• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التعليقة رقم: 6 - حول استشهاد الإمام علي (عليه السلام)

كان عبد الرحمن بن ملجم، أحد أولئك التسعة نفر، القديسين الزهاد والذين نجوا من القتل في معركة النهروان حيث اجتمع هؤلاء وذهبوا في يوم من الأيام إلى مكة وأبرموا بينهم عهداً، عند الكعبة المشرفة بأن يغتالوا كُلاً من علي (عليه السلام) ومعاوية وعمر بن العاص، لأن هؤلاء الثلاثة ـ بزعمهم ـ هم سبب كل تلك الفتن التي عصفت بالعالم الإسلامي، وبقتلهم وإزالتهم من الساحة، سوف تستتب أمور المسلمين، وانتخبوا من بينهم ابن ملجم، لاغتيال علي (عليه السلام) وكان قرارهم أن يكون التنفيذ ليلة التاسع عشر من شهر رمضان(1).
يقول ابن أبي الحديد، في شرح سبب هذا التوقيت بالذات: (ولما كانت ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان، ليلة شريفة، يرجى أن تكون ليلة القدر، عينوها لفعل ما يفتقدونه قربة إلى الله، فليعجب المتعجب من العقائد، كيف تسري في القلوب، وتغلب على العقول، حتى يرتكب الناس عظائم الأمور وأهوال الخطوب لأجلها!)(2).
وجاء ابن ملجم إلى الكوفة، وظل مدة طويلة هناك ينتظر الليلة الموعودة، وفي هذه الأثناء تعرف على فتاة تدعى (قطام)، وكانت خارجية مثله، فعشقها، ووله بها، وربما كان يريد إلى حد ما أن يجول في ذهنه من أفكار جهنمية، فذهب إليها، وعرض عليها الزواج، فوافقت، ولكن مهرها ثقيل جداً!
فقال لها اطلبي ما تشائين. فقالت: عندي أربعة شروط:
الأول: ثلاثة آلاف درهم. قال: حسناً. قالت: والثاني: عبد. قال حسناً. قالت: والثالث: قينة. قال: حسناً. قالت: وأما الشرط الرابع: فهو رأس علي بن أبي طالب!!
هنا اضطرب ابن ملجم، فقد كان يعتقد انه بهذا الزواج إنما يبعد نفسه عن التفكير في قتل علي (عليه السلام)، فقال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد، وقينة، وقتل علي بن أبي طالب. قال: هو مهر لك، فأما قتل علي فلا أراك ذكرته لي، وأنت تريدينني! قالت: بلى، التمس غرّته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت، فما عند الله خير من الدنيا وزينتها، وزينة أهلها. قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل ما سألت(3).
فظل عبد الرحمن أياماً يفكر في أبعاد هذا الأمر، وبعد تنفيذه لجريمته العظمى أنشد ابن أبي مياس المرادي في قتل علي (عليه السلام):

لهـــم أر مهراً ساقه ذو سماحة         كمهر قط،،ام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعـــــبد وقــــــــينة            وضـــرب علي بالحسام المسمّم

فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا          ولا قتل دون قتل ابن ملجم(4)

