• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني


12- ذم تأخير التوبة
أمر الباري تعالى عباده بالتوبة في كل لحظة ، وفرض عليهم التعجيل بها ، اي ان تأخيرها تأخيرعن اداء الأمر الإلهي .. والذي يؤخر التوبة يعد في كل لحظة عاصياً لأمر الله ، وتاركاً لطاعته .
قال الإمام الجواد عليه السلام: « تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حسرة ». بحار الأنوار: ج6 ص30
و قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تكن ممن يرجو الاَخرة بغير عمل ، ويرجئ التوبة بطول الامل ». بحار الأنوار: ج6 ص37
وقال أيضاً: « لا دين لمسوف بتوبته ». نهج البلاغة: الحكمة 150
وقال الإمام الباقر عليه السلام: « اياك والتسويف !.. فانه بحر يغرق فيه الهلكى ». بحار الأنوار: ج78 ص164
و اعلم ان التوبة عند رؤية اَيات العذاب ، وعند دنو الأجل غير مقبولة ، وهي كتوبة فرعون عند غرقه اذ لم يقبل توبته ، كما جاء في الاَية الشريفة :
﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتّى إذا حضر احدهم الموت قال تبت الاَن ﴾. سورة النساء: 18
كما و يستفاد أيضاً من قوله تعالى: ﴿ قل أرايتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون * أثُمّ إذا ما وقع اَمنتم به ءاَلان و قد كنتم به تستعجلون ﴾. سورة يونس: 50-51
ان ابواب التوبة تغلق عند نزول العذاب ، ومثل هذه التوبة توبة اضطراية ولا تقبل.. قال محمد الهمداني : سألت الإمام الرضا عليه السلام : لأي علة اغرق الله فرعون ، وقد اَمن به واقر بتوحيده ؟.. قال: « لأنّه اَمن عند رؤية البأس ، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ». بحار الأنوار: ج6 ص23
اذن يجب على المرء ان يبادر للتوبة عمّا سلف من ذنوبه قبل ان يرى اَيات العذاب ، وقبل ان ينزل به الموت.
قال الشاعر:
ســبحان ربك مـا أراك تـتوب     و الرأس مـنك بشـيبه مـخضوب
سـبحان ربّك ذي الجلال أما ترى     نـوب الزمـان عـليك تـــنوب
سبحان ربّك كيف يغلبك الهــوى     ســبحانه ان الهــوى لغــلوب
ســبحان ربّك مـا تزال ومـنك    عن اصلاح نفسك فترة ونكـــوب
سـبحان ربّك كـيف يلـتذ امرؤ      بالعيش وهــو فـي نفسه مطلـوب

