• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الباب الثاني الإمام علي الرضا حياته وعلمه وكراماته وفضله

الإمام علي الرضا 153 - 203 ه‍ 770 - 818 م نسبه ومولده هو الإمام أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت خير البرية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ولد الإمام علي الرضا في المدينة المنورة سنة 153 ه‍ وقيل سنة 148 ه‍ وبها نشأ وترعرع. أمه أم ولد يقال لها أم البنين واسمها أروى وقيل بل شقراء. وهي نوبية سوداء وقيل بل حبشية وكان لون الإمام علي الرضا آدم يضرب إلى السواد، وراثة من أمه.. وكان معتدل القامة بهي الطلعة ذو وقار يهابه من رآه ويحبه من عرفه. وكان على جانب عظيم من الورع والتقوى والعلم حتى اتفق على أنه كان أعلم أهل زمانه وأورعهم وأزهدهم.
من شعر أبي نؤاس في الإمام الرضا وقد قيل لأبي نواس ذات مرة: علام تركت مدح علي بن موسى والخصال التي تجمعن فيه، فقال: لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادما لأبيه. والله ما تركت ذلك إلا إعظاما له. وليس قدر مثلي أن يقول في مثله. ثم أنشد على الفور:
قيل لي أنت أحسن الناس طرا * في فنون من الكلام النبيه لك من جيد القريض مديح * يثمر الدر في يدي مجتنيه فعلام تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت: لا أستطيع مدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه (1) ثم إن أبا نواس مدح الإمام علي الرضا بقصيدة. ذكر الإمام علي بن محمد بن أحمد المالكي الشهير بابن الصباغ (2) أن أبا نواس تعرض لعلي الرضا عند خروجه من عند المأمون ودنا منه قائلا: يا ابن رسول الله! قلت فيك أبياتا أحب أن تسمعها مني فقال له: قل، فأنشد أبو نواس:
مطهرات نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر أولئك القوم أهل البيت عندهم * علم الكتاب وما جاءت به السور فاستجادها الإمام علي الرضا منه وسر بما قال وأعطاه كل ما كان يملك وهو ثلاثمائة دينار ثم ساق إليه بغلته التي كان راكبا عليها.
ولأبي نواس قصائد أخرى في مدح الإمام علي الرضا منها قوله:
إذا أبصرك العين من بعد غاية * وعارض فيك الشك أثبتك القلب ولو أن قوما أمموك لقادهم * نسيمك حتى يستدل به الركب من شعر دعبل الخزاعي:
ودخل دعبل الخزاعي المشهور بشاعر أهل البيت على الإمام علي الرضا بمرو (3) وقال له: يا ابن رسول الله إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك وأحب أن تسمعها مني. فقال له الرضا: هات هات. فأنشد يقول (4): ذكرت محل الربع من عرفات * فأجريت دمع العين على الوجنات
وقد خانني صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار أقفرت وعرات مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات ديار لعبد الله والفضل صنوه * نجي رسول الله في الخلوات منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات منازل جبريل الأمين يحلها * من الله بالتسليم والرحمات منازل وحي معدن الله علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات قفا نسأل الدار التي حف أهلها * متى عهدهم بالصوم والصلوات فأين الألى شطت بهم غربة النوى * فأمسين في الأقطار مختلفات أحب قصي الدار من أجل حبهم * وأهجر فيهم أسرتي وثقاتي وهم آل ميراث النبي إذا انتموا * فهم خير سادات وخير حماة مطاعيهم في الاعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات أئمة عدل يقتدى بفعالهم * ويؤمن فيهم زلة العثرات فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي لقد أمنت نفسي بهم في حياتها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي ألم تر أني من ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا عن الأوتار منقضبات وآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد غلظوا الفقرات سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق * ونادى منادي الخير بالصلوات والقصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وعشرون بيتا.. ولما فرغ دعبل من إنشادها نهض الإمام الرضا وأعطاه مائة دينار هي كل ما كان يملك في ذلك الوقت، فردها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام عليه، والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون. وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب إلي. فأعطاه الرضا جبة خز ورد عليه الصرة وقال للغلام: قل له خذها ولا تردها فإنك ستصرفها أحوج ما تكون إليها. فأخذها دعبل، ثم أقام مدة بمرو ثم سافر يريد العراق فخرج عليهم اللصوص ونهبوا القافلة عن آخرها ومن جملتهم دعبل ثم جلسوا يقتسمون أموالهم فتمثل مقدم اللصوص بقول دعبل:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات ودعبل يسمعه. فقال له دعبل: أتعرف هذا البيت. قال كبير اللصوص:
كيف لا أعرفه وهو لرجل من خزاعة يقال له دعبل شاعر أهل البيت. فقال دعبل: أنا والله صاحب القصيدة وقائلها فيهم.. فسأل كبير اللصوص القافلة عنه فأخبروه الحقيقة وطلب من دعبل أن يلقي القصيدة فألقاها من أولها لآخرها مائة وعشرين بيتا. فقال كبير اللصوص: (قد وجب حقك علينا وقد أطلقنا القافلة ورددنا جميع ما أخذنا منها إكراما لك يا شاعر آل البيت).
قصة المأمون مع الإمام علي الرضا لقد كان الخليفة عبد الله المأمون العباسي عالما ورعا محبا للعلويين وقد تشرب حبهم من أمه الفارسية.. وكان المأمون يقول: (إني عاهدت الله إن ظفرت بالمخلوع (يعني أخاه الأمين) أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب. وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل (يعني علي الرضا) على وجه الأرض).
وأراد المأمون أن يخلع نفسه ويولي الرضا بدلا منه ولكن الرضا أبى ذلك عليه. ثم عزم على الرضا أن يكون خليفته ووليا للعهد فرفض ولكن المأمون أصر على ذلك حتى قبل الرضا.
ولما عزم المأمون على تولية العهد للإمام علي الرضا أحضر وزيره الفضل بن سهل وأخبره بما عزم عليه وأمره المأمون بمشاورة الحسن بن سهل.. فلما اجتمعا عند المأمون أخذ الحسن يعظم ذلك ويعرفه ما في إخراج الامر عن العباسيين، والفتن التي يمكن أن تقوم. ولكن المأمون كان قد عقد العزم على ذلك. ورأى أنه لا يبرأ عند الله إلا بذلك. فوافقاه على ذلك وأمرهما بالذهاب إلى علي الرضا فلما بلغه ذلك امتنع فلم يزالا به حتى قبل بشروط وجلس المأمون وأحضر خواص الدولة وأهل الحل والعقد وأخبرهم بولاية العهد ولبس الخضرة بدلا من السواد.
وأمر المأمون ابنه العباس أن يتقدم الناس ويبايع الرضا فبايع.. وأعطى المأمون الجنود والامراء أعطيات جزيلة.. وتكلم الرضا بخطبة موجزة وقال: (يا أيها الناس إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حق به. فإذا أديتم إلينا ذلك. وجب لكم علينا الحكم. والسلام).. وخطب للرضا بولاية العهد في كل البلدان.
وذكر المديني أن الرضا لما جلس ذلك المجلس نظر إلى بعض مواليه وخواصه وقال له في أذنه سرا: (لا تشغل قلبك بشئ مما ترى من هذا الامر ولا تستبشر فإنه لا يتم).
وقد ذكر الطبري (5) أن عليا الرضا لما قدم مرو أحسن المأمون وفادته. وجمع رجال دولته وأخبرهم أنه قلب نظره في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه. فولاه عهده ولقبه الرضا من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد شعار العباسيين وكتب بذلك إلى الآفاق وذلك لليلتين خلتا من رمضان سنة 201 ه‍.
فأحفظ ذلك بني العباس ولا سيما منصور وإبراهيم ابني المهدي. وامتنع أهل بغداد عن البيعة للرضا. ثم خاض الناس في خلع المأمون وأخذ البيعة لإبراهيم بن المهدي وسار المأمون بجيشه من مرو إلى بغداد وأخضع الناكثين، وعفا عن عمه وقرابته.
كتاب العهد الذي كتبه المأمون لعلي الرضا (6) (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه ابن هارون الرشيد لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده: أما بعد. فإن الله عز وجل اصطفى الاسلام دينا واختاره له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه، يبشر أولهم آخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم حتى انتهت نبوة الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم على
فترة من الرسل ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين وجعله شاهدا عليهم ومهيمنا. وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نزل من حكيم حميد. فلما انفضت النبوة وختم الله بمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المرسلين في الخلافة ونظامها والقيام بشرايعها وأحكامها.
(ولم يزل أمير المؤمنين منذ انقضت إليه الخلافة وحمل مشاقها واختبر مرارة طعمها ومذاقها مسهد العينين، مضينا لبدنه، مطيلا لفكره، فيما فه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الأمة وجمع الكلمة ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة.
ومنعه ذلك من الخفض والدعة ومهنأ العيش محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحا له في دينه وعباده. ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه وأرجاهم للقيام بأمر الله تعالى وحقه مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك ومسئلته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، معملا فكره ونظره فيما فيه طلبه والتماسه من أهل بيته من ولد عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب، مقتصرا ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة ممن خفي عليه أمره جهده وطاقته، رضاه وطاعته حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة، وكانت خيرته بعد استخارة الله تعالى، واجتهاده في نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في الفئتين جميعا، علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الذايع، وورعه الظاهر الشايع، وزهده الخالص النافع، وتخليته من الدنيا، وتفرده عن الناس، وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه مطبقة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، والاخبار واسعة، ولما لم نزل نعرفه به من الفضل يافعا وناشئا، وحدثا وكهلا، فلذلك عقد بالعهد والخلافة من بعده، واثقا بخيرة الله تعالى في ذلك، إذا علم الله تعالى أنه فعله إيثارا له وللدين. ونظرا للاسلام، وطلبا للسلامة وثبات الحجة والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين. ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه، فبايعه الكل مطيعين ومسارعين مسرورين
عالمين بإيثار المؤمنين طاعته على الهوى في ولده وغيره ممن هو أشبك رحما وأقرب قرابة وسماه الرضا إذ كان رضيا عند الله تعالى وعند الناس. وقد آثر طاعة الله والنظر لنفسه وللمسلمين. والحمد لله رب العالمين. كتب بيده من يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين).
