• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الخامس


21- مساعدة كلب
جاء في كتاب لئالي الاخبار: ان امراة كانت تمارس البغاء ، وتحضر مجالس اللهو واللعب ، مرت ذات يوم اثناء سفرها بالصحراء على بئر ، ولكنها لم تعثر على دلو تغترف به الماء ، فنزلت الى قعره وشربت الماء وخرجت منه.
لا حظت عند خروجها ان ثمة كلب عطشان يبحث عن الماء ، فرق له قلبها ، فجعلت حذائها دلواً وظفيرتها حبلا واغترفت له الماء وسقته .. ثم قالت: اللهم اغفر لكلبة بكلب!..
وبما انها رجمت كلبا وسقته ، فقد التفت اليها ربها بالرحمة ، وجعل ذلك الكلب سببا لغفران خطاياها.. ثم ان المراة اكثرت من البكاء ، وتابت من اعمالها .
لقد كان هذا العمل الطيب سببا لتوبتها واوبتها الى الله ، ورحيلها عن هذه الدنيا ، وهي في غاية السعاده .
قال الشاعر :
اذكر معادك افضل الذكر       لا تنس يوم صبيحة الحشر
يوم الكرامه للاولى صبروا    فالخير عند عواقب الصبر
في كل ما تلتذ انفسهم         انهارهم من تحتهم تجري
ديوان أبي العتاهية: ص197

22- العابد العاصي
جاء في كتاب " الاثني عشرية " ، وكذلك في " الكلمة الطيّبة " للمرحوم الحاج النوري رضوان الله عليه ، ان الشيخ الشوشتري نقل في " مواعظه ":
ان عابداً عبد الله سبعين سنة ، وذات يوم طرقت بابه جميلة ، وطلبت منه ان يأذن لها بالمبيت في داره تلك الليلة .. في بداية الأمر رفض العابد ان يأذن لها ، ولكنها تشبثت به ، ولما تأمّل محاسنها اغراه جمالها ، استحوذ حسن صورتها على تلابيب قلبه ، واضطر في نهاية الأمر لتلبية طلب تلك الزانية ، وانتقل هو إلى دارها ، وقدّم له كل ممتلكاته .
ما كاد يمضي اسبوع حتّى ترك العابد خلال هذه المدّة كل عبادته التي اتضح انها كانت طوال هذه السبعين عاماً خالية من الجوهر .. وبعد ما مرّ عليه اسبوع افاق من غفلته وعاد إلى رشده ، اين كان وإلامَ انتهى؟.. كيف كان يحلق ، وكيف سقط هذا السقوط الفظيع؟.. وما هو مصيره لو انه مات على هذا الحال ؟.. ومع من يُحشر ؟..
وأسعفته الرحمة الالهية ، ومع ان تلك العبادة لمدة سبعين سنة كانت بعيدة عن الروح ، إلاّ أنّ الله لم يكله إلى نفسه .. فأخذته الرجفة بغتة وبكى وندم وخرج تائباً يلطم على راسه .. فسالته المرأة : ما لَكَ ، والى اين انت ذاهب ؟.. قال : تذكرت عبادتي سبعين سنة ، كنت خلالها بين يدي ربّي ووجدت اني قد ابتعدت عنه الآن ، ولما همّ يالمسير ، قالت له : اسالك بحق الرب الذي تعبده ، اذا انت تبت ان تدعو لي بتوفيق التوبة .. خرج من عندها ولا ملجا أمامه الاّ المسجد ليمضي فيه تلك الليلة .
كان يقيم في ذلك المسجد عشرة عميان ، يأتيهم أحد جيران المسجد بعشرة ارغفة كل ليلة .. ولما جاءهم بالارغفة العشرة تلك الليلة ووضعوها أمام العميان ، مدًّ العابد يده وأخذ رغيف أحدهم ، لانه كان جائعاً أيضاً .. ولما مدًّ الاعمى يده ولم يجد رغيفه نادى باكياً : من أخذ رغيفي ؟.. وكيف لي ان اتحمل الجوع هذه الليلة ؟..
وهنا قال العابد لنفسه : انت ايها الآبق !.. اولى بأن تموت ولا يبقى هذا الأعمى جائعاً هذه الليلة.. واعاد الرغيف أمام الأعمى .. كانت تلك آخر ليلة من حياة ذلك العابد .. وبقي الملائكة حيارى عند قبض روحه، ومن منهم يقبض روحه ؟.. ملائكة العذاب أم ملائكة الرحمة ؟ ..
جاءهم النداء : زنوا اعماله !.. فوزنوا سبعين سنة عبادة في مقابل اسبوع من المعصية ، فرجحت كفّة المعصية .. وهنا اسعفته رحمة ربّه ، يا من سبقت رحمته غضبه !.. وجاء النداء ثانية : زنوا سرقة رغيف الخبز مع الخجل الذي اعقبها . وهنا رجحت كفّة الفضيلة .
اجل ، لقد كانت تلك اللحظة من الخجل والندم ، واعادة رغيف الخبز ، سبباً في ان ياخذ ربّه بيده ، وقبضت روحه على حسن عاقبة .
قال الشاعر :
لهونا لعمر الله حـتى تتابعت            ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يـغفر ما مضى         وياذن في توبتنا فنتوب
اذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم     وخلفت في قرنٍ فأنت غريب

