( 12 )
وقد ذكرت لامير المؤمنين جملا مما يحتاج الى معرفته من سياسة الجسم واحواله ، وانا اذكر ما يحتاج الى تناوله واجتنابه . وما يجب ان يفعله في اوقاته .
فاذا اردت الحجامة فلا تحتجم الا لاثنتي عشر تخلو من الهلال الى خمسة عشر منه ، فانه اصح لبدنك . فاذا نقص الشهر فلا تحتجم الا ان تكون مضطراً الى اخراج الدم ، وذلك ان الدم ينقص في نقصان الهلال ، ويزيد في زيادته (1) .
ولتكن الحجامة بقدر ما مضى من السنين ، ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوماً ، وابن ثلاثين سنة ، في كل ثلاثين يوماً ، وابن اربعين في كل اربعين يوماً ، وما زاد فبحساب ذلك .
واعلم يا أمير المؤمنين : ان الحجامة انما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ، ومصداق ذلك ، انها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصاد .
وحجامة النقرة (2) تنفع لثقل الرأس ، وحجامة الاخدعين (3) يخفف عن الرأس ، والوجه ، والعين ، وهي نافعة لوجع الاضراس .
وربما ناب الفصد عن ساير ذلك . وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم ، وفساد اللثة ، وغير ذلك من اوجاع الفم (4) ، وكذلك التي توضع بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون مع الامتلاء والحرارة .
والتي توضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء (5) في الكلي والمثانة والارحام ، ويدر الطمث (6) ، غير انها منهكة للجسد ، وقد تعرض منها العشوة (7) الشديدة ، الا انها نافعة لذوي البثور والدماميل .
والذي يخفف من الم الحجامة تخفيف ( المص عند اول ما يضع المحاجم ثم يدرج ) (8) المص قليلا قليلا والثواني ازيد في المص من الاوائل ، وكذلك الثوالث فصاعداً .
ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيداً بتكرير (9) المحاجم عليه ، وتلين المشرطة على جلود لينة ، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن .
وكذلك يمسح الموضع الذي يفصد بدهن فأنه يقلل الالم . وكذلك يلين المشراط والمبضع بالدهن . ويمسح عقيب الحجامة ، وعند الفراغ منها الموضع بالدهن .
ولينقط على العروق اذا فصدت شيئاً من الدهن ، كيلا تلتحم فيضر ذلك المقصود . وليعمد (10) الفاصد ان يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لان في قلة اللحم من فوق العروق قلة الالم .
واكثر العروق الماً اذا كان الفصد في حبل الذراع (11) ، والقيفال (12) ( لاجل كثرة اللحم عليها ) (13) . فاما الباسليق (14) ، والاكحل (15) ، فانهما اقل الماً في الفصد اذا لم يكن فوقهما لحم .
والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ، ليظهر الدم ، وخاصة في الشتاء . فانه يلين الجلد ، ويقلل الالم ، ويسهل الفصد (16) .
ويجب في كل ما ذكرنا من اخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتى عشرة ساعة . ويحتجم في يوم صاح ، صاف ، لا غيم فيه ، ولا ريح شديدة . وليخرج من الدم بقدر ما يرى من تغيره ، ولا تدخل يومك ذاك الحمام ، فانه يورث الداء . واصبب على رأسك وجسدك ( الماء الحار ، ولا تغفل ذلك من ساعتك ) (17) .
واياك والحمام اذا احتجمت ، فان الحمى الدائمة تكون منه . فاذا اغتسلت من الحجامة ، فخذ خرقة مرعزي (18) فالقها على محاجمك ، او ثوباً ليناً من قز ،
أو غيره . وخذ قدر الحمصة من الدرياق الاكبر (19) ( فاشاربه . وكله من غير شرب ان كان شتاءاً ، وان كان صيفاً فاشرب الاسكنجبين المغلى ) (20) فانك اذا فعلت ذلك فقد امنت من اللقوة (21) ، والبهق (22) ، والبرص (23) ، والجذام باذن الله تعالى.
