شبابنا في ظل التربية الإسلامية(1)
إن مرحلة الشباب مرحلة خطيرة جدّاً في حياة الإنسان ، و هي مرحلة تتخلّلها فترة المراهقة الحسّاسة ، و إن الحديث عنها والبحوث حولها عديدة و مكثفة ، فلهذا ارتأينا تقسيم البحث في هذا الموضوع إلى عدة فصول بحيث يخص كلّ واحد منها جانباً من جوانب التربية .
التربية الدينيّة والقرآنيّة
إن الله تبارك وتعالى خلق عباده وأودع فيهم مواهب وقدرات ، وخلق لهم السماء والأرض والبحار ، وسخّر لهم ما فيها جميعاً ، وأغدق على الإنسان نعمه المستفيضة ، ممّا يوجب طاعته والشكر له وعبادته ، وهو سبحانه القائل :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [ النور : 41 ] .
وإن العبادة تتّخذ أشكالاً منوّعة ، يؤدّيها كل مخلوق حسب خلقته وقدرته وإدراكه ، كما يفهم ذلك من قوله تعالى في الآية المتقدّمة : كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
والأفضل للمرء أن يتجه إلى ربّه في كل الأمور ، يسيرها وعسيرها ، فيعوّد نفسه منذ صغر سنّه على الصلاة وإقامتها في أوقاتها ، في السرّ والعلانية ، ليحصل على أكثر قدر ممكن من الثواب باكتساب فضيلتها .
وقد حبّب الله عزَّ وجلَّ للمصلّين أن يقيموها في أوقاتها الشرعيّة المخصّصة لها ، وبيّن الباري لهم فضل ذلك وأجره ، إذ قال عزّ من قائل : وَأَقِمِ الصَّلوةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [ هـود : 114 ] .
وقال ( صلّى الله عليه وآله ) : ( علّموا صبيانكم الصلاة ، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم ) .
كما أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كان يعّود الصبيان والشباب على إقامة الصلاة في وقتها ، وذلك لكسب فضيلتها وأجرها ، إضافة إلى أجر الصلاة ذاتها .
وقد روى أنّه ( عليه السلام ) كان يأمر مَنْ عنده من الصبيان بأن يصلّوا الظهر والعصر في وقت واحد ، والمغرب والعشاء في وقت واحد ، فقيل له في ذلك ، فقال ( عليه السلام ) : ( هو أخفّ عليهم ، وأجدر أن يسارعوا إليها ولا يضيّعوها ، ولا يناموا عنها ، ولا يشتغلوا ) .
وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة ( المفروضة غير المستحبّة ) ، ويقول ( عليه السلام ) في هذه المجال : ( إذا طاقوا الصلاة فلا تؤخّروها عن المكتوبة ) .
أمّا في مسألة تلاوة القرآن الكريم وحفظه ، فقد ورد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنه قال : ( من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله عزَّ وجلَّ مع السفرة الكرام البررة ) .
وينبغي أن نعي بأن الآباء لو ربّيا أبناء هم على ذكر الله عزَّ وجلّ ، وأداء الصلاة في أوقاتها ، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم ، فسيكون لهم عند الله جلّ وعلا أجراً عظيماً وثواباً كريماً .
وأن الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) قد حث الأبوين على تعليما أبنائهما المواظبة على تلاوة القرآن الكريم : ( … ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين ، يضيء من نورها وجوه أهل الجنّة ) .
التربية النفسيّة والسلوكيّة
يسعى الدين الإسلاميّ الحنيف إلى معالجة الأفراد معالجة نفسيّة ، وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين نافعين في المجتمع الإسلاميّ . إصبر على مضض الحسودِ **** فإنّ صبرك قاتلــه وبما أنّ الإنسان هو مخلوق مجبول على الحياة الاجتماعيّة ، لذا نجده يميل إلى الاجتماع بالآخرين ، ويحبّ أن يعيش ضمن الجماعة . لقد أولى إسلامنا العظيم مسألة الجنس والممارسات الجنسيّة أهمية كبرى ، واعتبرها من المسائل الأساسيّة في حياة الإنسان ، لما لها من أهميّة بالغة على سلامة الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه ، من النواحي الصحيّة والسلوكيّة والأدبيّة والأخلاقيّة .
وهو بذلك يرمي إلى غرس روح الثقة والاطمئنان والأمان والهدوء والراحة النفسيّة عند الإنسان ، خاصّة عندما يعده بالأجر والثواب والمغفرة وقبول التوبة والجنّة .
