قَضاء حُقوق المؤمنين
تأليف
الشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر الصُّوري
مِنْ أعلام القرنِ السّادس الهجري
تحقيق
حامد الخّفاف
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
لم يكن التراث الاَخلاقي الضخم الذي تزخر به خزائن الحضارة الاِسلامية حالة غير طبيعية تنفصل عمّا أرساه دين الله الحنيف من تعاليم ربانية، تنظّم مسيرة المجتمع البشري لما فيه خيره وصلاحه، بل يمكن القول: إنّ الجانب الاَخلاقي يعتبر بمثابة العلامة الفارقة التي تميزت بها الحضارة الاِسلامية عن بقية حضارات الاَمم والشعوب منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا.
يتعاظم المسلم فضائل... يجد نفسه كبيراً كما هي الراسيات نبلاً وشهامة، يحق له أن يحدّق في عين الشمس فيتطاول عليها شمماً وكرامة، وهو يتمثل ـ عبر كنوز التراث ـ رسول الاِسلام يعود جاره اليهودي عند مرضه يسأل عن أحواله، ويطيب خاطره، مع أنّه جار سوء طالما آذاه بإلقاء القمامة عليه، وقذفه بأقسى الكلمات، فما كان من اليهودي ـ العدوّ لله ولرسوله ـ إلاّ أن يذعن لدعوة الحق، وهو يشاهد غماماً من رحمة رسول الله وخلقه الرفيع تهطل عليه وابلاً من الرأفة والحنان والحب؛ وهل الدين إلاّ الحب!؟
وهكذا يدوّن التأريخ حقيقة أنّ أخلاق المسلمين كانت المفتاح الذي استطاعوا به فتح مغاليق قلوب الناس، لتستقبل النور الاِلهي المنبعث من شعاب مكة المكرمة، وأنّ المثل العليا وقيم السماء التي بشّر بها فكر الاِسلام أوقع في القلوب، وأريض للنفوس، من بريق المواضي وقعقعة السلاح، في عالم أطبقت عليه مفاهيم الجهالة المعتمة.
والآن بعد أربعة عشر قرناً من الزمن، وكي لا نتهالك على فتات موائد حضارة القرن العشرين، نأخذ منها الضارّ ونترك النافع!! ما أحوج الاُمة التي جعلها الله خير اُمة اُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أن تلتفت إلى الماضي، ترمقه بنظرة تفحّص، من أجل أن تستلهم منه معاني العفة والطُهر، لتبني على أساسها مستقبل الحياة الحرة الكريمة، لتواجه الرياح السوداء، قوية الشكيمة، رابطة الجأش، مرفوعة الرأس، لتحمل للمعمورة مشعل الهداية المحمديّ ، السخي بالعطاء إلى يوم يبعثون...
وفي هذا السبيل سار خريجو مدرسة أهل البيت عليهم السلام من علماء أعلام، وجهابذة عظام، يحثّون الاُمّة للمضي في طريق الصلاح والهدى ويحذرونها موجبات الردى، وما كتاب «قضاء حقوق المؤمنين» إلاّ وميض نور من عطاء كلّه هدى وضياء، سطروه ـ رضوان الله عليهم ـ بحميد فعالهم، وبليغ كلامهم، وسيل مدادهم، يعرض فيه المؤلف عن طريق الرواية جانباً ممّا يفترضه الاِيمان على الفرد المؤمن من حقوق يجب أن يؤدّيها تجاه أخيه المؤمن، بصورة مختصرة موجزة.