ومص من الرمان الامليسي (24) فانه يقوى النفس ويحيى الدم . ولا تأكلن طعاماً مالحاً ولا ملحاً بعده بثلثي ساعة (25) فانه يعرض منه الجرب (26) ، وان كان شتاءاً فكل الطياهيج (27) اذا احتجمت ، واشرب عليه من ذلك الشراب الذي وصفته لك .
وادهن موضع الحجامة بدهن الخيري ، وماء ورد ، وشيء من مسك (28) . وصب منه على هامتك ساعة تفرغ من حجامتك . واما في الصيف ، فاذا احتجمت فكل السكباج (29) ، والهلام والمصوص (30) والخامير (31) وصب على هامتك دهن البنفسج ، وماء ورد ، وشيئاً من كافور (32) . واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك .
واياك وكثرة الحركة ، والغضب ، ومجامعة النساء يومك ذاك (33) .
____________
(1) قال الشيخ الرئيس في القانون 1|212 : « ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لان الاخلاط تكون قد تحركت أو هاجت ، ولا في آخره لانها تكون قد نقصت ، بل في وسط الشهر حين تكون الاخلاط هائجة تابعة في تزايدها لزيد النور في جرم القمر .
وقال الخجندي في التلويح ص197 : « ووقتها المختار وسط الشهر فان الاخلاط تزيد فيه لتزايد نور القمر .
(2) النقرة : قال الشيخ الرئيس ابن سينا في القانون 1|212 . « الحجامة على النقرة خليفة الاكحل تنفع من ثقل الحاجبين ، وتخفف الجفن ، وتنفع من جرب العين » . وقال الرازي في الحاوي 1|264 : « وان دام الصداع وعتق ، أحجم النقرة » .
(3) الاخدعان : وقال الشيخ ابن سينا في القانون 1|212 : والحجامة على الاخدعين خليفة القيفال . تنفع من ارتعاش الرأس وتنفع الاعضاء التي في الرأس : مثل الوجه ، والاسنان ، والضرس ، والاذنين ، والعينين ، والحلق والانف .
(4) قال الشيخ الرئيس في القانون 1|213 : « والحجامة تحت الذقن تنفع الاسنان والوجه والحلقوم ، وتنقي الرأس والفكين .
(5) في (ب) : الامتلاء نقصاً بيناً وينفع من الاوجاع المزمنة .
(6) قال الشيخ الرئيس في القانون 1|212 : « والحجامة على الساق تنقي الدم وتدر الطمث .
(7) العشوة : وهي العمش . ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الاوقات . القاموس 4|364 .
(8) زيادة من ( ب وج ود ) .
(9) في الاصل : بتدبير ، وما أثبتناه كما في ( ب وج ود ) .
(10) في الاصل : وليعد . وما أثبتناه كما في ( ب وج ود ) .
(11) حبل الذراع . عرق في اليد . وهو أحد الفروع الثلاثة للقيفال ، ويمتد على ظهر الزند الاعلى ثم يمتد الى الوحشي ، مائلاً الى حدبه الزند الاسفل ، ويتفرق في اسافل الاجزاء الوحشية من الرسغ . انظر القانون 1|64 .
(12) القيفال : هو عرق في الكتف . المصدر السابق .
(13) في ( ب وج ود ) لاتصالهما بالعضل وصلابة الجلد .
(14) الباسليق : وريد يستفرغ من نواحي تنور البدن الى أسفل التنور . انظر القانون 1|209 .
(15) الاكحل : وريد يبتدأ من الانسي ، ويعلو الزند الاعلى ، ثم يقبل على الوحشي ، ويتفرع فرعين على صورة حرف الالم اليونانية فيصير أعلى أجزائه الى طرف الزند الاعلى ، ويأخذ نحو الرسغ . انظر المصدر السابق 1|65 .
