• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فصل في أن من لوازم المحبة الشوق ...

فصل
     من الوازم المحبّة ونتائجها الشوق

وهو الميل إلى الوصول إلى الشيء بعد غيبة عنه أو إدراك ما أدرك بوجه دون آخر ، فإنّ الحاصل الحاضر لايشتاق إليه ، وكذا ما لم يدرك بوجه أصلاً فالشخص الغير المسموع وصفه ولا المرئي مطلقاً لايتصوّر التشوّق إليه ، وكذا الحاضر حين الرؤية فإنّه من قبيل تحصيل الحاصل.
     نعم المتّضح [ له ] بوجه ما مع عدم استكمال الوضوح يشتاق إلى الكمال الذي هو عادمه حين الشوق ، كمن غاب معشوقه عنه وهو في خياله حيث يشتاق إلى استكماله بالرؤية ، والذي رآه في ظلمة واستتر عليه بعض ما يطلبه من صورته يشتاق إلى إشراق الضوء عليه باطلباً لإكمال الرؤية ، أو يكون ممدركاً لبعض كمالات المعشوق مع العلم بأنّ له كمالات أخر لم يدركها كان يرى وجهه ويشتاق إلى رؤية شعره وسائر أعضائه ، والشوق إلى الله ثابت للمشتاقين ، ممكن في حقّ غيرهم بجميع ما ذكر ، فإنّ ما يتضح للعارف من المعارف الالهية.
     [ وإن اتّضح لديه في الدنيا الا أنّك عرفت أنّه لا يحصل له النكشاف التامّ الرافع لمطلق الأستار والحجب الا في الآخرة ، لكونه في الدنيا مشوباً بأنواع الكدورات والمنغّصات ، فيشتاق إلى الوصول إلى تلك المرتبة العالية التي لايتصوّر بالنسبة إليه ما هي فوقها ، وأيضاً قد عرفت أنّ المعارف الالهيّة ] (1) وصفات كماله وجماله وجلاله ممّا لا نهاية لها ، والذي ينكشف للعارف شيء متناه قليل جدّاً بالإضافة إلى ما لم ينكشف ، مع علمه إجمالاً بوجوده فلايزال متشوّقاً إليه.
     قال أبو حامد ما ملخّصه : إنّ الشوق الأوّل ربما انتهى في الآخرة إذا حصل اللقاء بخلاص النفس عن ظلمة البدن وحصول تمام التجرّد لها عن العلائق المادية ، بخلاف الثاني ، إذ نهايته كشف مثل معلوماته تعالى عليه وهو محال ، لأنّها غير متناهية فيمتنع الإحاطة بها ، بل لايزال عالماً بوجود درجات غير متنناهية فوق درجاته ويشتاق إلى الوصول إليها فلا ينتهي شوقه لعدم انتهاء متعلّقه. (2)
     أقول : ادّعاء الفرق بين الكمّ والكيف في التناهي وعدمه لايخلو عن نظر قد أشرنا إليه سابقاً ، فإنّ زيادة الانكشاف والإشراق إنما تكون بكثرة المعارف والمعلومات.
     فإذا كانت غير متناهية كانت مراتب المشاهدات والانكشافات كذلك أيضاً ، فلايزال متشوّقاً إلى المراتب الانكشاف المعلومة له إجمالاً كتشوّقه إلى علله.
     وبالجملة ، فكما أنّ المعلومات غير متناهية فكذا التجلّيات والإشارقات ، فادّعاء التناهي في الثاني دون الأوّل غير معقول ، الا أن يقال : إنّ عدم تناهي المعلومات النكشافات ممّا لا يستريب فيه أحد وهو ما حكمنا بعدم تناهيه.
     والمراد من الأوّل الذي حكم فيه بالوصول إليه في الآخرة هو أنّ المرتبة الحاصلة للعارف في دار الدنيا من المعرفة حيثما هي حاصلة له متكدّرة بنوع من الظلمة تزول بالممات وتتبدّل بنوع أجلى من الانكشاف ، وهذا هو الذي يشتاق إليه ويصل إليه بالموت ، وهذا وإن كان صحيحاً ، الا أنّه مضافاً إلى أنّه حينئذ سكون لا حركة فيه ، والمطلوب من هذه المقامات حصول سير تدريجي للسالك من المباديء إلى الغايات.
     يرد عليه أنّ ما يتيقّن الوصول إليه جنس النكشاف المغاير للانكشاف الحاصل له في الدنيا وكونه أشرف وأبهى وأكمل وأسنى ، الا أنّ له في جنسه مراتب لاتتناهي في كيفيّة التجلّيات والنكشافات والترقّيات الحاصلة له في الآخرة كعدم تناهي المعلومات ، فتفطّن.
