• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل السادس - ولاية العهد وآثارها على حياة الإمام

تعتبر ولاية العهد من أكبر وأخطر المحطات السياسية في حياة الإمام الرضا عليه‌السلام ، فقد كانت تحولاً مفاجئا في السلوك السياسي العباسي تجاه العلويين ، فاجأ رجال الفكر والسياسة في زمانه وأثار موجةً من ردود الفعل المختلفة ، أخذت تتسع دائرتها إلى وقتنا الحاضر ، فكل من يتناول حياة الإمام الرضا عليه‌السلام يتطرق بالبحث والتحليل لهذه القضية الحساسة في الفكر السياسي الاسلامي لكونها تشكل سابقة فريدة في السلوك السياسي العباسي عندما يتنازل الحاكم للمعارضة ويعرض عليها تقاسم أعباء الحكم ، حملها البعض على نحو من الجدية وأثنى على المأمون غاية الثناء ، ووصفه بالتجرّد والنزاهة.
على الرغم من كونها مسرحية سياسية أجاد المأمون نسج فصولها وتوزيع أدوارها وحسن توقيتها. كما يستفاد من تصريحات ولي العهد نفسه عليه‌السلام بعيداً عن تحليلات أولئك المتأخرين ، وبدورنا سوف نستعرض خلفيات ولاية العهد ، والعوامل الدافعة للمأمون على تغيير السياسة القمعية العباسية تجاه العلويين عموما وشيعة أهل البيت عليهم‌السلام على وجه الخصوص ، ونتعرف على موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من ولاية العهد ، ومن ثم نستعرض آثارها في شهادته.

المبحث الأول : خلفيات ولاية العهد
اتبع العباسيون ـ منذ البداية ـ سياسة مخادعة مع العلويين ، فقد رفعوا في أثناء صراعهم مع الأمويين شعارا تضليليا هو «الرضا من آل محمد» دون أن يحددوا مضمونه ، وتمسكوا بالسرية التامة ، فلم يفصحوا عن اسم الإمام حتى لايحس العلويون ولا قاعدتهم العريضة في خراسان بخروج الأمر منهم.
وبعد وصولهم للسلطة تنكر العباسيون للدعم الكبير والمساندة الواسعة التي أبداها العلويون وقاعدتهم ، وفوق ذلك أذاقوهم ألوان العذاب ، وعملوا على الحطّ من شأنهم ، وإبعادهم عن الحياة السياسية ، ووضعوا الرقابة المشددة عليهم ، ومنعوا الناس من الاتصال بهم فضلاً عمن أطلوا دمه أو هلك في طواميرهم المظلمة.
وضرب المنصور العباسي المثل الأقسى في معاملة العلويين ، فقد أذاقهم جميع صنوف العنف والجور والعذاب ، وزج جمع منهم في سجن مظلم لا يُعرف فيه الليل من النهار حتى باتوا لايعرفون وقت الصلاة ، فجزأوا القرآن الكريم خمسة أجزاء ، فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم لجزئه (1).
وأمر المنصور عماله بمصادرة جميع أموالهم وبيع رقيقهم ، وقد صادر بالفعل أموال بني الحسن وكثير من العلويين وبني هاشم (2).
وأمر المنصور أيضا باحضار محمد بن إبراهيم بن الحسن المثنّى ، وكان آية في بهاء وجهه وجماله ، فالتفت نحوه وقال ساخرا : أنت المسمى بالديباج الأصفر؟ فقال : نعم. قال الطاغية : أما واللّه لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدا من أهل بيتك. ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت وأدخل فيها ، فبنيت عليه وهو حي! (3).
لقد أطلق هذا الطاغية يده في استخدام القوة ضد العلويين ، واتبع معهم سياسة «السيف والنطع» وخاض ضدهم حربا ليس لها هوادة ولا يخف لها أوار ، فقد كمّم أفواههم وزجهم في السجون ، وكان يتميز من الغيظ ضد كل علوي ، فمرت الأحداث تنفث سمومها ، وتبعث بلهبها لتكوي آل علي بكل ما يشيب الطفل. وكان أبو جعفر المنصور يخشى على منصبه مما وصل إليه الإمام الصادق عليه‌السلام من علو المنزلة وسمو المكانة بين المسلمين ، حتى أن المنصور كان يصفه بأنه (الشجى المعترض حلقه) (4). وقد استدعى هذا الطاغية إمامنا الصادق عليه‌السلام إلى العراق ، ليوقفه بين يديه ، يريد بذلك استنقاصه أمام أعين الناس والتصغير من شأنه. ولكن ما زاده ذلك إلاّ علواً إذ كان اقبال الناس على الإمام الصادق عليه‌السلام وشدّهم الرحال إليه قد أثار مخاوف العباسيين وباتوا يلوحون بالعصا العباسية لشيعته.
واتبع الهادي العباسي مع العلويين سياسة تقوم على العنف بخلاف المهدي الذي حاول استرضاء العلويين فألحّ الهادي في طلبهم (وأخافهم خوفا شديدا وقطع ما كان المهدي يجريه عليهم من الأرزاق والأعطية ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم) (5).
ومضى الهادي إلى آخر الشوط فازداد تعطشا لدماء العلويين ، فجهد على استأصال شأفة شبابهم كما حدث في كارثة «فخ» التي اقترف فيها العباسيون جرائم ضاهت ما اقترفه الأمويون في كربلاء ، فقد رفعوا رؤوس العلويين على الرماح وأطافوا بأسراهم في الأقطار وتركوا جثث قتلاهم ملقاة على الأرض مبالغة منهم في التشفّي والانتقام من العلويين. الذين وقعوا تحت وطأة ظلم صارخ ووحشية مروعة ، حتى قال الشاعر :

يا ليت جور بني مروان عاد لنا                      وليت عدل بني العباس في النار

يروي الطبري : أن الأسرى العلويين كانوا مقيدين في السلاسل وفي أيديهم وأرجلهم الحديد ، وأمر الطاغية الهادي بقتل الأسرى فقتلوا وصلّبوا (6). ويضيف المسعودي قائلاً : إنّ الجثث ظلت ثلاثة أيام دون أن توارى في الثرى حتى أكلتها الحيوانات الضارية والطيور الجارحة (7).
وقد رفع الطاغية هارون من وتائر الضغط على العلويين ، وكان يقذفهم بالشر والشرر ، ولم يترك حجرا على حجر من أجل الظفر برجالهم ، فاتبع ـ اضافة لما تقدم ـ آليات الإقصاء والاستبعاد والقمع ، وكان نصيب الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام من ظلمه كبيرا كما أسلفنا ، وعموما فقد كان العلويون يعانون الأمرّين من هارون حتى (ركنوا إلى الهدوء في أواخر عهده وطول عهد ولده الأمين ، ولكن بدأت بوادر قيام حركة جديدة من حركات الشيعة في مطلع عهد المأمون) (8).
وبالفعل فقد تزعّم محمد بن إبراهيم بن طباطبا وداعيته أبو السرايا في أواخر سنة ١٩٩ هـ حركة ثورية ضد حكم المأمون (9) ، وفي السنة التالية تزعّم إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهما‌السلام وحركة أخرى فى اليمن ضد السلطة العباسية (10) ، كما تمرد الحسين بن الحسين الأفطس بمكة أيضاً (11). واتصلت حركته بالدعوة إلى زعامة محمد بن الإمام جعفر الصادق ، ولقّبه أنصاره بأمير المؤمنين (12).