(16) أنظر القانون 1|208 .
(17) في الاصل : ( ماء حار من غد ) وما أثبتناه كما في ( ب وج ود ) .
(18) في ( ج ود ) : فرعوني . والمرعزي : بسكر الميم والعين نوع من المعز طويل الشعر ناعمه يوجد في آسيا الصغرى ، وسمي بالمرعز أو المرعزي لان المرعز هو في الاصل الزغب تحت شعر العنز . انظر المعجم الزوولوجي الحديث 5|450 .
(19) الترياق : بالتاء وبالدال يطلق على ماله بادزهرية ونفع عظيم ، وهو الان يطلق على الهادي يعني الاكبر الذي ركبه اندروماخس القديم . وبقي مدة يسمى ترياق الاربع ، انظر تركيبه مفصلاً في تذكرة اولي الالباب 1|92 وفيه ايضاً انه ينفع للجذام والبرص واختلاط العقل والفالج والاسترخاء والتشنج والاختلاص والصرع .
(20) في ( ب وج ود ) وامزجه بالشراب المفرح المعتدل ، وتناوله أو بشراب الفاكهة ، وان تعذر ذلك فبشراب الاترج ، فان لم تجد شيئاً من ذلك فتناوله بعد علكه ناعماً تحت الاسنان واشرب عليه جرع ماء فاتر ، وان كان في زمان الشتاء والبرد ، فاشرب عليه السكنجبين العسلي .
(21) اللقوة : مرض يميل به الوجه الى جانب . انظر حياة الحيوان 2|319 .
(22) البهق : بياض رقيق يعتري ظاهر البشرة لسوء مزاج العضو الى البرودة ، وغلبة البلغم على الدم . انظر القاموس 3|223 .
(23) البرص : بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد المزاج . انظر القاموس 2|192 .
(24) في ( ب وج ود ) : المز . والامليسي . هو الذي لا يكون في حبه نوى .
(25) في ( ب وج ود ) : ثلاث ساعات .
(26) الجرب : داء يحدث في الجلد بثوراً صغاراً لها حكة شديدة .
(27) الطياهيج : جمع طيهوج . وهو طائر يعرف بالاندلس بالضريس . وهو شبيه بالحجل الصغير غير أن عنقه أحمر ومنقاره ورجله أحمران مثل الحجل وما تحت جناحه أسود وأبيض . ومنه ما يسمي المنهاج أجوده السمين الرطب الخريفي وهو معتدل الحل ينفع الناقهين . انظر الجامع لمفردات الادوية 3|105.
(28) قال ابن البيطار في الجامع لمفردات الادوية والاغذية 4|156 عن ابن ماسه : انه يسخن الاعضاء الخارجية ويقويها اذا ضعفت اذا وضع عليها . وقال الشيخ الرئيس في القانون 1|360 : اذا حل في الادهان المسخنة وطلي بها فقار الظهر نفع من الخدر .
(29) السكباج : فارسية : مرق يعمل من اللحم والخل .
(30) المصوص : طعام من لحم يطبخ وينقع في الخل ، أو يكون من لحم الطير خاصة . انظر القاموس 2|318 .
(31) كذا في الاصل . ولم أعثر على معناها ، ولعلها تحريف « اليحامير » : وهم اللحم الذي يأكلونه بالخل والخردل والابزار . انظر وسائل الشيعة 16|374 وفي ( ب وج ود ) الحامض .
(32) قال الشيخ الرئيس في القانون 1|336 : « الكافور أصناف ، وقال بعضهم ان شجرته كبيرة تظل خلقاً ، وتألفه البابورة فلا يوصل اليها الا في مدة معلومة من السنة ، وهي سفحية بحرية أما خشبه فهو أبيض هش خفيف جداً ، وربما اختنق في خلله شيء من أثر الكافور .
(33) انظر القانون 1|204 ـ 212 .