• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث


1- توبة شاب فاسق

جاء في كتاب ( كيفر كردار أو قانون مجازات ) ان رابعة العدوية قالت : كان هنالك شاب في غاية الجمال ، وقد استدرجه اصدقاء السوء الى مهاوي الفحشاء والرذيلة حتىّ صار في عداد الفسقة والأشقياء ، واصبح همّه مطاردة النساء واغواء الفتيات ، حتّّى بلغ أذاه جميع الناس.
ذهبت لزيارته يوماً فوجدته قد افترش سجادته وانشغل بالصلاة ، وهو في غاية الخشوع والخضوع ، ويكثر من البكاء ، تعجبت من وضعه وقلت في نفسي : ما لهذا الفاسق العاصي وهذه العبادة والخشوع والتقوى ، وكيف صار عتبة بن علام إلى هذا الحال ؟!..
انتظرت حتّى انتهى من صلاته ثم قلت له : هذا انت يا بن علام ؟!.. انت الذي كنت غارقاً في الشهوة والشراب والمعاصي ، كيف اعرضت عن كلّ ذلك وتوجهت إلى الله ، وكيف تبت مما كنت فيه من المعاصي ؟..
قال : انت تعلمين انني كنت في شبابي كثير المعاصي ومولعاً بالنساء ، وكما تعملين ان اكثر من الف امرأة في البصرة كن واقعات في شباك غرامي، وانني كنت مسرفاً في غروري ذاك وطيش الشباب.
وفي أحد الايام وقع بصري عندما خرجت من داري على امراة لا يظهر منها الا عيناها ، إذ كانت مستورة بثيابها.. فوسوس لي الشيطان واغراني بها وصار قلبي وكأن ناراً اضطمرت فيه ؛ فسرت وراءها لأكلمها فاعرضت عني ، وكّلما دنوت منها تجاهلتني .
فاقتربت منها وقلت : ويحك ألا تعرفيني ؟.. انا عتبة الذي تهواني اكثر نساء البصرة ، فما لي اكلّمك فتعرضين ؟..
قالت : ماذا تريد مني ؟.. قلت : ضيّفيني .
قالت : ويحك يا رجل !.. كيف عشقتني وتدّعي محبتي ، وانا ارتدي ثياباً تستر كلّ اعضاء بدني؟ ..
قلت : عشقت منك هاتين العينين الجميلتين .
قالت : صدقت لقد كنت غافلة عنهما حقاً ، إذاً لاتكف عني وتعال أقضي حاجتك .. ثم انّها سارت فتبعتها إلى ان دخلت دارها فدخلت وراءها ، ولكن لم اجد في دارها اثاثاً ولامتاعاً.. قلت : اليس لك في الدار متاع ؟..
قالت : نقلنا متاعنا من هذا الدار.. قلت : إلى اين ؟.. قالت : ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى :
{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوّاً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } ؟.. سورة القصص: 83
لقد نقلنا كلّ ما لدينا إلى الدار الآخرة وهي دار الخلود ، أما هذه الدنيا فزائلة.. فاخش ربك ايها الرجل وتب من عملك هذا ، واياك ان تبيع الجنّة الباقية بالدنيا الفانية ، والحور بالنساء.
قلت: دعكِ من هذا الكلام واقضي حاجتي.
نصحتني المرأة كثيراً ولكن لم تجد عندي اذناً صاغية.. فقالت لي : هل عليٌّ ان اقضي حاجتك إذا لم تدع عنك هذا ؟.. قلت : نعم .. رأيتها دخلت غرفة اخرى وتركتني لحالي ، وشاهدت عجوزاً جالسة في تلك الغرفة.. نادت تلك البنت : ان ائتوني بماء لأتوضّأ ، فجاؤها بالماء وتوضأت ووقفت تصلّي حتّى منتصف الليل .. وبقيت افكر مع نفسي اين انا ؟.. ومن هؤلاء النسوة ؟.. ولماذا اطالت عليُّ هكذا ؟..
إلى ان سمعت صوتها فجأة تنادي: احضروا لي قطناً ووطبقاً.. فأخذت لها العجوز ما ارادت.. بعد دقائق سمعت العجوز صرخت وقالت : انا لله وانا اليه راجعون ، ولاحول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.. وثبت مذعوراً فوجدت ان الفتاة قد قلعت عينيها بالسكّين ووضعتها على قطن في طبق ، ولما جاءتني العجوز بالطبق وجدت العينين لا زالتا تتحركان في الشحمة على القطن.
قالت لي العجوز وهي في غاية الارتياع : هذه ما كنت تعشقها خذها لا بارك الله لك فيها ، لقد حيرّتنا حيرك الله ، ووضعت الطبق أمامي فذعرت وجف فمي ، ولم اعد قادراً على الكلام ، فما هذا الذي فعلته هذه الفتاة ؟..
قالت العجوز وهي باكية : كنا عشرة نساء اعتكفنا في هذه الدار لا نبرحها ، وكانت هذه الفتاة هي التي تشتري لنا ما نحتاج اليه.. الاّ انّك جلبت علينا الحيرة والألم .. أهذا هو مرادك ؟.. خذ هاتين العينين اللتين عشقتهما .
وما ان سمعت كلام العجوز حتّى اغمي علي ُّ ولما استعدت الوعي بقيت تلك الليلة غارقاً في التفكير ، وندمت على ما سلف من اعمالي ، وقلت: الويل لي لقد كنت اعصي الله طوال عمري ولم اندم على شيء من ذلك ، الاّ ان هذه الفتاة ادبتني بعملها هذا.. فذهبت إلى داري ووقعت في فراش المرض اربعين يوماً.. فكان ذلك سبباً لندمي وتوبتي.
قال الشاعر :
أيها المغرور ما هذا الصبا      لو نهيت النفس لانتهت
أنسيت الموت جهلاً والبلا      وسلَت نفسك عنه ولَهَت
نحن في دار بلاءِِ واذىً         وشقاء وعناءٍ وعنــت