التعليق على كتاب المأمون، ورد قول الدكتور حسن إبراهيم حسن وبروكلمان:
ولله در المأمون إذ فضل الإمام علي الرضا على بنيه وآل بيته أجمعين مبتغيا في ذلك رضا الله تعالى. وقد أخطأ الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الاسلام (7) عندما اتهم المأمون بأنه إنما فعل ذلك سياسة ليسترضي الخراسانيين.
والواقع أن المأمون بفعله هذا أثار البيت العباسي وكادت الخلافة تخرج من يده عندما ولى بنو العباس عمه إبراهيم بن المهدي الخلافة، وقد نقم عليه بنو العباس ذلك الفعل ونصحه وزيره الحسن بن سهل إلا يقدم على هذا العمل الذي فيه إغضاب البيت العباسي بأكمله مع أنصارهم وهم كثر.
ولكن المأمون آثر الله والدار الآخرة ونصح للأمة جهده فولى علي الرضا العهد من بعده، بل أراد أن يتنازل له عن الخلافة ولكن الرضا أبى ذلك..
فالاتهام بأن المأمون إنما فعل ذلك ليسترضي الخراسانيين لا أساس له من الصحة.. وقد كان الخراسانيون يوالون المأمون ويحبونه حبا جما. ولم يكن محتاجا لهذه الحركة السياسية التي كادت أن تنزع الحكم والخلافة من بين يديه.
ثم إن اتهام المأمون بأنه هو الذي دبر اغتيال الإمام علي الرضا بالسم، وكذلك اغتيال وزيره الفضل بن سهل، اتهام باطل لا دليل عليه. ولست أدري لماذا أصر الدكتور حسن إبراهيم حسن على هذه الاتهامات الباطلة التي نقلها عن المستشرقين من أمثال بروكلمان في كتابه تاريخ الشعوب الاسلامية، كما نقلها عن بعض كتاب الشيعة.
والأدهى من ذلك أن الدكتور حسن إبراهيم حسن نقل آراء بروكلمان وغيره من المستشرقين دون ترو ولم ينسبها لهم بل نسبها لنفسه، ومن ذلك تعليله لحب المأمون لآل علي وتوليته علي الرضا ولبسه الخضرة شعار العلويين وضرب الدراهم والدنانير باسم الرضا وتزويجه لابنته.
يقول الدكتور حسن إبراهيم: (وليس من عجب في ذلك. فقد كان المأمون نفسه متأثرا بالعقائد الفارسية لأن أمه كانت خراسانية).
وما دخل العقائد الفارسية المجوسية في هذا كله. إنه الحقد الصليبي الذي جعل بروكلمان وأضرابه يقولون هذا الكلام ثم يأتي أساتذة علم التاريخ من المسلمين من تلامذتهم، فينقلون كلامهم حرفيا دون وعي ولا إدراك.
وكثيرا ما وجدنا كلام بروكلمان أو جب أو بارتولد أو فامبري وتعليلاتهم الفاسدة والجاهلة والحاقدة ينقلها للأسف الشديد أساتذة التاريخ في جامعات العالم العربي والاسلامي نقل مسطرة دون وعي ولا تروي.
وهذه الآراء متناقضة تمام التناقض فتارة يدعي أن المأمون أحب آل علي نتيجة تأثره بالعقائد الفارسية المجوسية!!!! لأن أمه كانت فارسية!!؟ وتارة يقول أنه لم يكن يحب الرضا ولا آل علي وإنما فعل ذلك سياسة ليسترضي الخراسانيين..
وفي نفس الوقت يعترف أن وزراء المأمون عارضوا هذه البيعة وأن البيت العباسي بأكمله ثار ضد هذه البيعة، وكادت الخلافة تفلت من يد المأمون بسبب هذه البيعة.. ثم يزعم بعد ذلك أن المأمون هو الذي أمر بوضع السم لعلي الرضا في قطف من العنب وهو الذي سم الفضل بن سهل وزيره الأول.. وكل ذلك ليتخلص من علي الرضا وأنصاره!!.
ولم يكن المأمون بحاجة إلى هذا كله فقد كان يكفيه أن يولي ابنه العباس أو أخاه المعتصم ولاية العهد فيستقر له الامر كما أحب.. وعلي الرضا لا قوة له ولا شوكة.. وإن تحرك فعل به كما فعل بآبائه من قبل.. مع أن التاريخ يشهد أن الإمام علي الرضا كان زاهدا في الخلافة كل الزهد وأنه رفضها عندما عرضها عليه المأمون ولم يقبلها إلا بعد إلحاح شديد منه.
ما كتبه الإمام علي الرضا بخطه على عهد المأمون (8) (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. وصلواته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
(أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر أن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمن نفوسا فزعت، بل أحياها بعد أن أمن الحياة أنسيت، فأغناها بعد فقرها، وعرفها بعد نكرها، مبتغيا بذلك رضا رب العالمين، لا يريد جزاء من غيره وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين.
وإنه جعل إلي عهده والامرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها أو فصم عروة أحب الله نشافها فقد أباح الله حريمه وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الامام، منتهكا حرمة الاسلام. وخوفا من شتات الدين، واضطراب أمر المسلمين. وحذر فرصة تنتهز، وناعقة تبتدر، جعلت لله على نفسي عهدا إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، أن أعمل فيهم بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يقول: (وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا). وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للعزل مستحقا، وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين... وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين. لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه. والله تعالى يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا. وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاه، والحاضرين من أولياء نعمه، وخواص دولته، وهم الفضل بن سهل وسهل بن الفضل، والقاضي يحيى بن أكثم وعبد الله بن طاهر وثمامة بن الأشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان. وذلك في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
وعلى النص شهادة القاضي يحيى بن أكثم وفيه: (شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا الكتاب ظاهره (كتبه المأمون) وباطنه (كتبه علي الرضا) وهو يسأل الله تعالى أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق. وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه) وشهد كذلك على النص عبد الله بن طاهر وحماد بن النعمان وبشر بن المعتمر والفضل على رؤوس الاشهاد وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وساير الأولياء والأخيار بعد أخذ البيعة عليهم واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين (المأمون) من العهد لعلي بن موسى الرضا لتقوم به الحجة على جميع المسلمين، وتبطل الشبهة التي كانت اعترضته لآراء الجاهلين. وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه. وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في تاريخ المعين فيه.
وقد اتفقت المصادر على أن البيعة تمت في شهر رمضان سنة 201 ه‍، وهناك بعد ذلك اختلاف طفيف هل هي في خمسة أو ثلاثة أو سبعة من شهر رمضان.. وكذلك تتفق المصادر جميعا على أن المأمون زوج ابنته للإمام علي الرضا في نفس السنة.. ثم ذهب بها الإمام علي الرضا إلى المدينة فكتبت إلى أبيها المأمون تشتكي الرضا من ذهابه إلى بعض سراريه كما تشتكي إليه خشونة العيش معه فكتب لها المأمون يأمرها بطاعته وخدمته.. وهذا دليل آخر على حب المأمون للإمام علي الرضا.
صلاته بالناس يوم العيد وقد ذكرت المصادر التاريخية (9) أن المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج، أحدث عنده ثقلا له عن الخروج للناس بالصلاة. فقال لأبي الحسن الرضا: قم يا
أبا الحسن اركب وصل بالناس العيد. فامتنع الرضا وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فأعفني من الصلاة (بالناس). فقال المأمون إنما أريد أن أنوه بذكرك ليشهر أمرك بأنك ولي عهدي، والخليفة من بعدي، وألح عليه في ذلك.
فقال له الرضا: إن أعفيتني من ذلك كان أحب إلي. فإن أبيت إلا أن أخرج إلى الصلاة بالناس، فإنما أخرج كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج للصلاة على الصفة التي كان يخرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المأمون: افعل كيف ما أردت. وأمر المأمون القواد والجنود أعيان دولته بالركوب في خدمته.
فلما خرج الإمام الرضا من بيته وقد لبس أفخر ثيابه وتعمم بعمامة قطن ألقى طرفا منها على عاتقه وأخذ عكازا في يده وخرج ماشيا ولم يركب. وسار بمواليه مكبرا مهللا فنزل الجند والقواد وأعيان الدولة عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه مهللين مكبرين.. وكان كلما كبر الرضا كبر الناس حتى خيل للناس أن الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير وتزلزلت مرو وارتفع البكاء والضجيج.. وأسرع الفضل بن سهل إلى المأمون وقال له: (يا أمير المؤمنين تدارك الناس، واخرج وصل بهم، وإلا خرجت منك الخلافة الآن..) فبعث المأمون إلى الرضا رسولا يقول له: (قد كلفناك يا أبا الحسن. ولا نحب أن يلحقك مشقة.. ارجع إلى بيتك).. وخرج المأمون مسرعا وراءه وصلى بالناس.
من كلامه ومروياته وصفاته قال إبراهيم بن العباس: سمعت العباس يقول: ما سئل الرضا عن شئ إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره. وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيبه الجواب الشافي. وكان قليل النوم، كثير الصوم، كثير المعروف والصدقة سرا وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح.
