روى أبوجعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري في دلائل الإمامة ص 30 نجف بأسانيده المتعددة لما أجمع أبوبكر على منع فاطمة عليهاالسلام من فدك و صرف عاملها عنها لاثت خمارها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ أذيالها ما تخرم من مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى دخلت على أبي بكر و قد حفل حوله المهاجرون والأنصار فنيطت دونها ملاأة فأنّت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت حتى إذا هدأت فورتهم و سكنت روعتهم افتتحت الكلام فقالت: أبتدء بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطول الحمد للّه على ما أنعم و له الشكر و على ما ألهم والثناء على ما قدم من عموم نعم ابتداها، و سبوغ آلاء أسداها، و احسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، و نأى عن المجارات أمدها، و تفاوت عن الإدراك أبدها، استدعى الشكور بافضالها، و استحمد الخلايق بأجزالها، و أمر بالندب إلى أمثالها.
و أشهد أن لا إله إلا اللّه كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أبان في الفكر معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، و عن الألسن صفته، و عن الأوهام الإحاطة به.
ابتدع الأشياء لا عن شي ء كان قبله، و أنشأها بلا احتذاء مثله وضعها لغير فائدة زادته إظهاراً لقدرته، و تعبداً لبريته، و اعزازاً لأهل دعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، و وضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، و حياشة لهم إلى جنته.
و أشهد أن أبي محمداً عبده و رسوله، اختاره قبل أن يبتعثه، و سماه قبل أن يستنخبه، إذا الخلايق في الغيب مكنونة، و بسد الأوهام مصونة، بنهاية العدم مقرونة، علماً منم اللّه في غامض الاُمور و إحاطة من وراء حادثة الدهور، و معرفة بموقع المقدور، ابتعثه اللّه اتماماً لعلمه، و عزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الاُمم فرقاً في أديانها عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للّه مع عرفانها، فأنار اللّه بمحمد ظلمها، و فرج عن القلوب شبهها، و جلا عن الأبصار غممها و عن الأنفس عممها
[العمه التحيّر.]
ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة و رحمة و اختيار، و رغبة لمحمد عن تعب هذه الدار، موضوعاً عنه أعباء الأوزار، محفوفاً بالملائكة الأبرار، و رضوان الرب الغفار، و مجاورة الملك الجبار، أمينه على الوحي، وصفيه و رضيه، و خيرته من خلقه و نجيه، فعليه الصلاة والسلام و رحمة اللّه و بركاته.
ثم التفتت إلى أهل المسجد فقالت للمهاجرين والأنصار:
و أنتم عباد اللّه نصب أمره و نهيه، و حملة دينه و وحيه، و اُمناء اللّه على أنفسكم، و بلغاؤه إلى الاُمم، زعيم اللّه فيكم، و عهد قدمه إليكم، و بقية استخلفها عليكم، كتاب اللّه بينة بصائره و آية منكشفة سرائره و برهانه، متجلية ظواهره، مديم للبرية استماعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان حجج اللّه المنيرة و مواعظه المكررة، و عزائمه المفسرة، و محارمه المحذرة، و أحكامه الكافية، و بيناته الجالية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة و رحمته المرجوة، و شرائعه المكتوبة.
ففرض اللّه عليكم الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر، والزكاة تزييداً في الرزق، والصيام اثباتاً للإخلاص والحج تشييداً للدين، والعدل تسكيناً للقلوب و تمكيناً للدين و طاعتنا نظاماً للملّة، و امامتنا لماً للفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على الإستجابة، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والنهي عن المنكر تنزيهاً للدين، والبر بالوالدين وقاية من السخط، و صلة الأرحام منماة للعدد و زيادة في العمر، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالعهود تعرضاً للمغفرة، و وفاء المكيال والميزان تغييراً للبخس والتطفيف و اجتناب قذف المحصنة حجاباً عن اللعنة، والتناهي عن شرب الخمور تنزيهاً عن الرجس، و مجانبة السرقة إيجاباً للعفة، و أكل مال اليتيم و الإستيثار به إجارة من الظلم، والنهي عن الزنا تحصناً عن المقت، والعدل في الأحكام ايناساً للرعية، و ترك الجور في الحكم إثباتاً للوعيد، والنهي عن الشرك إخلاصاً له تعالى بالربوبية.
فاتّقوا اللّه حقّ تقاته و لا تموتنّ إلا و أنتم مسلمون، و لا تتولّوا مدبرين و أطيعوه فيما أمركم و نهاكم فانما يخشى اللّه من عباده العلماء، فأحمدوا اللّه الذي بنوره و عظمته ابتغى من في السماوات و من في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، و نحن آل رسوله، و نحن حجة غيبه، و ورثة أنبيائه.