سياسة المأمون مع العلويين :
إن تحوّل السياسة العباسية تجاه العلويين في زمن المأمون لم يتمّ صدفة ولم ينطلق من فراغ ، كما لم يكن أمرا سهلاً لدقة الظروف وخطورة الاحتمالات ، ولكن لهذا التحول عوامل عديدة نستطيع أن نصنفها إلى قسمين أساسيين ، هما :

أولاًـ العوامل الذاتية :
ونقصد بها تلك العوامل التي تفاعلت في نفس المأمون ودفعته إلى تغيير السياسة العباسية الظالمة تجاه العلويين. وهنا يورد المؤرخون والمحدثون عوامل عديدة محتملة كان لها دور كبير في التغيير المذكور ، وهي :


١ـ دعوى ميول المأمون للتشيع :
يرى البعض أن منشأ هذا التحول في مسار السياسة العباسية تجاه العلويين في زمن المأمون يعود إلى ميل ديني عاطفي للمأمون تجاه العلويين ، وانه كان ينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام نظرة تقدير ، ويرى أنه أحق بالخلافة من باقي الصحابة. ونتيجة لذلك كان يتجنب إراقة دماء العلويين ، ولايريد أن يذهب مذهب أسلافه العباسيين في اضطهاد الشيعة ، كما أنه كان يود التقريب بين فرعي البيت الهاشمي من علويين وعباسيين ، ويضع حدا للعداء الطارى ء بين الطرفين.
يرى السيوطي أن الذي حمل المأمون على ذلك هو إفراطه في التشيع ، حتى أنه هَمّ أن يخلع نفسه عن الخلافة ويسلمها للرضا عليه‌السلام ، ويروي السيوطي : أن المأمون أجاب عن سؤال وجهه أحدهم إليه عن سبب عطفه على العلويين ، فقال : (انما فعلت ما فعلت لأن أبا بكر لما ولى لم يول أحدا من بني هاشم شيئا ، ثم عمر ، ثم عثمان كذلك ، ثم ولّى علي رضي‌الله‌عنه عبد اللّه بن عباس البصرة ، وعبيد اللّه اليمن ، وسعيدا مكة ، وقثم البحرين ، وماترك أحدا منهم حتى ولاه شيئا ، فكانت هذه في أعناقنا حتى كافأته في ولده بما فعلت) (13).
وذات الرأي ينقله صاحب الفخري : من أن زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس قد سألت المأمون عن سبب تحويله الخلافة من العباسيين إلى بيت علي فأجاب : (ما رأيت أحدا من أهل بيتي حين أفضى الأمر إليهم كافوه على فعله في ولده ـ أي في ولد العباس ـ ، فأحببت أن اُكافيه على إحسانه) (14).
وقد أورد الشيخ الصدوق روايات تعزز هذا الاعتقاد وتدل على ميل المأمون للتشيع : عن سفيان بن نزار قال : كنت يوما على رأس المأمون ، فقال : أتدرون من علّمني التشيع؟ فقال القوم جميعا : لا واللّه ما نعلم.
قال : علمنيه الرشيد! قيل له : وكيف ذلك ، والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت!
قال : كان يقتلهم على الملك ، لأن الملك عقيم (15). ثم روى لهم كيف أن هارون قد قام للكاظم عليه‌السلام إجلالاً وإعظاما لما دخل عليه وقبّل وجهه وعينيه وأخذ بيده حتى أجلسه صدر المجلس ، وأن المأمون سأل والده هارون عن ذلك فقال : هذا إمام الناس وحجة اللّه على خلقه وخليفته على عباده .. وأنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، واللّه يابني انه لأحق بمقام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن الخلق جميعا ، واللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم (16).
وعن الريان بن شبيب ، قال : سمعت المأمون يقول : ما زلت أحب أهل البيت عليهم‌السلام واظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه. فلما رأيت أبي هارون يُكرم الكاظم عليه‌السلام قلت له : لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا مارأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار ولابني هاشم ، فمن هذا الرجل؟! فقال : يابني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. قال المأمون : فحينئذ انغرس في قلبي محبّتهم (17).

٢ ـ نذر المأمون :
وهناك من يُرجع هذا التحول إلى النذر الذي قطعه المأمون على نفسه بأنه إذا ظفر بأخيه المخلوع فانه يُخرج الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب.
وهذا العهد يستدعي ـ بطبيعة الحال ـ الإحسان إلى العلويين. وفي هذا الصدد يروي الاصفهاني : أن المأمون كان خلال صراعه مع أخيه الأمين قد عاهد اللّه أن ينقل الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب ، وان علي الرضا هو أفضل العلويين (18). ويعزز ذلك ما رواه الصدوق بأن المأمون قال : (فلما وفى اللّه تعالى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي للّه بما عاهدته ، فلم أرَ أحدا أحقّ بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا) عليه‌السلام. والشيخ الصدوق يفسر إقدام المأمون على دعوة الرضا عليه‌السلام لقبول ولاية العهد بناءً على هذا النذر (19).

٣ ـ دعوى حب المأمون للعفو وكراهيته للانتقام :
والبعض الآخر يُرجع هذا التحول إلى عامل نفسي ، فيدّعي أن المأمون قد اشتهر بالعفو ومقت الانتقام وكان يكره إراقة الدماء ، ومن دلائل ذلك معاملته السمحة للعلويين الذين ثاروا ضده ، فقد عفا عن محمد بن محمد بن زيد وأسكنه دارا ، كما عفا عن محمد بن جعفر الصادق واشترك في تشييع جنازته وقام بسداد ديونه (20). كما عفا المأمون أيضا عن عبد الرحمن بن أحمد العلوي الذي أعلن الثورة في بلاد اليمن (21). وقد فات هؤلاء بأن المأمون قد قتل أخاه وصلب جثته ، فكيف والحال هذه أن نقتنع بحبه للعفو وكرهه لإراقة الدماء؟!.
وهناك رأي مفاده أن المأمون عرف الحق لأهله وتنكر لسيرة الماضين من آبائه الذين أمعنوا في ظلم أهل البيت عليهم‌السلام قتلاً وسما وتشريدا ، وذلك بناءً على رواية أوردها الصدوق عن أحمد بن محمد بن اسحاق ، قال : حدثني أبي قال : لما بويع الرضا عليه‌السلام بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه ، فأومى إليهم فأنصتوا ، ثم قال : « .. بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إن أمير المؤمنين عضده اللّه بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقّنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت ، وأمّن نفوسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضا رب العالمين ..» (22).