سأله رجل ذات يوم: أيكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: هو أعدل من ذلك. قال: فيقدرون على فعل كل ما يريدون. قال: هم أعجز من ذلك.
وسأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون قائلا: (يا أبا الحسن: الخلق مجبرون؟ قال: إن الله تعالى أعدل من أن يجبر ثم يعذب. قال: فمطلقون؟ قال:
الله تعالى أحكم من أن يمهل عبده ويكله إلى نفسه).
وقد روى الإمام علي الرضا كثيرا من الأحاديث عن أبيه عن جده يرفعها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم أشهرها حديث: لا إله إلا الله حصني. ومن دخل حصني أمن عذابي.
ولهذا الحديث قصة نوردها كما أوردها أهل التاريخ (10 - 11 - 12). وهو أن الإمام علي الرضا دخل نيسابور في السنة التي توفي فيها بعد أن تمت له البيعة بولاية العهد بسنتين. وكان يسير على بغلة في قبة مستورة فتعرض له الحافظان الجليلان أبو زرعة الرازي (13) ومحمد بن أسلم الطوسي (14) ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم وأهل الحديث. فقالا له: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة. بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نذكرك به.
فاستوقف البغلة وكشف الستر وقال: (حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلاء عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حدثني جبريل قال: سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي). ثم أرخى الستر وسار. وعدوا في ذلك اليوم أهل المحابر الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا. وقال أبو القاسم القشيري: اتصل هذا السند ببعض الامراء السامانية (وهم حكام بخارى وما وراء النهر في زمن المأمون ومن بعده) فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه في قبره. فرؤي بالنوم بعد موته، فقيل له ما فعل الله بك. قال غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي بأن محمدا رسول الله.. وقد روي هذا الحديث بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة منها قوله تبارك اسمه: (إني أنا الله لا إله إلا أنا، من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي).
وقد روى الإمام علي الرضا أحاديث كثيرة عن أبيه عن جده يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. ثم قال: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل).
* (ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة من مؤمن إلا وله جار يؤذيه).
* (الشيب في مقدم الرأس عز، وفي العارضين سخاء وفي الذوائب شجاعة وفي القفا شؤم).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما معلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها أنها قاطعة لها. قلت كم بينك وبينها من أب؟ قالت: نلتقي من أربعين أبا.
* وقال علي الرضا: من صام من شعبان يوما واحدا ابتغاء ثواب الله إلا دخل الجنة، ومن استغفر الله تعالى في كل يوم سبعين مرة حشره الله يوم القيامة في زمرة النبي صلى الله عليه وسلم ووجبت له من الله الكرامة. ومن تصدق في شعبان بصدقة ولو بشق تمرة حرم الله جسده على النار).
وذكر الجويني (15) أن عليا الرضا قال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه، وسنة من نبيه، وسنة من وليه.
فأما السنة من ربه فكتمان سره. قال الله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (الجن 26 - 27).
وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (الأعراف 199).
وأما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء. قال الله تعالى:
(والصابرين في البأساء والضراء) (البقرة 177).
وعنه أنه قال: إن الله عز وجل أمر بثلاثة، مقرون بها ثلاثة: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته. وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله عز وجل. وأمر باتقاء الله عز وجل وصلة الرحم، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله تعالى.
وعنه قال: الصلاة قربان كل تقي.
وقال: صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله.
وعنه قال: السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه.
وقال: أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه وتعالى وهو ساجد، وذلك قوله عز اسمه (واسجد واقترب).
وقال: إذا نام العبد وهو ساجد قال الله سبحانه وتعالى للملائكة: انظروا إلى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي.
وكان الرضا كثيرا ما يردد.
إذا كنت في خير فلا تغترر به * ولكن قل: اللهم سلم وتمم وكان يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغض على عيوبه واصبر على ثلب السفيه * وللزمان على خطوبه ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حسيبه * ويروى أنه قال: من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله تعالى وجبت له الجنة، ومن صام في يوم من وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر. ومن صام في يوم من آخره جعله الله من أملاك الجنة وشفعه في أبيه وأمه وإخوته وأخواته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته ومعارفه.
* وعنه قال: أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواطن: يوم يولد المولود ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا. ويم يموت فيعاين الآخرة وأهلها. ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا. وقد سلم الله على يحيى في هذه المواطن وأمن روعته فقال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا). وقد سلم عيسى ابن مريم على نفسه في هذه المواطن أيضا وقال: (وسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا).
* وعنه قال: أن موسى بن عمران لما ناجى ربه قال: يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله تعالى إليه: (يا موسى أنا جليس من ذكرني). قال موسى: يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها. فقال: يا موسى اذكرني على كل حال.
* وعنه قال: من قال أن القرآن مخلوق فهو كافر (16).
موقفه مع بعض الصوفية لما دخل الإمام علي الرضا إلى نيسابور جاءه جماعة من الصوفية فقالوا له:
إن أمير المؤمنين (المأمون) لما نظر فيما ولاه من الأمور فرآكم أهل البيت أولى من قام بأمر الناس. ثم نظر في أهل البيت فرآك أولى بالناس من كل واحد، فرد هذا الامر إليك. والإمامة تحتاج إلى من يأكل الخشن ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ويشيع الجنائز؟ وكان الإمام الرضا متكئا فاستوى جالسا ثم قال: كان يوسف بن يعقوب نبيا فلبس أقبية الديباج المزورة بالذهب والقباطي المنسوجة بالذهب وجلس على متكآت آل فرعون وحكم وأمر ونهى. وإنما يراد من الامام قسط وعدل. إذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز. إن الله لم يحرم ملبوسا ولا مطعما وتلا قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
وبينما كان علي الرضا في الطواف سأله رجل عن الجواد فقال الرضا: (إن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه. والبخيل من بخل بما افترض الله عليه. وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع)... وكان علي الرضا يدعو بهذا الدعاء:
(اللهم سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني حلمك فليسعني عفوك، وكما ابتدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك، وكما عرفتني وحدانيتك فألزمني طاعتك. وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك، فاغفر لي ما لو شئت عصمتني منه، يا جواد يا كريم، يا ذا الجلال والاكرام).
من كراماته:
ذكر العلامة علي بن محمد بن أحمد المالكي المعروف باسم ابن الصباغ في كتابه (الفصول المهمة) عددا من كراماته دون أن يفردها بعنوان أثناء ذكر سيرته.
ومن ذلك أن الرضا قال: (واعجبا من هذا. أنا وهارون (الرشيد وكان هارون يضيق عليه) كهاتين، وضم إصبعيه السبابة والوسطى.. فقال مسافر، راوي القصة، فوالله ما عرفت حديثه من هارون إلا بعد موت الرضا ودفنه إلى جانب هارون الرشيد في مدينة طوس) التي تعرف الآن باسم مدينة مشهد (أي مشهد الرضا) وهي في غرب إيران.
وروى ابن الصباغ عن موسى بن عمران أنه قال: (رأيت علي بن موسى الرضا في المدينة (المنورة) وهارون الرشيد يخطب، قال: أتروني وإياه ندفن في بيت واحد!!؟.
وعن حمزة بن جعفر الأرجائي، قال: خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام من باب وخرج علي بن موسى الرضا من باب فقال الرضا: يا بعد الدار وقرب الملتقى يا طوس... يا طوس.. يا طوس ستجمعيني وإياه.
وروى بكر بن صالح قال: أتيت الرضا وقلت له إن امرأتي حامل فادع الله أن يجعله ذكرا، فقال: هما اثنان فقلت أسمي واحدا محمدا والآخر عليا، فدعاني وردني وقال: سم واحدا عليا والأخرى أم عمرو. فقدمت الكوفة فولدت لي غلاما وجارية فسميت الذكر عليا والأنثى أم عمرو كما أمرني.. وقلت لأمي: ما معنى أم عمرو؟ قالت: جدتك كانت تسمى أم عمرو (17).
وروى الحاكم النيسابوري الحافظ بإسناده أن أبا حبيب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكأنه قد وافى المسجد الذي ينزل الحجاج من بلدنا في كل سنة. وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه فوجدت عنده طبقا من خوص المدينة فيه تمر صيحاني. وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولنيها فعددتها فوجدتها ثمانية عشرة تمرة. فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة. فلما كان بعد عشرين يوما أخبرت بقدوم أبي الحسن الرضا إلى المدينة فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه. وتحته حصير مثل الحصير الذي رأيتها تحته. وبين يديه طبق من خوص وفيه تمر صيحاني، فسلمت عليه فرد السلام، فاستدناني وناولني قبضة من ذلك التمر فعددتها فإذا هي ثماني عشرة حبة كما ناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت زدني فقال: لو زادك لزدناك.
وروى الحاكم النيسابوري بسنده أن الإمام علي الرضا نظر إلى رجل فقال له: يا عبد الله أوصي بما تريد، واستعد لما لا بد منه، فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيام.
وعن الحسين بن موسى قال: كنا حول أبي الحسن الإمام علي الرضا ونحن شباب من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن علي العلوي وهو رث الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض مستزرين لهيئته. فقال الرضا: سترونه عما قريب كثير المال، كثير الخدم، حسن الهيئة. فما مضى إلا شهر واحد حتى ولي أمرة المدينة وحسنت حاله.
وكان يمر علينا وحوله الخدم والحشم يسيرون بين يديه.
وعن الحسين بن يسار قال: إن الرضا ذكر أن عبد الله المأمون يقتل محمدا الأمين وذلك قبل وفاة هارون الرشيد. فكان كما قال.