فعلى كل من الوالدين والأسرة والمعلّم والمجتمع والدولة والمتصدّين لعمليّة التربية ، أن يجتهدوا في زرع الثقة والطمأنينة في نفوس الأبناء .
فبذلك يتمكنوا أن يحررونهم من تأثيرات الخوف والاضطراب والقلق والشعور بالدناءة والضعة وكل ما يؤدّي إلى سحق شخصيّاتهم وانهيارهم ، النفسيّ ليخرجوا إلى المجتمع الإسلاميّ صحيحين سالمين وذو شخصيات قادرة على أداء دورها المسؤول والنافع بأفضل صورة ممكنة .
وتفيد بحوث وتجارب المحلّلين النفسانيّين والأطبّاء والعلماء وخبراء علم النفس وعلم الاجتماع ، بأنّ جانباً كبيراً من السلوك البشري يتكوّن من استجابة داخليّة لمؤثّرات خارجيّة ، مثل المال والجنس والجاه وغير ذلك .
وأنّ ردّ الفعل المتكوّن عند الإنسان لكلّ منها إنّما يتحدّد بطبيعة ملكته النفسيّة ، وقدرته على مجابهة ما يشعر بضرره له ، فلا ينقاد إليه ، وعلى هذا يتحدّد موقفه من هذا المؤثّر أو ذاك .
ومّما يذكر أن تربية الإنسان المتوازنة نفسيّاً وأخلاقـيّاً وسلوكيّاً لها أثرها الكبير على استقرار شخصيّته ، وسلامتها من الأمراض النفسيّة ، والعقد الاجتماعيّة والحالات العصبيّة الخطيرة وحالات القلق والخوف التي كثيراً ما تولّد لديه السلوك العدوانيّ ، فينشأ فرداً مجرماً خبيثاً مضرّاً فاسداً في المجتمع .
والشريعة الإسلامية ترى بأن من أهم الأمور المؤدية إلى طمانينة النفس وارتقاء مستوى وعي الإنسان وبالتالي إلى توازنه النفسي والمعيشة في ظل الحياة الطيبة هو ذكر الله ، وذلك لأن الذكر كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) : ( الذكر نور العقل ، وحياة النفوس ، وجلاء الصدور ) .
و لهذا ورد في الدعاء الذي علّمه الإمام عليّ ( عليه السلام ) لكميل بن زياد ( رضوان الله عليه ) : ( اللهمّ اجعل لساني بذكرك لهجاً ، وقلبي بحبّك متيّما ) .
وذلك ليبقى الإنسان المؤمن في ظل ذكره لله عزَّ وجلَّ متمتعاً بالصيانة التي تردعه عن ارتكاب ما يخل في توازنه النفسي أو اعتدال سلوكه .
التربية العقليّة والعلميّة
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( إنّ العلم حياة القلوب من الجهل ، وضياء الأبصار من الظلمة ، وقوّة الأبدان من الضعف ) .
وذكر الإمام علي ( عليه السلام ) في إحدى مراسلاته :
( إنّ قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته ، إنّ الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا ) .
فالإنسان مخلوق عاقل مفكّر ، يستطيع أن يدرك الأشياء ويتعلّمها بوعي ، و يمكنه الاكتساب وتعلّم المعارف والعلوم بواسطة إدراكه لعالم الطبيعة عن طريق تأمّله في الكون وفيما خلق الله عز ّوجلّ .
وبالعلم والمعرفة تتحدّد شخصيّة الإنسان ، وتقوّم قيمته ، كما تقدّم في الحديث الذي مرّ ذكره عن الإمام علي ( عليه السلام ) .
وقد تصدّرت الأمم والمجتمعات مواقعها في التاريخ ، وسادت البشريّة وتزعّمت قيادتها عن طريق العلم والمعرفة ، اللذين جلبا لها القوّة والقدرة العسكرية .
وقد أراد الله عزَّ وجلَّ بالعقل الذي وهبه للإنسان أن يصل به إلى العلم والمعرفة والكمال ، لينتـفع به وينفع غيره ، وأن يكون رحمة للناس كافة .
والله تبارك وتعالى مدح أهل العلم في قرآنه الكريم فقال مبيّناً فضلهم : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ الزمر : 9 ] .
وقال تعالى أيضاً : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ الزمر : 18 ] .
كما حث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) المسلمين على طلب العلم والمعرفة ، فجعلها فريضة وواجباً على كلّ مسلم ومسلمة ، إذ قال : ( أطلبوا العلم ولو في الصين .. فإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ) .
