• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع


9- الشاب العاصي
نقل نجيب الدين ، وكان من اكابر علماء عصره ، يقول : كنت ذات ليلة في مقبرة ، فرايت اربعة اشخاص قادمين يحملون جنازة .. فتقدمت اليهم وانكرت عليهم جلب الجنازة في هذا الوقت من الليل ، وقلت : يبدو لي من فعلكم انكم قتلتم انساناً وتريدون دفنه في منتصف الليل ، لكي لايطلع أحد على اسراركم .
قالوا : لاتسئ الظن يا رجل ، لأن ام الفتى معنا . فتقدمت اليًّ عجوز كانت معهم ، سألتها: لماذا جئت بابنك إلى المقبرة في منتصف الليل ؟..
قالت : كان ابني فاعلاً للمعاصي ، وقبل ان يموت اوصى بعدّة وصايا ، منها : اذا مت ضعي في رقبتي حبلاً ، واسحبيني إلى الدار وقولي : هذا عبدك العاصي الهارب وقع في قبضة الموت ، وقد احكمت وثاقه وجئتك به ، فارحمه .. واوصى اذا مات ان ادفنه ليلاً ، لكي لايرى جنازته أحد ويتذكر معاصيه فيتعذّب .. وثالثاً ان تدفنيني بنفسك وتضعيني في لحدي ، لعل الله اذا رأى شيبك يرأف بي ويغفر لي .. صحيح اني تبت وندمت على افعالي ولكن عليك تنفيذ هذه الوصايا.
ولما مات وضعت حبلاً في رقبته وسحبته ، وبغتة سمعت هاتفاً يقول: { ألا ان أولياء الله هم الفائزون }. لا تفعلي هذا بعبدي العاصي ، فانا نعلم ما نصنع به .
فرحت لقبول توبته وجئت به إلى المقبرة . وطلبت منها ان تسمح لي بدفنه، فوافقت ، وما ان وضعته في قبره ولحدته حتى سمعت منادياً يقول :
{ ألا انّ اولياء الله هم الفائزون } . ففهمت ان توبة العاصي تقبل ، وان الله لا يرضى اهانة العاصي التائب .
قال الشاعر :
افنيت عمرك باغترارك      ومناك فيه وانتضارك
ونسيت ماا لا بد منـه      وكان اولـى بأذكّارك
وان اعتبرت بما ترى       فكفاك علماً باعتبارك
لك ساعة تأتيك من         ساعات ليلك أو نهارك
بـادر بحدك قبل أن        تقضى وتنزعج من قرارك
ديوان أبي العتاهية

10- توبة العابد
روي انه كان في جبل لبنان رجل من العبّاد منزوياً عن الناس في غار في ذلك الجبل، وكان يصوم النهار ، ويأتيه كل ليلة رغيف يفطر على نصفه ويتسحّر بالنصف الآخر .. وكان على ذلك الحال مدّة طويلة لا ينزل من ذلك الجبل أصلاً ، فاتفق ان انقطع عنه الرغيف ليلة من الليالي ، فاشتد جوعه وقل هجوعه، فصلى العشائين وبات في تلك الليلة في انتظار شيء يدفع به الجوع فلم يتيسّر له شيء .
وكان في اسفل ذلك الجبل قرية سكّانها نصارى. فعندما اصبح العبد نزل اليهم واستطعم شيخاً منهم ، فاعطاه رغيفين من خبز الشعير ، فأخذهما وتوجّه إلى الجبل ، وكان في دار ذلك الشيخ كلب أجرب مهزول ، فلحق العابد ونبح عليه وتعلق باذياله ، فألقى عليه العابد رغيفاً من ذينك الرغيفين ليشغل به عنه .. فأكل الكلب ذلك الرغيف ولحق العابد مرّة اخرى ، واخذ في النباح والهرير ، فألقى اليه العابد الرغيف الآخر ، فاكله ولحقه تارة ثالثة ، واشتد هريره وتشبّث بذيل العابد ومزّقه ، فقال العابد : سبحان الله !.. اني لم أر كلباً اقل حياءً منك ، ان صاحبك لم يعطيني إلاّ رغيفين وقد اخذتهما منّي .. ماذا تطلب بهريرك وتمزق ثيابي ؟..
فانطق الله تعالى الكلب فقال : لست انا قليل الحياء ، اعلم اني ربيت في دار ذلك النصراني ، احرس غنمه ، واحفظ داره ، واقنع بما يدفع اليًّ من خبز او عظام ، وربّما نسيني فأبقى أياماً لا آكل شيئاً ، بل ربما تمضي ايام لا يجد هو لنفسه شيئاً ولا  لي ، ومع ذلك لم افارق داره منذ عرفت نفسي ولا توجهت إلى باب غيره.. بل كان دأبي انه ان حصل شيء شكرت وإلاّ صبرت .. وأما انت فبانقطاع الرغيف عنك ليلة واحدة ، لم يكن عندك صبر ولا كان لك تحمّل حتى توجهت من باب رازق العباد إلى باب نصراني ، وطويت كشحك عن الحبيب ، وصالحت عدوّه المريب . فقل: اينا اقل حياءً انا أم أنت ؟.. فلما سمع العابد ذلك ضرب بيديه على رأسه وخر مغشياً عليه .
يُنسب الى الامام علي عليه السلام انّه قال :
الهي لاتعذبني فإني            مقر بالذي قد كان مني
فما لي حيلة الاّرجائي         بعفوك ان عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في الخطايا    عضضت أناملي وقرعت سني
يظن الناس بي خيراً واني      لشر الخلق ان لم تعف عني .
ديوان الإمام علي (ع): ص128