ومر يحيى بن خالد البرمكي في منى وهو مغطى وجهه من الغبار فقال أبو الحسن الرضا عندما رآه: (مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة.
فكان من أمرهم ما كان).
وقد سبق أن ذكرنا قصة الشاعر دعبل الخزاعي الذي مدح الرضا بقصيدة فأعطاه الرضا مائة دينار فأراد أن يردها لأنه لم يمدح الرضا إلا قربى ومحبة لآل رسول الله. وقد أخبره الرضا أنه سيصرفها أحوج ما يكون إليها. فكان كما كان عندما هاجمهم اللصوص ثم عفوا عنهم وردوا مالهم بسبب القصيدة إياها كما تقدم. كما ذكرنا أن الرضا أثناء احتفال ولاية العهد أسر إلى أحد خاصته أن هذا الامر لا يتم. فكان كما قال.
وأخبر الرضا هرثمة بن أعين وكان من خدام المأمون وخاصته بسر وطلب منه أن لا يحدث به إلا عند وفاته. قال له: يا هرثمة أنه قد دنا رحيلي ولحوقي بجدي وآبائي. وقد بلغ الكتاب أجله وإني أطعم عنبا ورمانا مفتونا فأموت.
ويقصد الخليفة أن يجعل قبري خلف قبر أبيه الرشيد. ولكن الأرض تشتد عليهم فلا تعمل فيها المعاول.. يا هرثمة إنما مدفني في الجهة الفلانية، وعين له المكان.
فإذا أنا مت فاعلمه (أي المأمون) بجميع ما قلته لك. وقل له إن أرادوا الصلاة علي فلا يصلوا علي وليتأنى بي قليلا فإنه يأتيكم رجل عربي ملثم على ناقة من جهة الصحراء فينيخ راحلته وينزل عنها فيصلي علي. وصلوا معه، فإذا فرغتم من الصلاة علي وحملتموني إلى مدفني الذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا مطبقا معمورا في قعره ماء أبيض، إذا كشفت عنه الطبقات نضب الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه).
فلما مات الرضا أخبر هرثمة المأمون.. والمأمون متعجب من ذلك متحير فلما خرجوا به للصلاة انتظروا قليلا فجاء الرجل الملثم على ناقته كما وصف الرضا فصلى عليه ثم اختفى.. وحفر المأمون خلف الرشيد فأبت المعاول أن تفعل فيها شيئا لصلابة الأرض. وعين هرثمة الموضع الذي وصفه له الرضا فوجدوه كما وصف فدفنوه فيه.
وكانت وفاة علي الرضا في طوس بخراسان (تدعى الآن مشهد في إيران) في قرية تابعة لها يقال لها استياء (18) وذلك في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين. وله من العمر خمس وخمسون سنة. وأغلب الظن أنه مات مسموما بقطف من عنب وضعت فيه الأبر المكسوة بالمادة السامة ثم نزعت منها الأبر. وقدم ذلك للرضا فمات بعدها. ولكن لا يعلم على وجه اليقين من سمه..
ولا شك أن بني العباس تخلصوا بوفاته من منافس خطير كاد أن يخرج الخلافة منهم إلى الأبد.
وكما تم لبني مروان التخلص من عمر بن عبد العزيز عندما طلب من الخوارج أن يمهلوه ثلاثة أيام ليجد حلا لموضوع ولاية العهد. فلما علم بذلك بنو مروان أجهزوا عليه وسموه. ولم يكمل الأيام الثلاثة.
وكذلك تم لبني العباس التخلص من علي الرضا الذي ولاه المأمون ولاية العهد وضرب اسمه على الدرهم والدينار وخطب باسمه على المنابر ولبس من أجله الخضرة بدلا من السواد.
ولكن من العسير جدا أن نقبل اتهام المأمون بأنه المدبر لمقتل الرضا. وذلك لما نعلمه من محبة المأمون الشديدة لعلي الرضا وتزويجه ابنته وجعله وليا لعهده ومحاربته في ذلك أهل بيته.
وقد ذكر إبراهيم بن محمد الجويني (19) بسنده عن الحاكم البيع الحافظ يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستدفن بضعة مني بخراسان، لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار.
وفي رواية: ستدفن بضعة مني بأرض خراسان، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته ولا مذنب إلا غفر الله ذنبه.
وقد روي أن رجلا من خراسان جاء إلى علي الرضا وقال له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت رسول الله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي؟ قال الرضا: أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيكم وأنا الوديعة والنجم.
وعن الحاكم النيسابوري البيع بسنده قال أن علي الرضا قال: إني مقتول مسموم مدفون بأرض غربة، أعلم ذلك بعهد عهده إلي أبي عن أبيه عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة.
ومن كنا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين.
عن علي بن محمد بن علي الرضا قال: من كانت له إلى الله حاجة فليزر قبر جدي الرضا بطوس وهو على غسل وليصل ركعتين ويسأل الله تعالى حاجته في قنوته، فإنه يستجاب له ما لم يسأله في مأثم أو قطيعة رحم. وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة، لا يزورها مؤمن إلا أعتقه الله من النار وأدخله دار القرار.
وذكر إبراهيم الجويني (20) أن الرضا دخل على المأمون فوجد عنده امرأة تسمى زينب وكانت تدعي أنها من نسل الإمام علي وأن عليا دعا لها بالبقاء إلى يوم الساعة. فقال له المأمون: سلم على أختك فقال الرضا: والله ما هي أختي ولا ولدها علي بن أبي طالب. فقالت زينب: والله ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال الرضا: إنا أهل بيت لحومنا محرمة على السباع، فاطرحها إلى السباع فقالت زينب: ابدأ بالشيخ. فقال المأمون لقد أنصفت. قال الرضا: أجل ودخل على السباع فلما أن رأته بصبصت له فقام وصلى ما بينها ركعتين ثم خرج. فأمر المأمون بزينب وطرحت للسباع فأكلتها.
وذكر الجويني أن الرضا دخل على المأمون وبين يديه سبع شعرات وهو متحير فيهن فقال له الرضا: ما لي أراك مهموما؟ قال المأمون: بالباب بدوي دفع إلي سبع شعرات يزعم أنهن من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلب الجائزة، فإن يك صادقا ومنعته الجائزة قد بخست شرفي، وإن يك كاذبا فأعطيته الجائزة فقد سخر بي، وما أدري ما أعمل. فقال الرضا: النار والشعر. فألقى الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات وبقيت أربعة لم يكن للنار عليها سبيل. فأدخل المأمون البدوي وهدده فاعترف بأن ثلاث شعرات كانت من لحيته وهي التي أكلتها النار وأن أربعا كانت من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تمسها النار.
احتباس المطر بعد البيعة بولاية العهد للرضا لما بويع الرضا بولاية العهد احتبس المطر وتكلم أناس في ذلك وسعوا به إلى المأمون. فاشتد ذلك على المأمون، وقال للرضا: قد احتبس عنا المطر، فلو دعوت الله تعالى أن يمطر الناس. قال الرضا: نعم. قال المأمون: ومتى تفعل ذلك؟
وكان ذلك يوم الجمعة فقال الرضا: يوم الاثنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: يا بني انتظر يوم الاثنين فأبرز فيه إلى الصحراء واستسق فإن الله عز وجل يسقيهم وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك.
فلما كان يوم الاثنين بروزا إلى الصحراء وخطبهم الرضا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وآله ودعا بالسقيا والغيث، وقال: وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم.
فاجتمعت الغيوم لساعتها وأرعدت وأبرقت، فتحرك الناس، فقال الرضا: على رسلكم أنها الناس فليس هذا الغيم لكم، إنما هو لبلد كذا. فمضت السحابة وعبرت ثم أتت أخرى فتحرك الناس فقال لهم: وهذه ليست لكم وإنما هي لبلد كذا حتى مرت عشر سحائب فلما جاءت الحادية عشرة قال لهم: هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عز وجل (21).
ونزل المطر غزيرا وعظمت البركة بدعاء الإمام علي الرضا.
وذكر الجويني (22) أن أبا النضر المؤذن النيسابوري أصابته علة شديدة وثقل عليه الكلام، فذهب إلى الرضا لزيارته ودعا الله عنده وتوسل به. فرأى الإمام الرضا في المنام يقول له: قل لا إله إلا الله. فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق، فصاح أتنكر قدرة الله.. قل لا إله إلا الله، فقلتها وانطلق لساني ولم ينغلق بعدها.. وأكثرت من لا إله إلا الله).
وذكر أن زيد الفارسي أصيب بالنقرس الشديد في رجليه فلم يستطع أن يصلي قائما، فزار الرضا ودعا الله عنده فذهب عنه النقرس.
قال الجويني والحوادث التي رويت في هذا الباب كثيرة ومتواترة إلى يومنا هذا.. وكثيرا ما يفرج الله الهم وتقضى الحوائج بدعاء الله الكريم والتوسل بنبيه وآل بيته.
* * *
ولا بد لنا لكي نستكمل ترجمة الإمام علي الرضا أن نترجم لوالده الإمام موسى الكاظم فهو شيخه وأستاذه وقدوته وإمامه. ثم نترجم لابنه محمد الجواد الذي أخذ عنه وتأدب بأدبه فهو مرآة أبيه علي الرضا. ثم نترجم لمولاه معروف الكرخي فقد أخذ من علم الإمام علي الرضا وأدبه وزهده الكثير.