ديوان أبي العتاهية: ص34

23- اللصّ الشاب
روي ان رجلاً ركب البحر بأهله فكسر بهم ، فلم ينج ممن كان في السفينة إلاّ امرأة الرجل ، فانها نجت على لوحٍ من الواح السفينة ، حتى الجأت إلى الجزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ، ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها ، فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على راسه ، فرفع رأسه اليها فقال : انسية ام جنية ؟.. فقالت : انسية . فلم يكلمها حتّى جلس منها مجلس الرجل من اهله . فلما اهم بها اضطربت .
فقال لها : مالكِ تضطربين ؟.. فقالت : أفرق من هذا ، وأومات بيدها إلى السماء . قال : فصنعت من هذا شيئاً ؟.. قالت : لا، وعزته .. قال : فانت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئاً ، وانما استكرهتك استكراهاً ؟.. فانا والله اولى بهذا الفرق والخوف واحق منك .
فقام ولم يحدث شيئاً ورجع إلى اهله ، وليست له همة الا التوبة والمراجعة .. فبينما هو يمشي اذ صادفه راهب يمشي في الطريق ، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب : ادع الله يظلنا بغمامة ، فقد حميت علينا الشمس .
فقال الشاب : ما اعلم ان لي عند ربي حسنة ، فأتجاسر على ان أسأله شيئاً .
قال : فادعو انا وتؤمّن انت .. قال : نعم.
فاقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن فما كان باسرع من ان اظلتهما غمامة ، فمشيا تحتها ملياً من النهار .. ثم تفرقت الجادة جادتين ؛ فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة .. فاذا السحابة مع الشاب ، فقال الراهب: انت خير مني ، لك استجيب ولم يستجيب لي ، فاخبرني ما قصتك؟.. فاخبره بخبر المرأة . فقال : غفر الله لك ما مضى حيث دخلك الخوف ، فانظر كيف تكون في ما تستقبل .
قال الشاعر :
يا من يسر بنفسه وشبابه         إني سررت وأنت في خلس الردى
يا من اقام وقد مضى اخوانه     ما انت الاّ واحد ممن مضى
انسيت أن تدعى وأنت محشرج   ما ان تفيق ولا تجاب من دعا
أما خطاك إلى العمى فسريعة    وإلى الهدى فأراك منقبض الخطى
ديوان أبي العتاهية: ص29