ثانيا : العوامل الموضوعية :
ان قراءة معمقة لما بين سطور أحداث تلك الفترة تكشف لنا عن تفاعل عوامل موضوعية عديدة دفعت المأمون إلى التقرب من العلويين وتنفيس الاحتقان بين البيتين العلوي والعباسي. ومن هذه العوامل :

١ ـ تعاطف أهل خراسان : ومن الطبيعي والحال هذه أن يأخذ المأمون هذا التعاطف بعين الاعتبار ، لذلك (كانت البيعة لعلي الرضا بولاية العهد ترضي مشاعر أهل خراسان إرضاءً تاما ، ولاشك أن ذلك الدافع كان في مقدمة الدوافع التي حدت بالمأمون إلى البيعة لهذا الزعيم العلوي بولاية عهده) (23).
فهناك من يرى بأن المأمون حاول أن يتقرب إلى العلويين مدفوعا في ذلك بتأثير الفضل بن سهل الذي أشار على المأمون أن يتقرب إلى اللّه عزوجل إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة رحمه بالبيعة بالعهد لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام ليمحو بذلك ماكان من أمر الرشيد فيهم ، وماكان يقرر على خلافه في شيء .. (24).
وكان الرأي العام في ذلك الوقت يعتبر أمر البيعة للرضا عليه‌السلام من تدبير الفضل بن سهل : عن الريان بن الصلت قال : أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد والعامة ومن لم يحب ذلك ، وقالوا : ان هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين (25).
وهناك أخبار رواها الصدوق تعزّز هذا الاعتقاد ، وتسنده إلى مصادر تاريخية متقدمة ، فقد نقله الصدوق عن أبي علي الحسين بن أحمد السلامي ، في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان (26) ..
ومما يدعم هذا الرأي ما رواه الصدوق من أن ذا الرياستين قال للمأمون : (ان ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا عليه‌السلام ولا آمن السعاة والحساد وأهل البغي ..) (27).
وبالمقابل هناك روايات تستبعد ذلك وتتنكر لدور ذي الرياستين في احداث التحول المذكور ، لكون الفضل بن سهل من صنائع البرامكة الذين ناصبوا العداء لأهل البيت عليهم‌السلام وألّبوا الحكام العباسيين عليهم ، روى الصدوق : أن ذا الرياستين قد أظهر عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام وحسده على ما كان المأمون يفضّله به (28). وهناك شاهد آخر يصبّ في هذا الاتجاه ، فقد روى الصدوق أن المأمون قد أنكر صراحةً دور الفضل بن سهل المظنون ، وذلك لما بلغه أن الناس يتحدثون بذلك ، قال للريان : (ويحك ياريان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة وابن خليفة قد استقامت له الرعية والقواد واستوت له الخلافة ، فيقول له : ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟ ..لا واللّه ما كان كما يقولون) (29).
ويمكن الجمع بين الرأيين المتعارضين باحتمال استشارة المأمون لذي الرياستين بشأن الإمام الرضا وموافقة الأخير له بعد أن رأى ميل المأمون لذلك في الظاهر ، فلم يحب مخالفته ، وحين استبان له الواقع أعرب عما كان يكنه من عداء لأهل البيت عليهم‌السلام.

٢ ـ عداء البيت العباسي للمأمون :
وهناك من تتبع المجرى العريض لهذا التطور وعد من العوامل التي دفعت المأمون إلى التقرب من البيت العلوي وشيعتهم مالمسه من عداء البيت العباسي له. يذكر الطبري من بين أحداث سنة ٢٠١ هـ ما كان (من مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة) (30). وقد أمتنع منصور المذكور عن ذلك ولكنه قبل أن يصبح أميرا على بغداد. إلى جانب عداء ابراهيم بن المهدي وغيره من العباسيين للمأمون (31) ، وقد أعلن أهل بغداد عصيانهم للحسن بن سهل والي المأمون على بلاد العراق (32).
وهذا الأمر غير صحيح لحصول تلك الأحداث بعد قتل الأمين وتقرّب المأمون إلى التشيع في الظاهر.

٣ ـ فشل المعالجة القمعية بحق العلويين :
قد يكون أحد العوامل السالفة الذكر أو بعضها قد أثر في نفس المأمون ودفعه إلى انتهاج سياسة جديدة مع العلويين ، ولكن يبدو لنا أن القضية أعمق من ذلك بكثير ، فالمأمون وقد عُرف بالحنكة السياسية فأدرك أن نتائج المعالجة القمعية للشيعة لم تقتصر على الفشل فقط ، وإنما كانت تغذّي الاتجاهات الثورية الرافضة للحكم العباسي بمزيد من المبررات للانتشار والاستمرار ، وعليه فالمعالجة القمعية غير مجدية بل تزيد نار الخلاف تأججا ، من هنا أوقف عمليات المطاردة والإبادة ضدهم وعمل على تصفية الجو المتوتر الذي خلّفته سياسة أبيه معهم ، كما أنه أراد القضاء على تذمر العلويين وإيقاف ثوراتهم المستمرة ، وتصاعد مسلسل التطبيع معهم حتى بلغ ذروته بمبايعة الإمام الرضا عليه‌السلام زعيم العلويين بولاية العهد ، وقد اوحى المأمون بانتقال السياسة العباسية إلى مدار جديد يعيد فيه الحق إلى نصابه. وعليه فالعامل السياسي يعد من أقوى العوامل في تفسير التحول الذي أحدثه المأمون في السياسة العباسية مع المعارضة العلوية.
يقول العلامة المجلسي : أن المأمون كان أوّل أمره مبنيا على الحيلة والخديعة لإطفاء نائرة الفتن الحادثة من خروج الأشراف والسادة من العلويين في الأطراف ، فلمّا استقر أمره أظهر كيده (33).
ومما يعزز ذلك أن عهد المأمون قد حفل بكثير من حركات العلويين ، وكانت الحركة الشيعية تزداد انتشارا حتى دب التشيع في أركان الدولة ، من هنا أحس المأمون بأن الخطر قد أحدق به ، فحاول الإمساك بزمام الأمور في اللحظة الحرجة التي كان يواجهها من تعاظم قوة العلويين ، في مقابل الانقسام الخطير في صفوف العباسيين ، فوجد من الحكمة أن يتقرب من العلويين وبلغ تقربه ذروته باستدعاء الإمام الرضا عليه‌السلام وإناطة ولاية العهد به.
نحن لانغض الطرف عن تأثير عدد من العوامل الذاتية والموضوعية التي ساهمت بنحو أو آخر في إحداث التحول المفاجى ء في مسار السياسة العباسية تجاه المعارضة العلوية المتعاظمة ، ولكننا نعيد التأكيد على أن المأمون قد استوعب حجم المتغيرات الداخلية ، وعرف أن ميزان القوى أخذ يميل لصالح العلويين ، وبعد أن أدرك عقم المعالجة القمعية أخذ بالتقرب منهم ، وفق مخطط مدروس بعناية ، وليس على نحو عرضي. والشيعة بدورهم قد أدركوا أبعاد هذا المخطط.
تقول الدكتورة نبيلة عبد المنعم داود : «إن البيعة ذاتها لم تقرب جميع العلويين من المأمون ، ولكنها أرضت قسما منهم فقط» (34). وتعزز هذا الرأي الدكتورة سميرة الليثي ، فتقول : «لم تكن البيعة لعلي الرضا ترضي نفوس الشيعة ، ولاتقنعهم بالولاء للمأمون ، فقد اعتبرت الشيعة هذه البيعة وسيلة لتسكين خواطرها ، ودفعها إلى الركون إلى الهدوء والسلام ، بعد أن تعددت الحركات العلوية في عهد المأمون» (35).