ديوان أبي العتاهية: ص73

2- توبة نصوح
كان " نصوح " رجلاً امراداً ، لا ينبت الشعر في وجهه وله كالنساء ثديان .. وكان يعمل حينذاك في احد حمامات النساء ويغسل اجسامهن .. وكان على درجة من المهارة في عمله ، بحيث ان جميع النساء كن يرغبن في ان يتولى نصوح تنظيفهن في الحمام .. وشاع صيته في الافاق حتّى بلغ مسامع بنت الملك في ذلك الزمن ، فمالت نفسها إلى رؤيته ؛ فارسلت اليه واحضر بين يديها ، ولما رأته أعجبها وأبقته عندها تلك الليلة ، وفي الصباح أمرت بإخلاء الحمام ومنعت الناس من دخوله ، ثم اخذت نصوح معها وامرته بتنظيف بدنها .
شاءت الأقدار ان تفقد بنت الملك جوهرة ثمينة ، فغضبت وأمرت اثنين من حاشيتها بتفتيش جميع العاملين هناك للعثور على الجوهرة .
راح الموكّلون يفتشون العاملين الواحد تلو الاخر إلى ان وصل الدور إلى نصوح ، فخاف إذا فتّشوه ان يفتضح حاله ؛ ولهذا ابى ان يخضع للتفتيش ، واخذ يهرب منهم هنا وهناك ويتظاهر بأنَّ الجوهرة عنده ، مما جعل الموكّلين يجدون اكثر في طلبه .
لم يجد نصوح أمامه من طريق للخلاص سوى الدخول في خزان الماء ، ولما رآهم دخلوا الخزان للقبض عليه وانّه شارف على الفضيحة اتّجه إلى ربه من اعماق قلبه وتاب من سيئاته بكل اخلاص ، ومدََّ يد الحاجة إلى ربّه داعياً اياه لانقاذه من هذه الفضيحة.
وما ان تاب نصوح واستغفر ربه على معاصيه ، حتى جاء صوت من خارج الحمام ينادي: كفّوا عن هذه المسكينة فقد وجدت الجوهرة . فكفوا عنه ، وشكر نصوح ربّه ، واستأذن من الاميرة وذهب إلى داره ، وقسم على الفقراء كلّ مال حصل عليه من الحرام .. ولما كان اهالي ذلك البلد يرغبون في عمله ولا يكفون عنه ، لم يكن قادراً على البقاء فيه .. وهو من جانب آخر لم يكن قادراً على البوح بسره لأحد ، فاضطر لمغادرة المدينة والعيش في جبل يبعد عنها عدّة فراسخ ، واستغرق هناك بالعبادة .
وفي احدى الليالي رأى في المنام شخصاً يقول له : يا نصوح !.. كيف تبت وهذا لحم بدنك قد نبت من الحرام ؟!.. يجب ان تذيب هذا اللحم .. وما ان افاق حتى قرر حمل الصخور الثقيلة ليذيب لحم بدنه.. داوم نصوح على عمله ذاك حتى وقع بصره يوماً على نعجة كانت ترعى في ذلك الجبل ، ففكر في امرها من اين جاءت ، ومن عسى ان يكون صاحبها ؟.. واستقر رأيه في اخر المطاف على انها لا بد وان تكون قد هربت من راعيها ، ولا بد من الإحتفاظ بها إلى ان يإتي ويأخذها .. فامسكها واحتفظ بها عنده ، وكان يطعمها من النباتات التي يأكل هو منها .
مضت على هذا الحال عدّة ايام فانطق الله النعجة وقالت : يا نصوح !.. اشكر ربّك الذي خلقني لك ، فصار نصوح من ذلك الوقت يشرب من حليبها . وهو إلى جانب هذا يكثر من عبادة ربّه.. إلى ان صادف وان مرّت من هناك قافلة ضلّت طريقها ، والناس فيها قد شارفوا على الهلاك من شدّة العطش. فرأوا نصوح وطلبوا منه الماء ، فقال لهم :أعطوني اوانيكم لاعطيكم بدل الماء حليباً ، فجاؤوه بالاواني وقدم لهم حليباً فشربوا منها جميعا .. وهكذا انقذ نصوح القافلة من الهلاك ، ودلهم بعدها على الطريق إلى المدينة.