24- الشاب السكير
ورد في كتاب " منهج الصادقين " ان ذا النون المصري ، ذلك الرجل الشريف الذي يعد من جملة عرفاء عصره ، كان ماراً ذات يوم إلى جانب نهر النيل في مصر ، اذ وقع بصره بغتة على عقرب رآها تحث السير نحو نهر النيل .. فقال في نفسه : لا شك ان لدى هذه العقرب مهمّة عاجلة ، فاقتفى اثرها إلى ان وصلت إلى حافة الماء ، فجاءت سلحفاة والتصقت إلى جانب العقرب ، فركبت هذه فوق ظهرها وسارت بها السلحفاة صوب الجانب الآخر من النهر .
اخذ ذا النون زورقاً على وجه السرعة وسار نحو الجانب الاخر ايضاً .. ولما وصلت السلحفاة إلى الجانب الآخر التصقت بساحل النهر ونزلت العقرب ، وسارت في طريقها .. وبقي ذا النون يسير وراها إلى ان وصلت إلى شجرة كان إلى جانبها شاب قد وقع من شّدة السكر ، وبقربه افعى رافعاً راسه عند صدر ذلك الشاب الذي كان فاتحاً فاه، والأفعى على وشك ادخال رأسها في فمه .. فجاءت العقرب وصعدت فوق الأفعى ولدغتها في رأسها ، فسقطت وعادت العقرب ادراجها .
ظل ذا النون حائراً في معرفة السبب الذي من اجله حفظ الله هذا الفتى .. فايقظه حتى استعاد وعيه ، وقال له : انهض اريد ان اعرف حقيقة امرك ، وأنى لك ان تكون خصماً لله ؟.. نظر الشاب فرأى إلى جانبه افعى ، وقص عليه ذا النون الحكاية فاخذ بالبكاء .. وقيل أنه تاب وندم على ما سلف منه ، وبقي ملازماً لذي النون لا يفارقه ، وطلب منه أن يرشده إلى طريق الهداية ، وإلى ما فيه العفو والمغفرة .. فاستجاب له واصطحبه إلى مدينة مصر، ودأب هناك على العبادة والتبتل إلى الله ، حتى صار من جملة الأخيار والصالحين .
قال الشاعر :
وأي المحارم لم تنتهك       واي الفضائح لم تأتــها
كأني بنفسك قد عوجلت     على ذاك في بعض غراتها
وقامت نوادبها حسراً         تداعي برنة اصواتــها
الم تر أن دبيب الليالي        يسارق نفســـك ساعتها