11- شعوانة
كانت بالبصرة امرأة تسمّى شعوانة مشهورة بالتهتك والرقص والبغاء ، وما كان مجلس فساد يقام إلاّ وفيه شعوانة .. كانت ذات يوم تسير هي وجواريها في أحد الأزقّة وصادف ان مرّت عند باب أحد الزهاد في ذلك العصر ، وتناهى إلى سمعها هناك صوت بكاء وعويل من داخل الدار .
ارسلت احدى جواريها لتأتيها بخبر ما يجري ، وأمرتها ان تعود اليها سريعاً.. وقالت مع نفسها : ان في البصرة عزاءً ونحن لاندري.. ودخلت الجارية الدار ولم تعد ، فأرسلت وراءها بجارية أخرى ، ولكن الثانية لم تعد هي الأخرى .. وارسلت من بعدهما سائر الجواري ، ولم تعد اليها أية واحدة منهن. غضبت وقالت : ما الخبر ؟.. ارسلت جميع الجواري ، ولم تعد واحدة منهن .. لا بد وان هنالك سر في هذه الدار ، وما هذا العزاء بعزاء اموات ، بل عزاء الاحياء ، هذا عزاء المذنبين ، العاصين ، المجرمين ، واصحاب الصحائف السود .. ثم قررت ان تدخل الدار بنفسها لتطلع على حقيقة الامر .
دخلت الدار فوجدت رجلاً صالحاً على المنبر وناساً كثيرين حول المنبر يبكون ، كان الواعظ يفسّر لهم الآية الكريمة: { واذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظاً وزفيراً }. سورة الفرقان: 12.. وانهم اذا ألقوا فيها تربط اعناقهم بسلاسل من حديد :
{ واذا ألقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً} . سورة الفرقان: 13.. فيناديهم مالك : ويحكم !.. سرعان ما تعالت اصواتكم ، لازلتم في البداية ، وهل رأيتم حرّها ؟.. ان وراءكم عذاباً وآلاماً اكثر ، فكيف ستفعلون ؟..
ما ان سمعت شعوانة تفسير هذه الآية ، حتّى استشعرتها في اعماق قلبها واخذت تبكي ونادت : وهل اذا تاب العبد تُقبل توبته ، مع كل هذه الذنوب ، ويجعل له مكاناً عنده في الجنّة ؟.. قال لها الشيخ : الله ارحم الراحمين ، توبي يتوب الله عنك ، وان كانت ذنوبك كذنوب شعوانة.
قالت : يا شيخ ، انا شعوانة، تبت إلى الله ، ولن اعاود ارتكاب الذنوب. قال لها : ما دمت قد تبت ، تاب الله عليك ، وغفر لك ذنوبك .
كانت توبة شعوانة صادقة ، فانفقت كل ثروة حصلت عليها من هذا العمل، واعتقت كل غلمانها وجواريها ، واتخذت لنفسها صومعة في الصحراء وانهمكت بالعبادة والرياضة إلى ان ذاب لحمها .
جاءت ذات يوم إلىالحمام لتغتسل ونظرت إلى بدنها ، فوجدت نفسها قد صارت ضعيفة وقد لصق جلدها بالعظم فتحسرت وقالت :آه يا شعوانة هكذا صار حالك في الدنيا !.. ولا اعلم ماذا سيكون شأنك غداً في الآخرة ؟!..
فجأة سمعت صوتاً ينادي: يا شعوانة !.. لا تبعدي عنا والزمي بابنا لنرى ما سيكون عليه شأنك غداً في الآخرة .. فكبر شأنها شيئاً فشيئاً حتّى غدت من الاولياء ، وصاروا يعقدون مجلساً تتحدث هي فيه وتهطل دموعها.
أجل ، كل من يتصالح مع ربّه ويهجر الذنوب يبلغ هذه المنزلة .
قال الشاعر :
ومن يتّبع شهوة بعد شهوةٍ        ملحاً تقسم عقله الشهوات
ومن يأمن الدنيا وليس بحلوها    ولا مرها فيما رأيت ثبات
اجابت نفوس داعي الله فاقضت  وأخرى لداعي الموت منتظرات