وقبل السير الى المدينة قدّم كلّ واحد من افراد القافلة مبلغا من المال لنصوح ازاء ما قدمه لهم من خدمة .. وبما ان الطريق الذي عليه كان اقرب إلى المدينة ، لذلك جعلوا طريقهم الدائمي من هناك ، ثم علمت سائر القوافل بذلك الطريق فتركت الطريق القديم واخذت تسلك هذا الطريق .. وكان مرور القوافل من هناك سبباً في حصول نصوح على مال وفير ، صار يبني به الابنية ، ويحفر الآبار ، ويصلح الاراضي ويعدّها للزراعة ، وسكن فيها قوم واستطاع ان يبسط بينهم العدالة ، وتولى هو زمام امورهم .. وكان الجميع ينظرون اليه هناك نظرة اجلال واكبار .
اشتهر اسم نصوح تدريجياً وشاع بين الناس حسن تدبيره ، حتى بلغ اسماع الملك وهو والد تلك الاميرة .. فصار الملك يتشوق الى رؤيته فأمر بدعوته إلى البلاط ، ولكن نصوح رفض تلبية دعوة الملك وقال : لا شأن لي بالدنيا واهل الدنيا ، واعتذر عن الذهاب إلى بلاط الملك .. ولما بلغ الملك مقالة نصوح تعجب وقال : ان كان قد اعتذر عن المجيء الينا فما أولانا بالمسير اليه ومشاهدة قلعته الجديدة عن قرب ، وسار مع خاصّته إلى الموضع الذي يعيش فيه نصوح .
وما ان وصلوا إلى هناك حتّى جاء أمر الله بقبض روح الملك .. ولما بلغ نصوح الخبر ، وعلم ان الملك كان قد خرج من مدينته للقائه وتوفي في الطريق ، حضر للمشاركة في تشييعه ودفنه.. وهذا الملك لم يكن له ابن يرث حكمه وهذا ما دفع اركان الدولة الى التفكير في انتخاب نصوح ملكاً ، وهذا ما حصل فعلا ، واصبح نصوح ملكاً بسط العدل في جميع ارجاء بلاده ، وتزوج بنت الملك وهي الاميرة التي سبق الحديث عنها .. وفي ليلة الزفاف دخل عليه رجل وقال : كنت قبل سنوات راعياً وفي احد الأيام فقدت نعجة ، ووجدتها الان عندك .. هيا رد اليَّ مالي .
قال نصوح : كما تحب سآمرهم الآن ان يعطوك نعجة.. فقال الرجل : بما انك حفظت لي النعجة ، فان ما شربته من حليبها حلال لك ، لكن القسم الذي جنيت من ورائه منافع يكون مناصفة بيني وبينك .. امر نصوح باعطائه نصف امواله وممتلكاته ، وامر الكتاب بتقسيم البلد بينهما مناصفة ، فقال له الراعي : يا نصوح !.. بقي شيء لم نقسمه .. فقال نصوح: وما هو ؟!..
قال : هذه الفتاة التي تريد الزواج بها، لأنها جاءتك من نفع نعجتي .. قال نصوح: ان تقسيم الفتاة يعني موتها ، فهب نصفها لي .. فرفض الراعي.. قال له نصوح : اهب لك نصف ملكي ، وهب لي الفتاة .. فرفض الراعي أيضاً .. فقال له نصوح : أهب لك كلّ ملكي ، وانصرف عن هذا الرأي .. فلم يوافق الراعي .. فاضطر نصوح إلى استدعاء السياف ، وامره بتقسيم الفتاة إلى نصفين ، فاستل السياف سيفه واراد ان يضربها على رأسها ، فجزعت وخرّت مغشياً عليها .. عندها امسك الراعي يد السياف وقال لنصوح : اعلم انني لست راع ، ولا تلك نعجة .. بل كلانا ملكين ارسلنا الله لاختبارك .. وبغتة غابا كلاهما عن الانظار .
شكر نصوح ربّه ، واستمر من بعد زواجه يعبد الله ويحكم البلد بالعدل .. وقال البعض : ان الآية الشريفة { وتوبوا الى الله توبة نصوحاً } . سورة التحريم: 8 انما تشير غلى مثل هذا الشخص .
نستنتج من هذه القصة ان من يتوب، يصلح الله امر دنياه وآخرته ، ويستجيب دعاءه ، ويكتب له العزّة والكرامة عند الناس وعند الملائكة ، ويجزيه افضل جزاء الدنيا والآخرة .
قال الشاعر:
تبارك ربي لا يزال ولم يزل         عظيم العطايا رازقاً دائم السبب
لهجت بدار الموت مستحسناً لها     وحسبي له دار المنية من عيب
لعمرك ما عين من الموت في عمىً   وما عقل ذي عقل من البعث في ريب