وهذه ظاهرة عجيبة لا توجد لدى أي أمة من الأمم إلا في هذه الأمة المرحومة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث يصل العبيد والموالي إلى مراكز مرموقة في العلم والتقى ويتولون قيادة المجتمع. وكما يقول ابن خلدون في المقدمة فإن أكثر أهل العلم هم من الموالي (أي الذين كانوا عبيدا وأعتقوا). ثم صارت لهم الغلبة والدولة منذ أن جلب المعتصم العباسي الأتراك من سهول القفجاق (التركستان الشرقية) وجعلهم جنده وخاصته وتولوا الوزارة. وكان من هؤلاء أحمد بن طولون الذي أسس الدولة الطولونية في مصر والاخشيد الذين أسسوا الدولة الاخشيدية ومحمود بن سبكتكين الغزنوي الذي أسس الدولة الغزنوية.. والدولة الخوارزمية أسسها مولى وهو أنوشتكين. والدولة السلجوقية الباذخة أسسها مولى. وأما دولة المماليك فهي أشهر من أن تذكر.
وفي العلم كان في طبقة الصحابة سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وزيد بن حارثة مولى رسول الله وياسر وزوجته سمية وابنهما عمار وكلهم كانوا من الموالي والعبيد فرفعهم الاسلام إلى القمة الباذخة.
ومن طبقة التابعين نذكر الإمام الحسن البصري مولى أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذ الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وحامل الكثير من علمه وعلم أجلة الصحابة.
وكان في هذه الطبقة عكرمة مولى ابن عباس وحامل الكثير من علمه، ونافع مولى ابن عمر وتلميذه.. وكان فيهم طاووس ومكحول الدمشقي وكلهم من الموالي.
وتكفي هذه اللمحة وإلا فالمجال واسع ويحتاج إلى رسالة خاصة ومؤلف كامل لو أمد الله في العمر لوضعناه بإذن الله تعالى، وذلك للرد على من يتخرصون
ويتهجمون على الاسلام بأنه أقر نظام الرق: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم).. وهؤلاء الأدعياء من الكفار والصليبيين ونغولهم هم من أشد الناس استعبادا لخلق الله..
وفي الولايات المتحدة استعبد الرجل الأبيض مائة مليون شخص جلبوا من إفريقيا على مدى قرنين من الزمن، قتل فيها تحت سياط التعذيب وفي المناجم والحقول والمصانع أكثر من سبعين مليون إفريقي.
ولم يعرف السود في الولايات المتحدة شيئا من الحرية إلا في الآونة الأخيرة بعد اغتيال مارتن لوثر كنج في الستينات من القرن العشرين.
2) والد الإمام علي الرضا: الإمام موسى الكاظم 128 - 183 ه‍ صفته ونسبه: وصفه ابن الصباغ بقوله:
(وهو الامام الحبر الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما).. وكان إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال.
وهو موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب، مولده بالأبواء، حيث دفنت آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك سنة 128 ه‍ وأمه أم ولد تسمى حميدة البربرية (من البربر من شمال إفريقية). وكنيته أبو الحسن. وألقابه كثيرة أشهرها الكاظم ثم الصابر والصالح والأمين.
كان رحمه الله أسمر اللون وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا وكان يتفقد فقراء المدينة ويحمل إليهم نفقاتهم إلى بيوتهم، لئلا يعرفوه فلما مات انقطع ذلك عنهم.. وتلك كانت صفة آبائه وخاصة علي زين العابدين. وكان أحلم أهل زمانه.. وقد جمع بنيه ذات يوم وقال لهم: إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في أذنه اليمنى مكروها ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر فاقبلوا عذره. وسأله أخوه إسحاق بن جعفر: أيكون المؤمن خائنا؟ قال: لا. قال أيكون كذابا؟ قال: لا... وقال حدثني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل خلة يطوى المؤمن ليس الكذب والخيانة.
وسأله الرشيد ذات يوم: كيف قلتم نحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم بنو علي وإنما ينسب الرجل لأبيه؟ فقال موسى الكاظم: قال الله تعالى في آية المباهلة (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل).
الآية. ولم يدع صلى الله عليه وسلم عند مباهلة نصارى نجران غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء.. وقال تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون. وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس). وليس لعيسى أب وإنما ألحق بذرية الأنبياء من جهة أمه، وكذلك ألحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء) فسكت الرشيد وأفحم.
ولما حبس المهدي العباسي الإمام موسى الكاظم رأى الإمام علي بن أبي طالب في النوم يقول له: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) فانتبه المهدي وأرسل من فوره إلى الربيع وأمره بإخراج موسى بن جعفر من السجن وإحضاره إليه. فلما حضر قام وعانقه وأخبره الرؤيا. وقال له: تأمنني أن لا تخرج علي ولا على أحد من ولدي. فقال الإمام موسى الكاظم: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني. قال صدقت.. وقال: يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى المدينة.
من كراماته (رضي الله عنه) لقد رويت عنه كثير من الكرامات. وليس ذلك بمستغرب فقد كان خيرة أهل عصره وأفضلهم وأعلمهم وأزهدهم وأعبدهم.
قال حاتم الأصم (23): قال لي شقيق البلخي (24): خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة (149 ه‍) فنزلت القادسية فبينما أنا أنظر الناس إذ نظرت إلى شاب حسن الوجه، شديد السمرة نحيف، فوق ثيابه صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان وقد جلس منفردا. فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم.. والله لأمضين إليه ولأوبخنه. فدنوت منه فلما رآني قال: يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم، وتركني وولى.
فقلت في نفسي إن هذا الامر عظيم تكلم على ما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح، لألحقنه وأسأله الدعاء وأن يحللني مما ظننته به فغاب عني.
فلما نزلنا واقضة فإذا هو واقف يصلي فصبرت حتى فرغ من صلاته فالتفت إلي وقال: يا شقيق (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ثم قام ومضى وتركني. فقلت هذا الفتى من الابدال لقد تكلم على سري مرتين.
فلما نزلنا زبالا (اسم منزل) وإذا أنا بالفتى قائم على البئر. وبيده ركوة (قربة) يريد أن يستقي فيها الماء، فسقطت الركوة من يده في البئر فرمق إلى السماء بطرفه وسمعته يقول: أنت ربي إذا ظمئت.. ثم قال اللهم إلهي وسيدي ما لي سواك. فلا تعدمنيها. قال شقيق فوالله لقد رأيت الماء ارتفع إلى رأس البئر والركوة طافية عليه فمد يده وأخذها ملأ، فتوضى منها وصلى أربع ركعات. ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويجعل في الركوة ويحركها ويشرب فأقبلت نحوه وسلمت عليه فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك فقال: يا شقيق، لم تزل نعم الله ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب. فشبعت ورويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.
ثم رأيته بمكة وهو قائم يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك إلى طلوع الفجر. فلما أصبح جلس في مصلاه يسبح الله تعالى ثم قام إلى حاشية الطواف فركع الفجر (أي سنة الفجر) هناك ثم صلى فيه الصبح (أي صلاة الفجر) مع الناس. ثم دخل الطواف فطاف إلى بعد شروق الشمس.. ثم خرج فخرجت خلفه أريد السلام عليه. وإذا بجماعة قد طافوا به يمينا وشمالا من خلفه ومن قدامه. وإذا له حاشية وخدم وحشم وأتباع قد خرجوا معه. فقلت لهم: من هذا الفتى! فقالوا: هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت لا يكون هذا إلا لمثل هذا) (25).
وروى ابن الصباغ أن أحد تلاميذ الإمام موسى كان عنده في ليلة مطيرة فقال له: قم فقد انهدم البيت على متاعك. قال (فقمت فإذا البيت قد انهدم على متاعي فاكتريت (استأجرت) قوما كشفوا عن متاعي واستخرجت جميعه لي شئ غير سطل للوضوء. فلما أتيته من الغد قال: فقدت شيئا من متاعك؟ فندعو الله لك بالخلف. قلت: ما فقدت غير سطل كنت أتوضأ به فأطرق رأسه ثلاثا ثم قال: قد ظننت أنك أنسيته قبل جارية رب الدار فاسألها عنه وقل لها: أنسيت السطل في بيت الخلاء فرديه. وأنها سترده عليك). قال فسألتها عنه فردته.
وروى ابن الصباغ أيضا قصة علي بن يقطين أحد موظفي هارون الرشيد.
وكان الرشيد يحبه فأرسل إليه ثيابا فاخرة ومن جملتها دراعة منسوجة بالذهب سوداء من لباس الخلفاء. فأنفذ بها علي بن يقطين إلى الإمام موسى الكاظم.
فردها الامام وكتب إليه: احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها.
وغضب علي بن يقطين على أحد غلمانه وخدمه، وكان الغلام من خاصته ويعلم بأن سيده قد بعث بها إلى الإمام موسى الكاظم. فسعى حتى وصل إلى الرشيد وقال له: إن علي بن يقطين يحمل الأموال وزكاته إلى موسى الكاظم وأنه بعث بالدراعة المنسوجة بالذهب إلى الإمام موسى الكاظم فغضب الرشيد غضبا شديدا.. وكان يخشى من ميل الناس للإمام موسى الكاظم، واستدعى علي بن يقطين وقال له: ما فعلت بالدراعة التي اختصصتك بها من بين سائر خواصي. قال هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط في طيب مختوم عليها فقال: أحضرها الساعة.
فنادى علي بن يقطين بعض خدمه وقال له امض إلى داري وخذا هذا المفتاح وافتح الصندوق الفلاني وائتني بالسفط الذي فيه. فلم يلبث الخادم إلا قليلا حتى جاء بالسفط مختوما.. ففتحه بين يدي الرشيد فإذا الدراعة مطوية وعليها الطيب لم تلبس ولم يصبها شئ. فاعتذر الرشيد لعلي بن يقطين وأمر أن يضرب الساعي ألف سوط فضرب فلما بلغوا خمسمائة مات.