ديوان أبي العتاهية: ص87

12- التوبة عن الشراب
قرأت في كتاب الذنوب الكبيرة ، المجلد الثاني ، للمرحوم الشهيد آية الله دستغيب رضوان الله تعالى عليه ، انه لما نزلت آية تحريم الخمر، نادى منادي الرسول : انه لايجوز لأحد شرب الخمر ، ويورد في ذلك قصّة لطيفة وهي: ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان ماراً في أحد شوارع المدينة، فرأى أحد المسلمين وفي يده قارورة فيها خمر، لما رأى رسول الله قادماًَ خاف وقال : سيفتضح امري - لأنه كان شديد المحبّة للرسول - وقال في نفسه: اللهم !.. اني عصيتك ، واني تائب من ذنبي هذا ، ولن اعاود شرب الخمر، فلا تفضحني عند رسولك .
ولما دنا من الرسول سأله : ما في هذه القارورة ؟.. فقال من شدّة وجله: فيها خل.. فقال له: ان كان فيها خل ، ضع شيئاً منه في يدي!.. ومد يده المباركة ، سكب مقداراً منها في يده ، ورأى ان ما سكب في يد الرسول خل حقّاً .
بكى الرجل وقال : كان في هذه القارورة خمراً، ولكن بما اني تبت إلى الله ، وطلبت منه ان لايفضحني، قبل توبتي واستجاب دعائي .
فقال رسول الله: { فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات }.  سورة الفرقان: 70
قال الشاعر :
لا عذر لي قد أتى المشيب         فليت شعري متى أتوب
ابليس قد غرني ونفسي             ومسني منـها اللغوب
ولست أدري اذا أتاني              رسول ربي بما أجيب
هل أنا عند الجواب مني            أخطأ في القول أم اصيب
ام انا يوم الحساب ناج             أم لي في ناره نصيب
ديوان أبي العتاهية: ص38

13- بشر الحافي
جاء في كتاب روضات الجنات : ان توبة بشر الحافي كانت على يدي الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، حيث انه اجتاز مرّة على دار ببغداد فسمع الملاهي واصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار .
فخرجت جارية وبيدها قمامة النقل ؛ فرمت بها في الدرب ، فقال عليه السلام لها : يا جارية !.. صاحب هذا الدار حر ام عبد ؟.. فقالت : بل حر . فقال : صدقت ، لو كان عبداً خاف من مولاه .
فلما دخلت قال مولاها - وهو على مائدة السكر - : ما أبطأئك ؟.. قالت : حدثني رجل بكذا وكذا . فخرج حافياً حتّى لقي مولانا الكاظم عليه السلام ، فتاب على يده واعتذر ، وبكى لديه استحياءً من عمله .. منذ ذلك اليوم اجتنب السيئات ، وصار من جملة الزهاد والعرفاء . ويُقال انه لقب بالحافي لأنّه ركض وراء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حافياً ، وتاب وهو على هذه الصورة .
قال الشاعر :
يا قاطع الدهر بلذاته           ليس له ناه ولا آمــر
أتاك يا مغرور سهم الردى    والموت في سطوته قاهر
يا رب اني لك في كل        ما قدرت عبد آمـل شاكر
فاغفر ذنوبي انها جمة        واستر خطائي انــك ساتر