المبحث الثاني : موقف الإمام الرضا من ولاية العهد :
اذا أمعنا النظر في النصوص والروايات الواردة بخصوص موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من ولاية العهد نجد أن الإمام قد رفض بشدة العروض التي قدمها المأمون له لما تتضمنه من مخاطرة الاعتراف بشرعية الحكم القائم ، ومساعدة المأمون على التخلص من مصاعبه في ظل وضع سياسي متفجر بالانتفاضات والثورات العلوية ، وانقسام حاد في البيت العباسي كما أسلفنا.
لقد أدرك الإمام عليه‌السلام بأن المأمون ليس صادقا في وعده ، زيادة على ان هذا الوعد الكاذب غير قابل التحقق لعدم استقرار الوضع السياسي العباسي من جهة ، ولإمكانات الاغتيال المحتملة سواء من جهة المأمون نفسه أو من جهة معارضي ولاية العهد من العباسيين الذين يخشون على سلطانهم ومصالحهم عند انتقال الخلافة إلى العلويين.
زد على ذلك أن الإمام عليه‌السلام يعلم ماتنطوي عليه خطوة المأمون من خطورة برغبته باضفاء مسحة من الشرعية على حكمه وعدم اقتناعه بفكرة رد الحق إلى أهله التي يتبجح بها أمام الرأي العام. فالإمام يدرك جيدا أن المأمون أقدم على ما أقدم عليه تحت ضغط الضرورة ، وأنه ينظر للبيعة هذه كخشبة خلاص من الطوفان الجارف الذي ينتظره ، من هنا لم يعد يصعب علينا استنتاج رفض الإمام عليه‌السلام لقبول الخلافة أو ولاية العهد وهما خياران قد عرضهما المأمون عليه ، ولم نستغرب تذرع إمامنا بعلل كثيرة ومحاولته استغلال عامل الزمن بإطالة أمد المفاوضات ، ولكن المأمون سد عليه جميع المنافذ من جهاتها ، واستأصل أسباب الرفض التي أظهرها الإمام عليه‌السلام تخلّصاً مما طرح عليه ، وفي النهاية أدرك عليه‌السلام أنه أمام واقع مفروض لابد له من مواجهته بدلاً من الهروب منه أو تجاهله ، خصوصا وأن هامش المناورة قد ضاق عليه إلى درجة كبيرة ، لذا قبل على مضض ولاية العهد ، ولكن وفق شروط محددة تحكيها الرواية التالية :
عن محمد بن عرفة وصالح بن سعيد الكاتب الراشدي قالا : .. فلما وافى ـ أي الرضا عليه‌السلام ـ مرو عرض عليه الامرة والخلافة فأبى الرضا عليه‌السلام ذلك ، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة وبقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى ابو الحسن الرضا عليه‌السلام ان يقبل مايعرض عليه ، فلما كثر الكلام والخطاب في هذا قال المأمون : فولاية العهد ، فأجابه إلى ذلك ، وقال له : « على شروط أسألها » ، فقال المأمون : سل ما شئت ، قالوا : فكتب الرضا عليه‌السلام : « إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أقضي ولا اُغير شيئا مما هو قائم ، وتعفيني من ذلك كله » ، فأجابه المأمون إلى ذلك وقبلها على هذه الشروط .. (36).
وسوف يتضح لنا من الشواهد التاريخية أن الإمام عليه‌السلام لم يقبل ولاية العهد إلاّ مضطرّا وبعد التهديد والوعيد الشديدين ، ويظهر أن المأمون أراد من الإمام عليه‌السلام أن يكون فريسة سهلة توقع نفسها في براثنه ، ولكن الإمام عليه‌السلام كشف اللثام عن أهداف المأمون وما يختلج بنفسه من نوايا سيئة وأسقط القناع عن وجهه ، حتى قال عليه‌السلام ذات يوم للمأمون : « .. إني لأعلم ما تريد » فقال المأمون وما اريد؟ قال : « الأمان على الصدق؟ » ، قال : لك الأمان. قال : « تريد بذلك أن يقول الناس ان علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ » فغضب المأمون ثم قال : انك تتلقاني أبدا بما أكرهه وقد أمنت سطوتي ، فباللّه اُقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك.
فقال الرضا عليه‌السلام : « قد نهاني اللّه تعالى أن اُلقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا فا فعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك على أن لا اُولّي ولا أعزل أحدا ، ولا أنقض رسما ولا سنة ، وأكون في الأمر من بعيد مشيرا » ، فرضي منه بذلك وجعله ولي عهده على كراهية منه عليه‌السلام بذلك (37).
وهكذا نجد أن إمامنا وجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر : إما القتل ، أو القبول ، فاقترح حلاً توفيقياً ، هو القبول المشروط. أراد أن يوحي للمأمون بأن الأسد قد يقع حبيسا ولكن لايجعله الأسر عبدا ، من هنا حدد شروطه بحيث لا تضفي الشرعية على الحكم القائم ، فوجد المأمون نفسه مضطرا إلى قبولها.
كما اجرى امامنا حوارا اقناعيا مع المأمون ، وبدلاً من اذعان الأخير للحق والمنطق احتكم إلى القوة ولوّح بها ، ولعل أوضح وأصرح تعبير عن ذلك ما جاء عن أبي الصلت الهروي : ان المأمون قال للرضا عليه‌السلام : فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك. فقال له الرضا عليه‌السلام : « إن كانت هذه الخلافة لك ، واللّه جعلها لك ، فلايجوز لك أن تخلع لباسا ألبسك اللّه وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلايجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك » ، فقال له المأمون : يابن رسول اللّه ، فلابدّ لك من قبول هذا الأمر.
فقال : « لست أفعل ذلك طائعا أبدا » ، فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله ، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ولم تجب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي (38).
لقد أثار قرار القبول ردود أفعال مختلفة في الوسط الاسلامي ، وخاصة الشيعي منه ، وسط دهشة المدهوشين وسخط الساخطين وتربص المتربصين ، وقد شرح الإمام عليه‌السلام لخلّص أصحابه ظروف ودوافع قبوله في مناسبات كثيرة ، وردّ على الشبهات المثارة بهذا الخصوص ، لاسيما وان «الرفض» لو حصل لتفهمه الخاص والعام ، لأنه ينسجم مع وضعه العام كإمام معصوم وما تتبناه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام من مبادى ء لاتقرّ التعاون مع الحاكم الظالم وترفض إعطاء الشرعية له ، ولكن «القبول» يحتاج إلى تفسير وتحليل وتهيئة الرأي العام لتقبله ، من هنا جهد إمامنا بنفسه على شرح موقفه والملابسات والظروف التي أحاطت بقبوله كما رد الشبهات المثارة والتساؤلات المطروحة.
عن الريان بن الصلت ، قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت له : يابن رسول اللّه ، الناس يقولون : انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا! فقال عليه‌السلام : « قد علم اللّه كراهتي لذلك ، فلما خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل ، اخترت القبول على القتل ، ويحهم! أما علموا أن يوسف عليه‌السلام كان نبيا ورسولاً ، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز « قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم » ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك ، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه » (39).
وليس ثمة عبارة يمكن أن تقنع الباحث بطبيعة الإمام عليه‌السلام في ولاية العهد أفضل من جملة « إني ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه » التي علل فيها قبوله لعرض المأمون ، ذلك أن مجرد التهديد بالقتل ـ بما هو تهديد للحياة الشخصية ـ ليس سببا مقنعا وراء قبول الإمام عليه‌السلام بولاية العهد ، فلابدّ من البحث عن سبب أعمق من المحافظة على الحياة الشخصية وراء ذلك ، وأوفق بشخصية الرضا عليه‌السلام كرجل لا تهمه حياته بقدر ما يهمه مصلحة الإسلام. وهو في العبارة المتقدمة قد وفر علينا عناء البحث وكشف بجلاء أنه خرج من العهد بمجرد دخوله فيه من خلال الشروط التي اشترطها ، والتي حرص على مراعاتها والعمل بها على الرغم من محاولات المأمون المتكررة باشراكه في أعباء الحكم. وكان الإمام عليه‌السلام يذكّره على الدوام بالشروط المتفق عليها ، وكان يعي طبيعة الشراك التي ستنصب في طريقه وليس أقلها شأنا وخطرا محاولة إدخاله في جهاز حكم وادارة لم يشكلها هو ، ولايتلاءمان مع توجهاته في الفكر والسياسة والأخلاق.
ومن الشواهد على ذلك ما جاء عن معمر بن خلاد ، قال : قال لي ابو الحسن الرضا عليه‌السلام : « قال لي المأمون يوما : يا أبا الحسن ، انظر بعض من تثق به نوليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا ، فقلت له : تفي لي وأفي لك ، فاني دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ولا أعزل ولا اُولي ولا اُشير حتى يقدمني اللّه قبلك ، فو اللّه إن الخلافة شيء ما حدّثت به نفسي » (40).