ورغم هذا كله فإن الرشيد بقي يتوجس من الإمام موسى الكاظم والوشاة والسعاة يهولون له الامر ويقولون له إنه يجمع الزكوات من الناس وأنه يسعى للخلافة. فدخل الرشيد المدينة المنورة وسار الرشيد ذات ليلة إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا رسول الله إني أعتذر إليك من أمر أريد أن أفعله. وهو أن أمسك موسى بن جعفر فإنه يريد التشعيب بين أمتك وسفك دمائهم. وإني أريد حقنها. ثم خرج وأمر بحبس موسى بن جعفر وأرسله مخفورا إلى البصرة إلى ابن عمه واليها عيسى بن جعفر بن المنصور. فلما مكث موسى في السجن سنة بعث الرشيد يأمر عيسى بسفك دم الإمام موسى والتخلص منه. فشق ذلك على عيسى بن جعفر وكتب إلى الرشيد يستعفيه من ذلك وأخبره بأن الإمام موسى طوال مدة سجنه لم يذكر الرشيد بسوء ولا أحد من الناس بل كان يدعو للناس كافة مع ملازمته الصيام والصلاة والذكر وقراءة القرآن وأنه لم ير أعبد منه.
فكتب الرشيد إلى السندي بن شاهك أن يتسلم الإمام موسى. وقيل إنه سمه وهو في السجن وقيل بل مات موتا طبيعيا عند ابن شاهك.
وقد ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة أن الإمام موسى بعث إلى الرشيد وهو في السجن كتابا جاء فيه: (إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى معه عنك يوم من الرخاء حتى نمضي جميعا إلى يوم ليس فيه انقضاء. وهناك يخسر المبطلون).
وقد رويت عنه الكثير من الكرامات ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي (ج 2: صفحة 184 - 187) وكتاب ابن الصباغ:
الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ص 231 - 242).
3) ابن الإمام علي الرضا: الإمام محمد الجواد 195 - 220 ه‍ نسبه وصفته وعلمه:
هو أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
ويقال له أبو جعفر الثاني لأن جده محمد الباقر يكنى بأبي جعفر. ولد بالمدينة المنورة في 19 رمضان 195 ه‍. وأمه أم ولد يقال لها سكينة النوبية وقيل المريسية. وأشهر ألقابه الجواد لكثرة جوده.
وكان عظيم الجود واسع الكرم كثير العبادة مشهورا بالعلم والتقوى..
ورغم صغر سنه فقد كان نابغة قوي الحجة. ومما يروى في ذلك أن المأمون خرج يوما للعيد والصبيان يلعبون وفيهم محمد الجواد فلما أقبل المأمون فر الصبيان ووقف محمد الجواد وعمره إذ ذاك تسع سنين فقال له المأمون: يا غلام ما منعك أن لا تفر كما فر أصحابك؟ فقال له محمد الجواد: (يا أمير فر أصحابي فرقا، والظن بك حسن. إنه لا يفر عنك من لا ذنب له، ولم يكن الطريق ضيقا فأنتحي عن أمير المؤمنين).
فأعجب به المأمون وسأله ما اسمك يا غلام؟ فقال: أنا محمد بن علي الرضا.
فترحم المأمون على أبيه الرضا. وأخذه معه وقربه وأكرمه.. وظهرت للمأمون من بركاته ووفور عقله وعلمه ما أدهشه على صغر سنه.. ولما كبر قليلا أراد أن يزوجه ابنته أم الفضل وبلغ ذلك العباسيين فشق عليهم ذلك وكرهوه مخافة أن يعهد إليه بولاية العهد كما عهد لأبيه من قبل.. وألحوا على المأمون في ذلك وقالوا هو فتى صغير. فقال لهم المأمون إن محمدا على صغر سنه، قد فاق من هم أكبر منه سنا وقدرا في العلم ووفور العقل وإن شئتم فاختبروه. فسروا بذلك واجتمع رأيهم على القاضي يحيى بن أكثم لمناظرته ووعدوه بأشياء كثيرة.
فاجتمعوا جميعا للمناظرة وبدأ القاضي يسأل ومحمدا الجواد يجيب عن كل ما سأل بوفور علم ورباطة جأش ولسان طلق.. وتعجب القوم من فصاحة لسانه وحسن اتساق منطقه ونظامه ووفور علمه ومداركه.
وسأله بعد ذلك أبو جعفر (وهذه كنيته قبل أن يكون له أولاد بل قبل الزواج) قائلا: ما تقول في رجل نظر إلى امرأة في أول النهار بشهوة، فكان نظره إليها حراما، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما انتصف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له. فبماذا حلت هذه المرأة لهذا الرجل وبماذا حرمت عليه في هذه الأوقات؟ فقال يحيى بن أكثم لا أدري. ثم طلب من محمد الجواد أن يحل له هذا اللغز الفقهي العويص فقال أبو جعفر محمد الجواد: هذه أمة لرجل من الناس نطر إليها بعض من الناس أول النهار بشهوة فكان نظره إليها حراما. فلما ارتفع النهار ابتاعها من صاحبها فحلت له فلما كان وقت الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار (بعتق رقبة) فحلت له. فلما كان نصف الليل طلقها طلقة واحدة فحرمت عليه، فلما كان الفجر راجعها فحلت.
فأعجب بجوابه الحاضرون وعلى رأسهم المأمون الذي قال: هل فيكم أحد يستطيع أن يجيب مثل هذا الجواب. فقالوا: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأقبل على أبي جعفر وقال إني مزوجك ابنتي أم الفضل، وإن رغم ذلك أنوف قوم. قم فاخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وابنتي.
فوقف أبو جعفر وقال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته، وصل الله على سيدنا محمد سيد بريته والأصفياء من عترته. أما بعد، كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال تعالى:
(وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم. إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).
ثم إن محمد بن علي بن موسى (يعني نفسه) خطب إلى أمير المؤمنين ابنته أم الفضل وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجتني إياها يا أمير المؤمنين على هذا الصداق المذكور. فقال المأمون: زوجتك ابنتي أم الفضل على هذا الصداق المذكور (26).
وقام الخدم يطيبون من في المجلس بأنواع الطيب ويقدمون موائد الحلوى، وفرق المأمون الجوائز والأعطيات.. وتصدق المأمون على الفقراء والمساكين وأهل الأربطة والمدارس بأموال كثيرة.
ثم إن محمدا الجواد سار بأهله إلى المدينة فكتبت أم الفضل إلى أبيها المأمون تشكو أبا جعفر وتقول إنه يتسرى على (أي أنه استخدم السرائر والإماء) فكتب إليها المأمون: (يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لتحرمي عليه حلالا. فلا تعاوديني لذكر شئ مما ذكرت).
وكان من كراماته أنه لما توجه أبو جعفر منصرفا من بغداد إلى المدينة المنورة بأهله دخل مسجدا قديما من باب الكوفة وصلى فيه بالقرب من شجرة نبق لم تحمل قط تمرا. فدعا بكوز وتوضأ في أصل الشجرة وقام يصلي بالناس المغرب ثم انصرف فلما أصبحوا فإذا بالشجرة قد حملت نبقا كثيرا لا عجم فيه (27).
وذكر من كراماته أن حاكم دمشق سجن أحد أتباع الإمام محمد الجواد وقال له الحاكم محمد بن عبد الملك الزيات يسخر منه: قل لمحمد الجواد يخرجك من هذا السجن.. فلما أصبحوا وجدوا السجين وقد غادر السجن، والقيد على حاله، ولم يعرف أحد أين ذهب ولا كيف تخلص من تلك القيود والاغلال من عنقه.
من كلامه ومروياته: روى عن أبيه عن جده يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بعث عليا بن أبي طالب إلى اليمن قال له: (يا علي. عليك بالدلجة، فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار. يا علي عليك بالبكر، فإن الله تعالى بارك لأمتي في بكورها).
ومن أقواله:
(من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة).
(ولو كانت السماوات والأرض وقعتا على عبد ثم اتقى الله تعالى، لجعل له منها مخرجا).
(إن للمحن أخريات لا بد أن تنتهي إليها، فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها، فإن مكابدتها عند إقبالها زيادة فيها).
(ومن وثق بالله أراه السرور، ومن توكل على الله كفاه الأمور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا المؤمن، والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو.. والدين عز والعلم كنز والصمت نور. وغاية الزهد الورع، ولا هدم للدين مثل البدع ولا أفسد للرجال من الطمع. وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البلية. ومن ركب مركب العمر اهتدى إلى مضمار النصر. ومن شتم أجيب. ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى).
(أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحة والغنى والعلم والتوفيق).
(أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأن لهم أجرهم وفخره. فما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه) أي إنك إذا صنعت معروفا لأحد فقد قامت ذلك لنفسك وأنت المستفيد الأول.
(ومن كثر همه سقم بدنه. ومن جهل شيئا عابه، والفرصة خلسة، وعنوان صحيفة المسلم حسن خلقه).
(العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى والصبر زينة البلاء وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الكرم، وترك المن زينة المعروف. والخشوع زينة الصلاة. وترك ما لا يعني زينة الورع).
وكانت وفاته من شهر المحرم سنة 220 ه‍ وهو ابن خمس وعشرين سنة.
4) مولى الإمام علي الرضا:
معروف بن الفيرزان الكرخي وفاته سنة 201 ه‍ نسبه وقصة إسلامه هو أبو محفوظ معروف بن الفيرزان الكرخي. ونسبته إلى الكرخ محلة معروفة ببغداد. وهو مولى الإمام علي الرضا وتلميذه.