ديوان أبي العتاهية: ص54

3- التطاول على اعراض الناس
كان من المتعارف في زمن الرسول صلّى الله عليه وآله ، انهم حينما يريدون الخروج إلى الجهاد ، يعقدون بين كلّ رجلين عقد اخوّة ، لكي يهتم احدهما بعد ذهاب الاخر إلى الجهاد بشؤون عائلته وداره.
وفي غزوة تبوك عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله عقد اخوّة بين سعيد بن عبد الرحمن وثعلبة الأنصاري ؛ وسار سعيد إلى الجهاد بصحبة الرسول ، وبقي ثعلبة في المدينة لقضاء حاجات عائلته ؛ فكان يأتي كلّ يوم ويجلب لهم الماء والحطب وما شابه ذلك .
وفي أحد الايام كلمته زوجة سعيد من وراء حجاب عن بعض متطلبات البيت ، فوسوست له نفسه بالنظر اليها ورؤيتها ، فأزاح الحجاب ونظر اليها فرآها جميلة ، وقد علت محياها أمارات الخجل والحياء .. فغلبه هواه وسولت له نفسه بالدنو منها ليضمّها اليه ، ولكنها صرخت به: ويحك يا ثعلبة !.. زوجي يجاهد مع رسول الله ، وانت هنا تتطاول على عرضه؟!..
فنزل هذا الكلام كالصاعقة على راس ثعلبة ، فهرب صوب الصحاري والجبال ، وصار يبكي وينوح ويولول هناك ليلاً ونهاراً ، ويقول: الهي !.. انت معروف بالمغفرة ، وانا موصوف بالذنب .
وبقي على هذا الحال مدة طويلة وهو يستغفر ربّه إلى ان عاد الرسول من الجهاد . ولما وصل سعيد إلى داره سأل أول ما سأل عن ثعلبة ، فقصت عليه زوجته القصة ، وقالت: انّه لازال في البراري يبكي وينوح .
خرج سعيد من داره ليبحث عن ثعلبة ، إلى ان وجده اخيراً جالساً خلف صخرة ويده على رأسه وينادي : واندمتاه !.. واخجلتاه !.. وافضيحتاه يوم القيامة !.. فدنا منه سعيد وقال : انهض يا اخي!.. لنذهب إلى رسول الله ، لعله يجد لك من هذا الموقف مخرجاً.
فقال ثعلبة : ان كان لا بد من الذهاب إلى الرسول فاربط يديًّ ورقبتي وخذني اليه كالعبد الآبق .. فاضطر سعيد إلى ربط يديه ورقبته بالحبل وسار به إلى المدينة. وكانت لثعلبة بنت تدعى حمصانة لما سمعت بقدوم ابيها ركضت اليه ، ولما رأته على هذا الحال ترقرقت الدموع في عينيها وقالت : ما هذا الذي اراك فيه يا ابة ؟!.. قال لها: يا بنيّتي !.. هذا حال المذنبين في الدنيا ، فما بالك بهم في الآخرة .. ومرّوا على باب احد الصحابة فخرج من داره ، ولما علم بالخبر طرد ثعلبة وقال: اذهب فاني اخشى ان أحترق بنار معصيتك .
وكان كّل من يلقاه يطرده خشية ان يٌصاب بعذاب معصيته ، إلى ان جاء إلى امير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : ويحك يا ثعلبة !.. الا تعلم ان رأفة الله بمن جاهد في سبيله اكثر من غيره ؟.. وهذا العمل ليس له الاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
جاء ثعلبة على هذا الحال ووقف على باب دار الرسول صلّى الله عليه وآله وصاح : " المذنب المذنب "، فاذن الرسول بدخوله ، وسأله: ما هذا يا ثعلبة؟.. فقصَّ عليه ثعلبة القصة ، فقال له الرسول : لقد أتيت امراً عظيما ، فاذهب واستغفر ربك وادعوه لنرى بماذا يأمر.
خرج ثعلبة من دار الرسول واتجه الى الصحراء ، فجاءته ابنته وقالت : يا أبتي لقد رق لك قلبي ، وكنت ارغب في المسير معك اينما ذهبت ، ولكن بما ان الرسول قد طردك فاني لا ارغب في اللحاق بك .
هام ثعلبة في الصحراء يبكي ويتمرغ على الرمضاء وينادي : الهي !.. لقد طردني الجميع ، يا مؤنس من لا أنيس له !.. ان لم تأخذ بيدي ، فمن ذا الذي يأخذ بيدي ؟.. وان لم تقبل عذري ، فمن ذا الذي يقبل عذري ؟..
ومرت به أيام وهو على هذا الحال من البكاء والنياح ، وقضى الليالي وهو يتضرع إلى ربه .. وفي ختام المطاف نزل الوحي على رسول الله عند صلاة العصر وقرأ عليه الآية الشريفة :
{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الاّ الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } . سورة آل عمران: 135
وقال الأمين جبرائيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله : ان الله يأمرك ان تستغفر لثعلبة.
ارسل رسول الله علياً عليه السلام، وسلمان رضوان الله عليه للبحث عن ثعلبة .. وفي الطريق لقيا راعياً فسألاه عنه فقال: في الليل يأتي رجل ويبكي تحت هذه الشجرة. فانتظراه إلى الليل ، فجاء ثعلبة وبدأ بالدعاء والإستغفار قائلاَ : إلهي !.. لا ملاذ لي غيرك ، فان طردتني فبمن اعوذ ولمن التجئ ؟..
فبكى امير المؤمنين ودنا منه وقال : ابشر يا ثعلبة ان الله قد غفر لك ، وان رسول الله يدعوك ، وقرأ عليه الآية الشريفة التي نزلت في توبته ، فنهض ثعلبة وسار برفقته إلى رسول الله ، ودخلوا عليه المسجد فوجدوه يصلي وصلّوا خلفه ، وقرأ الرسول في الصلاة بعد سورة الحمد سورة التكاثر.
وما إن قرأ الآية الاولى { الهاكم التكاثر } حتى صرخ ثعلبة ، ولما قرأ الآية الثانية { حتى زرتم المقابر } صرخ مرة اخرى . ولما قرا الآية الثالثة {كلا سوف تعلمون} صرخ وخر على الارض .. وبعد ان فرغوا من الصلاة ، امر الرسول فنضحوا الماء على وجهه ، لكنه لم يفق وظل مطروحاً على الارض كالخشبة اليابسة ، وادركوا ان ثعلبة قد اسلم روحه لله .
تألم الرسول والصحابة لهذه الحادثة وبكوا .. وسمعت حمصانة بنته بالخبر فجاءت إلى المسجد باكية مولولة وقالت : يا رسول الله !.. انك لما طردت ابي أعرضتُ عنه وجعلت لقاءه رهناً برضاك عنه .. واني الآن مسرورة لما غفر من ذنوبه ، وانّه مات وانت عنه راضٍ .
عزّاها الرسول بوفاة والدها وشارك في تكفينه وتشييعه ودفنه .
قال الشاعر:
يا ذا الذي اتّخذ الزمان مطيةً      وخطى الزمان كثيرة العثــرات
ماذا تقول وليس عندك حجة       لو قد أتـــاك مــهدّم اللذات
او ما تقول إذا سئلت فلم تجب     وإذا دعيت وأنت في الغمرات