من هنا نرى أنّ واجب الوالدين ضمن النشاط الأسريّ لهما و وظيقة المعلّم خلال أدائه لواجبه الشريف هو تعريف الأولاد بحياة العلماء وأصحاب المعرفة السابقين ، الذين أرسوا قواعد العلم والمعرفة والفضيلة ووسائل الحضارة البشريّة ، ونشروا العلم بمختلف صنوفه أينما حلّوا في هذه الدنيا .
وأن يتحدّثوا لهم عن تجاربهم وعلومهم وفضائلهم ، بأسلوب قصصيّ شيّق جميل يستميل رغبة الأولاد ويثير فيهم حب الاطّلاع على المجهول ، ويرسّخ في أذهانهم ونفوسهم حبّ العلم والمعرفة والاستطلاع والاستكشاف لنشر العلم والمعرفة بين الناس ، وتوضيح أثر وأهميّة العلم والعلماء للأولاد .
وأن يشجعونهم على زيارة المتاحف ، للتعرّف على ما كان عليه أجدادنا ، وكذلك زيارة المعارض الحديثة للاطّلاع على معروضاتها الصناعيّة والعلميّة .
وأن يغرسون في أنفسهم مطالعة الصحف والمجلات الإسلامية والكتب العلميّة النافعة ، فيكون ذلك سسباً في توسيع مداركهم وتنمية عقولهم .
ونرى أن الواجب الذي يفرضه عصرنا الذي نعيش فيه ، والتقدّم الهائل والسريع الذي حدث فيه ، أن يتم تعليم الأولاد بممارسة الطرق والأساليب والآلات والأجهزة الحديثة للتعلّم واكتساب المعرفة .
والتي منها شبكات ( الإنترنت ) التي تتفاضل على سائر وسائل التعليم بالسرعة الفائقة ، والدقّة المتناهية ، وشموليّتها لمختلف المواضيع العلميّة والأدبيّة والثقافيّة وغيرها .
التربية الاجتماعيّة والخلقيّة
قال الله عزّ وجلّ مادحاً رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) : وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [ آل عمران : 159 ] .
بل أبعد من هذا فإنّه سبحانه وتعالى يشهد ويقرّر لرسوله الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ القلم : 4 ] .
والرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أيـّد ذلك بقوله : ( أدّبني ربّي فأحسن تأديبي ) وقال عن نفسه ( صلّى الله عليه وآله ) : ( بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) .
وبقدر ما يقترن كمال الإنسان وسعادته بحسن خلقه وأدبه ، يقترن انحطاطه وشقاؤه بسوء خلقه وغلظة تعامله ، وقد ورد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقول في هذا : ( من ساء خُلقه عذب نفسه ) .
فنستكشفّ من هذا الحديث النبويّ الشريف : أنّ هناك رابطة وعلاقة وطيدة بين تكوين الإنسان الداخليّ وبين السعادة أو الشقاء اللذين يكتنفانه .
فمثلاً نرى الإنسان الحليم الكاظم لغيظه ومحبّ الخير لغيره كما يحبّه لنفسه ، والذي يحمل في قلبه الحبّ والحنان والعطف والرأفة والشفقة على غيره ، يكون ذلك كلّه مبعثاً لسعادته وبهجته وسروره واطمئنانه .
وعلى العكس ، حيث نجد الإنسان الخبيث اللئيم الشرّير الأنانيّ الحقود على غيره يعاني من هذه العقد النفسيّة ، ويؤذي نفسه قبل أن يؤذي غيره ، وقد نسب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو ينصح المؤمن بالصبر وعدم التهوّر في مجابهة أمثال هؤلاء ، قوله :
كالنـار تأكـل بعضها **** إن لم تجد ما تأكلـه
وقد جاءت الرسالات الإلهيّة المقدّسة كافة ـ والإسلاميّة خاصّة ـ لتبني المجتمع الإيمانيّ من خلال بناء أفراده ، لأن أفرادهم الذين يكوّنون المجتمع ، ويتبادلون مع الآخرين من أبناء مجتمعهم العادات والتقاليد والاعتقادات المختلفة .
ونرى الإسلام العزيز يحثّ المسلمين ويشجّعهم على تكوين الروابط الاجتماعيّة البنّاءة .
