبائع الأربع، ومضار الأغذية ومنافعها وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل. قال - القمي - وأبو الحسن ساكت لا يتكلم في شئ من ذلك. فقال له المأمون: (ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه اليوم، والذي لا بد منه، من معرفة هذه الأشياء، والأغذية النافع منها والضار، وتدبير الجسد)؟
فقال أبو الحسن (الرضا): (عندي من ذلك ما جربته وعرفت صحته بالاختبار ومرور الأيام مع ما وفقني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته.
قال محمد بن جمهور القمي: (وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ (16) وتخلف عنه أبو الحسن (علي الرضا) عليه السلام. وكتب المأمون إليه كتابا ينجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته على ما سمعه منه وجربه من الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والسواك والحمام والنورة والتدبير في ذلك، فكتب الرضا إليه تلك الرسالة المسماة بطب الرضا فلما وصلت إلى المأمون قرأها وسر بها كثيرا وأمر بكتابتها بالذهب وأن تحفظ في خزانة الحكمة وسماها الرسالة الذهبية أو الرسالة المذهبة. وكتب بخط يده جوابا للإمام علي الرضا يقرض فيه تلك الرسالة ويشكره عليها.
رسالة المأمون إلى الإمام علي الرضا وتقريضه للرسالة المذهبة بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله أهل الحمد ووليه، وله آخره وبدؤه، ذي النعم والافضال والاحسان والاجمال. أحمده على نعمه المتظاهرة، وفواضله وأياديه المتكاثرة والمتواترة، وأشكره على منحه ومواهبه، شكرا يوجب زيادته ويقرب زلفى، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة مخلص له الايمان، غير جاحد ولا منكر له بربوبيته ووحدانيته، بل شهادة تصدق نسبته لنفسه وأنه كما قال عز وجل: (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد). وكذلك ربنا عز وجل. وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله خاتم النبيين.
أما بعد، فإني نظرت في رسالة ابن عمي العلوي الأديب، والفاضل الحبيب، والمنطقي الطبيب، في إصلاح الأجسام وتدبير الحمام، وتعديل الطعام، فرأيتها في أحسن التمام، ووجدتها في أفضل الانعام، ودرستها متدبرا، ورددت نظري فيها متفكرا، فكلما أعدت قراءتها والنظر فيها ظهرت لي حكمتها، ولاحت لي فائدتها، وتمكنت من قلبي منفعتها، فوعيتها حفظا، وتدبرتها فهما، إذ رأيتها من أنفس العلائق، وأعظم الذخائر، وأنفع الفوائد، فأمرت أن تكتب بالذهب لنفاستها، وحسن موقعها، وعظم نفعها، وكثرة بركتها. وسميتها المذهبة، وخزنتها في خزانة الحكمة، وذلك بعد أن نسخها آل هاشم فتيان الدولة، لأن بتدبير الأغذية تصلح الأبدان، وبصحة الأبدان تدفع الأمراض، وبدفع الأمراض تكون الحياة، وبالحياة تنال الحكمة، وبالحكمة تنال الجنة.
وكانت أهلا للصيانة والادخار وموضعا للتأهيل والاعتبار، وحكيما يعول عليه، ومشيرا يرجع إليه، ومن معادن العلم آمرا وناهيا ينقاد له، ولأنها خرجت من بيوت الذين يوردون حكم الرسول المصطفى وبلاغات الأنبياء، ودلائل الأوصياء وآداب العلماء، وشفاء للصدور والمرضى من أهل الجهل والعمى، رضوان الله عليهم ورحمته وبركاته أولهم وآخرهم وصغيرهم وكبيرهم.
فعرضتها على خاصتي، وصفوتي من أهل الحكمة والطب، وأصحاب التأليف والكتب المعدودين في أهل الدراية، والمذكورين بالحكمة.. وكل مدحها وأعلاها، ورفع قدرها وأطراها، إنصافا لمصنفها، وإذعانا لمؤلفها، وتصديقا له في ما حكاه فيها. فمن وقعت له هذه الرسالة من بعدنا من أبنائنا وأبناء دولتنا ورعايانا وسائر الناس على طبقاتهم، فليعرف قدرها، والموهبة لها، وتمام النعمة عليه، وليأخذها بشكر، فإنها أنفس من العقيان، وأعظم خطرا من الدر والمرجان، وليستعمل حفظها وعرضها على همته وفكره ليلا ونهارا فإنها عائدة إليه بالنفع والسلامة من جميع الأمراض والاعراض إن شاء الله تعالى، وصلى الله على رسوله محمد وأولاده الطيبين الظاهرين أجمعين، حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.