كان أبواه نصرانيان فأرسلاه إلى القسيس مع أخيه عيسى ليتعلم الدين النصراني وهو طفل صغير. فكان القسيس يقوله له: آب، ابن، روح قدس فيصيح معروف وهو صغير: بل أحد أحد. فيضربه المعلم ضربا شديدا.. حتى ضرب ذات يوم ضربا مبرحا فهرب على وجهه (28).
وحزنت أمه عليه حزنا شديدا فقد كان (معروف) الصبي شديد الذكاء برا بأمه وكانت أمه تحبه حبا عظيما، فلما فر معروف من القسيس وضربه الضرب الشديد. كان الأم تصرخ وتقول: ليته يعود.. على أي دين شاء.. والله لأتبعنه على دينه.
وغاب معروف في دروب الحياة وتقاذفته أمواجها.. ولكنه ما لبث أن عاد أدراجه إلى أمه وأبيه وإخوته بعد أن تعرف على الاسلام وشرب من حياضه وارتوت نفسه الظمأى إلى النور وأضاء الاسلام جوانب نفسه بأنوار الاسلام وإشراقاته، وزادته ألقا ونورا.
وفرحت الأم بمقدمه فرحا شديدا. وفرح الأب كذلك.. وفرحت الأسرة كلها.. ومضى معروف يحدثهم عن دينه الجديد وما وجد فيه من سكينة النفس وهدوء البال وراحة الضمير.. وحدثهم عن الاله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأخبرهم أن المسيح عليه السلام إنما هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، وأن الله خلقه من غير أب كما خلق آدم من تراب. وليس لله، جلت قدرته، أب ولا ابن ولا زوجة ولا صاحبة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأقبل الفتى معروف على أمه وأبيه وإخوته يحدثهم بكل الحب الذي ملأ جوانح قلبه لهذا الدين ويوضح لهم أن عيسى عليه السلام قد جاء مبشرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد.. وأن دين أحمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يفرق بين أحد من رسل الله... وأن الأنبياء جميعا أبناء علات. دينهم واحد ومقصدهم واحد ووجهتهم واحدة: (إن الدين عند الله الاسلام).
وإنما جاء الاختلاق من أتباع الرسل، الذين حرفوا تلك الرسالات وبدلوها..
وانبهرت الأم بكلام ابنها الواضح الجميل السهل الذي لا تعقيد فيه..
وكانت أول من امتلأت جوانب قلبه بالنور.. فصاحت والدموع في مآقيها:
أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا رسول الله.
ورأى الأب الحق واضحا في ما قاله ابنه الفتى معروف.. وانهدمت كل تلك التساؤلات التي بقيت معشعشة في حنايا صدره بإجابات معروف التي تصل إلى القلب مباشرة دون واسطة ولا حجاب.. وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله. وأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وما لبث الاخوة أن رأوا النور كما رآه الأبوان فأسلمت الأسرة كلها بفضل الله ثم بدعوة معروف لها..
ولا يحدثنا التاريخ عن قصة إسلام معروف بالتفصيل ولكنه يذكر لنا أن معروفا أسلم على يد الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (29).
وأنه أصبح من مواليه وأنه أخذ عنه العلم والعمل.
إقبال معروف على الله:
ومر معروف ذات يوم بواعظ يعظ الناس يدعى ابن السماك فسمعه يقول: من أقبل على الله بقلبه، أقبل الله برحمته إليه، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله يرحمه وقتا ما. قال معروف: فوقع كلامه في قلبي، فأقبلت على الله تعالى، وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا. وذكرت هذا الكلام لمولاي. فقال يكفيك بهذا موعظة إن اتعظت.
وكان معروف رضي الله عنه دائم العبادة قليل الكلام معرضا عن الدنيا زاهدا فيها.
وقد ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة: أن رجلا دخل على معروف في مرضه الذي مات فيه فقال له: يا أبا محفوظ. أخبرني عن صومك؟ قال: كان عيسى عليه السلام يصوم كذا. فقال الرجل: أخبرني عن صومك؟ قال معروف:
كان داود عليه السلام يصوم كذا. فكرر الرجل السؤال فقال معروف: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم كذا.. فقال الرجل: إنما أسألك عن صومك أنت؟ فاضطر معروف لاخباره قائلا: أما أنا فكنت أصبح دهري كله صائما فإن دعيت إلى الطعام أو الشراب أكلت وشربت ولم أقل أني صائم.
وكان ذات يوم صائما فسمع رجلا يقول: رحم الله من شرب من هذا الكوز فأقبل عليه وشرب.
من كلامه: قال له رجل: أوصني، فقال معروف: توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك، وأكثر من ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره. واعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك.
سأله تلميذه سري السقطي ذات يوم عن الطائعين بأي شئ قدروا على طاعة الله عز وجل؟ قال: بخروج الدنيا من قلوبهم، ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة...
وتحدث جار معروف الكرخي وهو القاسم بن محمد البغدادي قال: كنت جار معروف الكرخي، فسمعته في السحر ينوح ويبكي وينشد:
أي شئ تريد مني الذنوب * شغفت بي فليس عني تغيب ما يضر الذنوب لو أعتقتني * رحمة لي؟ فقد علاني المشيب ويذكر ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة أن معروفا كان قاعدا على شاطئ دجلة إذ مر به شباب في زورق يضربون الملاهي ويشربون. فقال له إبراهيم الأطرش، وكان معه: ألا ترى إلى هؤلاء يعصون الله تعالى. أدع عليهم فرفع يده إلى السماء وقال: إلهي وسيدي. أسألك أن تفرحهم في الجنة كما فرحتهم في الدنيا. فاستغرب أصحاب معروف من هذه الدعوة فقال معروف موضحا: إذا فرحهم الله في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم بشئ.
وهكذا كان معروف رحمه الله حريصا على هداية العصاة والدعاء لهم بالتوبة.. وقال ابن أخت معروف ذات يوم: يا خال أراك تجيب كل من دعاك.
قال: يا بني، إنما خالك ضيف ينزل حيث ينزل. وهو يعني قرب سفره من الدنيا وعدم احتفاله بها.
وكان معروف يكره أن يغتاب أحد في مجلسه. فإذا تحدث أحد الحاضرين بذكر فلان قال له: أذكر الموت، واذكر القطن إذا وضعوه على عينيك.
وكان معروف إذا خلا إلى نفسه بكى وضرب نفسه وقال: يا نفس كم تبكين؟ أخلصي وتخلصي.
من كراماته (30) قال خليل الصياد: غاب ابني إلى الأنبار فوجدت أمه وجدا شديدا فأتيت معروفا وأخبرته بوجد أمه وطلبت منه أن يدعو الله أن يرده عليها فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك فأت به. قال خليل: فأتيت باب الشام (في بغداد) فإذا ابني قائم منبهر فقلت يا محمد. فقال:
يا أبت. الساعة كنت بالأنبار).
وجاءه ابن شيرويه ذات يوم وقال له: يا أبا محفوظ. بلغني أنك تمشي على الماء. فقال معروف ما مشيت على الماء قط، ولكن إذا هممت بالعبور يجمع لي طرفاها (أي طرفي دجلة) فأتخطاها.
من تلاميذه: يعتبر سري السقطي من أكبر تلاميذ معروف الكرخي. وكان سري يقول: هذا الذي أنا فيه من بركات معروف. انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبيا شعثا. فقلت له: من هذا؟ قال: رأيت الصبيان يلعبون. وهذا واقف منكسر فسألته لم لا تلعب؟ قال أنا يتيم فأخذه عنه سري وكساه وأعطاه فقال معروف: خذه أغنى الله قلبك.. وبغض إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه.
قال سري: فقمت من الحانوت وليس شئ أبغض إلي من الدنيا. وكل ما أنا فيه من بركات معروف. وتتلمذ على يد سري السقطي ابن أخته الجنيد شيخ الطائفة العالم الرباني الزاهد العابد.


___________________
(1) ابن خلكان وفيات الأعيان ج 1 / 321 - 322.
(2) ابن الصباغ: الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص 247.
(3) مرو عاصمة إقليم خراسان وتدعى مرو الشاهجان وقد أخرجت مئات العلماء مثل عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري والفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وبشر الحافي.. وهي الآن مهجورة مطمورة في ما يسمى جمهورية تركمنستان في الاتحاد السوفيتي. (انظر أعلام مرو في كتابنا المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ ج 2 / 563 - 589).
(4) انظر الفصول المهمة لابن الصباغ ص 248 - 249.
(5) ابن جرير الطبري: أخبار الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري ج 10 / 43.
(6) ابن الصباغ: الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة. الناشر دار الكتب التجارية، النجف، العراق ص 257 - 259.
(7) تاريخ الاسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي ج 2 / 184 - 186.
(8) ابن الصباغ: الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص 258 - 260.
(9) ابن الصباغ: الفصول المهمة: 260 - 261 والنسيبي: مطالب الرسول 124 ود. حسن إبراهيم حسن: تاريخ الاسلام ج 2 / 187.
(10) الامام الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك في كتابه تاريخ نيسابور.
(11) ابن الصباغ: الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة.
(12) إبراهيم الجويني: فرائد السمطين.
(13) أبو زرعة الرازي: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ بن داود مولى عياش بن مطرف المخزومي القرشي. وكنيته أبو زرعة يشترك فيها معه ما ينيف على الخمسين علما ممن سبقه أو عاصره أو أتى بعده كما يقول الدكتور سعدي الهاشمي في تحقيقه لكتاب الضعفاء لأبي زرعة.