ديوان أبي العتاهية: ص201

14- توبة فُضَيل
روي ان الفضيل بن عياض كان في بداية امره من قطاع الطريق ، الذين لا يتورعون عن ارتكاب اية كبيرة ، وكان اسمه يثير الرعب في النفوس ، حتى ان خليفة ذلك العصر هارون الرشيد كان يخشاه .
وفي أحد الأيام وقف على ضفة نهر ليسقي فرسه ، اذ وقع بصره على فتاة في غاية الجمال ، تحمل على كتفها قربة ومتجهة صوب الماء ، تريد ملء القربة.. فوقع حبّها في قلبه ، وما ان رفع عنها بصره حتى ملأت قربتها وذهبت .
امر اتباعه باقتفاء اثرها حتى اذا بلغت دارها طرقوا الباب ، وابلغوا اهلها بوجوب اعداد هذه الفتاة الجميلة ، واخلاء الدار تلك الليلة ، لأن فضيل راغب بوصالها. ( ولهذا السبب نادى الاسلام بوجوب الحجاب ، حتى لاتقع عين الأجنبي على المرأة ، وما يتمخض عن ذلك من الآم وكوارث ) .
ما ان بلغ الخبر ابويها حتّى استولى عليهما الذعر .. واضطر إلى استدعاء بعض وجوه البلد للبحث عن مخرج من هذا الموقف.. فقيل لهم : لا بد من التضحية بالفتاة في سبيل المدينة، لأن فضيل اذا لم ينل بغيته سيحرق كل شيء في تلك المدينة .. فاضطر ابواها إلى اعدادها واخلاء الدار .
دخل فضيل المدينة ليلاً وتسلق الجدار ، وعبر سطوح بعض الدور ليصل إلى دار الفتاة ، وهناك تناهى إلى سمعه صوت قراءة قرآن ، فانصت اليه واذا هو رجل يتلوا الآية الشريفة : { ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله }.  
فأثرت هذه الآية في نفسه وعاد ونزل من الجدار وتغيّر حاله ، وقال بنية خالصة وقلب نقي : يا الهي !.. لقد آن وقت الخشوع .
تاب فضيل الى ربّه توبة خالصة ، وسار تلك الليلة على وجهه إلى ان وصل الى خربة ، فرأى فيها بعض التجار والمسافرين الذين لجأوا إلى هذه الخربة خوفاً من فضيل وعصابته ، وحطّوا رحالهم هنا ، وهم على وشك المسير ويقول بعضهم لبعض: كيف لنا ان نتخلص من شّر فضيل ؛ فمن المؤكد انه سيهجم علينا هذه الليلة ويسلبنا متاعنا .
تأثر فضيل اكثر عند سماع هذا الكلام ، لأنه كان سبباً في ترويع الناس وايجاد الذعر في القلوب ، فتقدم اليهم وعرفهم بنفسه وقال لهم : طيبوا نفساً بعد اليوم ، فضيل تاب وسلك طريق الله .
انتهج فضيل طريق الزهد حتّى غدا واحداً من عرفاء وزهاد عصره.. يروي ان هارون الرشيد رأى عند ذهابه إلى مكة حلقة من الناس حول رجل يعظهم وهم يبكون ، فسأل عنه ، قيل له : هذا فضيل الفاسق قد تاب الان .. كان هارون الرشيد من قبل يخشى غاراته وقطعه للطريق ، وهو اليوم يخشى زهده وتقواه .
كان فضيل يسجل في دفتر لديه اسماء وعناوين الأشخاص في كل قافلة يسلبها ، ولما تاب قصد اصحاب الأموال التي سرقها منهم ، ووجد اغلبهم واسترضاهم ، أما الذين لم يجدهم فقد دفع عنهم الصدقات رداً للمظالم ، إلاّ رجلاً واحداً يهودياً من نواحي الشام ، كان فضيل قد سلبه مالاً كثيراً فأبى ان يصفح عنه ، وقال انني اقسمت ان لا اخذ بدل مالي المسلوب إلاّ ذهباً ، ولكنّك ما دمت جاداً في طلبك ولا مال لديك ، فلا بأس ان تذهب وتأخذ من اموالي وذهبي الموجود تحت فراشي ، وتقدمه لي بقصد أداء ما عليك من دين حتّى أكون قد بررت بقسمي ، وتكون أنت أيضاً قد بلغت حاجتك .
مد فضيل يده تحت الفراش واخرج مقداراً من الذهب واعطاه لليهودي ، فقال من فوره انطقني بالشهادتين ، لقد آمنت باله محمد ، ولا معنى بعد هذا للبقاء على الديانة اليهودية ؛ لاني قرأت في التوراة ، ان احدى صفات أتباع رسول آخر الزمان ، هي ان احدهم اذا اخلص لله التوبة من ذنوبه ، يبدل الله التراب في يده ذهباً ، اعلم انه لم يكن تحت فراشي إلاّ التراب.. وانني انما اردت امتحانك ، ولما ابدل الله التراب بيدك ذهباً تكشفت لي حقيقتان ؛ الاولى : هي انك تائب حقّاً ومن صميم قلبك .. والثانية : هي ان الدين الذي انبأ عنه موسى في التوراة ، والذي اعتبره ناسخاً لدينه وللدين الذي يأتي بعده ( اي المسيحية) هو الدين الذي انت عليه .
وبهذا اسلم ذلك اليهودي على يد فضيل .
قال الشاعر :
إلى كم طول صـبتونا بـدار             رأيت لها اغتصاباً واستلابا
الا ما للكهول وللتصــابي              اذ ما اغترّ مكتهل تصـابى
فزعت إلى خضاب الشيب مني           وان نصوله فضح الخضابا
ديوان أبي العتاهية: ص33