ديوان أبي العتاهية: ص44

13- وجوب الإسراع بالتوبة
ان التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها واجب فوري باجماع كلّ العلماء ، وبحكم العقل .. فقد ذكر المحقق الطبرسي في تجريد الكلام ، والعلامة الحلي في شرحه ان التوبة الفورية فيها دفع الضرر ، ودفع الضرر واجب عقلاً.. فالتوبة فالتوبة اذن واجبة بحكم العقل.. قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿ ... وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾ . سورة النور: 31.. وقال أيضاً:
﴿ يا أيها الذين اَمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربّكم ان يكفّر عنكم سيئاتكم ﴾. سورة التحريم: 8
ذكر المرحوم الشيخ البهائي رضوان الله عليه في شرح الأربعين:
لا شك في وجوب الإسراع في التوبة.. فالمعاصي كالسموم للابدان ، وكما ان من يتناول السم عليه الاسراع إلى المعالجة لكي لا يموت ، فكذا الخائف من موت الأبد يجب عليه التعجيل في ترك الذنب والمبادرة إلى التوبة.
و المذنب المتهاون في التوبة ويرجئها إلى وقت اَخر ، يجعل نفسه بين خطرين إذا نجا من احدهما وقع في الاَخر:
اولهما : حلول الأجل بغتة ، بحيث لا تتسنى له اليقظة من سبات الغفلة ، إلا ان يرى اجله قد حان ، كما جاء في القراَن الكريم:
﴿ أفأمن اهل القرى ان يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون ﴾. سورة الأعراف: 97
وقال تعالى أيضاًفي كتابه الكريم :
﴿ وانفقوا مما رزقناكم من قبل أن ياتي احدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق واكن الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء اجلها و الله خبير بما تعملون ﴾. سورة المنافقون: 10-11
قيل في تفسير هذه الاَية ان المحتضر يقول لملك الموت : امهلني يوماً لأتوب من ذنوبي ، واعد نفسي للاَخرة ، فيقول له : قضي اجلك ، أي أن باب التوبة يغلق بوجهه ، وتخرج روحه من بدنه ، فتأخذه الحسرة والندم على ما فرط فيه من عمره ، وحتّى ان اصل الإيمان قد يتعرض في مثل هذه المواقف للخطر.
وثانيهما : انّه إذا لم يطهر قلبه من الذنوب - عن طريق التوبة - فان الاَثام تتراكم على قلبه حتى لا يعود من الممكن تطهيره ، لأن كل معصية يقترفها الإنسان تجعل حجاباً من الظلمة على قلبه ، كالنفس على المراَة يعتم على صفوها.
وإذا تراكمت الذنوب على القلب زادته كدورة ، وتتصلب الكدورة تدريجياً حتى تصبح طبقة صلبة ، وتغدو في عداد طباع الإنسان ، بحيث يطبع عليه ولا تعد له قدرة على استيعاب الحق أو القبول به.. اي انّه يفقد على اثر تراكم الذنوب صفاءه ونقاءه.
اجل ، مثل هذا القلب يسمى في الروايات بالقلب المنكوس أو القلب الأسود .. قال الإمام الباقر عليه السلام:
« ما من شيء افسد للقلب من خطيئته ، ان القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب فتصير اعلاه اسفله ». أصول الكافي: ج2 ص268 ح1 ، بحار الأنوار: ج73 ض312 ح1
و قال في حديث اَخر: « لم يرجع صاحبه إلى خيرابداً ». أصول الكافي: ج2 ص273 ح20
و هذا يدل على ان صاحب مثل هذا القلب لا يكف عن ذنوبه ولا يتوب منها، وإذا قال بلسانه : تبت ، فهو مجرد كلام يجري على لسانه ، ولا يترتب عليه أي اثر ، وهو كمن يدّعي انّه غسل ثيابه ؛ فمثل هذا الادعاء لا يؤدي الى طهارة ثيابه ابداً. وقد يكون شخصاً كهذا على درجة من اللامبالاة في دينه حتّى ان اساس ايمانه يكون عرضة للخطر ، و تنتهي عاقبته إلى الشر.

قال الشاعر:
مضى أمسك الباقي شهــيداً معدلا     وأصبحت في يومﹴ عليك شهيد
فـان كنت بالأمس اقـترفت اساءةً      فـثن بـاحسان و أنت حـميد
و لا تُرج فعل الخير يوماً إلى غدﹴ      لعـل ّغـداً يأتـي و أنت فقيد

ديوان الإمام علي (ع): ص47
وقال الشاعر:
يــا ناظراً يرنو بعـيني راقــد    ومشـاهداً للامر غـير مشاهد
مـنتك نـفسك ضـلة فــأجبتها    طرق السـفاهة فعل غير الراشد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي    فوز الجنان ونيل أجر العــابد
ونســيت أنّ  الله أـرج اَدمـاً     مـنها إلى الدنـيا بـذنب واحـد