ديوان أبي العتاهية: ص99

25- عابد عَبَد ربّه سبعين سنة
جاء في كتاب بحار الأنوار عن أصول الكافي ، نقلاً عن الامام الصادق عليه السلام انه قال : كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف من امر الدنيا شيئاً . فنخر ابليس نخرة فاجتمع اليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ؟.. فقال بعضهم : أنا .. فقال : من اين تأتيه ؟.. فقال : من ناحية النساء . فقال : لست له ، لم يجرّب النساء .. فقال له آخر : فأنا له .. قال : من اين تأتيه ؟.. قال : من ناحية الشراب واللذات .. قال : لست له ، ليس هذا بهذا .. قال آخر : فأنا له.. قال من اين تأتيه ؟.. قال : من ناحية البِر .. قال : انطلق فانت صاحبه .
فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلّي .. قال : وكان الرجل ينام والشيطان لاينام ، ويستريح والشيطان لايستريح .. فتحول اليه الرجل وقد تقاصرت اليه نفسه واستصغر عمله وقال : يا عبد الله !.. بأي شيء قويت على هذه الصلاة ؟.. فلم يجبه ، ثم اعاد عليه فلم يجبه، ثم اعاد عليه ، فقال : يا عبد الله !.. اني اذنبت ذنباً وانا تائب منه ، فاذا ذكرت الذنوب قويت على الصلاة .. قال : فاخبرني بذنبك حتى اعمله واتوب ؛ فاذا فعلته قويت على الصلاة .. قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية ، فاعطها درهمين ونل منها .. قال : ومن اين لي درهمين ؟.. ما ادري ما الدرهمان.
فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين ، فناوله اياهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيّة ، فارشده الناس وظنوا انه جاء يعظها فارشدوه .. فجاء اليها فرمى اليها بالدرهمين وقال : قومي !.. فقامت فدخلت منزلها وقالت : ادخل !.. لقد جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني بخبرك .. فأخبرها فقالت له : يا عبد الله!.. ان ترك الذنوب اهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وانّما ينبغي ان يكون هذا شيطاناً مثّل لك ، فانصرف فانّك لا ترى شيئاً .
فانصرف ، وماتت من ليلتها ( اي بعد التوبة ) .. فأصبحت فاذا على بابها مكتوب : احضروا فلانة فانها من اهل الجنة .. فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا ً لا يدفنونها ارتياباً في امرها .. فأوحى الله عز وجل الى نبي من الانبياء لا أعلمه الاّ موسى بن عمران عليه السلام ( الشك من الراوي ) أن ائت فصلًّ عليها ومُر الناس ان يصلّوا عليها ؛ فإني قد غفرت لها ، وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلان عن المعصية .
قال الشاعر :
يا نفس أين أبي وأين ابو ابي      وأبوه؟.. عدي لا أبالك واحسبي
عدي فأينما قد نظرت فلم أجد      بيني وبين ابيك آدم من أبِ
افانت ترجين السلامة بعدهم       هلاّ هديت لمست وجه المطلب
ديوان أبي العتاهية: ص45

26- توبة جماعة من الأوباش
أقبل جماعة من الاوباش ذات يوم على الحاج مؤمني ، وكان من أصحاب المرحوم الشيخ محمد تقي المجلسي رضوان الله عليه ، وقالوا له: سنأتي هذه الليلة إلى دارك .. تحيّر الرجل في امره ؛ لأنهم ان جاءوا إلى داره يأتون معهم بالات الطرب واللهو ، ويمارسون الفسق والفجور ، واذا هو منعهم فسوف ينصبون له العداء ، ويجلبون له المتاعب على الدوام .. فاضطر للاستجابة لطلبهم ، وتوجه إلى المرحوم الشيخ المجلسي محتاراً ، وذكر له المأزق الذي هو فيه .
فكر المرحوم المجلسي وقال : لاضرر في مجيئهم فلياتوا ، وسوف أأتي انا أيضاً .. أعدَّ الرجل المجلس وجاء الشيخ المجلسي قبل الاوباش .. ولما دخلوا وجدوا الشيخ المجلسي قد حضر ، ولن يتسنى لهم بوجوده ان يمارسوا الطرب واللهو كما يحلوا لهم .
توهّم أحدهم انه يجب ان يقول شيئاً يغيظ به المجلسي حتى يغضب ويغادر المجلس ، وتكون لهم الحرية في اللعب واللهو ؛ فبادر بالقول : ايها السيد!.. ماالعيب الذي يراه الناس في سلوكنا ويؤاخذونا عليه ؟.. قال الشيخ المجلسي : وما السلوك الحسن الذي يستحق المدح فيكم ؟.. قال : حتى وان كان فينا الف عيب ، فنحن معروفون بالوفاء ؛ اذا اكلنا الملح والخبز والطعام عند أحد لا ننسى ذلك طوال حياتنا .
قال الشيخ المجلسي : هذه خصلة حميدة ، ولكنّي لااراها فيكم .. قال الشخص : اسال عنا من شئت ، وانظر هل اكلنا الملح والطعام عند أحد ، ثم أسأنا اليه ؟..
قال المرحوم المجلسي : اشهد انكم وان كنتم تراعون لأحد حرمة ، فانكم لاتراعون لله أية حرمة، تأكلون من نعمته وتعصونه .
أثّرت كلمات الشيخ هذه في نفوسهم جميعاً ، فأخذهم الخجل ، ولم يتحدثوا بكلمة واحدة ، ثم انهم غادروا بعد برهة .. وفي الصباح الباكر طرق الأوباش باب الشيخ المجلسي وقالوا : لقد نبّهتنا البارحة من غفلتنا ، وجعلتنا نندم على اعمالنا ، فاتتم فضلك علينا ، وارشدنا الى ما فيه صلاحنا .
ودأب الشيخ على ارشادهم الى طريق التوبة وعمل الخير .
قال الشاعر :
يا أخـوتي آجـالنا تـقرب         ونحن مع الاهلين نلهو ونلعب
اعدد ايامي واحصي حسابها        وما غفلتي عما اعد وأحسب

