• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الاول

هكذا تاب التائبون

(قصص التوابين)


شبكة السراج الاسلامية

1- فضيلة التوبة
أحب الخلق الى الله من تاب من ذنبه .. جاء في القرآن الكريم:
﴿ان الله يحب التوابين﴾ . سورة البقرة:222
قال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله:
‹‹ليس شىء أحب الى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة››. عيون أخبار الرضا: ج2 ص21
وقال أيضا:
«التائب حبيب الله» . جامع السعادات: ج3 ص51
و قال الإمام الباقر‹ع›:
ان الله تعالى اشد فرحا بتوبة عبده من رجل اضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها .. فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها. أصول الكافي: ج2 ص435
و قال في موضع آخر :
الله افرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد. ميزان الحكمة: ج1 ص541
ذكر الشهيد آية الله دستغيب (رضوان الله عليه ) في كتابه«الاستعاذة» بعد أن دعا نوح (على نبينا وآله السلام) على الكفار من قومه وأخذهم الطوفان ، ظهر له ملك - وكان النبي نوح يعمل في صناعة الجرار؛ فكان يصنع الجرّة من الطين ، وبعد أن تجف يبيعها - فكان الملك يشتري منه الجرار واحدة فواحدة ويكسرها أمامه .. فغضب نوح وسأله عن سبب فعله هذا.. فقال له: الأمرلا يعنيك فانا قد اشتريتها وأمرها إليّ.
فقال له نوح عليه السلام: صحيح ، ولكن أنا الذي صنعتها، وهي من صنعي .
قال له الملك : أنت صنعتها ولم تخلقها ومع هذا فقد غضبت على كسرها، فكيف دعوت على كلّ عباد الله فهلكوا ، مع أن الله خلقهم ويحبهم فبقي من بعد هذه القضية يبكي وينوح حتّى سمي ّنوحا لكثرة نياحه .
والغرض من هذه القصة هو الأشارة الى شفقة الخالق ، فهو تعالى يحب مخلوقه .. وهنا يعاتب نبيّه : لم دعوت على كل هؤلاء الناس فهلكوا ؟.. ويستفاد من هذا أن الله تعالى يحب عبده ، وهو في القرآن يحذر عباده من الشيطان ويوصيهم بعدم الاغترار بالدنيا لأنها دار خداع الشيطان .
يستفاد من هذه الآيات والروايات ان من يقترف الذنوب والمعاصي ثم يندم على عمله ويعود إلى ربّه تائبا، يفرح الله بتوبته لانه يحب عباده ولا يريد لهم العذاب بالنار.

قال أبو العتاهية :
ألا أن اليقين عليه نور              وأن الشك ليس عليه نور
وأن الله لا يبقى سواه              وأن تك مذنبا فهو الغفور
وكم عانيت من ملك عزيزا         تخلى الأهل عنه وهم حضور
وكم عانيت مستلبا عزيزا           تكشف عن حلائله الخدور
ودمّيت الخدود عليه لطما         وعصبت المعاصم والنحور
الم تر أن الدنيا حطام             وأن جميع ما فيها غرور


ديوان أبي العتاهية: ص185

2- إبدال السيئة بالحسنة
إن الانسان إذا تاب لا يزيل كدورة الذنب عن نفسه فحسب، بلو يحل محله نور الطاعة أيضا ، ويبدل بالثواب ، كما قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ﴾. سورة الفرقان: 70
وقد اجاد الشاعر في قوله :
اشرب فؤادك بغضة اللذات     واذكر حلول منازل الأمـوات
لا تلهينك عن معادك لـذة       تفنى وتورث دائم الحسـرات
ان السعيد غدﴽ زهيد قـانع      عبد الاله بأحسـن الأخـبات

ديوان أبي العتاهية: ص79

3- التائب تدعو له الملائكة
من يتوب من ذنبه يدعو له الملائكة الحاملين عرش الله ويستغفرون له ، ويطلبون من ربّهم ان يقيه عذاب جهنم ، كما قال تعالى:
﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كلّ شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربّنا وأدخلهم جنّات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم﴾. سورة المؤمن: 7-8
قال الشاعر:
يا نفس ما الدنيا بأهل نحبها          دعيها لأقــــوام عليها تعـادت
الا قـلما تـبقى نفوس لأهلها       ﺇذا راوضـهن المــنايا وغـادت
الا كل نفس طال في الغي عمرها   تموت وان كانت عن الموت حادت
الا اين من ولى به اللهو والصبا    وأيتنقـرون قـبل كانت فـبادت