وقد جعل لها أساليب وممارسات لطيفة تؤدّي إلى الألفة والمحبّة بين أبناء المجتمع الإسلامي ، كآداب التحيّة والسلام والمصافحة بين المؤمنين ، وتبادل الزيارات ، وعيادة المرضى ، والمشاركة في تبادل التهاني في الأعياد والمناسبات الدينيّة والاجتماعيّة ، والاهتمام بالجار ، وتسلية أهل المصائب والشدائد ومشاركتهم في عزائهم لو مات منهم أحد ، وغيرها كثير .
ووضع لكلّ منها قواعد وأصولاً تدخل السرور على المسلمين ، وتكون لهم عوناً وتهوّن عليهم ما يصيبهم من شرّ وأذى .
و نجد الشريعة الإسلامية تؤكد حتّى في العبادات ، على الجانب الاجتماعيّ ، كأداء الصلاة جماعة حيث يؤكد استحبابها ، واجتماع المسلمين لأداء فريضة الحجّ .
كما أن الإسلام يسعي ألى تنظيم علاقة الفرد المسلم بأهل بيته وأقاربه وأصدقائه وجيرانه .
وقد أوصى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) المسلمين باحترام الجار ومؤازرته في حالات الفرح والحزن ، واعتباره من الأهل والأقارب ، وورد عنه أنه قال : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتّى ظننتُ أنّه سيورّثه ) .
فعلى الوالدين والمربّي والمعلّم تشجيع الأولاد على ممارسة الأفعال والنشاطات التي توطّد العلاقة وتطيّبها بين هؤلاء الأولاد وسائر أبناء مجتمعهم .
ويعملون على مراقبتهم وتهذيب أسلوب كلّ ممارسة منها ، ومع من يلتقون ويلعبون ويتجوّلون ويدرسون ، كي لا يحتكّوا بأفراد تسوء تربيتهم فيأخذون منهم ويتعلّمون ما هو مضر وفاسد وقبيح .
ومرحلة الشباب ـ سيّما فترة المراهقة منها ـ تعتبر من أكثر مراحل حياة الإنسان شعوراً بالغرور والإعجاب بالنفس ، والاستخفاف بآراء الآخرين من الكبار .
وقد حذّر الله سبحانه وتعالى من ذلك عن لسان لقمان بقوله : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [ لقمان : 18 ] .
لأنّ الغرور يذهب ببعض الأفراد إلى المباهاة على والديهم ، والاستخفاف بهما ، واستخفاف آرائهما ،؛ لما يكونون عليه من وضع اجتماعيّ أو ثقافيّ غير الذي كان عليه أبواهم .
فيحذّرهم الجليل جلّت قدرته من ذلك : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [ الإسراء : 23 و 24 ] .
بل يصل الغرور ببعض الشباب إلى حدّ الاستخفاف بالله سبحانه وتعالى وبالإيمان به وبكتبه وبرسله ( عليهم السلام ) .
فَيُنَبِّهُهُم الله عزَّ وجلَّ إلى عظيم خطر ذلك عليهم ، ليثوبوا إلى رشدهم ، ويعودوا إلى ملّتهم ، ويستغفرونه ويتوبون إليه تبارك وتعالى :
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [ الانفطار : 7 و 13 ] .
وإنّ الغرور الذي ينتاب بعض الشباب هو من المشاكل العويصة ، ذات الخطورة البالغة على الشابّ نفسه وعلى أهله ومجتمعه .
وهو من المشاكل التي إذا لم تدرك وتعالج وتوضع لها الحلول المناسبة ، سوف يحلّ بذلك المجتمع الداهية العظمى والبلاء الشديد .
لذا ينبغي على الآباء والمربّين توعية الشباب وتثقيفهم تربويّاً وأخلاقيّاً وعاطفيّاً ، ليجنّبوهم مهابط ومساقط الغرور والإعجاب بالنفس .
كما على البيت والمدرسة ووسائل الإعلام والقانون والمراكز أن يقوموا بتوعية الشباب وتفهيمهم بأنّ فعلهم هذا غير صحيح ، وله نتائج سيّئة ووخيمة لهم ولأهلهم وذويهم ومجتمعهم .
حتى نتمكن بذلك أن نحصّن شبابنا بدرع واقٍ من مساوئ الممارسات ومفاسد الأخلاق ومنحرفات الأفكار ، ليكون شريحة طيبّة مثمرة نافعة ، تستفيد من الإمكانات المتاحة لديها ، وتعيش بعزّ وكرامة وسعادة ، وتجلب الخير والسعادة والفرح والسرور والبهجة على أهلهم وذويهم ومجتمعهم .