غداً أنا من ذا اليوم ادنى الى الفنا  وبعد غدٍ أدنى اليه وأقـرب .
ديوان أبي العتاهية: ص38

27- توبة لصّ
ذكر الاصمعي وكان من علماء وعرفاء عصره ، وقال : كنت ذات يوم ماراً قرب قرية ، فما شعرت الاّ ورجل اسود وثب من وراء الشجر مجرداً سيفه وشهره بوجهي وقال : اخلع ثيابك وناولني كل ما لديك ، والاّ قتلتك وثكلت بك اهلك وعيالك .. قلت : يا رجل ، وهل تعرف من أنا حتى تكلمني بهذه اللهجة ؟!..
قال : نحن معشر اللصوص ، لا معنى عندنا للمعرفة ، لانًّ قلوبنا خالية من الرأفة والشفقة .
قلت : انا ابن سبيل ، ولا شيء عندي ، الاّ هذه الثياب التي تستر بدني .
قال : لا افهم معنىً لكلامك هذا .. انا بحاجة إلى نفقة ومال ورزق .
قلت : يا أخ العرب ، ان النفقة والمال والرزق الذي تطلبه ليس عندي ، ولكني ادلك على كنز فيه أثمن وافضل من ثيابي هذه .
وقال : وما هذا الكنز ، واين هو؟..
قلت : ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون }. سورة الذاريات: 22
لاحظت فجاة ان الاعرابي الامي الاسود الكالح الصعلوك ، قد ارتعدت فرائصه عند سماعه لهذه الاية ، فسقط سيفه ورمحه من يده ونظر إلى السماء وقال : الهي !.. انت جعلت رزقي في السماء ، وتركتني حائراً على الارض ، اجوب الصحاري ، واقطع الطرق ، واسرق مال الناس.. اللهم !.. اعطني رزقي .
وما ان نطق بهذا الكلام عن اخلاص وصفاء نية ، حتى رأيت طبقاً فيه طعام ورغيفين من الخبز ظهرا أمامه في الهواء .. فاخذهما الأعرابي وجلس على الأرض يأكل ، ولما شبع قال : الحمد لك يا ربي .
ثم تحدثنا بعض الوقت ، وارشدته ونصحته، فبكى وابدى ندومه وتوبته .. افترقنا فذهبت انا في طريقي وهو الى شأنه .. وبعد سنتين رأيته اثناء الطواف حول الكعبة فسالته : أنت فلان ؟.. قال نعم ، ولكني والحمد لله تبت منذ تلك الساعة وندمت على ما سلف مني .. جزاك الله خيراً لقاء ارشادي الى الطريق القويم .
سألته : كيف اصبحت الآن ؟ ..
قال : الحمد لله ، مذ تبت وذلك الرزق يأتي من السماء بعد صلاة العشاء ، فآكل الطعام واخفي الأواني في شق جبل .
قلت : لماذا لا تتصرف بها ؟ ..
قال : ليس من المروءة ان تاكل من مائدة الكرام وتأخذ أوانيهم .
قلت : لماذا لا تعطيها للفقراء ؟..
قال : لا أتصرف فيها بلا أذنه .
قال الاصمعي : استحسنت حاله وعلو مقامه ، فاردت تقبيل يديه ورجليه .
لكنه قال : لاتفعل هذا يا شيخ ، ولكن اذا اردت التقرب الى ربّك ، فاقرأ لي شيئاً من ما قرأته علىَّ يومذاك .
قلت : { فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما انكم تنطقون } .  سورة الذاريات: 23
قال : واي جاهل هذا الذي ينكر كلام الله حتى يحتاج الى القسم . إقرأ!.. اقرا نفسي لهذه الاية الفدى ما اجملها من آية !..
قرأت له تلك الآية فرأيته تأوه وأسلم نفسه الى بارئها .. فحملوه وغسلوه وكفنوه ، ثم صلوا على جنازته ودفنوه .
وبعد اسبوع من وفاته مرَّ علي َّ طيفه في عالم الرؤيا ، وهو مبتهج وعليه ثياب جميلة ، فقلت له : كيف بلغت هذا المقام يا صديقي ؟..
قال : لأني صدقت كلام الله ، وسمعته بصفاء ، وتلقيته باخلاص ويقين .
قال الشاعر :
اتق الله بحمدك                 قاصداً او بعض جهدك    
ايها العبد إلى كم                تشتري الغي برشدك
كم وكم عاهدت مولاك          فلم توفي بعهدك
اعِط مولاك لما تطا              لب من طاعة ربك .

