إنّ جميع الأديان السماويّة ، وحتّى النظم الماديّة ، تمتلك اُصولاً وعقائداً خاصّة للوصول إلى الأهداف المطلوبة ، وهذه الاُصول والعقائد من أجل إيصالها إلي النّاس للحصول علي تلك الأهداف والمتطلّبات المرسومة لا بد من اُسلوب وطريقة. وهناك عدّة أساليب في ذلك ، ومنها التبليغ والدعاية ، حيث من خلاله استطاعت الأديان السماويّة ـ وحتّى الأنظمة السياسيّة الحديثة والقديمة ـ من استخدام اُسلوب الدعاية والتبليغ ، حتّي أصبح لهم أتباع وجيوش واُمم ، وبذلك استطاعوا بسط نفوذهم وسيطرتهم ، ووصلوا إلى مايريدون ، ومهما يمرّ التاريخ علي الاُمم والشعوب تجد آثار هذه الاُصول والعقائد موجودة وموروثة الي يومنا هذا ، فظهر أنّ الذي يبقى هو الفكر والعقيدة ، سواء كانت سماويّة أو من الأنظمة الوضعيّة.
لذا اعتبر اُسلوب الدعاية أو ما يعبّر عنه اليوم عند المتشرّعة ( بالتبليغ ) يعتبر من الأساليب المؤثرة والنافذة في مجتمعاتنا اليوم. ولقد كان هذا الاُسلوب قديماً يقتصر على اُمور بسيطة إن كانت في غاية الأهمّية ، لكن بسبب التطوّر والرقي الحاصل في العالم اليوم ، والذي يسمّى بعصر الكترونيات ، تطوّر اُسلوب التبليغ أيضاً ، وخرج عن اُسلوبه التقليدي القديم ، وأصبح علماً وتكنولوجيا حديثة.
واليوم نرى كثير من الجامعات والمؤسّسات الكبيرة والمعقّدة في العالم ، والتي تمتلك قدرات هائلة تقوم بهذا الدور التبليغي ، سواء كان التبليغ سياسياً أو تجارياً أو عقائدياً ، فقام أصحاب هذه المؤسّسات باستخدام الأجهزة المتطوّرة الحديثة لنشر ثقافهم ، ومن جملتها المؤسّسات المعادية للإِسلام ، والتي تستخدم الأجهزة الحديثة في الدعاية ونشر الثقافة المضادّة للإسلام ، والهجوم على معتقدات المسلمين الموروثة ومحاربتها.
من هنا تصدّي المرابطون على ثغور الإسلام من أجل حماية وحراسة الثقافة الإسلامية ، فاستخدمت أيضاً الأساليب الحديثة في نشر الإسلام وتبليغ قيمه ومبادئه الأصليّة ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله ) (١)
وفي هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها الشعوب الإسلامية ، وبالخصوص الشعب الإيراني المسلم ، وما يتوجّه له من هجمات معادية شرسة ، قام هذا الشعب الثوري بتحصين المجتمع الإسلامي على أساس عقائدي وفكر إسلامي ، مستلهماً ذلك من القيم والمبادئ الإلهيّة الإسلاميّة ، فاستخدم جميع الأساليب التبليغيّة والمتطوّرة من أجل الدفاع عن الإسلام ، أو نشر الثقافة الإسلاميّة الأصليّة ، وبذل العلماء والمفكّرون غاية جهدهم من أجل نشر الدين المحمّدي الأصيل ، والتمهيد لظهور منقذ البشريّة الإمام المهدي المنتظر عليهالسلام.
هذا وممّا يؤسف له فإنّ كثيراً من الخرافات والمعتقدات الخاطئة ما زالت تعشعش في أذهان كثير من المسلمين ، فكان من الواجب على علماء الدين أن يرفعوا هذه المخلّفات الخاطئة والشبهات التي دخلت إلى مجتمعاتنا حتّى تظهر صورة الإسلام الأصلية المترقيّة في العالم.