15- توبة جار فاسق
جاء في المجلد الحادي عشر من كتاب بحار الانوار ، ان ابا بصير قال : كان لي جار يتبع السلطان ، فاصاب مالاً فاتّخذ قياناً وغلماناً .. وكان يجمع الجموع ، ويشرب المسكر ، ويؤذيني؛ فشكوته إلى نفسه غير مرة فلم ينته .. فلما الححت عليه قال : يا هذا !.. انا رجل مبتلى ، وانت رجل معافي ، فلو عرفتني لصاحبك (يعني الإمام الصادق عليه السلام) رجوت ان يستنقذني الله بك .. فوقع ذلك في قلبي ، فلما صرت إلى ابي عبد الله عليه السلام ذكرت له حاله ، فقال لي : اذا رجعت إلى الكوفة فانّه سيأتيك فقل له : قال لك جعفر بن محمد : دع ما انت عليه وأضمن لك الجنة .
فلما رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى ، فاحتسبته حتى خلا منزلي فقلت : يا هذا !.. اني ذكرتك لابي عبدالله عليه السلام ، فقال : أقرئه السلام وقل له: يترك ما هو عليه واضمن له الجنة، فبكى ثم قال : بالله قال جعفر عليه السلام هذا !.. فحلفت انه قال لي ما قلت لك ، فقال لي : حسبك ومضى !..
فلما كان بعد ايام بعث اليًّ ودعاني ، فاذا هو خلف داره عريان فقال : يا ابا بصير !.. ما بقي في منزلي شيء إلاّ وخرجت منه وأنا كما ترى .. فمشيت الى اخواني ، فجمعت له ما كسوته به .. ثم لم يأت عليه إلاّ ايام يسيرة حتى بعث الي اني عليل فأتني .. فجعلت اختلف اليه واعالجه حتى نزل به الموت ، فكنت عنده جالساً وهو يجود بنفسه ثم اغشي ثم افاق ، فقال : يا ابو بصير !.. قد وفي صاحبك لنا ، ثم مات .
فحججت فأتيت ابا عبدالله عليه السلام فاستأذنت عليه ، فلما دخلت قال لي مبتدئاً - من داخل البيت واحدى رجلي في الصحن والاخرى في دهليز داره-: يا ابا بصير !.. قد وفينا لصاحبك .
قال الشاعر :
حتى متى يا نفس تغتر       ين بالأمل الكـذوب
يا نفس توبـــي قبل ان    لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنبك الر         حمان غفّار الذنوب


