الفصل السادس
بسم الله الرحمن الرحيم
الأزواج خلقها من الأرض
(سبحان الّذي خلق الأزواج كُلّها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون * وآيةٌ لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم) [1].
هذه الآيات هي في بيان شواهد القدرة والحكمة، وكذلك معرفة الله ومعرفة المعاد، والعلم بالقدرة والحكمة، الإلهيين.
(سبحان الّذي خلق الأزواج) ظاهر الآية يعني: منزّهٌ ومجرد عن أي عيب ونقص ذلك الإله الذي خلق الأزواج مما ينبت من الأرض من أنواع النباتات ومن أنفسهم من نفس تلك الأزواج ومما لا يعلمون حتى الآن لم يبلغه إدراك البشر. القدماء من المفسرين كانوا يؤولون الأزواج ويأخذونها على أنها بمعنى الأصناف والأنواع. الأصناف والأنواع هكذا قد خلقها. بعض آخر يقول: تركيب جوهر وعرض المادة مع الصورة.
التلقيح في النباتات بواسطة الريح والحشرات
هذه التعابير هي على أثر عدم العلم بغرض نظام الخلق المهم الذي كان الإنسان إلى الآن غير عارفٍ به وهو مسألة تزاوج الكائنات. في السابق في غير الحيوان كانوا يعرفون أنّ النخل فقط فيه ذكر وأنثى،ولذا يجب أنْ يلقح الذكر منها الأنثى حتى تحمل وتثمر تمراً، ولكن مؤخراً صار من المسلم به قطعاً أنه ليس فقط شجرة النخل بل كل الأشجار بحاجة إلى تلقيح. أولاً أزواج: بمعنى أصناف وأنواع ليس صحيحاً بل زوج بالفارسية يعني (جفت): أي المذكر والمؤنث. يقال للذكر والأنثى زوجين.
إن الله تعالى يريد في هذه الآية الشريفة أنْ يُعلن أنّ نظام الخلق كله زوج ولا يختص ذلك بالحيوان أو بشجر النخل فقط بل في كل الأشجار يجب أنْ يصل أثر من الذكر إلى الأنثى. الرياح هي واسطة التلقيح [2] فهي تحمل من الشجرة الذّكر ذرّات هي السبب في حمل الشجرة الأنثى. ومن بين اللواقح، الحشرات فهي بحطها فوق الشجرة الذَّكر تأخذ ذرات اللقاح وتوصلها إلى الشجرة الأنثى.
فلق الذَّرَّة أثبت زوجية الأشياء
(ومما لا يعلمون) ـ ربما يكون إشارة إلى ما علموه مؤخراً عن نظام الذرّة. هذه الذرّة التي كان يقال لها في السابق الجزء الذي لا يتجزأ... كانوا يسمونها بائعة الجوهر... أخيراً فلقها الإنسان بواسطة الأجهزة العلمية وكشف عنها هذه الذرّة هي الأخرى زوج. فيها فاعل ومنفعل ألكترون وبروتون. إذاً إحدى المعاجز العلمية للقرآن هي أنّ الإنسان لم يكن يستطيع أنْ يصدق أنّ الأشياء كلها زوج فكيف إذا بلغ الأمر حدّ الجوهر الفرد (الذرّة) ولهذا كانوا يؤولون الأزواج بالأصناف والأنواع ولكن اخيراً إتضحت هذه الحقيقة أنه (سبحان الذي خلق الأزواج كلّها) الأزواج كلها: أي الأشياء كلها لأن كل شيء هو زوج (ومن كلّ شيء خلقنا زوجين) [3] ومن أنفسهم: فيما يتعلق بالمذكر والمؤنث فإنه يحتاج إلى تأمل وتفكّر كثيرين.
الإمام الصادق(ع) في أحد مجالسه مع المفضّل يذكر هذا الموضوع نفسه أنْ أمعن النظر في الاعضاء التناسلية وطريقة التزاوج وإنعقاد النطفة فكلما زاد التأمل كلما زادت الدهشة.
الليل آية الله ومنافع كثيرة
(وآية لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون) أمعنوا النظر في الآيات وشواهد القدرة الإلهية. مما يحصل في الليل والنهار؟ إستناداً إلى الحسّ يحصل من حركة الشمس حول الكرة الأرضية واستناداً إلى الواقع من حركة الارض الوضعية حول نفسها،(24) ساعة يحدث الليل والنهار. إنتبهوا إلى دقائق الأمور هنا: (وآيةٌ لهم اللّيل) إذا ما حلّ الليل يُذهب بالنهار لكي يكون آمناً وراحة للكائنات، يستريحون ببركة ظلمة الليل. (نسلخ) قال بعض المفسرين: إنها بمعنى (نخرج) لأنه جاء بعدها (منه) وإذا كان السليخ يعني النزع يجب حينئذ استعمال (عن) إذاً يصبح المعنى (نخرج منه النهار) أخذنا الضياء ونأتى بالظلمة... أخذنا ضياء الجو جاءت الظلمة (فإذا هم مظلمون) لو لم تكن تلك القدرة القاهرة تحرّك الكرة الأرضية لظل النهار مثلاً نهاراً دائماً ولما حصلت تلك المنافع التي للّيل، ثم لو أنّ الشمس بقيت مشرقة لمدة (24) ساعة مستمرة فوق منطقة واحدة لكانت أحرقتها بنحوٍ من الأنحاء.
الشمس باتجاه مستقرها نجم فوغا (voga)
(والشمس تجري لمستقر) قال البعض (لمستقر) تعني (إلى مستقر). الشمس هي في حركة دائبة لا هذه الحركة التي نشعر بها تدور حول الأرض خلاف الواقع. إن الشمس تتجه بمنظومتها كلها إلى كوكب عظيم يسمونه (نسر) ومؤخراً أسموه (فوغا). وعندما تصل إلى ذلك الكوكب يصل عمر المنظومة الشمسية إلى نهاية المستقر أي مستقر الشمس وهو ذلك الكوكب العظيم وعندما تقوم القيامة في علم الهيئة الحديث قيل أيضاً إن المنظومة الشمسية هي في عمر الشيخوخة (إقتربت الساعة) عندما تتوقف عن السير. ينتهي نورها مثلنا نحن عندما يبلغ عمرنا نهايته، تنتهي آثار الحياة. هذا السير ليس أبدياً حتى تصل الشمس إلى مستقرها. (ذلك تقدير العزيز العليم).
(والقمر قدّرناه منازل) (27) منزلاً للقمر. تابعوا سير القمر ليلاً بليل.
كتب الزمخشري في (ربيع الأبرار) في شرح الصحيفة ينقل عنه: كانت الليلة الرابعة عشرة من الشهر قام الإمام السجاد(ع) أثناء السّحر للتهجّد جعل يده المباركة في وعاء الماء للوضوء رفع رأسه فوقفت عيناه على القمر، فبقي رأسه مرفوعاً هكذا إلى أنْ قال المؤذن: الله أكبر [4].
(يا من في السماء عظمته) أنظر عظمة الله تعالى في السموات. الجبال العظيمة خاصة إذا ضُمّت إليها الإكتشافات الجديدة إنها بحق مدهشة.
________________________________________
[1] سورة يس: الآيات 36ـ39.
[2] (أرسلنا الرياح لواقح). الحجر/22.
[3] سورة الذاريات: الآية 49.
[4] (إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنّهار لآيات لأولي الألباب) آل عمران/ 190.