من جهة اخرى فإن الإمام عليه‌السلام لا ينظر لمصلحته الشخصية بقدر ما ينظر للمصلحة الإسلامية العليا ، ولو فرضنا جدلاً أن الإمام رفض الدخول في ولاية العهد فماذا يمكن أن يحدث؟ فبغض النظر عن القتل الذي ينتظره سوف يفتح بابا من البلاء على أتباعه وأهل بيته من القتل والمطاردة والتضييق وما إلى ذلك. أضف إلى ذلك أنه لو قتل ـ على أكثر الاحتمالات ـ فستتعرض إمامة ولده الجواد وهو صغير إلى مخاطر جدية وهي في بدايتها ، وعليه بات من السهل أن ندرك أن الإمام عليه‌السلام كان يوازن بين المعطيات والنتائج المترتبة على القبول والرفض ، واضعا المصلحة الإسلامية العليا نصب عينه ، فرجح القبول على الرفض.
ولا بد من الفات النظر إلى أن الإمام عليه‌السلام كان لايتمكن أن يصرح بالعلة التامة لقبوله ولاية العهد حرصا على عدم كشفها للطرف الآخر وتحمل تبعات ذلك ، ولكنه استعمل أسلوبا بارعا في تعليله للقبول ، وهو أسلوب «السوابق التاريخية» وترك للسامع أن يستنتج بنفسه ما تتضمّنه من دلالات وما يكتنفها من ايحاءات ، وخير شاهد على ذلك ما جاء عن محمد بن عرفة ، قال قلت للرضا عليه‌السلام : يابن رسول اللّه ، ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال : « ما حمل جدي أمير المؤمنين عليه‌السلام على الدخول في الشورى » (41).
كان عليه‌السلام يضع المصلحة العليا للإسلام في جميع مواقفه ، وكان يطور موقفه حسب الظروف المحيطه به وفق هامش المناورة المتاح له. ولذا نجد أن موقفه الأول من العرض هو الإباء الشديد والرفض ، واعتل بعلل كثيرة ، فمازال المأمون يكاتبه ويسأله حتى علم أنه لايكف عنه. وهناك شهادة مهمة لابي الصلت الهروي وكان من أقرب المقربين للإمام عليه‌السلام أقسم فيها بأن الإمام لم يدخل العهد طائعا ، قال : واللّه ما دخل الرضا عليه‌السلام في الأمر طائعا ، ولقد حمل إلى الكوفة مكرها ، ثم أشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو (42).
وتوجد شهادة جماعية من أهل المدينة ، التي كان يسكنها الإمام عليه‌السلام ـ وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ تصور الحالة النفسية التي كان يعانيها امامنا ، وتكشف عن شدة الضغوط التي تعرض لها لكي يقبل ولاية العهد.
عن غياث بن أسيد ، قال : سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون : ملك عبد اللّه المأمون .. فأخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى عليه‌السلام بعهد المسلمين من غير رضاه ، وذلك بعد أن هدده بالقتل وألح عليه مرة بعد أخرى ، في كلها يأبى عليه ، حتى أشرف من تأبّيه على الهلاك ، فقال عليه‌السلام : « اللهم انك نهيتني عن الالقاء بيدي في التهلكة ، وقد أُكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد اللّه المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده ، وقد أُكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال عليهما‌السلام قَبِل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه ». ثم قبل ولاية العهد من المأمون وهو باك حزين (43).
فهذا النص يكشف عن درجة الضيق والإحراج والإكراه التي تعرض لها ، كما يعزز أسلوب «السوابق التاريخية» الذي اتبعه في سبيل تبرير قبوله بولاية العهد ، وكنا قد أشرنا سابقا بأنه علل حمله على القبول كما حمل جده أمير المؤمنين عليه‌السلام على الدخول بالشورى ، وفي هذا النص يبرر اضطراره كما اضطر يوسف ودانيال عليهما‌السلام على قبول الولاية من طاغيتي زمانهم.
وكان الإمام عليه‌السلام في كل مناسبة يكشف عما يجيش في نفسه من مشاعر الألم والحسرة ويعبر عن تبرمه وتذمره من هذه البيعة المفروضة ، وتغلف وجهه سحابة من الحزن والمرارة : عن ياسر الخادم ، قال : كان الرضا عليه‌السلام إذا رجع يوم الجمعة من الجامع وقد اصابه العرق والغبار رفع يديه ، وقال : « اللهم إن كان خروجي مما أنا فيه بالموت فعجله إليَّ الساعة » ، ولم يزل مغموما مكروبا إلى أن قبض (44).
ومما زاد من وطأة الإحساس بالضيق والظلم أن المأمون دس عيونه وآذانه لمعرفة تحركات الإمام وأخذ الجواسيس يحصون عليه أنفاسه ، ويحجبون عنه شيعته ومواليه ، فقد روى الصدوق أن هشام بن ابراهيم الراشدي الهمداني كان ينقل اخبار الرضا عليه‌السلام إلى ذي الرياستين والمأمون ، فحظي بذلك عندهما ، وكان لايخفي عليهما من أخباره شيئا ، فولاه المأمون حجابة الرضا عليه‌السلام فكان لايصل إلى الرضا عليه‌السلام من أحبّ وضيق على الرضا عليه‌السلام وكان من يقصده من مواليه لايصل اليه ، وكان لايتكلم الرضا عليه‌السلام في داره بشيء إلاّ أورده هشام على المأمون وذي الرياستين (45).
ولايخفى ان من أهداف المأمون عزل الإمام عليه‌السلام عن شيعته ومواليه ووضعه تحت الاقامة الجبرية في خراسان تحت نظر السلطة وسمعها ، وعزله عن القاعدة الجماهيرية. وقد فشلت هذه السياسة فشلاً ذريعا ، فبدلاً من أن تتقلص شعبيته لمشاركته بالحكم ولإظهاره من قبل السلطة بأنه لم يكن زاهدا في الحكم ، وانطلاء هذه الحيلة على البعض ، فقد ازدادت شعبيته ، وحاول خرق الحصار المفروض عليه فاستطاع التواصل مع أوساط لم تكن لتجرؤ على الاتصال به.
من جانب آخر حاول المأمون احراج الإمام عليه‌السلام أمام علماء الأديان والمذاهب والملل ، والانتقاص من قدر ومنزلة الإمام واظهاره بمظهر العجز عن الإجابة فلما قدم علي بن موسى الرِّضا عليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصّابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردشت وقسطاس الرُّومي والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم ، فجمعهم ..قال الحسن بن محّمد النَّوفلي : فلما مضى ياسر التفت الرضا عليه‌السلام إلينا ، ثمَّ قال لي : « يا نوفليّ أنت عراقيّ ، ورِقةُ العراقيِ غيرُ غليظةٍ ، فما عندك في جمع ابنِ عمِّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ » فقلتُ : جُعلت فداك يريد الامتحان ويُحبُّ أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غيرِ وثيق البنيان وبئس واللّه مابنى .. فقال لي : « يانوفليُ ، أتحبُّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ » ، فقلتُ : نعم. قال : « إذا سمع احتجاجي على أهل التَّوراة بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وعلى أهل الزَّبور بزبورهم ، وعلى الصّابئين بعبرانيتهم ، وعلى الهرابذةِ بفارسيتهم ، وعلى أهل الرُّوم بروميَّتهم ، وعلى أصحاب المقالات بلُغاتهم ، فإذا قطعتُ كلَّ صنف ودحضت حُجَّتهُ وترك مقالتهُ ورجع إلى قولي ، عَلِمَ المأمونُ أنَّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحقٍّ له ، فعند ذلك تكونُ النَّدامةُ منهُ ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليِ العظيم » (46).
ولما دحض الإمام عليه‌السلام حججهم وأفحمهم ازدادت مكانته عند العلماء وذاع صيته ، وبذلك تجنب الإمام عليه‌السلام الوقوع في جميع النتائج السلبية لقبوله البيعة ، فلم يمنح الحكم الشرعية المطلوبة ، وبقبوله حال دون حدوث تغيير في القيادة لخط أهل البيت عليهم‌السلام في فترة حرجة ، وكان من الممكن أن يؤدي امتناعه إلى دعاية واسعة النطاق ضده بزعم أنه فوت فرصة ثمينة لا تقدّر بثمن ، كما أن الرفض قد يؤدي إلى الفتنة والبلبلة داخل الكيان الشيعي ، كأن يثار سؤال كبير : لماذا لم يقبل الخلافة أو ولاية العهد وقد عرضتا عليه؟! بدل السؤال الذي أثاره البعض بعد قبوله : لماذا قبل؟
أضف إلى ذلك أن الإمام عليه‌السلام قد حال دون حدوث موجة جديدة من الارهاب والمطاردة والقتل ضد العلويين من جديد ، كما أحدث بقبوله انقساما حادا في الصف العباسي لعدم قبول العباسيين بولاية العهد هذه خوفا من انتقال الخلافة إلى البيت العلوي ، وهكذا نجد ان امامنا قد نجح من نقل المواجهة من طابع الدفاع والتوقيّ إلى حالة هجومية تشمل التصدّي والاختراق والانطلاق حسب ما تسمح به الظروف ، فترسخت الحالة الشيعية في زمانه واشتد ساعدها.
ونتيجة للمعطيات الايجابية تلك عمل المأمون على التخلص من هذا الوجود الذي أقلق عليه هدوءه ، خصوصا بعد أن أدرك بأن فصول الرواية التي أعدها من قبل قد اكتملت ولم تسفر عن النتائج المرجوة منها.

