• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حول العلم

 

حول العلم

هل يستوي الأعمى والبصير
تعلُّم العلم ونشره من صميم الأخلاق العملية. وتكلم الباحثون في الأخلاق عن فائدة العلم وحلاوته وأطالوا.. والحديث عن ذلك نافلة وفضول تماماً كالحديث عن منافع الماء والنور والهواء، ومن الذي يجهل أن العلم أبو الحضارة، وأن أول الدين معرفته كما قال الإمام أمير المؤمنين(ع) وأعطف مكارم الأخلاق على الدين حيث لا دين ولا أخلاق بلا علم، وكيف يفعل المرء الخير لوجه الخير وهو جاهل بهوية ما يفعل؟ وان كان ولا بد من الحديث عن العلم فلا شيء وراء هذا الوضوح والإيجاز والإحكام والإعجاز: (وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات) (22 ـ فاطر).
وفرّق بعض القدامى بين العلم والمعرفة بأن العلم أعم من المعرفة حيث يقال: علم الله ولا يقال: عرف الله. وقال آخر: بينهما عموم من وجه يشتركان ويفترقان.
وبعض الجدد يستخدم كلمة العلم في الدلالة، على ما يدرك بالمناهج العلمية الحديثة كالتجربة والاستنتاج الرياضي فقط، ويستعمل كلمة المعرفة في غير ذلك كالتأمل العقلي البحت، وهذه الفوارق وما اليها مجرد اصطلاح، والمهم أن يكون الاستعمال سائغاً ذوقاً وعرفاً مع وضوح القصد. وفي شتى الأحوال فنحن نطلق كلاً من العلم والمعرفة على معنى واحد، وهو إدراك الشيء مع عدم احتمال الخلاف سواء كان الإدراك بديهياً أم نظرياً، تعلق بموضوع كلي أم جزئي.

تعريف العلم
أكثر القدامى عرفوا العلم بأنه الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل، وقال الجدد: إن أية صورة أو فكرة عن شيء من أشياء الطبيعة لا تكون صحيحة إلا أن تتولد من تحليل أوصاله والكشف عن أجزائه في المختبر، على أن هذه الصورة نسبية ومقيدة بزمان ومكان حدوثها وبالحال التي عليها الشيء، لأن أشياء الطبيعة كل يوم هي في شأن، أما الصورة والفكرة الناشئة عن التأمل وأعمال الفكر وحده كالفرضيات والمقدمات التي تدور في الرأس وكفى، فما هي إلاّ جهل في جهل ما دامت في عزلة عن الحس والتجربة، انها تماماً كخيال الشاعر الهائم في وادي الأحلام.
ومهما يكن فنحن مع القائلين: إن تعريف العلم بالحد أو الرسم يشبه أن يكون ممتنعاً لأن التعريف إنما يكون لمجهول بمعلوم، وبديهي أن العلم ليس مجهولاً كي يحتاج إلى تعريف، وأي عاقل يقول: أيها العلماء عرفونا بما نعرف وعلمونا ما نعلم.
وقد يطلق العلم على مجرد التمييز كقوله تعالى: (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) (21 ـ سبأ) وأيضاً يطلق على الظن المتاخم للعلم، ومن ذلك: (إن علمتم فيهم خيراً) (33 ـ النور) لأن العلم الحقيقي في هذا المقام وأمثاله كالعدالة الواقعية ـ متعذر فيكتفى بالظن القوي.

أسباب المعرفة في القرآن
في فصل المسئولية أشرنا إلى طرق المعرفة بالإلزام الأخلاقي ـ على سبيل الإجمال ـ ونذكر هنا نصاً من القرآن الكريم يرشدنا بوضوح أن أسباب العلم والمعرفة بالحق والباطل والخير والشر والفضيلة والرذيلة، تنحصر بثلاث لا رابع لها، وهي (1) المشاهدة والتجربة (2) العقل الكلي المنزه عن كل شائبة (3) النقل الصحيح.
قال سبحانه في الآية 8 من الحج و 20 من لقمان: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) والمفهوم من هذه الآية أن الحقائق لا تثبت وتقرر عند الجدال وغير الجدال إلا بطرق ثلاثة:

1 ـ المشاهدة والتجربة، وأشار اليها سبحانه بكلمة (علم) وفي مكان آخر أشار اليها بالسمع والبصر (أفلا تسمعون؟.. أفلا تبصرون) (26 و 27 ـ السجدة).. (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون).. (أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) (42 و 43 ـ يونس).. (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (53 ـ فصلت)والمراد بالآفاق أقطار السماوات والأرض، وبالأنفس خلق الإنسان في أحسن تقويم. والمعنى أن مشاهدة الكون تؤدي حتماً إلى معرفة الله، وكذلك مشاهدة خلق الإنسان، ولكن البعض يرى أن ذكر الأنفس يومئ إلى دليل الحدس والكشف الصوفي برياضة الباطن.

2 ـ العقل، واليه أشار بكلمة (هدى) وليس مرادنا بالعقل عقل الفرد المغلوب بالأهواء أو عقل الجماعة المحجوب بالتقاليد، بل المراد العقل الذي يعقل عن الله سبحانه وخاطبه، جلت كلمته بقوله: (ولا أكملتك إلا فيمن أحب). وكل آيات القرآن الكريم تخاطب من كان له قلب وإذن وعقل.