وأمّا الفكرة المهدويّة
فهي إحدي المعتقدات المهمّة لدى المسلمين ، والتي تعتبر فكرة إسلاميّة خالصة مأخوذة من القرآن الكريم ، حيث أخبر في عدة آيات عن ذلك من خلال الوعد الإلهي بوراثة الصالحين للأرض ودولتهم العالميّة ، وأنّ ذلك سيكون على يد المنقذ والقائد
الإلهي ، حيث فسّر النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة المعصومين عليهمالسلام هذا الأمر وبيّنوه مفصلاً بأنّ ذلك القائد الإلهي هو الإمام المهدي المنتظر عليهالسلام ، ودعوا النّاس للاستعداد والتهيئة من أجل تشكيل تلك الدولة الإلهيّة التي تجسّد المدينة الفاضلة ، وأخبروا بأنّ انتظاره من أفضل العبادات. يقول الله تعالى : ( وَنُرِيدُ أن نَمنَّ عَلَى الّذينَ استُضعِفُوا في الأرض وَنَجعَلُهُم أئمة ونجعلَهُمُ الوَارِثينَ ). (١)
لا شكّ أنّ دولة الإمام مهدي عليهالسلام سوف تدمّر عروش الظالمين ، وتنشر العدالة في العالم ، وتقوم بتطهير الأذهان من الشبهات والعقائد المنحرفة ، وتمحو الشرك ، وتجعل الإسلام والأمن حاكمان في ربوع العالم.
أمّا المهدي المنتظر الذي هو الهادي والقائد للبشريّة ، فهو مظهر لعبوديّة الله الحقّة ، والمثال الأعلى للإنسان الكامل ، مهدي آل محمّد عليهالسلام ، قائد طاهر من نسل النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومن سلالة الطاهرين الصالحين ، آبائه نسلاً عن نسل هم أئمّة الحقّ والعدل ، الذين بذلوا كلّ ما بوسعهم من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين ، ولم يقصّروا لحظة في ذلك ، وكانت نتيجة أمرهم أن قُتلوا على يد جلاوزة عصورهم ، ونالوا وسام الشرف والشهادة. فالإمام المهدي عليهالسلام هو وارث تلك الدماء الزاكية المقدّسة ، وأنّه سوف يأتي ليثأر دماء آبائه التي اُريقت ظلماً.
وأمّا هذا الكتاب الذي بين يديك : فهو يحكي عن القضيّة المهدويّة وملابساتها ، فلقد شمّرت ساعد الجدّ قبل عدّة أعوام من أجل معرفة هذا الرجل الإلهي ، حيث ذكرت فيه اُموراً قد تعلمتها في سنّي عمري من أساتذتي العلماء المتّقين ، وبالخصوص والدي آية الله الشيخ محمّدرضا الطبسي ، والذي تبنّى تربيتي ورعايتي العلميّة ، فقمت بمراجعتها وملاحظتها ، وأضفت إلهيا مسائل اُخرى ، وجعلت هذا المجود على شكل سؤال وجواب ليسهل مطالعتها.
متمنّياً من الله العليّ القدير أن يكون هذا الجهد القليل مقبولاً عند الإمام المهدي ـ ارواحنا له الفداء ـ.
وختاماً اُقدّم خالص شكري إلى أخي في الله العلّامة الجليل الشيخ عبد السلام الترابي ، حيث بذل غاية الجهد في ترجمة هذا الكتاب إلي اللغة العربيّة.
ربّنا تقبّل منه ومنّا بكرمك
قم المقدّسة
محمّد جواد الطبسي
١ / شعبان المعظَم / ١٤٢٦
____________________
(١) الأحزاب ( ٣٣ ) : ٣٩.
(2) القصص ( ٢٨ ) : ٥.
المُقدّمةُ
- الزيارات: 1045