16- التوبة أفضل من الحد
جاء في المجلد السابع من كتاب الكافي ، رفعه إلى أمير المؤمنين (ع) قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين !.. إني زنيت فطهّرني قال: ممن أنت ؟.. قال : من مزينة ، قال: أتقرأ من القرآن شيئاً ؟.. قال : بلى ، قال : فاقرأ !.. فقرأ فأجاد ، فقال : أبك جنّة ؟.. قال: لا ، قال: فاذهب حتى نسأل عنك .. فذهب الرجل ، ثم رجع إليه بعد فقال: يا أمير المؤمنين !.. إني زنيت فطهّرني ، فقال: ألك زوجة ؟.. قال : بلى ، قال : فمقيمة معك في البلد؟.. قال : نعم ، قال : فأمره أمير المؤمنين (ع) فذهب ، وقال : حتى نسأل عنك ، فبعث إلى قومه فسأل عن خبره فقالوا : يا أمير المؤمنين (ع) صحيح العقل ، فرجع إليه الثالثة فقال له مثل مقالته ، فقال له : اذهب حتى نسأل عنك ، فرجع إليه الرابعة ، فلما أقرّ قال أمير المؤمنين (ع) لقنبر: احتفظ به ، ثم غضب ثم قال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش ، فيفضح نفسه على رؤوس الملأ !.. أفلا تاب في بيته فو الله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحدّ ، ولا يعرفن أحدكم صاحبه .
فأخرجه إلى الجبّان فقال : يا أمير المؤمنين!.. أنظرني أصلي ركعتين ، ثم وضعه في حفرته واستقبل الناس بوجهه ، فقال: يا معاشر المسلمين !.. إن هذا حق من حقوق الله عز وجل ، فمن كان لله في عنقه حق فلينصرف ولا يقيم حدود الله من في عنقه لله حد ، فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين (ع) ، فأخذ حجراً فكبّر ثلاث تكبيرات ، ثم رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات ، ثم رماه الحسن (ع) مثل ما رماه أمير المؤمين (ع) ثم رماه الحسين (ع) ، فمات الرجل ، فأخرجه أمير المؤمنين (ع) فأمر فحفر له  وصلى عليه ودفنه ، فقيل : يا أمير المؤمنين ألا تغسله ؟.. فقال : قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة ، لقد صبر على أمر عظيم . فروع الكافي: ج7 ص188 ح3
قال الشاعر
فرض على الناس أن يتوبوا             لكن ترك الذنوب أوجب
والدهر في صرفه عجيب              وغفلة الناس فيه أعجب
والصبر في النائبات صعب             لكن فوت الثواب أصعب
وكل ما يرتجى قريب                 والموت من كل ذاك أقرب