وبذلك يكسبون رضاء الله عزَّ وجلَّ ورضاء رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فيكسبون خير الدنيا وسعادة الآخرة .
التربية الجنسيّة
لذلك فقد وضعت الشريعة الإسلاميّة القوانين والمعايير اللازمة لإشباع غريزة الإنسان الجنسيّة ، وتهذيبها وتنظيم أسلوب ممارستها .
فترى أنّ جملة من الأحكام الشرعيّة الإسلاميّة تناولت الجنس والحقوق الجنسيّة ، وأحكام الزواج الدائم ، والمؤقّت ( المتعة ) ، وحقوق كلّ من الزوجين ، وأحكام الطلاق وغيرها ، ممّا ينظم مسائل الحياة الجنسيّة والزوجيّة ، لتعالج الظروف والمشاكل التي يعيشها الفرد ويواجهها ، وكيفيّة ممارسته هذا الحق الإنسانيّ الذي منحه الله تبارك وتعالى ، لاستمرار الحياة البشريّة من جهة .
ومن جهة أخرى لحفظ النوع والنسل والذريّة ، وليبقى الإنسان في منجىً من الانحراف والانزلاق في هوّة المعاصي والذنوب ، والتلوّث والعدوى من مختلف الأمراض الجنسيّة والتناسليّة كالزهريّ والسفلس وغيرهما .
ومن الواجب على الوالدين إفهام أولادهما ـ بنات وبنين ـ فيما يتعلّق بمسألة الجنس والأمور الجنسية ، شيئاً فشيئاً ، كلّ حسب جنسه وما يواجهه مستقبلاً من حالات ترتبط بالأمور الجنسيّة .
وذلك كي يكونوا مستعدّين لها ، مثل ظاهرة الطمث ( الحيض ) عند البنات ، وما يصحبها من ظواهر تبدو على أجسادهنّ ، كبروز الثديين وظهور شعر العانة مثلاً .
وكذلك تعليمهنّ كيفيّة الاغتسال الواجب عن هذه الظاهرة الأنثويّة ، أمّا بالنسبة للأولاد ( البنين ) فمسألة الاحتلام والجنابة وكيفيّة غسلها ، على أن يتمّ ذلك بأسلوب مهذّب وسليم ، و بحدود الاحتشام والفضيلة .
وبهذا تتكوّن لدى أولادنا المعلومات الجنسيّة الكافية للاستعداد لمواجهتها حين ظهورها ، فيهذّب سلوكهم الجنسيّ ، ويتحدّد بحدود الطهارة من الدنس ، والالتزام والتقيّد بما يحفظهم من مختلف الأمراض الجنسيّة والخُلقيّة ، بما يجلب لهم العفّة والشرف والكرامة والنزاهة والسلامة .
ونقرأ ما ورد في القرآن الكريم عن أحكام الجنس وتلبية الغريزة الجنسيّة بالزواج الشرعيّ الحلال المباح الذي حلّله الله عزَّ وجلَّ وأباحه لكلا الجنسين قوله تعالى :
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [ الروم : 21 ] .
ثم يتناول القران الكريم مسألة أخرى وحكم آخر يتعلّق بالتعفّف والنزاهة ، إن لم يجد الإنسان نكاحاً من كلا الجنسين : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ البقرة : 236 ] .
هذا لمن وجدت من تمتّع نفسها له بالزواج المؤقّت ، أمّا من لم يجد ذلك ، فيأمره الله جلّ وعلا بقوله الكريم : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور : 33 ] .
وقال الإمام علي ( عليه السلام ) ناصحاً الشباب : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم ألباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فليدمن الصوم ، فإنّ له رجاء ، فأمر الشباب بالنكاح مع الطول له ، فإنْ لم يجدوا إليه طولاً فليستعففوا عن الفجور بالصيام ، فإنّه يضعف الشهوة ، ويمنع الدواعي إلى النكاح ) .
وقال ( عليه السلام ) أيضا عن فلسفة الغريزة الجنسيّة ، وما بني عليها من علامات التحام جنسيّ بين الزوجين ، تتحدّد على ضوئها نظرة كل منهما إلى الآخر :
( إعلم أنّ الله جعل الزوجة سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية ، كذلك كل واحد منكم يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظ ، وطاعتك لها ألزم فيما أحبّت وكرهت ، ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها ، قضاء للذّة التي لا بدّ من قضائها ، وفي ذلك عظيم ولا قوّة إلاّ بالله ) .