سنابل الحكمة: ص279

14- التوبة النصوح في القراَن
قال رسول الله صلّى الله عليه و اَله في معنى النصوح : « ان يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع » . مجمع البيان: ج10 ص318
قال الإمام الصادق عليه السلام في بيان معنى التوبة النصوح : « هو الذنب الذي لا يعود ابدا ً». أصول الكافي: ج2 ص232
و قال الامام الهادي عليه السلام في معنى النصوح : « يكون الباطن كالظاهر وافضل من ذلك » . بحار الأنوار: ج6 ص23
نقل المرحوم المجلسي عن شرح الكافي عدّة اوجه عن المفسرين في معنى التوبة النصوح قال فيه:
١- ان النصوح ما كانت خالصة لوجه الله سبحانه ، بأن يندم على الذنوب لقبحها ، وكونها خلاف رضى الله عنه تعالى ، لا لخوف النار مثلاً ، أو طمعاً في الجنّة .
٢- المراد من التوبة النصوح هي التي تنصح الناس ، اي تدعوهم إلى الإتيان بمثلها لظهور اَثارها الجميلة في صاحبها ، أو تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود ابداً.
٣- ومنها ان النصوح من النصاحة ، بمعنى الخياطة ، لأنّها تنصح من الدين ما مزّقته الذنوب ، أو يجمع بين التائب وبين اوليائه واحبائه ، كما تجمع الخياطة بين قطع الثوب.
٤- ومنها ان النصوح وصف للتائب ، واسناده إلى التوبة بان تأتوا بها اكمل ما ينبغي ان تكون عليه ، حتى تكون قالعة لاَثار الذنوب من القلوب بالكلّية ، ويروّض نفسه بالتوبة اي يذيب بالرياضة ما نبت على بدنه من اللحم الحرام ، و يزيل عن قلبه كدورات المعاصي.
أجاد الشاعر في قوله:
أصــبحت يـا دار الأذى          أصــفاك مـمتليء قذى
ايــن الذيـن عــهدتهم           قـطعوا الحـياة تلــذذا
سـنصير أيـضاً مــثلهم          عـما قــليل هكـــذا
يـا هؤلاء تفكروا للـموت          يـغذو مــن غـــذا

ديوان أبي العتاهية: ض162

15- تكفير الذنوب
من الأركان الأساسية للتوبة التكفير عن الذنب ؛ فهو يؤدي إلى غسل اَثاره ، ويفك الإنسان من أغلاله ، وهو ما يسمى في الشريعة بالتكفير أو الكفارات بمعنى التغطية والتطهير .. والتكفير يقابل في معناه الإحباط .
الإحباط يعني ان يرتكب الانسان ذنبا كبيراً يوجب بطلان سائر اعماله.. أما التكفير فمعناه ان يزيل اَثار ذنوبه السابقة ، فيكون هذا سبباً لازالة جميع الذنوب السابقة عن صفحات قلبه.. وبعبارة اخرى ان للتوبة مرحلتان :
١- ترك الذنوب و الاقلاع عنها ( التخلية ).
٢- الإكثار من الاعمال الصالحة وفعل الخيرات( التحلية ).
أي كالمصاب بالحمى ، وعلاجه يستدعي خطوتين :
الاولى : اخد الدواء المضاد للحمى.
والثانية : تناول الادوية المقوية.
ليتغلب على الاضرار الناتجة عن المرض قبيل الضعف وقلة المناعة وما شابه ذلك .
ومرتكب الذنوب والمعاصي يتطلب علاجه مرحلتين أيضاً، هما :
١- تناول الدواء المفيد في ترك الذنوب والإقلاع عن المعاصي ؛ فيطهر نفسه من جميع الرذائل (التخلية).
٢- يجب ان يتناول الأدوية المقوية والمنشطة ، وان يسارع إلى فعل الخيرات والعمل الصالح ، حتى يبلغ مرحلة تتحول فيها سيئاته السابقة إلى حسنات.
اي لا يغسل الذنوب عن صفحة القلب فقط ، بل ويستبدلها بالمعطيات الحسنة لاعماله الصالحة.. على سبيل المثال ان كان هناك من يؤذي ابويه ثم تاب ، لا يكفي مجرد قطع الأذى عنهما ، بل لا بد له وان يعوض عن ايام الاذى بالاحسان والمحبة..
قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿ ويدرؤن بالحسنة السيئة ﴾ . سورة الرعد: 22
وقال أيضاً : ﴿ يبدل الله سيئاتهم حسنات ﴾ . سورة الفرقان: 70
وقال ايضاً : ﴿ ان الحسنات يذهبن السيئات ﴾.  سورة هود: 114
وقال ايضاً : ﴿ ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ﴾. سورة النساء:31
و جاء في موضع اخر من القرآن الكريم : ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرنّ عنهم سيئاتهم ﴾. سورة العنكبوت: 7
والمراد من غفران الذنوب محوها حتّى لا يبقى شيء منها.
قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿ ... فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا و قتلوا لاكفرن عن سيئاتهم ﴾. سورة آل عمران: 195
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « اتق الله حيثما كنت ، وخالق الناس بخلق حسن ، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوها ».  بحار الأنوار: ج72 ص62
وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: « من عمل سيئة في السر فليعمل حسنة في السر ، ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة في العلانية ».  وسائل الشيعة: ج11 ص383
وقال الامام الباقر عليه السلام : « التائب إذا لم يستبن أثر التوبة فليس بتائب ؛ يرضي الخصماء ، ويعيد الصلوات ، ويتواضع بين الخلق ، ويتقي نفسه عن الشهوات ». بحار الأنوار: ج6 ص35
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: « ثمرة التوبة استدراك فوارط الهفوات ».  مستدرك الوسائل: ج2 ص348
وقال الإمام الباقر عليه السلام : « ما أحسن الحسنات بعد السيئات ». وسائل الشيعة: ج11 ص384
سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه و آله : ما كفارة الغيبة ؟.. قال : «  تستغفر لمن اغتبته ». وسائل الشيعة: ج15 ص583
وقال الامام علي عليه السلام : « من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملوف والتنفيس عن المكروب ». شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص135
وقال الامام الباقر عليه السلام : « اربع من كن فيه كمل اسلامه ومحصت ذنوبه : من صدق لسانه مع الناس، واستحيا من كل قبيح ، وحسن خلقه ، وشكر الله ». خصال الصدوق: ص222
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صلاة ولا صدقة ، قيل : يا رسول الله !.. فما يكفرها ؟.. قال : الهموم في طلب المعيشة ». بحار الأنوار: ج73 ص157
جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله !.. كثرت ذنوبي وضعف عملي .. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : « اكثر السجود !.. فانه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر » .  بحار الأنوار: ج85 ص162
قال الشاعر :
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه      كأن به عن كلّ فاحشة وقرا
سليم دواعي النفس لا باسطاً يداً      ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
إذا ما بدت من صاحب لك زلةُ       فكن أنت مرتاداً لزلتـه عذرا
ديوان أبي العتاهية