ديوان أبي العتاهية: ص89

4- التائب يدخل الجنّة
ان من يتوبون ويستغفرون الله عمّا سلف من ذنوبهم وعمّا اقترفوه من المعاصي ، يدخلهم الله جنته خالدين فيها ابدﴽ. وهذا ما جاء في قوله تعالى :
﴿ والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على على ما فعلوا وهم يعملون اُولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ﴾ . سورة آل عمران: 135-136
أجاد الشاعر في قوله :
و احسان مولاك يا عبده    اليك مدى الدهر غض جديد
تـريد من الله احسـانه     فـيعطيك اكـثر مما تـريد
ومن يشكر الله لم ينسه     ولم ينقطع منه يوما مـزيد

ديوان أبي العتاهية: ص125

5- التوبة تطيل العمر وتزيد الرزق
تؤدي توبة المرء من ذنوبه إلى طول عمره ، وسعة رزقه ، وطيب معيشته ، وتدفع عنه الهموم والشدائد مثلما ورد في قوله تعالى:
﴿وان استغفروا ربّكم ثم توبوا ﺇليه يمتعكم متاعا حسنا ..﴾ .  سورة هود:3
قال الامام الصادق عليه السلام :
«من يموت بالذنوب اكثر ممن يموت بالآجال ». سفينة البحار: ج1 ص488
وكما ان الذنب يقصّر الآجال ، فان التوبة تطيل العمر ، كما قال تعالى: ﴿فقلتُ استغفروا ربّكم انّه كان غفّارا يرسل السماء عليكم مدرارﴽ﴾. سورة نوح: 10-11

قال الشاعر :
هل لمطلوب بذنـب            تــوبة منه نصوح
كيف أصلاح قلوب             أنـما هــن قروح
احســـن الله بنا             أن الخطايا لا تفوح
فـاذا المستور منا              بـين ثوبيه فضوح

ديوان أبي العتاهية: ص116

6- الله يقبل التوبة
إن العبد متى ما آب إلى ربه وتاب من ذنبه ، فإن المولى جلّ شأنه يقبل توبته ، ويتجاوز عن خطيئته ، كما في قوله تبارك وتعالى:
﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات﴾. سورة الشورى: 25
جاء في أصول الكافي حديث منقول عن صادق آل محمد (ص) يقول فيه : " قال الله عز وجل لداود (ع) : يا داود !.. بشّر المذنبين ، وأنذر الصديقين .. قال : كيف أبشّر المذنبين وأنذر الصديقين ؟.. قال : يا داود !.. بشّر المذنبين أني أقبل التوبة ، وأعفو عن الذنب .. وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم ، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك " . أصول الكافي: ج2 ص314

قال الشاعر
ألا أن لي يوماً أدان كما دنت               ليحصي كتابي ما أسأت وأحسنت
أما والذي أرجوه للعفو أنه                 يعلم ما أسررت فيه وأعلنت
كفى حزناً أني أحس طنى البلا           يقبّح ما زينت في وحسنت
وأعجب من هذا هناة تغرني                  تيقنت منهن الذي تيقنت

ديوان أبي العتاهية: ص90

7- دعاء التائب مستجاب
من جملة نتائج التوبة انها تجعل دعاء التائب مستجابا ، أي انّه ﺇنه ﺇذا ندم على ما ارتكبه في ما مضى من المعاصي ، وتاب منها ، واستغفر ربّه من تبعاتها ، يصبح دعاؤه مستجابا كما ورد في قوله تعالى :
﴿ و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله ﴾. سورة الشورى:26
و نقرأ أيضا في الكتاب الكريم :
﴿ وﺇذا سألك عبادي عني فأني قريب اجيب دعوة الداع ﺇذا دعان فليستجيبوا لي وليأمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾. سورة البقرة: 186
قال الشاعر :
الا صاحب الذنب لا تقنطنّ         فان الإلــه رؤؤف رؤؤف
ولا تـرحلنّ بـلا عــدةً         فان الطريق مخوف مخوف