ديوان أبي العتاهية: ص76
وقال الشاعر :
ما ان دعاني الهوى لفاحشة      الا نهاني الحياء والكرم
ولا إلى محرم مددت يدي       ولا مشت بي لريبة قدم .

سنابل الحكمة ص200

4- عشرون سنة من المعصية
كان في بني اسرائيل شاب عَبد الله عشرين سنة ، ثم عصاه عشرين سنة ، ثم نظر في المرآة فرآى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال :
إلهي !.. اطعتك عشرين سنة ، ثم عصيتك عشرين سنة ، فان رجعت اليك اتقبلني ؟.. فسمع قائلاً يقول :
" أحببتنا فأحببناك ، وتركتنا فتركناك ، وعصيتنا فأمهلناك ، وان رجعت قبلناك ".
ثم انّه تاب وصار في جملة العباد . وهذه الرحمة الالهية تسع جميع العاصين .
قال الشاعر :
الاّ لله انت فتـىً وكهـلا ً        تلوح على مفارقك الذنــوب
هو الموت الذي لابد منـه        فلا يلعب بك الأمل الكذوب
وكيف تريد ان تدعى حكيما       وأنت لكل ما تهوى ركــوب
وتصبح ضاحكاً ظهراً لبطنٍ       وتذكر ما اجترحت فلا تذوب
ديوان أبي العتاهية: ص35

