وعلي الأكبر (عليه السلام) من معصومي أهل البيت صلوات الله عليهم، إلاّ أن عصمته غير واجبة كالأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ، لأنهم صلوات الله عليهم واقعون في طريق تبليغ الرسالة لذا وجبت عصمتهم ، أمّا علي الأكبر ، والعباس ، وزينب (عليهم السلام) ، فهم معصومون بمعنى آخر، فهم منزّهون عن عمل القبيح، معصومون من الذنوب بملكة اكتسبوها ، ومرتبة سامية حصلوا عليها ، لطفاً من الله سبحانه وتعالى بهم لعلمه بصحّة ضمائرهم ، وصدق نيّاتهم، واخلاصهم في طاعته ، وانقيادهم لأمره جلّ شأنه.
وتعرف هذه الملكة السامية لهؤلاء السادة بأمرين:
الأمر الأول: شهادة المعصوم بحقّهم ، فهو لا يعطيها اعتباطاً لتنزّهه عن الخطأ في القول والعمل.
الأمر الثاني: مرورهم بالأزمات العظيمة ، والخطوب المذهلة ، ومع ذلك لا يصدر منهم إلاّ الرضا والتسليم لأمره سبحانه وتعالى ، فإذا كان هذا حالهم في أيام البؤس والمحن ، فهم أولى بالشكر في حال اليسر والرخاء.
وتحقّق الأمر الأوّل لعلي الأكبر (عليه السلام) بـ :
1 – دفن الإمام زين العابدين (عليه السلام) له في قبر مستقل ، محاذياً لقبر أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام) ، تمييزاً له عن بقية الشهداء ، رضوان الله عليهم أجمعين.
2- أفراد الأئمة (عليهم السلام) له بزيارات مستقلّة ، اشعاراً بسموّ مقامه، وعظيم درجته عند المولى سبحانه وتعالى.
3 - كلماتهم صلوات الله عليهم فيه ، لاسيّما في زياراته (1) وأنت إذا تأمّلت كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) عندما وقف على مصرعه : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ويستشف من هذه الكلمة عظمة الشهيد ، فحرمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تنتهك بقتل فرد من المسلمين مهما بلغت منزلته ، إلاّ أن يكون القتيل الإمام أو من يليه في السموّ والرفعة ، والقرب من الله سبحانه وتعالى.
وتحقّق الأمر الثاني للشهيد الأكبر (عليه السلام) - أعني الصبر في الأزمات - كلامه مع أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام) عند قصر بني مقاتل (2) والثبات معه رغم رخصته لجيشه في الانصراف ؛ وأهم من هذا وذاك ردّه (عليه السلام) لأمان أهل الكوفة وتصميمه على الشهادة من أجل إعلاء كلمة الحق ، ورفع راية الإسلام خفّاقة ، وسحق الطغاة الظالمين.
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (3)
___________
1- أنظر فصل كلمات الأئمة (عليهم السلام) من هذا الكتاب.
2- أنظر فصل (أو لسنا على الحق) من هذا الكتاب.
3- سورة يوسف : الآية 11.
العصمة
- الزيارات: 1242