ديوان الإمام علي (ع): ص 88
و قال الشاعر:
يــا نفس مهلاً لا تـعودي     بأي ذنب لا تـــــعودي
يــا نفس لا تعصي الإله      وحــــاذري يوم الوعيد
يــا نفـس مـا دام الـهنا     فـــــلم التجاوز للحدود
هــلاّبكــيت خــطيئة      بـجهنم حــذر الخــلود
هـلاّاعتبرت بــمن قضى     قـبل المـــمات و الصعود
افـــلا نظرت الى الثرى     وذكـرت انك للــــصديد
يــا نفس اياك الهوى          ايــاك مـــن شرك الحقود
ايــاك من فــعل القبيح      الا احـذري من نكث العـهود
لاتأمــني سخط الرؤوف     الا احـذري سـخط الــودود
واذكـري الحشر المخيف       وعـن رقـيب لا تـــحيدي
يا نفس مهلاً لا تعودي
اغـفلت عــن خطر به        يـأتي الممات مـــن جديد؟..
اغفلت عـن موت يفاجئ        كـــلّ افـــــاك عتيد؟..

سنابل الحكمة: ص278

8- التوبة تمحو الذنوب
ان للتوبة فعل كفعل مساحيق التنظيف وآلة غسل الثياب التي تزيل كلّ قذارة أو اوساخ عالقة بالثياب .. فكذا تفعل التوبة والتضرع والإستغفار والدموع ، كما نقرأ في قوله تعالى :
﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله  إن الله يغفر الذنوب جميعاً انّه هو الغفور الرحيم ﴾. سورة الزمر: 53
جاءت في الآية هذه تعابير من قبيل : يا عبادي!.. لا تيأسوا ، رحمة الله ، غفران الذنوب جميعا ، ان الله غفور رحيم .. وفيّ كل واحدة منها دلالة على شمول الإستغفار وقبول التوبة واتساع رحمة الله ، وخاصة التعبير بكلمة «عبادي» التي تبين ان الناس بأجمعهم - الصالح والطالح منهم - عباد الله .
وان الله رؤوف بهم ﺇلى درجة انّه سماهم عباده .. و هذا يعني ان فسحة الأمل بالمغفرة واسعة .
سمع الإمام الرضا عليه السلام بعض اصحابه يقول : لعن الله من حارب علياً عليه السلام .. فقال له :« قل ﺇلا من تاب واصلح » ثم قال: « ذنب من تخلّف عنه ولم يتب اعظم من ذنب من قاتله ثم تاب ». ميزان الحكمة: ج1 ص551
يفهم هذا الحديث ان أعظم الذنوب وهو محاربة وصي رسول الله صلى الله عليه وآله يغفر بالتوبة ، اي ان احدهم إذا تاب ، تاب الله عنه .
ينسب إلى أمير المؤمنين إنّه قال :
ذنوبي إن فكرت بها كــثيرة            ورحمة ربي من ذنوبي أوســع
فما طمعي في صالح قد عملته           ولكــني في رحمة الله أطــمع
فان يـك غفران فذاك برحمة            وان لم يكن اﹸخزى بما كنت أصنع