5- توبة رجل من بني اسرائيل

انقطع الغيث عن بني اسرائيل في زمن موسى ( على نبينا وآله وعليه السلام ) ، فجاءوا إلى موسى يتشاكون الفاقة والحاجة، وقالوا له: ادعُ لنا ربّك لينقذنا من هذه التهلكة .. فخرج موسى فيهم الى الصحراء وصلى بهم صلاة الإستسقاء ، ودعوا ربّهم لينزل عليهم المطر .. الاّ ان المطر لم ينزل مع كثرتهم اذ كان عددهم سبعين الفاً ، ومع الحاحهم بالدعاء .
فرفع موسى رأسه إلى السماء وقال : اللهم !.. اني ادعوك ومعي سبعون الفاً فلا تستجيب لنا، فهل نقصت منزلتي عندك ؟!.. فاوحى الله تعالى اليه : ان بينكم رجلاً عصى الله اربعين سنة، فقل له ان يخرج من بينكم حتّى انزل عليكم المطر .
فقال موسى : يا ربي !.. ان صوتي ضعيف فكيف اسمعه سبعين الف رجل؟ ..
فأوحى الله اليه انك إن قلت نحن نوصل صوتك اليهم .. فصاح موسى بصوت جهوري: من عصا الله اربعين سنة فليقم وليخرج من بيننا؛ لأن الله قطع عنا الغيث بسببه.
نهض ذلك العاصي وتلفت يميناً وشمالاَ فلم يجد احد قد خرج ، فادرك انّه هو المقصود .. فقال في نفسه : ماذا اصنع ؛ إذا قمت ورآني الناس عرفوني وفضحت بينهم ، وإذا انا بقيت لا ينزل عليهم الغيث .. فجلس مكانه وندم من اعماق قلبه على قبائحه ومعاصيه، وتاب إلى ربّه .
ظهرت الغيوم على الفور وتراكمت ونزل عليهم الغيث ، وسقوا بأجمعهم .. فقال موسى: يا رب !.. لم يخرج من بيننا احد ، فكيف سقيتنا؟.. فنودي :
" سقيتكم بالذي منعتكم به " .. فقال موسى : يا رب !.. هل تريني هذا العاصي ؟.. فقال له ربّه : لم أفضحه عندما كان عاصياً ، هل افضحه الآن بعد ما تاب ؟.. يا موسى اني عدو النمامين ، أفهل أنم ، وانا ستار العيوب ، فهل اهتك ستر عبادي ؟..
قال الشاعر:
ان تجد لي بالعفو لم أخش ذنباً        أو تهب لي زاداً أمنت العناء
او تبيض بالعفو وجــهي فانني     لست أخشى صحيفة سـوداء

رباعيات الخيام: ص7

6- عهد مع الله
عاهد شاب ربّه ان لايتعلق قلبه بشئ من حطام الدنيا ، وان لاينظر إلى زخرفها لأنها تنسيه ذكر الله .. وفي احد الأيام مر في السوق على دكان لبيع المجوهرات ، فرأى فيه حزاماً مرصعاً بابهى الدرر واغلى الأحجار الكريمة ، فنسي عهده مع ربّه ، وظل يتأمله مليّاً وقلبه لايمل النظر اليه.. وما ان جاوز هذا الشاب دكان الجواهري حتى افتقد الجواهري الحزام ، فخرج من دكانه على الفور وتعلق بالفتى وقال : يا سارق انت سرقت الحزام ، واني غير تاركك الاّ ان تعيده اليًّ .. واقتاده إلى الحاكم ، قائلاً: ايها الحاكم !.. هذا الفتى سارق؛ سرق مني حزاماً مرصعاً بالجواهر.
تأمل الحاكم الشاب ملياً وقال : لا يبدو لي انّه سارق ، فسيماه غير دالة على انه من اصحاب هذه الفعال .. الاّ ان صاحب الحزام اصر على قوله وشرح له القصة .. فأمر الحاكم بتفتيشه ، ووجدوا الحزام تحت ثيابه .. تعجب الحكم، وقال غاضباً: يا فتى!.. أما تستحي تلبس لباس الأخيار وتعمل عمل الفجار؟.. ذعر الفتى وقال: اصبر علي يا مولاي حتّى اقص عليك حقيقة امري.. ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : يا إلهي !.. لا اعود لمثلها، لقد نسيت ذكرك ووقعت في المعصية ، واني في غاية الندم فاقبل توبتي ولا تفضحني .
ظن القاضي ان الفتى انما اعترف بالسرقة ، فغضب وامر به ليجرده من ثيابه ويضربونه بالسوط .. وفجأة سمعوا صوتاً ولم يروا قائله: ( دعوه لاتضربوه انما اردنا تأديبه) .. تغير القاضي وندم على فعله ، واعتذر من الفتى ، وطلب منه ان يقص عليه امره.. فاخبره الفتى بعهده مع ربّه ، وكيف انّه نقض العهد، فوقع على أثر ذلك في تلك الورطة.
ولما سمع صاحب الحزام بالقصّة ، ندم على فعله أيضاً ، واقسم عليه ان يأخذ الحزام ويقيله خطأه .. فقال له الفتى : هذا لا يكون ابداً ، فاني قد اوقعت نفسي في هذه الورطة ونلت جزائي عليها .
قال الشاعر :
لا تنظرون إلىالفتى وفنونه           وأنظر لحفظ عهوده ووفائه
فاذا رأيت المــرء قــام بعهده     فِأحبسه فاق الكلّ في عليائه
رباعيات الخيام: ص12