المبحث الثالث : آثار ولاية العهد في شهادة الإمام الرضا عليه‌السلام :
هناك جملة من الروايات التي أخرجها الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ) والشيخ المفيد في (الإرشاد) صريحة كل الصراحة باضطلاع المأمون العباسي في جريمة قتل الإمام الرضا عليه‌السلام ، وفي بعضها التصريح من الإمام عليه‌السلام بأن المأمون سوف يقتله بالسم ، ومن هنا قال العلاّمة المجلسي في الردّ على بعض المشكّكين بهذه الحقيقة : «والحق ما اختاره الصدوق والمفيد وغيرهما من أجلّة أصحابنا أنه مضى عليه‌السلام شهيداً بسم المأمون» (47).
هذا ، وقد أوردت تلك الروايات عللاً عديدة تقف وراء تلك الجريمة الشنعاء ، وهي :

أولاً : استثقال المأمون نصائح الإمام عليه‌السلام ومواعظه :
كان إمامنا لاينفك عن توجيه النصح والارشاد للمأمون ، يحثه على الاستقامة والتقوى ويخوفه من عواقب المعصية ويوصيه بالرّفق بالرعية ، وكان المأمون يُظهر قبوله بذلك ولكنه في حقيقة الحال يخفي غضبه وسخطه ويتبرم من نصائح الإمام عليه‌السلام. فوجد فيه عائقا يحول دون تمتعه بالسلطة ومغرياتها بدون رقيب أو معارض ، ومن الشواهد على ذلك قول الطبرسي : « كان سبب قتل المأمون اياه أنه عليه‌السلام كان لا يحابي المأمون في حق ويجيبه في أكثر أحواله بما يُغيظه ويحقده عليه ، ولا يُظهر ذلك له ، وكان عليه‌السلام يُكثر وعظه إذا خلا به ، ويخوّفه اللّه تعالى ، وكان المأمون يظهر قبول ذلك ويبطن خلافه » (48).
كان الإمام الرضا عليه‌السلام لا يبخل على المأمون بنصائحه القيمة ، وخاصة ما يتعلق بالشؤون العامة ، ويمحضه اياها ولو تعارضت مع مصلحته الشخصية ، إحساسا منه بالمسؤولية الشرعية ، وبأن الدين النصيحة.
يروي سبط ابن الجوزي ان الرضا عليه‌السلام قال للمأمون : « النصح لك واجب ، والغش لايحل للمؤمن ، إن العامة تكره ما فعلت معي ، والخاصة تكره الفضل بن سهل ، والرأي أن تنحينا عنك حتى تستقيم لك الخاصة والعامة ، فيستقيم أمرك » (49).