اختلف في سنة مولده على أقوال منها سنة ١٩٠ ه‍ و ٢٠٠ وقال الحاكم النيسابوري ولد سنة ١٩٤ ه‍.
وقد ذكر الامام الحاكم صاحب المستدرك في تاريخ نيسابور أن أبا زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي تعرضا للإمام علي الرضا عندما زار نيسابور في السنة التي نال فيها الشهادة (أي سنة ٢٠٣ ه‍) في شهر صفر. وأن أبا زرعة آنذاك كان طفلا نابها في التاسعة من عمره. وأنهما طلبا من الإمام علي الرضا أن يروي لهما حديثا بسنده عن آبائه فذكر القصة.
ولعل أبا زرعة ولد سنة ١٩٠ ه‍ فيكون عمره آنذاك ثلاثة عشر عاما. وقد اشتهر أبو زرعة بعلم الحديث شهرة فائقة وأخذ العلم عن طائفة من العلماء وهو صغير السن. والقصة المذكورة آنفا تؤكد ذلك. وقد أخذ العلم عن شيوخ بلده ثم رحل إلى مختلف البلاد في طلبه ومن أشهر شيوخه الإمام أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وفي علم القراءات قالون المقرئ (عيسى بن ميناء) وحفص الدوري وخلف البزار. وكان أبو زرعة يقول: (أنا أحفظ ستمائة ألف حديث صحيح وأربعة عشر ألف إسناد في التفسير والقراءات، وعشرة آلاف حديث مزورة. قيل له: ما بال المزورة تحفظ؟
قال: إذا مر بي منها حديث عرفته). وكانت وفاته رحمه الله سنة ٢٦٤ ه‍.
ومن كتبه كتاب (أعلام النبوة) وكتاب (الفضائل) وكتاب (الفرائد) وكتاب (السير) وكتاب (المختصر) وكتاب (الزهد) و (الأطعمة) و (الفرائض) و (الصوم) (الآداب) و (الوضوء) و (الضعفاء) و (الجرح والتعديل) و (العلل) و (التفسير) و (الصحابة) و (المسند).
(14) محمد بن أسلم بن سالم الطوسي، أبو الحسن، وفاته سنة 242 ه‍ وثقه أئمة الجرح والتعديل وقال عنه ابن خزيمة: (رباني هذه الأمة).
(15) إبراهيم بن محمد الجويني الخراساني المتوفى سنة 730 ه‍: فرائد السمطين ج 2 / 221 - 225.
(16) انظر كتاب فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين لإبراهيم بن محمد الجويني الخراساني المتوفى سنة 730 ه‍ بتحقيق محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت 1400 ه‍ / 1980 ص 200 وهذا القول مناقض لقول المعتزلة. ومن المعلوم أن عقائد الشيعة الإمامية في الصفات هي عقائد المعتزلة وهذا الكلام عن الإمام الرضا موافق لما يقوله أهل السنة
(17) قد يعترض معترض فيقول إن هذا من علم الغيب الذي اختص الله بعلمه. قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام. وما تدري نفس ماذا تكسب غدا. وما تدري نفس بأي أرض تموت. إن الله عليم خبير) (سورة لقمان ٣٤). وفي كتاب التفسير من صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله. لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة).
وقد أجاب عن ذلك ابن كثير في تفسيره هذه الآية (ج ٣ / ٤٥٣) فقال: (هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى. فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (لا يجليها لوقتها إلا هو)، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك، ومن يشاء الله من خلقه. وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى، شقيا أو سعيدا، علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه).
وأجاب عن ذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج ٨ / ٥١٤ حيث قال: (وأما ما ثبت بنص القرآن أن عيسى عليه السلام يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون، وأن يوسف قال أنه ينبئهم بالطعام قبل أن يأتي إلى غير ذلك مما ظهر من المعجزات والكرامات فكل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله تعالى: (إلا من ارتضى من رسول) فإنه يقتضي اطلاع الرسول على بعض الغيب. والولي التابع للرسول عن الرسول يأخذ وبه يكرم. والفرق بينهما أن الرسول يطلع على ذلك بأنواع الوحي كلها والولي لا يطلع عليه إلا بمنام أو إلهام).
وبمثل هذا القول أجاب الإمام الشافعي من قبل وقال: (إن النبي ويتبعه في ذلك الولي لا يعلم الغيب استقلالا بل يعلمه الله ذلك).
ويستطيع الأطباء في معظم الأحيان تحديد جنس الجنين ذكر أم أنثى، واحد أم توأم إلى غير ذلك بعلم علمهم الله إياه وبفحوص يجرونها مثل فحص الموجات فوق الصوتية وأخذ عينة من السائل المحيط بالجنين (السائل الامنيوسي) وأخذ عينة (خزعة) من المشيمة. وبها يمكن معرفة كثير من الأمراض التي قد تصيب الجنين وراثيا أو نتيجة عدوى أو إصابة.
ومعرفة الأطباء ليست خرقا للغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله لأن الله سبحانه وتعالى علمهم ذلك بعلم أتاحه الله لهم في هذا القرن.. وليس بمستغرب إذا على من كان في منزلة الإمام علي الرضا أن يعلمه الله جنس الجنين وكونه توأما عندما سأله بكر بن صالح عن ذلك.. ولا بمستغرب كذلك أن يعلمه الله أنه يدفن هو وهارون الرشيد في موضع. فهو من الغيب الذي يطلع من يشاء من عباده على أجزاء يسيرة منه.
(18) هكذا ذكرها ابن الصباغ في الفصول المهمة وذكرها إبراهيم بن محمد الجويني في كتابه فرائد السمطين باسم سنأباد. وذكر أن وفاته كانت في شهر رمضان 153 ه‍ (ص 188) وهو خطأ لأن الذين ترجموا للإمام الرضا ذكروا وفاته سنة 203 ه‍.
(19) إبراهيم بن محمد الجويني الخراساني (644 - 730 ه‍): فرائد السمطين ج 2 / 187 - 232 تحقيق وتعليق محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي بيروت لبنان 1400 ه‍ / 1980 م وما رواه الجويني في هذا الموضوع فيه نظر فإن صح فهو محمول على الكرامة التي تقع للأولياء والأكابر.
(20) المصدر السابق ص 208 - 209.
(21) ذكر القصة بطولها الجويني في كتابه فرائد السمطين ج 2 / 212 - 213.
(22) فرائد السمطين ج 2 / 187 - 232 بتحقيق محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي - بيروت 1400 ه‍ / 1980.
(23) حاتم الأصم (وفاته سنة ٢٣٧ ه‍): أبو عبد الرحمن حاتم بن عنوان (وقيل يوسف) الملقب بلقمان هذه الأمة لاشتهاره بالحكمة. وقد كان حاتم مولى للمثنى بن يحيى المحاربي فأعتقه، وصحب حاتم شقيقا البلخي أكثر من ثلاثين عاما. وكان حاتم زاهدا عالما حكيما مجاهدا. وقد كان كثير الغزو مع شيخه شقيق البلخي فلما استشهد شيخه واصل هو الجهاد حتى وافته المنية سنة 237.
وهو من أهل بلخ (شمالي أفغانستان).
(24) شقيق بن إبراهيم البلخي (المتوفى سنة 194 ه‍ شهيدا في معركة كولان على حدود الصين) أبو علي، أحد مشاهير المشايخ الاعلام في خراسان من أهل بلخ (شمالي أفغانستان) تتلمذ على يد الامام المجاهد الزاهد إبراهيم بن أدهم.. كان من أوائل من تكلم في الرقائق والتصوف.. وكان مع ذلك من الفاتحين المجاهدين.. وكانت شجاعته مضرب المثل. قال تلميذه حاتم الأصم: (كنا مع شقيق البلخي، ونحن معانو الترك (التركستان الشرقية قبل إسلامهم) في يوم لا نرى فيه إلا رؤوسا تندر وسيوفا تقطع، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: يا حاتم كيف ترى نفسك في هذا اليوم؟ تراها في مثل الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ قلت لا والله.. فقال: لكني أرى نفسي في هذا اليوم مثلها في الليلة التي زفت فيها امرأتي!! وكان شقيق عالما زاهدا وله مع الامام أبي حنيفة صحبة، وروى الحديث النبوي الشريف عن جماعة منهم عباد بن كثير. وخرج عن ثلاثمائة ألف درهم هي كل ما كان يملك ووزعها على الفقراء.
(25) ذكر هذه القصة ابن الجوزي: سير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ونقلها عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص 234. وذكرها أيضا ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة ج 2 / 184 - 187 دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1399 ه‍ / 1979. تحقيق محمود فاخوري ومحمد رواس قلعجي.
(26) انظر إلى المأمون وهو أعظم ملوك الأرض قاطبة يومئذ وهو يزوج ابنته بخمسمائة درهم لا غير وعنده من الأموال ما إن تنوء أولو العصبة بحمل مفاتيح خزائنها.
(27) أي بدون نوى.
(28) ابن الجوزي: صفة الصفوة ج 2 / 318 - 324 تحقيق محمود فاخوري ومحمد رواس قلعجي، دار المعرفة، بيروت الطبعة الثانية 1399 ه‍ / 1979.
(29) عبد الكريم بن هوازن القشيري: الرسالة القشيرية. طبعة مصورة والناشر دار الكتاب العربي - بيروت لبنان، وبالهامش شرح وتعليق شيخ الاسلام زكريا الأنصاري. ص 9 - 10.
(30) انظر صفة الصفوة لابن الجوزي ج ٢ / ٣١٨ - ٣٢٤ والرسالة القشيرية ص 9 - 10 وشرح العينية لأحمد بن زين الحبشي.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page