     فإن قلت : الشوق هو الميل إلى شيء غير مدرك كما ذكرت وهو لايخلو عن ألم والآخرة دار الراحة والأمن ن الآلام فكيف يتصوّر فيها الشوق المحرق المؤلم للقلب؟
     قلت : أمّا أوّلاً : فالمراد من الشوق الذي نبحث عنه هنا وندّعي عدم تناهيه مايحصل للعبد في دار الدنيا كما أشرنا إليه حتى يحصل منه السير ويترتّب علي الكمال الاكتسابي الصناعي ، والمراد من عدم تناهيه عدم وقوفه إلى حدّ يقف عنده ، وهو وإن كان موجباً للألم من الجهة التي ذكرت ، الا أنّ لهذا الألم مع كونه ألماً لذّة غريبة لايدركها الا من أدرك حقيقة الحبّ والعشق وأدرك لذّتهما مع أنّ الدنيا سجن المؤمن ودار ألمه واحتراق قلبه.
     وأمّا ثانياً : فلو فرض ذلك في الآخرة أيضاً لم يبعد أن يكون الشوق شوقاً لذيذاً لايظهر فيه الألم لحصول أصل الوصال ، وكون الشوق مؤلماً إنّما هو إذا وقف على حدّ خاص من عدم الإدراك وبقي على تلك الحالة مدّة من الزمان.
     ولعلّ توالي لطائف الإشراقات والابتهاجات وعدم انقطاع مراتب ترقّيات العبد وتجلّيات المعبود لايبقي له ألماّ ، إذ لا يزال اللذّة والنعيم يتزايد له أبدالآباد.
     فالبهجة الحاصلة له في كل آن بالفعل واللذّة المتجدّدة من غير انقطاع تشغله عن الإحساس بألم مالم يدركه ، فإن أمكن حصول الكشف في الآخرة فيما لم يحصل أصله في الدنيا من المعارف فيتجدّد له فيها ويتوارد عليه منها على سبيل الاستمرار من غير زوال ولاانقطاع.
     وربما كان في قوله تعالى : « نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربّنا اتمم لنا نورنا » (3) إشارة إليه ، وإن اختصّت النعم الاخرويّة وأنوار تلك النشأة بما تزوّد أصلها في الدنيا وامتنع حصولها مالم يحصل له فيها ، وإن تغايرا في الكيف كان الكمّ متناهياً في الآخرة لتفرّعه على المتناهي الذي حصل له في الدنيا ، الا أنّ الكيف الذي هو من فيوض الوّهاب المطلق وفنون أنواره وتجلياته الباقية الصافية مجازاة لما اكتسبه في دار الدنيا من المعرفة المتناهية الكدرة الناقصة المشوبة بأنواع الشوائب غير متناه كما أشرنا إليه.
     ولعلّ الظاهر من الآية هذا الذي أوضحناه أخيراً فيكون المراد من إتمام النور إفاصة فنون النكشافات وكيفيّات التجلّيات تفضّلاً منه تعالى عليه.
     قيل : ويشهد للأخير قوله تعالى : « انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً » (4) فافهم.
     ولا يمكن تعيين الأصل الذي ترتّب عليه الغير المتناهي من الأنوار كيفاً وكمّاً الا على سبيل الإجمال والإبهام بتحصيل اليقين ـ بالمعنى الثاني الذي يستولي على القلب بالأمر والنهي دون مجرّد الاعتقاد الثابت الجازم ، فإنّه لايترتّب عليه شيء ـ بوجوده ووجوبه ووحدانيته ذاتاً وصفةوفعلاً ، وعظمته وجلاله وقدرته وحكمته واتّصافه بأشرف ما يمكن أن يتّصف به.
     فأصل هذه العقائد ممّا يشترك فيه عامّة المؤمنين ، والانكشاف عن حقائقها بالكنه متعذّر لأشرف المخلوقات ، وإنما ينكشف بالرياضات والمجاهدات القدر الممكن في حقّ الممكن ما يترتّب عليه تلك الأنوار المتناهية بقدر السعي والاجتهاد والقابلية والاستعداد الحاصلة في دار الدنيا ، فهذا مايمكن أن يفهم من الأصل والفرع ، والله العالم.