16- شروط صحة التوبة
من شروط صحة وكمال التوبة ، هي ان يتوب المذنب ويتدارك ما فاته من الذنب مع العزم على عدم العودة إلى ما فرط به ، وان يجتهد في الطاعة .. وشروط قبول التوبة ستة اشياء ، قال أمير المؤمنين عليه السلام - لرجل سمعه يقول : استغفر الله - : ثكلتك امّك ، اتدري ما الاستغفار ؟.. ان الإستغفار درجة العليين ، وهو اسم واقع على ستة معان :
١- الندم على ما مضى .
٢- العزم على ترك العودة اليه ابداً.
٣- تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم ، حتّى تلقى الله ليس عليك تبعة.
٤- تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقّها.
٥- ان تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان ، حتّى يلصق الجلد بالعظم ، و ينشأ بينهما لحم جديد.
٦- ان تذيق الجسم ألم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية .. فعند ذاك تقول : استغفر الله. بحار الأنوار: ج6 ص37

نعم ، من مستلزمات صحة وكمال التوبة الحسرة والندم على الذنب ، والعزم على ترك العودة اليه في المستقبل ، فاذا لم يصمم المرء على الترك فهذا يدل على عدم رغبته الحقيقية في ترك الذنب .
ومن ضرورات الحسرة والندم على الذنب هي اداء ما فرط فيه .. فاذا كان الحق لله كترك الصوم والصلاة والخمس والزكاة والحج، وجب قضاؤه.. وإذا كان الحق للناس ، وجب عليه اعادة الحق إلى صاحبه ، وإن كان صاحب الحق قد توفي يعيده إلى ورثته ، و إذا لم يعرف ورثته يتصدق به نيابة عنه.. وإذا كان الحق حقاً عرضياً ؛ اي انّه آذى احداً باخلاقه وجوارحه ، يطلب العفو والصفح ، ويسترضي من آذاه .. وإذا كان الحق يوجب حداً كالقذف ، وجب عليه الإذعان لصاحب الحق ليقيم الحد أو يعفو عنه.