ديوان أبي العتاهية: 148
وقال الشاعر :
شاد الملوك قصورها وتحصنوا      من كل طالب حاجة او راغب
غالوا بابواب الحديد تمنعاً            قد بالغوا في قبح وجه الحاجب
فاطلب إلى ملك الملوك ولا تكن     بادي الضراعة طالباً من طالب
.
سنابل الحكمة: ص241

28- توبة مالك
كان عالماً زاهداً من اكابر عصره ، وكان في مبدأ أمره يشرب الخمور ، ويرتكب في سكره انواع الفجور ، ثم نقل من كلام نفسه انه قال: كنت منهمكاً في شرب الخمر ، ثم ولدت لي بنتٌ فشغفتت بها ؛ ولمكا دبت على الارض ازداد في قلبي حبّها وألفتني والفتها ، وكنت اذا وضعت مسكراً بين يدي جاءت اليَّ وجاذبتني فاهرقته على ثوبي .. فلما تمت لها سنتان ماتت فحزنت عليها .
فلما كان ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة الجمعة بت ثملاً من الخمر ، ولم اُصلِّ فيها العشاء الآخرة ، فرأيت في ما يراى النائم كأن القيامة قامت ، ونفخ في الصور ، وبعثرت القبور ، وحشرت الخلائق وانا معهم، فسمعت حنيناً من ورائي فالتفت فاذا انا بتنين كبير اعظم ما يكون، أسود ارزق قد فتح فاه مسرعاً نحوي ؛ فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه ، فردَّ السلام فقلت : ايها الشيخ !.. اجرني من هذا التنين اجارك الله .. فبكى الشيخ وقال لي : انا ضعيف وهذا اقوى منّي ، وما اقدر عليه ، ولكن مُر واسرع لعلَّ الله يفتح لك ما يُنجيك منه .
فوليت هارباً على وجهي ؛ فصعدت على شرف من شرف القيامة ، فأشرفت على اطباق النيران ؛ فنظرت إلى هولها ، وكدت اهوى فيها من فزع التنين .. فصاح بي صائح : ارجع فلست من اهلها .. فاطمأننت إلى قوله ورجعت ، فرجع التنين في طلبي .. فأتيت الشيخ ، فقلت : يا شيخ !.. سألتك أن تجيرني من هذا التنين فما فعلت .. فبكى الشيخ وقال: انا ضعيف ، ولكن سِر إلى هذا الجبل فان فيه ودائع المسلمين ؛ فان كان لك وديعة فستنصرك. قال : فنظرت إلى جبل مستدير من فضة وفيها كوى وستور معلقة عليها من ذهب شهلاء بالياقوت مكوكبة بالدر ، على كل مصراع ستر من الحرير .
فلما نظرت إلى الجبل وليت هارباً والتنين من ورائي ، حتى اذا قربت منه صاح بعض الملائكة : فارفعوا الستور ، وافتحوا المصاريع ، ففتحت فاشرف عليَّ اطفال بوجوه كالاقمار ، وقرب التنين مني فتحيرت في امري ، فصاح بعض الأطفال : ويحكم اسرعوا كلكم فقد قرب منه عدوه ؛ فاسرعوا فوجاً بعد فوج .. واذا بابنتي التي ماتت قد اشرفت عليَّ معهم ، فلما رأتني بكت وقالت : ابي والله !.. ثم وثبت في كفّة من نور حتى مثلت بين يدي ، ومدت يدها اليسرى إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ، ومدت يدها اليمنى الى التنين ؛ فولى هارباً ، ثم اجلستني وقعدت في حجري وقالت يا ابة :
{ ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله } .
فبكيت وقلت : يا ابنتي !.. وانتم تعرفون القرآن ؟.. فقالت : نعم ، نحن اعرف به منكم .. قلت : فاخبريني عن التنين الذي اراد ان يهلكني . قالت : ذلك عملك السوء .. قلت : وما تصنعون في هذا الجبل ؟.. قالت : نحن اطفال المسلمين قد اسكّنا فيه إلى ان تقوم الساعة ، ننتظركم تقدمون علينا نتشفع لكم .
قال مالك : فانتبهت من النوم فزعاً واصبحت ففارقت المسكر وتبت إلى الله تعالى .
يُنسب الى الامام علي عليه السلام انه قال :
ذنوبي ثقالٌ فما حيلتي               اذا كنت في البعث حمّالها
ترى الناس سكارى بلا خمرة        ولكن ترى العين ما هالها
نسيت المعاد فيا ويلها                وأعطيت للنفس آمالها