ديوان الإمام علي (ع): ص82

9- العودة إلى الذنب بعد التوبة
إذا تاب الشخص ، ولكن غره الشيطان ، وغلبه هوى نفسه ، وارتكب الذنب مرّة اخرى ، ونقض العهد الذي قطعه مع ربّه ، لا تبطل توبته السابقة بل يجب عليه الاستغفار من الذنب الذي ارتكبه بعد التوبة ، ويجب أن لا ييأس من رحمة الله ، ولا يتصور ان الله لا يغفر الذنب الذي ارتكبه ثانية .. لأن اليأس بحد ذاته من الكبائر ، وانّه تعالى قد وصف نفسه بالمغفرة والتجاوز عن المسيء .
روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال :
« يا محمد بن مسلم!.. ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له .. فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة ، أما والله انها ليست إلاّ لأهل الإيمان.
قلت : فان عاد بعد الإستغفار والتوبة من الذنوب وعاد في التوبة؟..
فقال : يا محمد بن مسلم!.. اترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته ؟..
قلت : فان فعل ذلك مرارً؟.. يذنب ثم يتوب ويستغفر الله.
فقال : كلّما عاد المؤمن بالإستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، وان الله غفور رحيم ، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ، فاياك ان تقنط المؤمنين من رحمة الله» . أصول الكافي: ج2 ص434
كان في بني اسرائيل شاب عَبَدَ الله عشرين سنة ، ثم عصاه عشرين سنة ، ثم نظر في المرآة فرآى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال :
إلهي!.. اطعتك عشرين سنة ، ثم عصيتك عشرين سنة ، فان رجعت اليك اتقبلني ؟.. فسمع قائلاً يقول :
احببتنا فأحببناك ، وتركتنا فتركناك ، وعصيتنا فأمهلناك ، وان رجعت قبلناك.
هذه الرحمة الإلهية كانت لجميع الاُمم ، ولهذه الاُمة اكثر من تلك الف مرّة .
و على كل حال يجب ان يكون للمرء امل بالله اوصى لقمان الحكيم ابنه:
«يا بني خف الله خوفا لو اتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك ، وارج الله رجاءً لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك». بحار الأنوار: ج13 ص412
يقول ابو بصير : سألت الصادق عليه السلام : ما معنى التوبة النصوح التي امرنا ؟.. قال : «يتوب العبد من ذنب ثم لا يعود فيه»
قلت : وأينا لا يعود ؟..
فقال : «يا ابا محمد!.. ان الله يحب من عباده المفتن التواب». بحار الأنوار: ج6 ص39
جاء في «حقائق الأسرار» ان رسول الله صلّى الله عليه و ﺁله قال:
«... يا بن ﺁدم !.. انك ان تذنب حتى يبلغ ذنبك عنان السماء ثم تستغفرني اغفر لك ولا ابالي». حقائق الأسرار ، مسند أحمد بن حنبل: 5 ص167، 172
قال الشاعر :
الا من لنفسي بالهوى قد تمـــادت       إذا قلت قد مالت عن الجهل عــادت
و حسب امرىءﹴشراً بـأهمال نفسه       وﺇمكـانها مـن كلّ شــيء أرادت
تزاهدت في الدنيا و اني لــراغب       أرى رغـــبتي مزوجةً بزهـادتي
ديوان أبي العتاهية: ص89
و أجاد بعض الصلحاء بقوله :
قرأت كتابه وعصيت أمره       وقد عرضت نفسي للمضرة
أتـوب اليه ثم اعـود اليه       فمن لي بالنجاة مـن المعرّة
وما أبغي سوى مال و جاه       وأهـل الله قد قنعوا بكسرة
و قد ولى الشباب بغير نفع      وما استكملت اسباب المسرّة
فلا الدنيا بلغت بها الأماني      وآخرتي تركت لهــا مبرّة
ولي عمل علي به شـهود      وما يسوي علـى التقديم ذرّة
فحـالي لا يسر بها صديق     ونفسي في هواهــا مستمرة
ولو فكرت في عقبى اموري   قطعت العمر بين اسى و حسرة