3 ـ النقل الذي لا ينبغي الريب فيه، وإليه أشار سبحانه بكلمة (كتاب منير) وان دلت هذه الكلمة بحروفها على الوحي فانها تعم بروحها وتشمل كل خبر صحيح وان لم يك وحياً لأن السبب الموجب للعمل بالوحي هو الحق والصدق، وعليه يجري حكم الوحي على كل خبر صحيح يُعبر عن الواقع كما هو، وما من عاقل يناقش في هذا ويجادل حتى من قال بلسانه: (لا أؤمن إلا بما أرى).. اللهم إلا أن ينكر وجود أرسطو وأفلاطون وشكسبير وبيتهوفن واديسون وأينشتين!. وعندئذ يقال له: لا كلام بعد هذا الكلام.

نشر العلم
تحت هذا العنوان ذكر دراز خمس آيات قرآنية في قسم الأخلاق العملية دون أن يفسر شيئاً منها أو يشير إلى أي شيء، ومنها هذه الآية: (ان الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (159 ـ البقرة). وتومئ هذه الآية إلى معانٍ منها..

1 ـ الانذار والتحذير لمن يعرف الحقائق ويسمعها ولكنه يسكت كأن لم يسمعها وكأن في أذنيه وقراً، أو يعلن بكل صلافة ووقاحة التكذيب بها، أو يفسرها تفسيراً يُرضي ميوله وتعصبه لقوى الشر التي أوقف نفسه لتغطية عورتها وتبرير سوءاتها.. ولا جزاء لهذا وأمثاله عند الله سوى عذاب الجحيم، وما له من ملائكة السماء وأهل الأرض الا اللعنة إلى يوم الدين(1)

2 ـ ان الحق الذي يجب اتباعه واعلانه هو ما ثبت بآية صريحة أو رواية صحيحة أو شهد له شاهد صدق من بديهة العقل أو رؤية الحس.
وبعد، فان الله سبحانه قد بين لنا في كتابه الكريم بأوضح بيان أنه لا سبيل لثبوت الحق إلا الحس والعقل والنقل الصحيح كالوحي أو ما هو بمنزلته من حيث الالزام والالتزام.. وعلى من ينشد الحق والخير، ويدعو إليهما أن لا يتخطى هذه الطرق الثلاثة، ولا يعتمد على خياله وأوهامه أو يستعين بأي كتاب أو مقال إلا أن يكون له حجة من حجج الله وبيناته التي نص عليها بوضوح في قوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) فهذه الآية هي مقياس الحق والصواب.. فلنحفظها كما نحفظ فاتحة الكتاب وسورة الاخلاص حين نصدر الأحكام أو نلفظ أي كلام.

لا خير في علم لا ينفع
قد ترى رجلاً صبوراً ودؤوباً على القراءة والمطالعة فتغبطه، وتقول: يا ليت لي مثل هذه الرغبة وهذا الجلد.. ولا ريب أن سعة الاطلاع خير ومن صفات الكمال، وإن منحت المطلع الذوق الحسن والقدرة على التمييز بين الغث والسليم أو محت من ذهنه وعقله ما كان قد علق به من جهالة وخرافة أيام الطفولة والصبا.
أما من يقرأ ما يضلله ويعميه عن الحقيقة، ويزيده جهلاً على جهل أو يقرأ ما لا ينتفع بمعرفته، ولا يتضرر بجهله، أما هذا فهو في أشد الحاجة إلى النصيحة والهداية.
وننطلق من هذا التمهيد إلى الاشارة إلى أن العديد من طلاب الحوزة يهتمون ويبحثون في أسفار ضخام عن معرفة أشياء لا تمتّ إلى دروسهم ولا إلى الحياة بسبب، ولا يسأل الله عنها غداً مثل ما هو اللوح المحفوظ في حقيقته؟ وفي أي مكان يوجد؟ وهل الملائكة أفضل أو الإنسان؟ وهل تزوج ابن آدم أختاً له أو حورية الخ.. وإذا سألت الباحث المنقب عن ذلك وأمثاله مسألة تتعلق بدرسه ارتبك وتلعثم.
ان الواجب الأهم على الطالب أن يهضم الكتاب المقرر ويفهم الدرس الذي يقرأ، فاذا انتهى من التحصيل في مدرسته بقي على صلة بالعلم الذي تخصص به مراجعة ومطالعة، وأنفق بعض الوقت في قراءة الصحف لمعرفة الأحداث والوقائع، وفي مطالعة الكتب التي تدعوه وتدفع به إلى التفكير فيما يهمه وينفعه، وتجعل منه انساناً متعلماً ومثقفاً.
وعقدت العزم أن لا أهتم بأي سؤال إلا أن يكون واحداً من اثنين: اما أن يكون المسئول عنه الآن يسأل الله عنه غداً ويحاسب عليه، وأما أن يمتّ إلى الحياة بسبب.. وأن لا أقرأ إلا ما أجد فيه متعة أو حسنة في هذه الدنيا أو الآخرة.
وقرأت في كتاب التربية التجريبية للدكتور عبد الله عبد الدائم أن (كورتيس) وضع كتاباً مدرسياً وفق الطريقة التجريبية بعد أن طاف في المدراس التي يريد أن يضع لها الكتاب المدرسي المنشود، وطلب إلى تلاميذها أن يطرحوا عليه الأسئلة التي يهمهم الجواب عنها. وأجاب بايجاز ووضوح على الأسئلة التي صاغوها، واستبعد من بينها الأسئلة المحلية الخاصة، والأسئلة غير العلمية التي لا يمكن الجواب عليها علمياً.

 



(1) نكتب هذه الكلمات في صيف سنة 1976م، وشيعة علي والحسين يقاسون أهوالاً تنوء بها الجبال ومع ذلك وجد أقلاء كما وكيفا يبررون هذه الأوضاع!. ولا بدع فقد جرت سنة الله أن يجعل لكل حق شياطين لأنهم يضطربون من صوته وسطوته (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page