قيمة الرسالة العلمية والتاريخية تتضح قيمة هذه الرسالة في الطب في مجموعة من الحقائق نوجزها كالآتي:
1 - أنها ظهرت في عصر المأمون الذي يعتبر العصر الذهبي لما يسمى بعلوم الحكمة والفلسفة وحيث بلغت حركة الترجمة أوج نشاطها. وفي تلك الفترة أسس المأمون بيت الحكمة واشتغل مجموعة كبيرة من السريان وبعض العرب بترجمة الكتب العلمية المتعلقة بالطب والنبات والحيوان والفلك والجغرافيا والحساب والرياضيات.. إلخ من اليونانية والسريانية، وفي بعض الأحيان اللغة الهندية والفارسية إلى اللغة العربية. وكان يرأس فريق المترجمين حنين بن إسحاق..
وتولى يوحنا بن ماسويه رئاسة بيت الحكمة.. كما اشتهرت عائلة بختيشوع وكلمة بخت تعني العبد ويشوع المقصود بها عيسى عليه السلام.. وهذه العائلة من نصارى السريان في جنديسابور وقد ظهر منها عدد كبير من الأطباء الذين خدموا الخلفاء العباسيين ونالوا لديهم الحظوة. وأولهم كان جورجيوس بن جبرائيل بن بختيشوع الذي عمل طبيبا خاصا للخليفة المنصور العباسي وخلفه ولده بختيشوع بن جورجيوس وعمل لدى الرشيد حتى توفى سنة 182 ه‍ / 798 ثم تلاه جبرائيل بن بختيشوع الذي التحق بخدمة الرشيد ثم الأمين ثم المأمون.
وتوفي سنة 213 ه‍. وله بعض المؤلفات مثل كتاب الباءة ورسالة في الطعام وكناش في الطب. وكان مقربا لدى الخلفاء العباسيين.. وكتبه عبارة عن ترجمة من الكتب اليونانية والسريانية.. وكان معاصرا للإمام علي الرضا.
واشتهر في هذا العصر أيضا صالح بن بهلة الهندي الطبيب الحاذق ولكن لم يذكر له مؤلفات.
وكان المأمون واسع الاطلاع عالما بمختلف فنون المعرفة في عصره وخاصة ما يسمى بعلوم الحكمة مثل الطب والفلك والرياضيات.. وله مقدرة على المشاركة في مجالس العلماء والحكماء والفلاسفة الذين كانت تزدان بهم مجالسه.
وقد أوضحت رسالة المأمون وتقريضه لرسالة الرضا في الطب وكافة العلماء من أهل الدراية في الطب والحكمة والفلسفة الذين كان يعج بهم قصره ومجلسه، واعترافهم بفضل كاتبها، وأمره بكتابتها بالذهب وتسميتها بالرسالة المذهبة، الدليل على تلك المكانة العظيمة التي تبوأتها رسالة الإمام علي الرضا في الطب في ذلك العصر.
2 - تتميز هذه الرسالة بأنها أول رسالة في الطب يكتبها عربي مسلم.. ولم تكتب قبلها سوى رسائل مترجمة من اليونانية والسريانية وكلها قام بها نصارى من السريان مثل أسرة بختيشوع وعائلة ماسويه أو من نصارى العرب مثل حنين بن إسحاق وابنه إسحاق بن حنين العبادي ومثل ثابت بن قرة الحراني (وحران في سوريا وقد خرج منها ابن تيمية فيما بعد). وإن كان ثابت بن قرة قد ظهر في القرن الثالث الهجري (توفي سنة 288 ه‍) وابنه سنان الذي عاش إلى القرن الرابع الهجري.
وإذا علمنا أن الرضا توفي سنة 203 ه‍ وأنه كتب هذه الرسالة عندما استقدمه المأمون من المدينة إلى خراسان (أي أنها كتبت في حدود سنة 200 ه‍) وقد كتبها بطلب المأمون عندما تذاكروا في الأغذية والأدوية والأبدان في أحد مجالس المأمون في نيسابور.. وكان المجلس يضم كبار الأطباء في ذلك العصر وهم جبريل بن بختيشوع ويوحنا بن ماسويه وصالح بن بهلة الهندي.. وغيرهم من أهل الفلسفة والحكمة والطب.. وقد اعترفوا جميعا للرضا بتقدمه وفضله. وبأهمية هذه الرسالة وقرضوها جميعا كما ذكر ذلك المأمون في رسالته التي نقلت نصها.
ولا تعتبر هذه أول رسالة في الطب يكتبها مسلم فحسب، بل تعتبر أول رسالة في الطب تؤلف في التاريخ الاسلامي.. حيث أن ما كتب قبلها لا يعدو ترجمات من كتب اليونان والسريان الطبية.