حدائق الأنس: ج1 ص182

10 – باب التوبة مفتوح حتّى النفس الأخير
ان باب التوبة مفتوح أمام الإنسان حتّى النفس الأخير من حياته ، كما قال الإمام الباقر عليه السلام : ان آدم صلّى الله عليه وآله قال : يا رب !.. سلطت عليّ الشيطان ، واجريته مني مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً .. فقال: يا اَدم !.. جعلت لك ان من همّ من ذريتك بسيّئة لم تكتب عليه سيئة ، ومن هم ّمنهم بحسنة فان لم يعملها كتبت له حسنة ، فان هو عملها كتبت له عشراً.
قال : يا رب زدني !..
قال : جعلت لك من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له.
قال : يا رب زدني !..
قال : جعلت لهم التوبة ، وبسطت لهم التوبة حتّى تبلغ النفس الحنجرة .
قال : يا رب حسبي !.. جامع السعادات: ج3 ص67
وجاء في اصول الكافي حديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله انّه قال: « من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ، ثم قال : ان السنة لكثيرة ، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ، ثم قال : ان الشهر لكثير ، من تاب قبل موته بجمعة قبل موته بجمعة قبل الله توبته ، ثم قال : ان الجمعة لكثير ، من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته ، ثم قال : ان يوماً لكثير ، من مات قبل ان يعاين قبل الله توبته». أصول الكافي: ج2 ص440
احتمل العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه ان يكون المراد من هذا الحديث بيان مراتب التوبة ، من حيث القبول والكمال ؛ لان التوبة الكاملة تجلو القلب من كدورة الذنوب والمعاصي .. ويجب بعد التوبة وبعد زوال الرين عن القلب المبادرة إلى اصلاح النفس.. فبعد غسل القلب بالمساحيق والمنظفات يلجأ حينها إلى التضرع والحسنات ، ليزيده بياضاً ونقاءً، وهذا غالباً لا يتحقق في أقل من سنة ، والا لا يكون في اقل من الشهر ، والاّ فلا يكون دون الاُسبوع .. الإنسان كالغزال الذي لم يرمه الصياد بعد ، ولا أمل له في اصطياده ، ولكنه ما إن يصوب اليه سهمه ويجرحه حتّى يزّداد امله في امساكه ، ويبقى يتابعه حتى يمسكه .. والإنسان ما دام لم يذنب ، فلا أمل للشيطان في اغوائه ، ولكنه إذا ارتكب ذنباً واحداً ولم يتب ، يعظم أمل الشيطان ويبقى يسايره حتى يغويه ويوقعه في المعصية ، ويشحن قلبه يأساً من رحمة الله ، ويجرأه على المعصية .. إلا ان الانسان مهما ارتكب من الذنوب والمعاصي لا ينبغي له اليأس من رحمة الله حتى لحظة الموت .. لكن هذا لا يعني انّه يعصي ثم يقول : لا زال أمامي متسع من الوقت ، لأننا لا نعلم متى نموت ؛ في عمر الشباب ام عند الشيخوخة ، صغاراً أم كباراً ، وفي أية ساعة نموت ، وعلى اية حالة .. اذن تجب علينا المبادرة إلى التوبة قبل حلول الموت.
قال الشاعر:
خير اكتساب الفتى مـــا كان من عمل    ذاك مصبر على عسر و ميسرة
و أفضل الزهد زهد كــان عــن جدة   وأفضل العفو عفو عـن مقدرة
اســتغفر الله مـن ذنبي وأســـأله    عيشاً هنياً بــاخلاق مــطهرة