ديوان الإمام علي (ع): ص108

29- الفتاة المخدوعة
كانت تعيش في احدى مدن غرب ايران اختان ؛ احداهما اغواها الشيطان فانتهجت سبيل البغاء ، وقضت معظم شبابها في هذا الطريق ، أما اختها فقد تزوجت وصار لها اطفال وحياة زوجية هانئة ؛ فكانت تنظر الى اختها المخدوعة بغرور وتكبر وازدراء .
وبعدما انقضت أيام الشباب وعجزت الاُخت المخدوعة ، واغلقت بوجهها اسباب المعيشة ، اضطرت في احدى ليالي الشتاء الباردة ، وبعد ما ارهقها الجوع والاملاق إلى ان تطرق باب اختها وتطلب منها العون .. ولما فتحت الاُخت الباب ورأتها اغلقت الباب بوجهها بانزجار وقالت لها :
اذهبي يا عاهرة .
عادت الاُخت المخدوعة ادراجها بقلب كئيب ، وتوجهت إلى دارها وهي مريضة ولا تملك من النقود ما تشتري به الطعام ، او مستلزمات التدفئة ، وتكرر مع نفسها عبارة : اذهبي يا عاهرة ، واستشعرت الندم ، واخذت تبكي وتلوم ذاتها ..وفي نهاية المطاف قضى عليها البرد والجوع والمرض.
وبعد موتها شوهدت في المنام ، فسُئلت عن حالها ، فقالت : حسن ، فانا في تلك الليلة حين يئست من كل شيء ، وحتى ان اختي طردتني بكل قسوة ، توجهت إلى ربي نادمة وتائبة عن كل ذنوبي ، واستغفرته حق الاستغفار وبقيت ابتهل اليه ، وبعد لحظات جاءوا بي الى هذه الحديقة .
لاينبغي اليأس من رحمة الله .
ينسب إلى الامام علي عليه السلام انه قال:
أيا من ليس لي منه مجير      بعفوك من عقابك استجير
أنا العبد المقر بكل ذنب       وأنت السيد الصمد الغفور
فان عذبتني فالذنب مني        وان تغفر فانت به جدير