وهذه الرسالة تختلف عن كل ما كتب أنها ضمت معلومات الإمام الرضا الطبية التي استفادت بدون شك من طب اليونان ولكنها أضافت إليها ما أخذه الامام عن أبيه عن جده، وما استفاده من كلام جده المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كما أنها تضم أيضا ما استفاده الإمام الرضا من علوم آبائه موسى الكاظم، وجعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين والامام السبط الحسين والإمام علي بن أبي طالب.
ولم يكتف الإمام الرضا بذلك كله ولكنه أضاف إليها تجاربه الشخصية ومعارفه الذاتية..
واستطاع بعد ذلك كله أن يوجز هذه المعلومات إيجازا بليغا في 14 صفحة فقط (من المطبوع من القطع الصغير).. ومع هذا فقد شرحها العلماء والحكماء في مئات الصفحات ومثال ذلك شرح محمد بن محمد صالح الشيرازي المسمى عافية البرية الذي بلغ 415 ورقة.
3 - تتميز هذه الرسالة بأنها كتبت في موضوع واحد محدد هو حفظ الصحة. وكيفية تدبير الغذاء والحمام في مختلف فصول السنة وما يناسب الانسان من الأطعمة ومقدارها والرياضة والنكاح وكيفية الاعتدال في ذلك كله.. وذكر أهمية السواك وتحدث عن أهمية استخدام الأدوية حين الحاجة إليها وخاصة الحجامة والفصد وأوقاتهما. وتحدث عن مراحل عمر الانسان وما يصلح لكل مرحلة. ومقدار النوم الذي يحتاجه في كل مرحلة من هذه المراحل.. وفي أثناء ذلك كله يبث معلوماته بإيجاز شديد وبيان واضح جلي عن التشريح وعلم وظائف الأعضاء ويستدل بالأحاديث النبوية دون أن يذكر سندها. وفي الغالب يشير إلى معنى من معانيها دون أن يذكر متنها.. وينبه المأمون إلى ما ينبغي أن يفعله في الحضر والسفر وفي اختلاف فصول السنة ويذكر ذلك فصلا فصلا وشهرا شهرا بالتقويم الشمسي مبتديا بشهر آذار (مارس) ومنتهيا بشهر شباط (فبراير).. وينهي الإمام الرضا رسالته بذكر مراحل العمر ويقسمها إلى أربع مراحل:
مرحلة البناء وبداية الشباب إلى سن خمس عشرة سنة.
ومرحلة القوة وغلبة المرة الصفراء من سن 15 إلى سن 35 سنة.
ومرحلة الحكمة والمعرفة وصحة النظر وفيها غلبة المرة السوداء وتبدأ من سن 35 سنة.
ثم تبدأ المرحلة الرابعة التي يتحول فيها إلى الهرم والنقص ونكد العيش وذبول الجسم حتى ينام عند القوم ويسهر عند النوم.. وفيها غلبة المادة البلغمية.


___________________
(1) نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، إعداد رمضان ششن المجلد الثاني، دار الكتاب الجديد بيروت 1400 ه‍ / 1980 ص 242.
(2) فهرس مخطوطات الطب الاسلامي باللغات العربية والتركية والفارسية في مكتبات تركيا إعداد رمضان ششن وإشراف كما الدين إحسان أوغلي - إصدار مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية باستانبول 1984.
(3) ذخائر التراث العربي الاسلامي. إعداد عبد الجبار عبد الرحمن - كلية الآداب جامعة البصرة العراق (ج 1 / أ - ش) 1981 م.
(4) دليل ببلوغرافي للمخطوطات العربية المطبوعة حتى عام 1980.
(5) فهرس مخطوطات الطب الاسلامي في مكتبات تركيا، إعداد رمضان ششن وإشراف كمال الدين إحسان أوغلي 1404 ه‍ / 1984 م.
(6) جاء في قائمة بالمخطوطات الطبية في فهارس مخطوطات دار الكتب المصرية، إعداد أبو نهلة أحمد بن عبد المجيد ونشرتها مجلة المورد مجلد ٩، عدد ٢٣ / ١٩٨٠: الرسالة الذهبية تأليف علي بن موسى بن جعفر الصادق، أبو الحسن، الملقب بالرضى. رقم ل ٤٨١٣ في ١٨ ورقة ونسخة أخرى بعنوان رسالة في تدبير الصحة برقم طب تيمور ٤٢٩ في ٢٤ ص، نسخت سنة ١٣٤٤.
(7) السيد حسن محمد مقبولي: تحقيق كتاب المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي للامام السيوطي، رسالة ماجستير الجامعة الاسلامية المدينة المنورة (مقدمة المحقق) ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م.