ديوان أبي العتاهية: ص15

17- سارق الاكفان
جاء في كتاب الخوف والرجاء من كتاب الأنوار للمرحوم العلامة المجلسي رضوان الله عليه، انه كان في بني اسرائيل رجل ينبش القبور، فاعتل جار له فخاف الموت .. فبعث إلى النبّاش فقال : كيف كان جواري لك ؟.. قال : احسن جوار .. قال : فانًّ لي اليك حاجة .. قال : قضيت حاجتك .. قال: فاخرج له كفنين ، فقال : احب أن تأخذ احبّهما اليك ، واذا دفنت فلا تنبشني .. فامتنع النباش من ذلك وابى ان يأخذه ، فقال له الرجل: احب ان تأخذه ، فلم يزل به حتى اخذ احبهما ، ومات الرجل .
فلما دفن قال النبّاش : هذا قد دفن، فما علمه بأني تركت كفنه أو اخذته.. لآخذنّه، فأتى قبره فنبشه ، فسمع صائحاً يقول ويصيح به : لا تفعل .. ففزع النباش من ذلك ، فتركه وترك ما كان عليه.. وقال لولده : اي اب كنت لكم ؟.. قالوا : نعم الأب كنت لنا .. قال : فانًّ لي اليكم حاجة .. قالوا : قل ما شئت ، فانّا سنصير اليه ان شاء الله .. قال : فأحب ان انا متُّ ان تأخذوني فتحرقوني بالنار ، فاذا صرت رماداً فدقّوني ، ثم تعمّدوا بي ريحاً عاصفاً فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر . قالوا : نفعل .
فلما مات فعل بعض ولده ما اوصاهم به .. فلما ذروه قال الله عز وجل للبر : اجمع ما فيك ، وقال للبحر : اجمع ما فيك .. فاذا الرجل قائم بين يدي الله جل جلاله ، فقال له : ما حملك على ما أوصيت ولدك ان يفعلوه بك؟.. قال : حملني على ذلك وعزّتك خوفك.
فقال الله جل جلاله : فاني سأرضي خصومك ، وقد آمنت خوفك وغفرت لك .
قال الشاعر :
ايها ذا الناس ما حلًّ بكم ..       عجباً من سهوكم كل العجب
وسقام ثم موت نازلُ             ثم قبر ونزول وجــلب
وحساب وكتاب حافظ           وموازين ونـار تلـتهب
وصراط من يقع عن حده        فالى خزي طويل ونصب .

ديوان أبي العتاهية: ص73

18- توبة قاتل
قال اسحاق بن ابراهيم الطاهري : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في النوم وهو يقول : اطلق القاتل !.. فارتعت لذلك ، ودعوت بالشموع ونظرت في اوراق السجن، واذا ورقة فيها ان رجلاً ادعي عليه بالقتل واقر به.. فأمرت باحضاره .
فلما رأيته وقد ارتاع قلت له : ان صدقتني اطلقتك . فحدثني انه كان هو وجماعة من اصحابه يرتكبون كل عظيمة ، وان عجوزاً جاءت لهم بامراة ، فلما صارت عندهم صاحت : الله!.. الله !.. وغشي عليها .. فلما افاقت قالت : انشدك الله في امري !.. فانًّ العجوزة غرتني وقالت: ان في هذاه الدار نساء صالحات ، وانا شريفة جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وامي فاطمة ، وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم فيًّ .
فقمت دونها وناضلت عنها ، فاشتد علي واحد من الجماعة وقال : لا بد منها .. وقاتلني فقتلته ، وخلّصت الجارية من يده . فقالت : سترك الله كما سترتني .. وسمع الجيران الصيحة ، فدخوا علينا فوجدوا الرجل مقتولاً والسكين بيدي ، فامسكوني وأتوا بي اليك وهذا امري .. فقال اسحق : قد وهبتك لله ولرسوله .. فقال : وحق الذين وهبتني لهما لا اعود إلى معصيته ابداً .
نلاحظ في هذه القصة ان الرجل قد نجا من القتل ، وشمله لطف الله ورسوله ، لانه ترك الحرام ، واعان مظلوماً في سبيل الله ، ولأجل حرمة رسوله.
قال الشاعر :
إياك والبغي والبهتان والغيبة             والشك والكفر والطغيان والريبة
ما زادك السن من مثقال خردلةٍ           الاّ تقرب الموت مـنك تقريبه
فـما بقـاؤك والأيام مسـرعة           تصعيدة منك أحـياناً وتصويبه .