ديوان الإمام علي (ع): ص69

30- فضل الله
جاء في المجلد الأول من كتاب " المستطرف " : ان ملاحاً بنهر النيل المبارك في مصر قال : كنت اجتاز من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي ، ومن الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي احمل الناس ، فبينما أنا ذات يوم في الزورق اذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة ، فقال : السلام عليكم . فرددت عليه السلام ، فقال : اتحملني إلى الجانب الغربي لله تعالى .. فقلت : نعم .. فطلع إلى الزورق وعديت به إلى الجانب الغربي .. وكان على ذلك الفقير مرقّعة ، وبيده ركوة وعصا .. فلما اراد الخروج من الزورق قال : اني اريد ان احملك أمانة .. قلت : وماهي ؟.. قال : اذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتّاً ، وستنسى ؛ فاذا اُلهمت فأتني وغسلني وكّفني في الكفن الذي تجده عند رأسي ، وصل عليَّ وادفني تحت الشجرة ، وهذه المرقعة والعصا والركوة يأتيك من يطلبها منك ، فادفعها اليه ولا تحتقره .
قال الملاح : ثم ذهب وتركني فتعجبت من قوله وبتُّ تلك الليلة ، فلما اصبحت انتظرت الوقت الذي قال لي .. فلما جاء الوقت نسيت ، فما تذكرت الاّ قريب العصر ، فسرت بسرعة فوجدته تحت الشجرة ميتاً ، ووجدت كفناً جديداً عند رأسه تفوح منه رائحة المسك ، فغسلته وكفنته .. فلما فرغت من غسله حضر عندي جماعة عظيمة ، لم اعرف منهم أحداً ، فصلينا عليه ودفنته تحت الشجرة كما عهد اليَّ ، ثم عدت إلى الجانب الشرقي ، وقد دخل الليل ، فنمت فلما طلع الفجر وبانت الوجوه ، اذ انا بشاب قد اقبل عليَّ فححقت النظر في وجهه ، فاذا هو من صبيان الملاهي كان يخدمهم ، فاقبل وعليه ثياب رقاق ، وهو مخضوب الكفين وطارة تحت ابطه .. فسلم عليَّ فرددت عليه السلام فقال : يا ملاّح !.. انت فلان بن فلان ؟.. قلت : نعم .. قال : هات الوديعة التي عندك .. قلت : ومن اين لك هذا ؟.. قال: لا تسأل .. فقلت : لا بد ان تخبرني . فقال : لا ادري ، الاّ اني البارحة كنت في عرس فلان التاجر ، فسهرنا نرقص ونغني إلى ان ذكر الله الذاكرون على المآذن .. فنمت لأستريح ، واذا برجل قد ايقظني وقال : ان الله تعالى قد قبض فلاناً الولي ، واقامك مقامه ، فسر إلى فلان بن فلان ، صاحب الزورق ، فان الشيخ اودع لك عنده كذا وكذا .
قال : فدفعتها له فخلع اثوابه الرقاق ورمى بها في الزورق وقال : تصدّق بها على من شئت ، واخذ الركوة والعصا ، ولبس المرقعة وسار وتركني اتحرق لما حرمت من ذلك .. واقمت يومي ذلك ابكي إلى الليل .
ثم نمت فتناهى إلى سمعي صوت يقول : يا عبدي !.. اثقل عليك ان مننت على عبد عاص بالرجوع اليَّ ، انما ذلك فضلي أوتيه من أشاء من عبادي ، وانا ذو الفضل العظيم.
قال الشاعر :
رأيت الناس صاحبهم قليل           وهم والله محمود ضروب
ولست مسمياً بشراً وهوبا            ولكن الاله هو الوهوب
تحاشا ربنا عن كل نقص            وحاشا سائليه بأن يخيبوا

ديوان أبي العتاهية: ص36


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page