ثانياً : دافع الحسد :
وجد المأمون أن إمامنا قد بهر الألباب وحير العقول بعلميته الفائقة وقطعه لحجة كل من حاجه أو ناظره. كما وجد أن إمامنا أظهر قدرة فائقة على مداراة الناس وحسن التصرف مما جعل الجماهير تتعاطف معه وتتبارى في تكريمه والاحتفاء به ، فحسده على مكانته العالية في نفوس العلماء والعوام على حد سواء ، وكان ذلك أحد الدوافع التي جعلته يقدم على قتله حسدا له :
عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : سألت أبا الصلت الهروي فقلت له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه‌السلام مع إكرامه ومحبته له وماجعل له من ولاية العهد بعده؟
فقال : إن المأمون إنما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله ، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محلّه من نفوسهم ، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم .. وكان الناس يقولون : واللّه انه أولى بالخلافة من المأمون ، وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له (50).

ثالثاً ـ دسيسة الفضل بن سهل وأخيه :
المفارقة العجيبة أن الفضل بن سهل الذي عده البعض سببا ـ كما أسلفنا ـ لإقدام المأمون على إلزام الإمام عليه‌السلام بولاية العهد ، عده البعض أيضا سببا في إقدام المأمون على قتل الإمام عليه‌السلام هذه المرة!. علما بأن الفضل بن سهل قد اغتيل والإمام على قيد الحياة ، فكيف ـ والحال هذه ـ يشير على المأمون بذلك؟ اللهم إلاّ إذا كان المأمون يريد التخلص من الفضل بن سهل والإمام عليه‌السلام معا ليُرضي العامة والخاصة على حد سواء ، فأقدم على اغتيال الفضل في الحمّام ، وعلى اغتيال الإمام عليه‌السلام بالسمّ.
ومهما يكن من أمر فان الشيخ المفيد قدس‌سره يرى بأن الفضل وأخاه كانا يحرضان المأمون على قتل الإمام عليه‌السلام وذلك لأن إمامنا : كان يُزري على الحسن والفضل ـ ابني سهل ـ عند المأمون إذا ذكرهما ، ويصف له مساوئهما وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما ، وعرفا ذلك منه فجعلا يحطبان عليه عند المأمون ويذكران له عنه ما يُبعده منه ويُخوِّفانه من حمل الناس عليه ، فلا يزالان كذلك حتى قلبا رأيه ، وعمل على قتله عليه‌السلام .. (51).