قال أمير المؤمنين : « التوبة ندم بالقلب ، واستغفار باللسان ، وترك الجوارح ، واضمار ان لا يعود ». ميزان الحكمة: 1/549 عن غرر الحكم، وبحار الأنوار: ج78 ص48 ح66

قال الإمام السجاد عليه السلام : « انما التوبة العمل والرجوع عن الأمر ، وليس التوبة بالكلام ». كشف الغمة: ج2 ص313

قال العظيم في كتابه الكريم : ﴿ إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ﴾. سورة النور: 5
و يستفاد من جملة  ﴿ اصلحوا ﴾ ان من شروط التوبة تدارك ما سلف من الذنب.. ويكون التدارك عادة بالاعمال الصالحة بشتى صورها ، كالمساعدة المالية، والجهاد في سبيل الله ، والصوم ، و قيام الليل و ...الخ .. ولكن من الأفضل تدارك كلّ ذنب بما ينافيه ، فتدارك ذنب السفور مثلاً يكون بالعفة ، والمحافظة التّامة على الحجاب .. و ذنب الغيبة يتداركها المذنب بصيانة اللسان وضبطه.. والظلم والجور يتداركهما المرء بالاحسان إلى المظلومين ، والأخذ بيد من يحتاج إلى العون .. ومعصية نظرة السوء ان يعف المرء بصره ، ويغضّه عمّا لا يجوز له النظر اليه ، ويمكن تداركه أيضاً بما يوجب له الثواب كالنظر إلى القرآن وإلى وجه العالم وإلى الأب والأم.

قال الامام السجاد عليه السلام : « كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان ». وسائل الشيعة: ج15 ص584
قال الشاعر:
اصـبر لكـلّ مـصيبة وأتجلد       واعـلم بأن المرء غير مـخلّد
أمـا تـرى أن المصائب جـمة      وتـرى المـنية للعباد بـمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة       هـذا سـبيل لسـت فـيه بـمفرد
ديوان أبي العتاهية: ص129