تذنيب
     من أنكر المحبّة يلزمه إنكار الشوق أيضاً ، لأنّه من فروعه وثمراته ، وقد عرفت ما يدلّ على ثبوته عقلاً ، والشواهد النقلية الدالّة عليه أيضاً أكثر من أن تحصى.
     ففي الدعاء النبوي صلى الله عليه وآله : « اللّهمّ إنّي أسألك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذّة النظر إلى وجهط الكريم وشوقاً إلى لقائك ». (5)
     وفي أخبار داود عليه السلام : « أنّي خلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعّمتها بجلالي ». (6)
     وفيها : « يا داود! إلى كم تذكر الجنّة ولاتسألني الشوق إليّ؟ قال : ياربّ من المشتاقون إليك؟ قال : إنّ المشتاقين إليّ الذين صفيّتهم عن كلّ كدر ـ إلى أن قال ـ : وإنّ قلوبهم لتضيء في سمائي لملائكتي ، كما تضيء الشمس لأهل الأرض. يا داود! إنّي خلقت قلوب المشتاقين من رضواني ونعّمتها بنور وجهي واتّخذتهم لنفسي محدّثين وجعلت أبدانهم موضع نظري إلى الأرض وقطعت من قلوبهم طريقاً ينظرون به إليّ ، يزدادون في كلّ يوم شوقاً ». (7)
     وفي بعض الأخبار القدسيّة : « إنّ لي عباداً يحبّونني وأحبّهم ، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم ، ويذكرونني وأذكرهم ... وأوّل ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عنّي كما أخبر عنهم ». (8)
     وقال سيّد العابدين عليه السلام : « اللّهم املأ قلبي حباً لك وخشية منك وإيماناً بك وفرقا منك وشوقاً إليك يا ذالجلال والإكرام ». (9)
     وقال عليه السلام : « يا من قلوب المشتاقين إليه والهة [ وعقولهم في بحار عظمته تائهة ] ». (10)
     وقال الصادق عليه السلام : « المشتقا لايشتهي طعاماً ، ولايلتذّ شراباً ولا يستطيب رقاداً ، ولايأنس حميماً ، ولايأوي داراً ، ولايسكن عمراناً ، ولايلبس ليناً ، ولايقرّ قراراً ، ويعبد الله ليلاً ونهاراً راجياً لأن يصل إلى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان شوقه ... الحديث ». (11)
     وبالجملة؛ فهي ممّا لاتحصى ، وإنّما ذكرنا اليسير تبرّكاً بكلماتهم.
________________________________________

1 ـ ما بين المعقوفتين في هامش « ج » فقط ولابدّ منه لارتباط كلام أبي حامد به.
2 ـ المحجّة البيضاء : 8/56 ـ 57.
3 ـ التحريم : 8.
4 ـ الحديد : 13.
5 ـ المحجّة البيضاء : 8/57 ـ 58.
6 ـ المحجّة البيضاء : 8/58.

7ـ المحجّة البيضاء : 8/59.

8 ـ المحجّة البيضاء : 8/58 ـ 59.

9 ـ مفاتيح الجنان : دعاء أبي حمزة ، مع اختلاف.

10 ـ لم أجده.

11 ـ مصباح الشريعة : الباب 98 ، في الشوق.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page