ثم قالت عليهاالسلام:
أنا فاطمة و أبي محمد أقولها عوداً على بدء، و ما أقولها إذ أقول سرفاً و لا شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم، بلغ النذارة، صادعاً بالرسالة، ناكباً عن سنن المشركين، ضارباً لاثباجهم، أخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ الأصنام و ينكت الهام حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، و حتى تفرى الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و هدأت فورة الكفر، و خرست شقاشق الشيطان، و فهتم بكلمة الإخلاص (مع النفر البيض الخماص الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً)
[ما بين القوسين من كشف الغمة.] و كنتم على شفا حفرة من النار تعبدون الأصنام، و تستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطأ الأقدام، تشربون الرنق، و تقتاتون القد، أذلة خاشعين،تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم (بأبي) صلّى اللّه عليه و آله بعد اللتيا والتي، و بعد ما مني بهم الرجال و ذؤبان العرب، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه، و كلما نجم قرن الضلالة، أو فغرت فاغرة للمشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفأ حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يخمد لهبها بحده، مكدوداً في ذات اللّه، قريباً من رسول اللّه، سيداً في أولياء اللّه، و أنتم في بلهنية آمنوا وادعون فرحون، تتركفون الأخبار، و تنكصون عند النزال على الأعقاب حتى أقام اللّه (بمحمد) صلّى اللّه عليه و آله عمود الدين.
و لما اختار له اللّه عزّ و جل دار أنبيائه، و مأوى أصفيائه، ظهرت حسيكة النفاق، و سمل جلباب الدين، و أخلق ثوبه، و نحل عظمه و أودت رمته، و ظهر نابغ و نبغ خامل، و نطق كاظم و هدر فينق الباطل، يخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخاً بكم، (فوجدكم لدعائه مستجيبين، و للغرة ملاحظين و استنهضكم فوجدكم خفافاً و أحمشكم فوجدكم غضاباً فوسمتم)
[ما بين القوسين من كشف الغمة.] غير ابلكم، و أوردتموهم غير شربكم، بداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، فهيهات منكم و أين بكم و أنّي تؤفكون، و كتاب اللّه بين أظهركم، زواجره لائحة، و أوامره لامحة، و دلائله واضحة، و أعلامه بينة، و قد خالفتموه رغبة عنه، فبئس للظالمين بدلاً (ثم لم تبرحوا) الاريث ان تسكن تفرتها، و يسلس قيادها، تسرون حسواً في ارتغاء و نصبر منكم على مثل حز المدى.
(ثم أنتم تزعمون)
[هذا والجملة السابقة من كشف الغمة.] ان لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من اللّه حكماً لقوم يوقنون، و من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين.
إيهاً معشر المسلمين أأبتزّ إرث أبي يا أبي قحافة أبي اللّه أن ترث أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فريّاً، جرأة منكم على قطيعة الرحم و نكث العهد، فعلى عمد تركتم كتاب اللّه بين أظهركم و نبذتموه إذ يقول: و ورث سليمان داود، و فيما اقتص من خبر يحيى و زكريا إذ يقول: ربّ هب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضياًً و قال عز و جل: يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الاُنثيين، و قال تعالى: إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين.
و زعمتم أن لا حظّ لي و لا أرث من أبي أفخصّكم اللّه بآية أخرج أبي منها! أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم بخصوص القرآن و عمومه أعلم ممّن جاء به قد نكموها مرحولة مزمومة، تلقاكم يوم حشركم، فنعم حكم اللّه، و نعم الخصم (محمد) صلّى اللّه عليه و آله، والموعد القيامة، و عمّا قليل تؤفكون و عند الساعة ما تخسرون، و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.
ثم التفتت إلى قبر أبيها و تمثّلت بأبيات صفية بنت عبدالمطلب
[في الطرائف لابن طاووس ص 75 انها تمثلت بقول صفية بنت اثاثة و سماها ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 79 والاربلي في كشف الغمة ص 146 هند بنت اثاثة و في ج 2 ص 17 من شرح النهج لابن أبي الحديد قال: لما تخلف علي عن البيعة و اشتد أبوبكر و عمر خرجت اُم مسطح بن اثاثة و وقفت على قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و نادت يا رسول اللّه:
قد كانت بعدك أبناء و هنبثة- لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الأرض وابلها- واختل قومك فاشهدهم و لا تغب
و قد اختلفوا في عدد الأبيات ففي الشافي ص 231 و شرح النهج الحديدي انها ثلاثة و في الطرائف أربعة و في بلاغات النساء بيتان و في أمالى الشيخ المفيد ص 25 و احتجاج الطبرسي ثمانية و في اللمعة البيضاء شرح خطبة الزهراء ص 356 أربعة عشر و في مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 382 ستة كما انهم اختلفوا في كيفية روايتها.]:
قد كان بعدك أبناء و هنبثة انا فقدناك فقد الأرض وابلها أبدت رجال لنا فحوى صدورهم تهجمتنا رجال و استخف بنا قد كنت للخلق نوراً يستضاء به و كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنا فكل الخير محتجب
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب واجتث أهلك مذغيبت و اغتصبوا لما نأيت و حالت بيننا الكثب دهر فقد أدركوا منا الذي طلبوا عليك تنزل من ذي العزة الكتب فغاب عنا فكل الخير محتجب فغاب عنا فكل الخير محتجب
(فكثر بكاء الحاضرين).
الخطبة الأولى
- الزيارات: 4135