17- اكمال التوبة
يجدر بالمرء بعد التوبة الإتيان بعدد من الاعمال هي :
الأول : صيام ثلاثة أيام ، امتثالاً لقول الصادق عليه السلام : « التوبة النصوح صوم يوم الاربعاء والخميس والجمعة ». وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، الباب 88
الثاني : غسل التوبة .. إذ قال الرضا عليه السلام لمن أراد التوبة عن سماع الموسيقى و الغناء : «  قم فاغتسل ». مستدرك الوسائل: ج2 ص512 ح2
وقال رسول الله صلى الله عليه واله : « انّه ليس من عبد عمل ذنبا كائنا ما كان ، وبالغاً ما بلغ ، ثم تاب الاّ تاب الله تعالى عليه ». ثم انّه قال لمن جاءه تائباً : « فقم الساعة واغتسل !.. وخرّ لله ساجداً !.. ». مستدرك الوسائل: ج2 ص514 ح3
الثالث : الصلاة ركعتين أو اربع ركعات ، كما قال الصادق عليه السلام : « ما من عبد اذنب ذنباً ، فقام فتطهر وصلّى ركعتين واستغفر الله ، إلا غفر له وكان حقاً على الله ان يقبله ، لانه سبحانه قال : ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراًرحيماً ».
و جاء في كتاب الإقبال ، في باب أعمال شهر ذي القعدة ، ان رسول الله صلى الله عليه واله قال لاصحابه في يوم الاحد من شهر ذي القعدة :
« يا أيها الناس !.. من منكم يريد التوبة ؟.. قلنا : كلنا نريد التوبة يا رسول الله ، فقال عليه السلام : اغتسلوا !.. وتوضأوا !.. وصلوا اربع ركعات ، واقرأوا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل هو الله أحد ثلاث مرات ، والمعوذتين مرة .. ثم استغفروا سبعين مرة ، ثم اختموا بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قولوا :
« يا عزيز !.. يا غفار !.. اغفر لي ذنوبي ، وذنوب جميع المؤمنين والمؤمنات ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .. ثم قال عليه السلام : ما من عبد من أمتي فعل هذا إلا نودي من السماء :
يا عبد الله !.. استأنف عملك فانك مقبول التوبة ، مغفور الذنب .. وينادي ملك من تحت العرش :
أيها العبد !.. بورك عليك وعلى أهلك وذريتك .. وينادي مناد آخر :
ايها العبد !.. ترضى خصماؤك يوم القيامة .. وينادي ملك آخر :
ايها العبد !.. تموت على الإيمان ولا اسلب منك الدين ، ويفسح في قبرك ، وينور فيه .. وينادي مناد آخر:
ايّها العبد !.. يرضى ابواك وان كانا ساخطين ، وغفر لابويك ذلك ولذريتك ، وانت في سعة من الرزق في الدنيا والاخرة .. وينادي جبرئيل عليه السلام : انا الذي آتيك مع ملك الموت عليه السلام ، وآمره ان يرفق بك ولا يخدشك أثر الموت، انما تخرج الروح من جسدك سلاً .. قلنا :
يا رسول الله !.. لو أن عبداً يقول في غير الشهر ، فقال عليه السلام : مثل ما وصفت ، وانما علمني جبرائيل عليه السلام هذه الكلمات ايام اُسري بي ». إقبال الأعمال: 614، طبعة مؤسسة الأعلمي
الرابع : الإستغفار وقيام الليل ، اي ان يكثر المذنب من الإستغفار وقراءة ادعية التوبة الواردة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، وخاصة ادعية الصحيفة السجادية ، وعلى الأخص منها الدعاء الحادي والثلاثين وهو بشأن التوبة .. وكذلك المناجاة الخمسة عشر ، وعلى الأخص منها المناجاة الاُولى وهي مناجاة التائبين ، ويجب حين القراءة التدبّر في معانيها، وان يطابق فعله قوله.
الخامس : تكرار التوبة والإستغفار ، كما قال الصادق عليه السلام : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله عز وجل في كلّ يوم سبعين مرّة ، ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرّة من غير ذنب .. وكان لا يقوم من مجلس حّتى يستغفر الله عز وجل خمساً وعشرين مرّة ».
وقال أيضاً : « إذا اكثر العبد من الاستغفار ، رفعت صحيفته وهي تتلألأ ». أصول الكافي: ج2 ص504
قال الامام الرضا عليه السلام : « مثل الإستغفار مثل ورق على شجرة تحرّك فيتناثر ، والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربّه ».  أصول الكافي: ج2 ص504
السادس : اختيار وقت السحر للاستغفار.. ومع ان الدعاء والتوبة مستحبان في كلّ وقت ، إلاّ ان لوقت السحر وهو الثلث الأخير من الليل حتّى طلوع الفجر تأثير خاص في تطهير النفس من المعاصي.. وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في عدّة مواضع ، واثنى على المستغفرين بالاسحار، وعدّ هذه الخصلة من صفات المتقين وأهل الجنّة.
جاء في وصايا لقمان لابنه انّه قال له: « يا بني !.. لايكون الديك اكيس منك ، يقوم في وقت السحر ويستغفر وانت نائم». ميزان الحكمة: ج7 ص249
نعم، ايها الإنسان العزيز استبق الآخرين في النهوض وقت السحر !.. وافتح عينيك قبل النرجس والياسمين !.. وارفع صوتك قبل ديك السحر بنداء :
« اذكر الله ولاتكن من الغافلين ».
ليس انساناً من ينهض عند السحر على صوت الديك ، بل الانسان من يسبق الديك في النهوض والتسبيح باسم السبوح القدوس.
نعم، يا ولدي ويا عزيزي ، لايكون الديك اعقل منك في النهوض المبكر عند الأسحار وفي اوقات الصلاة.. الاّ تراه يعلن دخول وقت الصلاة عند حلول وقتها ، ويرفع صوته في الأسحار وانت نائم؟!..
أجاد الشاعر في قوله:
فيا نفس خاف الله واجتهدي له     فقد فاتت الأيام واقترب الوعد
فخير ممات قتلة في سبيله        وخير المعاش الخوف منه أو الزهد
تشاغلت عما ليس لي منه حيلة     ولابد مما ليس منه لنا بد

ديوان أبي العتاهية: ص129



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page