(8) د. ناظم نسيمي: الطب النبوي والعلم الحديث، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، سوريا 1404 ه‍ / 1984 ج 1 / ص 30.
(9) نقلا عن مقدمة محمد مهدي السيد حسن الخرسان: طب الإمام الرضا، المطبعة الحيدرية، النجف 1967.
(10) لقد قام الزميل الأستاذ الدكتور محمود الحاج قاسم محمد صاحب الأبحاث والكتب الكثيرة في تاريخ الطب عند المسلمين بالتكرم بإرسال صورة كاملة من المخطوطة الموجودة بمكتبة الأوقاف بالموصل.
(11) كثيرا ما يستخدم المؤلف المحسنات البديعية من جناس وطباق وكناية وقد قصد هاهنا بقوله في طب رضاه أي طب الإمام الرضا وجعل فيه عافية البرية.. وقد سمى المؤلف رسالته أيضا عافية البرية.. وكذلك قوله من أشعة النيرات بخطوط ذهبية إشارة إلى الرسالة الذهبية التي أمر المأمون بكتابتها بالذهب. ولهذا سميت الرسالة الذهبية.
(12) نيسابور: مدينة تعتبر من أمهات مدن خراسان وهي الآن في إيران. وقد أخرجت ما لا يحصى كثرة من العلماء ويكفيها فخرا أنها أخرجت الإمام مسلم القشيري صاحب صحيح مسلم والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك.
(13) يوحنا بن ماسويه الطيب النصراني السرياني: كان الرشيد ولاه ترجمة الكتب الطبية القديمة، قال القفطي: وكان ملوك بني هاشم (العباسيون) لا يتناولون شيئا من أطعمتهم إلا بحضرته، ترجم له ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء ود. محمود الحاج قاسم في كتابه الطب عند العرب والمسلمين (الدار السعودية جدة) ص 66 - 67. وجعله المأمون رئيسا لبيت الحكمة سنة 225 ه‍ / 830 م، توفي في سامرا سنة 243 ه‍ / 857 م. وترجم بعض كتب الطب من السريانية إلى العربية منها كتاب تركيب خلق الانسان وأجزائه وعدد أعضائه ومفاصله وعظامه ألفه للمأمون.
(14) جبريل بن بختيشوع: من النساطرة السريان الذين ظهروا في جنديسابور في مطلع الخلافة العباسية وظهر منهم عدد كبير من الأطباء الذين قربهم العباسيون ابتداء من المنصور العباسي الذي جعل جورجيوس بن جبرائيل طبيبه الخاص ثم قام ولده وحفيده جبريل بتطبيب هارون الرشيد وولديه الأمين والمأمون. توفي جبريل سنة 213 ه‍ / 828 م وله كتاب الباه ورسالة في الطعام، وكناش في الطب.
(15) صالح بن بهلة الهندي: طبيب هندي حسن الإصابة فيما يعانيه، أسلم وحسن إسلامه، وظهر أيام الرشيد وقد ذكره ابن أبي أصيبعة وترجم له كما ترجم له محمد بن محمد الشيرازي صاحب عافية البرية وذكر قصة طريفة توضح مقدرته. فقد وقع جبريل بن بختيشوع في خطأ عندما رأى إبراهيم بن صالح (ابن عم الرشيد) وهو في مرض خطير وقال للرشيد إنه متوفى.. فلما كان وقت صلاة العشاء نعي إلى الرشيد وبدأ الخدم في تجهيزه للدفن فوقف صالح بن بهلة الهندي وطلب رؤيته ووخزه بإبرة في ظفره فتحرك إبراهيم بن صالح فصاح ابن بهلة: الله الله يا أمير المؤمنين فوالله ما مات ابن عمك وتدفنه حيا. ودخل على إبراهيم بن صالح وفي حضرته الرشيد وأدخل الأبرة بين ظفر إبهام إبراهيم فجذب إبراهيم يده. وأمر بفك الحنوط والكفن وإلباسه ثيابه وعالجه حتى برأ وتكلم. فحظي عند الرشيد.
(16) بلخ من أمهات مدن خراسان وهي الآن أطلال في شمالي أفغانستان وتقع بالقرب منها مدينة مزار شريف التي يزعم أهل تلك المنطقة أن فيها قبر الإمام علي بن أبي طالب. وهي ولاية من ولايات التركستان الأفغانية. وقد أخرجت بلخ مئات العلماء وأفردنا لبلخ ومن خرج منها من الأكابر فصلا ضافيا في كتابنا أفغانستان من الفتح الاسلامي إلى الغزو الروسي (دار العلم، جدة 1985) ص 385 - 446.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page