7- بهلول النبّاش
دخل معاذ بن جبل على الرسول صلّى الله عليه وآله باكياً ، فسلّم فرد عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟!.. فقال : يا رسول الله، ان بالباب شاباً طري الجسد، نقي اللون ، حسن الصورة ، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.. فقال النبي صلّى الله عليه وآله: ادخل عليًّ الشاب يا معاذ ؟!.. فادخله عليه فسلم فرد عليه السلام ، ثم قال : ما يبكيك يا شاب ؟.. قال : وكيف لا ابكي ، وقد ركبت ذنوباً ان اخذني الله عز وجل ببعضها ادخلني نار جهنم ؟.. ولا أراني الاّ سيأخذني بها ولا يغفر لي ابداً.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هل اشركت بالله شيئاً ؟..
قال : أعوذ بالله ان اشرك بربّي شيئاً.
قال : اقتلت النفس التي حرم الله ؟.. قال : لا.
فقال النبي (ص) : يغفر الله ذنوبك ، وان كانت مثل الجبال الرواسي .
فقال الشاب : فانها أعظم من الجبال الرواسي .
فقال النبي صلّى الله وعليه آله : يغفر الله لك ذنوبك ، وان كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها واشجارها وما فيها من الخلق.
قال : فانها اعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها واشجارها وما فيها من الخلق.
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : يغفر الله ذنوبك ، وان كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي .
قال : فانّها اعظم من ذلك .
قال : فنظر اليه النبي صلّى الله عليه وآله كهيئة الغضبان ثم قال : ويحك يا شاب !.. ذنوبك اعظم أم ربك ؟..
فخر الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان ربي !.. ما شيء اعظم من ربّي، ربي اعظم يا نبي الله من كلّ عظيم.
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : فهل يغفر الذنب العظيم الاّ الرب العظيم ؟ ..
قال الشاب : لا والله يا رسول الله .
ثم سكت الشاب .. فقال له النبي : ويحك يا شاب!.. الاّ تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟..
قال : بلى اخبرك؛ اني كنت أنبش القبور سبع سنين ، اخرج الأموات ، انزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنه اهلها ، وجنًّ عليهم الليل ، أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من اكفانها ، وتركتها متجردة على شفير قبرها ، ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشيطان فأقبل يُزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها؟.. فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت اليها ، ولم املك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها.. فاذا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ويلك من ديان يوم الدين !.. يوم يقفني واياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي وسلبتني اكفاني ، وتركتني اقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك من النار !.. فما أظن اني اشم ريح الجنّة ابداً فما ترى يا رسول الله ؟.. فقال النبي صلّى الله عليه وآله : تنح عني يا فاسق ، اني اخاف ان احترق بنارك ، فما اقربك من النار ! ..
ثم لم يزل عليه السلام يشير اليه ويقول حتّى امعن من بين يديه.. فذهب فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحاً ، وغلًّ يديه جميعاً إلى عنقه، ونادى :
يا رب !.. هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول .
يا رب !.. أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم يا سيدي !..
يا رب !.. اصبحت من النادمين .
ولم يزل على هذا الحال يدعو ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم ان كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي ، فأوح إلى نبيّك ، وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي ، وازددت عقوبتي ، فعجّل بنار تحرقني عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة .. فانزل الله تبارك وتعالى على نبيّه : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الاّ الله .... } . سورة آل عمران: 135
خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لاصحابه : من يدلني على ذلك الشاب ؟.. فقال معاذ : بلغنا يا رسول الله انّه في موضع كذا وكذا .. فمضى رسول الله باصحابه حتى انتهوا اليه ، فاذا به يبكي وقد اسود وجهه وتساقطت اشفار عينيه .. فدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فاطلق يديه من عنقه ، وقال : يا بهلول!..  ابشر فانك عتيق الله من النار ، ثم قال لأصحابه : هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول .
ينسب الى الامام علي عليه السلام انه قال :
قريح القلب من وجع الذنوب           نحيل الجسم يشهق بالنحيب
أحز بجسمه سهر الليالي              فصار الجسم منه كالقضيب
وغير لونه خوف شديد                لما يلقاه من طول الكروب
ينادي بالتضرع يا الهي               اقلني عثرتي واستر عيوبي