ديوان أبي العتاهية: ص98

11- حقيقة التوبة
حقيقة التوبة الندم على الذنب لقبحه عند الله تعالى ، ولأن الإتيان به يكون خلافاً لرضاه تعالى .. قال عليَّ عليه السلام :
« لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت ».
اي لا تكن كغلام يعصي مولاه وهو غافل عن انّه يراه . وإذا فهم انّه يراه يندم قطعاً على سوء فعله .. أو كتاجر يخسر رأس ماله في تجارة ، ويصبح بذمته قرض عظيم ، فكم يا ترى يندم على تلك التجارة ؟.. ولاسيما ان كان صديقا عاقلا قد نهاه مسبقاًعن هذه التجارة .. او كرجل حذّره الطبيب من تناول طعام معين ، ولكن اكل منه فوقع في المرض ، فكم يندم على فعله؟..
و من البديهي انّه كلّما ازداد ايمان المرء بالله واليوم الاَخر ، وبالاخبار الواردة في القراَن وعن الرسول والأئمة المعصومين ، كان ندمه على الذنب اشد.
اذن حقيقة التوبة هي ان الإنسان إذا ارتكب معصية وندم عليها وتاب منها ، كفاه ذلك .. قال رسول الله صلّى الله عليه و اَله :
« الندامة توبة ». وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، الباب 83
و جاء في كتاب اصول الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال :
« كفى بالندم توبة ». وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، الباب 83
و قال الإمام الصادق عليه السلام :
« ما من عبد اذنب ذنباً فندم عليه ، إلاّغفر الله قبل ان يستغفر ». وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، الباب 83
أجل ان حقيقة التوبة هو الندم القلبي واستشعار الالم من وقوع الذنب ، وكلما كانت الحسرة في القلب عليها أشد كانت التوبة اقرب إلى القبول ؛ لأنه كلما استعظم الذنب كَثر ندمه عليه ، وهو في ذلك كمن يفقد ماله وثروته في حادث حريق ، فكلما كانت ثروته التي احترقت عظيمة ازداد ألمه وحسرته على تهاونه في الحفاظ عليها ، وخاصة إذا كانت النار مما يصعب اطفأوه ، ثم يجد نفسه هو الاَخر عرضة للاحتراق ، بحيث لا يجد أمامه سبيلاً للهرب منها ولا يأتيه مغيث ولا يسعفه مسعف .
و على المذنب أن يعلم أن نار الذنب الذي اقترفه لا مفر منها ولا احد قادر على إطفائها ، لانها نار يؤججّها غضب الله وسخطه ، كما وصفها امير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل بقوله :
« فكيف احتمالي لبلاء الاَخرة وهو بلاء لا يكون إلا عن غضبك و انتقامك ».
روي عن رسول الله صلّى الله عليه و اَله انّه قال :
« فالويل من النار التي تكون نار الدنيا بالمقارنة معها راحة ».
ثمة اَيات كثيرة في القراَن تتحدث عن غضب الله وسخطه ، وخلاصة مفادها ان المذنب عليه ان يخشى ربه ، ويكون في فرق شديد من عذابه ، ويداوم على البكاء والعويل ، ولا يقر له قرار ما دام غير متيقّن من طهارته من الذنب.. ومثل هذا اليقين لا يمكن بلوغه إلا عند الموت وحين تبشره ملائكة الرحمة.
والعجيب هنا انّما قيل في انها - اي التوبة - ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ ، والدموع والأنين والاَهات هي التي تطفئ نار جهنم ولهيبها ، حتى يصبح كما كان قبل اقتراف ، كما قال رسول الله صلى الله عليه واَله:
« التائب من الذنب كمن لا ذنب له ». الصحيفة السجادية
بل وقد يغدو حاله افضل مما سبق ؛ اي نتيجة لاستمرارالبكاء والأسف على ما صدر منه ، وسعيه الى ترويض نفسه ، يقرّبه من خالقه حتىّيصبح حبيباً له.. ﴿ ان الله يحب ّالتوابين﴾
ولهذا قال الامام السجاد عليه السلام : « واوجب لي توبة توجب لي محبّتك ». بحار الأنوار: ج6 ص21 ح16
او كما جاء في دعاء ابي حمزة الثمالي : ``````````« وانقلني إلىدرجة التوبة اليك ».
أما تأثير التوبة في تطهير الذنوب ، فيتوقف مداه على مدى الندم .. وهذا ما يوجب عليه الندم على اشد ما يكون ، وافضل وسيلة في هذا الصدد هي التدبّر في الاَيات والاحاديث و قصص التوابين.
قال الشاعر:
تتوبَ من الذنوب إذا مرضتا   وترجع للذنوب إذا بريتا
إذا ما الضرُّ مسك أنت باكﹴ  وأخبث ما يكون إذا قويتا
فكم من كربة نجـاك منها    وكم كشف البلاء إذابـليتا

ديوان أبي العتاهية: ص96
و قال الشاعر:
ان المكارم أخــلاق مــطهرة    فــالدين اولهـا و العقل ثانيها
والعــلم ثالثها والحـلم رابعها    والجود خامسها والعرف سادسها
والبر سـابعها والصبر ثامنها      والشكر تاسعها واللـين عـاشيها
والعين تعرف من عيني محدثها     إن كان من حزبها أو مـن أعاديها
والنفس تعلم اني لا أصــدقها     ولســت أَرشد إلاّ حين اعـصيها

سنابل الحكمة: ص195 ، ديوان الإمام علي (ع): ص132 ، باختلاف يسير بالألفاظ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page