ديوان أبي العتاهية: ص64

19- توبة قطّة

ذكر المرحوم الحاج النوري رضوان الله عليه في كتاب دار السلام :
نقل أحد علماء النجف قائلاً : كانت لنا في الدار حمامة نحبّها كثيراً ، وكانت ثمة قطة تأتي دارنا بين الحين والاخر .. وفي أحد الايام هجمت القطة على الحمامة وأكلتها .. واقتفى الاولاد اثرها ، ولكن لم يلحقوا بها .. واحضرت انا عصا إلى جانبي ، لكي اعاقبها على سوء فعلها اذا جاءت .. ولكن مرّت عدّة ايام ولم تأتي ، لأنها تفهم وتعي ان الموضع الذي يسرق منه ليس من السهل العودة اليه .
ولاحظت ذات يوم انها قادمة بهدوء ، وتتصرف بمزيد من الحذر والسكينة .. فمكنت لها موضع لكي لا تراني وتهرب ، فدخلت احدى الغرف ، فاضطررت إلى الإختفاء وراء الستائر، إلى ان دخلت إلى المكتبة فدخلت وراءها واغلقت الباب ، فانتبهت إلى ان الباب اُغلق ، وهجمت عليها بعصاي. فرأت ان لا مجال للهرب ولا محيص لها من الخروج ، فقفزت فجأة فوق الكتب ووضعت رأسها ويديها على مصحف شريف كان بين الكتب ، وكأنها استجارت به .

ولما رأيتها استجارت بالقرآن ، رميت العصا من يدي وفتحت لها الباب لكي تخرج ، فوثبت بهدوء وخرجت ، ويبدو انها تابت توبة صادقة ، فلم تتطاول من بعد ذلك على شيء في دارنا ، لا على الحمام ، ولا على السمك ، ولا على اللحم ، ولا أي شيء آخر .
هذا حال الحيوانات !.. فانتبه يا بن ادم ، اذا تبت فحذار ان تعاود المعصية مرّة اخرى.
قال الشاعر :
مـــا لنا لانتفكر            اين كسرى اين قيصر
اين مـن جمع الما            ل مع المال فــأكثر
اين من كان يسامي           بغنى الدنيا ويــفخر .

ديوان أبي العتاهية: ص188

20- توبة شاب فاسق
جاء في كتاب شرح الصحيفة السجادية: انه كان في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله شاباً فاسقاً ، لا يصغي لكثرة النصائح من ابيه .. وكان غرور الشباب يمنعه من الانصياع لنصائح ابيه .. ولما تعب الأب من كثرة مشاكسته طرده .. بعد مدة مرض الإبن ، وتناهى الخبر إلى اسماع الأب ، الا انه لم يعره اي اهتمام ، وقال انني اعتبره ابناً عاقاً .
توفي الإبن ولم يشارك الأب حتى في تشييع جنازته .. وتولى آخرون امر تكفينه وتجهيزه وتشييعه .. وفي الليل رأى الأب في عالم المنام ان ابنه يمرح سعيداً في مكان رفيع ، فسأله : هل انت ابني؟.. قال له الإبن :نعم يا أبة .. قال له: كيف بلغت هذه المنزلة مع ما كنت عليه في الدنيا ؟.. قال : كلامك صحيح يا أبتي ، كنت هكذا حتّى آخر ساعة من حياتي ، ولكني لما رأيت نفسي قد شارفت على الموت ، وان اقرب الناس اليًّ وهو أبي ، قد تخلى عني ولم يرحمني ، ندمت على سوء افعالي وتبت إلى الله ، وعند ذاك قلت بقلب كسير : يا ارحم الراحمين !.. لقد عصيتك فاصفح عني وارحمني ، وتوجهت اليه لحظة واحدة من اعماق قلبي وبتوبة خالصة لوجهه الكريم .
لاحظوا كيف ان المرء حتّى وان كان على شفير جهنم ، وتاب ، وادركته رحمة الله ، تكفيه لحظة واحدة يتكل فيها على ربّه ويقول : اياك نستعين ، ليستقيم امره وتغفر له خطاياه .
قال الشاعر :
كيف اغتررت بصرف دهرك ياأخي     كيف اغتررت به وأنت لبيب
ولقد حلبت الدهـــر أشطر ذره       حقباً وأنت مجرب وأريـب
والمــوت يترصد النفوس وكلنا        للموت فيه وللتراب نصـيب
ان كنت لست تنيب ان وثب البلى        بل يا أخي متى أراك تنيب.

ديوان أبي العتاهية: ص40


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page