ديوان الإمام علي (ع): ص29

8- توبة الحداد
نقل الحسن البصري انّه قال : مررت في سوق الحدادين ببغداد ، فوقع بصري على حداد يمد يده في الكورة ، ويمسك الحديد الأحمر الذائب بدون ان يشعر بحرارته ، ويضعه على السندان ويطرقه بالمطرقة ، ويخرجه بأي شكل يشاء .. وعند مشاهدتي لهذا الأمر العجيب ، وجدت في نفسي رغبة لسؤاله ، فتقدمت اليه وسلمت عليه فرد عليًّ السلام ، فسألته : ايها السيّد !.. الاّ تؤذيك نار الكورة ، حر الحديد المذاب ؟ .. قال : لا . قلت : وكيف ؟..
قال : مرت علينا هنا ايام من القحط والجوع .. أما انا فكنت قد خزنت كلّ شيء .. وجائتني ذات يوم امراة وجيهة الطلعة حسنة الصورة وقالت : يا رجل!.. ان لي ايتاماً صغاراًَ يتضورون جوعاً ، وهم بحاجة إلى قليل من الطعام ، واطلب منك ان تهبني شيئاً من الحنطة في سبيل الله ، ولانقاذ حياة هؤلاء الصبية .. وبما انني فتنت بجمالها من خلال نظرة واحدة ، قلت لها : إذا كنت تريدين الحنطة فيجب ان اقضي منك حاجتي .. غضبت المرأة لهذا الكلام واعرضت عني وذهبت .
وفي اليوم التالي عادت اليًّ باكية وكررت ما طلبته في اليوم الاول ، فأعدت عليها ما كنت قد طلبته منها .. فعادت ادراجها صفر اليدين .. وجاءتني في اليوم الثالث وهي غاية الأسى وقالت : ان أطفالي على وشك الموت ، فارجوا ان تنقذهم من الجوع والموت .. فكررت عليها طلبي . ويبدو ان الجوع انهكها فلم تعد لها قدرة على المقاومة .
وعلى كلّ فانّها حين اقتربت مني كانت تقول : ارحمني ايها الرجل انا واطفالي !.. فنحن جياع وبحاجة إلى قليل من الطعام . فقلت لها : أيتها المرأة لا تضيّعي وقتي سدىً ، تعالي اقضي منك حاجتي واعطيك الحنطة .
وعندها اكثرت من البكاء وقالت : انني لم ارتكب قط هذا العمل الحرام، ولكني مضطرة الآن لتلبية طلبك لانني وأطفالي ما ذقنا الطعام منذ ثلاثة ايام ، ولكن لي عليك شرط . فقلت : ماهو شرطك ؟.. قالت : ان تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه احد .
يقول الحداد : فوافقت على طلبها واخليت لها الدار .. وما ان دنوت لاقضي حاجتي منها رأيتها تضطرب ، وقالت : لم كذبت عليًّ ولم تفي لي بالشرط؟.. قلت : واي شرط هذا ؟.. قالت : ألم تعاهدني على أن تأخذني إلى مكان لا يرانا فيه أحد ؟.. قلت : نعم ، أليس هذا المكان خالٍ ؟.. قالت : وكيف هو خالٍ وفيه خمسة يشهدوننا وهم : الله الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، والملكان الموكّلان بك ، والملكان الموكّلان بي ، هؤلاء كلّهم حاضرون ويشاهدون عملنا ، ومع هذا أراك واهم ان لا يرانا هنا . خف ربّك يا رجل ، واصرف شهوتك عنّي ، يصرف عنك حرّ النّار .
تنّبهت من كلامها هذا ، وفكرت مع نفسي وقلت : ان هذه المراة مع ما بها من جوع وضيق تخاف ربّها إلى هذه الدرجة ، وانا لا اخشى مع كلّ هذه النعم التي منًّ بها عليًّ ؟ ..
تبت إلى ربي من ساعتي تلك ، وتركت المرأة واعطيتها ما ارادت واذنت لها بالانصراف .. ولما رأت هذا الموقف منّي رفعت طرفها إلى السماء وقالت : اللهم !.. كما صرف هذا الرجل شهوته عني ، اصرف عنه حر النار في الدنيا والآخرة .. ومنذ تلك اللحظة التي دعت لي المرأة فيها بهذا الدعاء صرت لا اشعر بحر النار .
قال الشاعر :
يا ايّها المرء المضــيع دينـــه           احراز دينك خير شيء تصنع
والله ارحم بالفتى من نفســــه            فاعمل فما كلفت ما لم تستطع
والحق أفضل ما قصدت سبيله                والله أكـرم مـن تــزور
فامد لنفسك صالحاً تجزى به                 وانظر لنفسك أي أمر تتبع
ديوان أبي العتاهية: ص253


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page