رابعاً ـ التقرب للعباسيين :
عمل المأمون على إعادة الجسور المقطوعة مع العباسيين ، وترميم ما تهدم من علائق معهم ، لذلك اتُهم المأمون في قتله ـ أي الرضا عليه‌السلام ـ تقربا للعباسيين (52).
خامساً ـ الخوف من مبدأ النص :
لقد استبد القلق بالمأمون من تفاعل الأمة مع مبدأ «النص» الذي تتبناهُ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، ذلك المبدأ الأمثل الذي ترسخ في وعي الأمة منذ عهد الرسالة الأولى وازداد بفضل أهل البيت عليهم‌السلام ثباتاً ورسوخاً ، وما جاء دور الإمام الرضا عليه‌السلام إلاّ وقد عقد المناظرات واحتج بمختلف الآيات البينات زيادة على ما أدلى به من أحاديث آبائه الطاهرين عليهم‌السلام في مناسبات شتى ، ونتيجة لذلك أدرك المأمون خطورة هذا المبدأ الذي دافع عنه الإمام بقوة في مقابل اطروحة السلطة القائمة على صيغة «الرضا من آل محمد» التي يكتنفها الغموض ويلفها الإبهام ، وأثبتت الأيام عقمها وعدم مصداقيتها. من هنا لم يعد مستبعدا إقدام المأمون على تصفية الإمام بعد إيجاده تياراً جماهيرياً واسعاً يعتقد بذلك المبدأ.
يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين : لقد أدرك المأمون واكتشف بخبرته السياسية أن ظهور هذه التفاعلات ـ ويقصد بها الجماهيرية ـ يجب أن يكون الحد النهائي لهذه التجربة ، تجربة : ولاية العهد. لقد اكتشف أنه فشل في تحقيق هدفه الستراتيجي بشأن صيغة النص ، وان الإمام هو الذي انتصر عليه في هذا المجال ، فآثر أن يكتفي بما حققه من أهدافه الملحة العاجلة ، قبل أن يتفاعل انتصار الإمام عليه‌السلام في مجال صيغة النص ، فيخلق وضعا لاسبيل إلى تداركه يلقي بخلافة المأمون في عاصفة قد تذهب بها في ثورة تحت شعار صيغة النص بنقائها وصفائها. فأنهى بيعة الموت بقتل الإمام الرضا عليه‌السلام بالسم (53).
والملاحظ أن هناك روايات يُخبر من خلالها الإمام عليه‌السلام بأن المأمون سيقتله بالسم كما قُتل أبوه وأكثر أجداده عليهم‌السلام ، عن أبي الصلت الهروي قال ، قال الرضا عليه‌السلام : « ما منا إلاّ مقتول ، وإني لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين عزّوجلّ » (54).
كما كشف إمامنا لأبي الصلت الهروي فعلتهم الشنعاء ، قال أبو الصلت : دخلتُ على الرضا عليه‌السلام ، وقد خرج المأمون من عنده ، فقال لي :
« يأبا الصلت قد فعلوها » وجعل يوُحّدُ اللّه ويُمجّدُهُ (55).
إنّ موت الإمام عليه‌السلام المفاجى ء والغامض لا يُفسر بمعزل عن الظروف الضاغطة التي عاشها الإمام بعد إجباره على قبول ولاية العهد.
على أنه لا يمكن غضّ الطرف أيضاً عما فعله المأمون مع الإمام قبل ولاية العهد أيضاً ، إذ أخرجه مكرها من بلدته وحرم جدّه واستقدمه إلى خراسان.
وكان الألم والحزن يعتصر قلبه لفراق أهله ، فعاش غريبا كما تعيش النبتة الغريبة في أرض غير أرضها ومناخ غير مناخها ، حتى قضى نحبه عليه‌السلام شهيداً بطوس في قرية يقال لها «سنباذ» ، ودفن في دار قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد ، إلى جانبه مما يلي القبلة ، في يوم الجمعة أو الاثنين ، في السابع عشر من صفر ، أو التاسع والعشرين منه ، وقيل في الحادي والعشرين من شهر رمضان أو في الثامن عشر من جمادي الأولى ، أو في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة ٢٠٣ هـ أو سنة ٢٠٦ هـ وقيل سنة ٢٠٢.
ورجح الصدوق أن وفاته كانت في شهر رمضان لتسع بقين منه سنة ٢٠٣ هـ عن تسع وأربعين سنة وستة أشهر (56).
فسلام عليه يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً ، وصلى اللّه على نبينا محمد وآله الأكرمين الأطهار.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.
__________________
(١) انظر : مروج الذهب / المسعودي ٣ : ٢٢٥.
(2) مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصبهاني : ٢٧٣.
(3) تاريخ الطبري ٩ : ٣٩٨.
(4) انظر : تاريخ اليعقوبي ٣ : ١١٧.
(5) تاريخ اليعقوبي ٣ : ٤٠٤.
(6) تاريخ الطبري ١٠ : ٢٩.
(7) مروج الذهب / المسعودي ٣ : ٣٣٦.
(8) جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة الليثي : ٣١٩.
(9) تاريخ الطبري ٨ : ٥٢٨ ـ ٥٣٥.
(10) تاريخ الطبري ٨ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦.
(11) تاريخ الطبري ٨ : ٥٣٦ ـ ٥٣٨.
(12) تاريخ الطبري ٨ : ٥٣٨ ـ ٥٤٠.
(13) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٣٠٧ و ٣٠٨.
(14) الفخري في الآداب السلطانية / ابن الطقطقا : ٢٠٠.
(15) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٨٤ ، ح ١١ باب (٧).
(16) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٨٤ ، ح ١١ باب (٧).
(17) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٨٧ ، ح ١٢ باب (٧).
(18) مقاتل الطالبيين : ٥٦٣.
(19) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، ح ٢٨ باب (٤٠).
(20) مقاتل الطالبيين : ٥٤١ ، والفخري في الآداب السلطانية : ١٦٥.
(21) تاريخ الطبري ٧ : ١٦٨ ـ ١٦٩.
(22) عقيدة الشيعة الإمامية / هاشم معروف الحسني : ١٦١ و ١٦٢ ، والرواية في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٧ ، ح ١٧ ، باب (٤٠).
(23) جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة الليثي : ٣٥٠.
(24) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٨ ، ح ١٩ ، باب (٤٠).
(25) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٢ ، ح ٢٢ ، باب (٤٠).
(26) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٧٦ ، ح ٢٨ ، باب (٤٠).
(27) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٧٣ ح ٢٤ ، باب (٤٠).
(28) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٥ ، ح ٢٢ ، باب (٤٠).
(29) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٣ ، ح ٢٢ ، باب (٤٠).
(30) تاريخ الطبري ٧ : ١٣٢.
(31) انظر : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٥٠.
(32) البداية والنهاية / ابن الاثير : ١٠ : ٢٤٧.
(33) انظر : بحار الأنوار ٤٩ : ٣١٣.
(34) نشأة الشيعة الإمامية : ٢٣١.
(35) جهاد الشيعة : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.
(36) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦١ ، ح ٢١ باب (٤٠).
(37) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥١ ، ح ٣ ، باب (٤٠).
(38) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥١ ، ح ١ ، باب (٤٠).
(39) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٠ ، ح ٢ ، باب (٤٠).
(40) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٧٧ ، ح ٢٩ ، باب (٤٠).
(41) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٢ ، ح ٤ ، باب (٤٠).
(42) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٢ ، ح ٥ باب (٤٠).
(43) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٨ و ٢٩ ، ح١ ، باب (٣).
(44) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨ ، ح ٣٤ ، باب (٣٠).
(45) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٤ ، ح ٢٢ ، باب (٤٠).
(46) التوحيد / الصّدوق : ٤١٧ ، باب (٦٥).
(47) بحار الأنوار ٤٩ : ٣١٢ ـ ٣١٣.
(48) اعلام الورى ٢ : ٨٠ ، باب (٦).
(49) تذكرة الخواص : ٣٥٥.
(50) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦٥ ، ح ٣ باب (٥٩).
(51) الإرشاد ٢ : ٢٦٩ ، باب : ذكر وفاة الرضا عليه‌السلام وسببها.
(52) تاريخ الإسلام السياسي والديني / الدكتور حسن ابراهيم حسن ٢ : ٧١.
(53) الشيخ محمد مهدي شمس الدين / الإمام الرضا عليه‌السلام وولاية العهد ، مجلة التوحيد ، العدد ٣٤ ـ السنة الرابعة ، محرم ، صفر ١٤٠٧ ه.
(54) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٢٠ ، ح ٥ باب (٤٦).
(55) الإرشاد ٢ : ٢٧٠ ، باب : ذكر وفاة الرضا عليه‌السلام وسببها.
(56) انظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٨ ، ح ١ ، باب (٣).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page