وعندما كان علي (عليه السلام) على فراش الموت، كان ينظر إلى تيارين من الأحداث يخلفهما وراءه:
أحدهما: تيار معاوية الذي كان على رأس القاسطين، والمنافقين.
والآخر: تيار القديسين المزيفين، وهم الخوارج المارقون.
وهذان التياران يضاد أحدهما الآخر. فكيف يتصرف أصحاب علي (عليه السلام) من بعده؟
يقول علي (عليه السلام) في وصيته: (لا تقاتلوا الخوارج من بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)(5)، يريد أن يقول: صحيح أن الخوارج قتلوني، ولكن لا تقتلوهم أنتم من بعدي، لأن قتلهم بعد ذلك، لن يكون لصالح الحق والحقيقة وإنما سيكون لصالح معاوية وجماعته.
فتخطر معاوية خطر من نوع آخر، لأن هؤلاء أرادوا الحق، ولكنهم بحمقهم وجهلهم، لم يصلوا إليه، ولكن معاوية منذ البداية، كان يريد الباطل على علم، وقد وصل إلى هدفه.
وهكذا نرى علياً (عليه السلام)، لم يكن يحمل في قلبه حقداً شخصياً، على أي أحد، وعندما كان يتكلم، فإن كلامه كان موزوناً، وموضوعياً، يهدف من ورائه المصلحة العامة، دون أن يكون للعواطف أي أثر فيه.
وعندما أسروا (ابن ملجم)، وأحضروه إلى أمير المؤمنين، وهو على فراش الموت، تحدث معه الإمام بصوت خافت، من أثر الضربة، فقال له بعتاب: (أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته أربعين صباحاً، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه.
فقال علي: لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله)(6).
وغادر علي (عليه السلام)، هذه الدنيا، بعد منتصف ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، وكان ذلك في مدينة الكوفة العظيمة، وكان أهل الكوفة جميعهم، ما عدا تلك الشرذمة الباقية من خوارج (النهروان)، يريدون أن يشاركوا في تشييع جنازة أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولكن ما إن فاضت روحه الشريفة، حتى قام أبناؤه: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبو الفضل العباس، ونفر من خواص الشيعة ربما كانوا لا يتجاوزون الستة أشخاص، بغسله وتكفينه سراً، ودفنوه ليلاً في مكان يبدو أنه (عليه السلام)، كان قد عينه لهم سابقاً، وهو مدفنه الشريف الحالي نفسه، والذي تذكر الروايات أن عدداً من الأنبياء العظام، أيضاً مدفونون في تلك البقعة نفسها.
ثم أخفوا مكان القبر، ولم يطلعوا أحداً من الناس عليه.
وفي الصباح فقط علم الناس أن أمير المؤمنين (عليه السلام)، دفن ليلة البارحة ولكن أين؟ لا يدرون. وحتى إن بعض المؤرخين كتبوا: أن الإمام الحسن (عليه السلام) أرسل جنازة وهمية إلى المدينة، لكي يظن الناس أنّ جثمان علي (عليه السلام) قد تم نقله، ودفن هناك.
وهذا التمويه كان يقصد منه أن لا يقوم، من تبقّى من الخوارج، بالتجاسر على نبش قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإخراج الجثمان الشريف، وطالما كان للخوارج وجود، ونفوذ، بين المسلمين.
لم يكن أحد غير أولاد علي (عليه السلام)، وأولاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، يعلم بمكان دفنه (عليه السلام).
وظل الحال كذلك إلى أن انقرض الخوارج بعد مائة عام تقريباً، وبعد أن انقضى عهد بني أمية، وجاء عهد بني العباس، وزال من يُخشى انتهاكه لحرمة القبر الشريف، وعندها قام الإمام الصادق (عليه السلام) لأول مرة بإظهار محل قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)(7).
يقول صفوان الذي نُشاهد اسمه في سند رواة (دعاء علقمة) الذي يقرأ بعد (زيارة عاشوراء): (كنت عند الإمام الصادق (عليه السلام) في الكوفة، فجاء بنا إلى بقعة، وقال: هنا قبر علي (عليه السلام) وأمرنا أن ننصب عريشاً على القبر، ومن ذلك الوقت أصبح قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) معروفاً للناس)(8).
__________________
1 - تعاهد ثلاثة من الخوارج، أو كلف ثلاثة منهم بقتل علي (عليه السلام) ومعاوية، وعمرو بن العاص، وتواعدوا واتفقوا على أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه، الذي يتوجه إليه، حتى يقتله، أو يقتل دونه، وهم عبد الرحمن بن ملجم، وكان من (تجيب)، وكان عدادهم في مراد، فنسب إليهم، وحجاج بن عبد الله الصريمي، ولقبه (البرك) وزادويه مولى بني العنبر... واتعدوا أن يكون ذلك ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وقيل ليلة إحدى وعشرين (راجع المسعودي: ج3، ص164، الكامل لابن الأثير: ج3، ص289، الطبري: ج5، ص144).
2 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج6، 116.
3 - تاريخ الطبري: ج5، ص144.
4 - المصدر السابق: ج5، ص150.
5 - العجم المفهرس: ص26.
6 - الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج3، ص390.
7 - قال ابن الأثير في تاريخه (الكامل): (ولما قتل علي (عليه السلام)، دفن عند مسجد الجماعة، وقيل في القصر، وقيل غير ذلك. والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار، ويتبرك به). (الكامل: ج3، ص396). وقال الطبري وابن سعد: ودفن عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة، (الطبري: ج5، ص152، طبقات ابن سعد: ج6، ص12. أقول: قصة مدفنه (عليه السلام) في الغري في منطقة النجف القريبة في الكوفة، مشهورة جداً، ولا حاجة بنا إلى تخريفات كثير من المؤرخين الذين كانوا في القديم أتباعاً للسلطات الظالمة. (راجع علي من المهد إلى اللحد للسيد كاظم القزويني: ص599). وروى المجلسي في (البحار) قال: (عن الحسن بن علي الحلال عن جده قال: قلت للحسين بن علي (عليه السلام): أين دفنتم أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: خرجنا به ليلاً من منزله، حتى مررنا به على منزل الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب (الغري) قلت: وهذه الرواية هي الحق، وعليها العمل، وقد نقلنا فيما تقدم إنّ أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغري، هو الذي كان بنو عليّ يزورونه قديماً وحديثاً ويقولون: هذا قبر أبينا، لا يشك أحد في ذلك من الشيعة، ولا من غيرهم أعني بني عليّ من ظهر الحسن والحسين، وغيرهما من سلالته، المتقدمين منهم. والمتأخرين ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه). البحارك ج42، ص338).
8 - راجع البحار: ج42، ص339.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page