• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قضية الإمامة هي الأساس

ليس خافياً على أحد مدى خطورة النتائج التي سوف تتمخض عنها تلك السياسة، التي تقدمت لمحات خاطفة وسريعة عن بعض خيوطها وفقراتها.. سواء على الإسلام، أو على المسلمين، في الحاضر، أو في المستقبل. والأخطار المستقبلية هي الأعظم، وهي الأدهى.. وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث معروف: بأن في كل خلف عدول ينفون عنه (أي عن الإسلام) تحريف الغالين.
وقد عودنا الأئمة (عليهم السلام): أنهم باستمرار يعيشون بالقرب من الأحداث، ويتواجدون دائماً وأبداً في صميمها وفي العمق منها، حتى إن المطالع للتاريخ ليجد ـ نتيجة لذلك التواجد ـ أن قضايا أهل البيت بصورة عامة، وقضية أحقيتهم بالأمر، وإمامتهم على الخصوص، تبقى على الدوام محتفظة بحيويتها وعمقها في ضمير الأمة وفي وجدانها.
وأن كل صراع، فإنما له ارتباط مباشر أحياناً، أو غير مباشر أحياناً أخرى بهذه القضية بالذات، حتى ليصرح الشهرستاني بقوله:
«وأعظم خلاف بين الأمَّة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان..» (1).
وقد رأينا أن تلك الخطة الملعونة التي أسلفنا الإشارة إليها، إنما كانت تستهدف بالدرجة الأولى قضية الإمامة بالذات، الأمر الذي يعني: أن الخصوم قد أدركوا مدى خطورة هذه القضية، على مجمل خطهم، على المدى البعيد..
كما أننا نجد في المقابل: أن تواجد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الساحة، ورصدهم الأحداث بدقة ووعي، وإحساسهم العميق بالمسؤولية الإلهية والإنسانية الملقاة على عواتقهم تجاه هذه السياسة، التي رأوا فيها خطراً داهماً، يتهدد كيان الإسلام ومصيره على المدى البعيد.. إن كل ذلك لم يترك لهم أي خيار، سوى خخيار المواجهة لهذه السياسة، والعمل على إفشالها، فإن ذلك واجب شرعي، ومسؤولية إلهية، لا يمكن التساهل ولا التواني فيها على الإطلاق: إذ على حد تعبير العبد الصالح حجر بن عدي الكندي: «إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب» (2).
نعم.. وقد أدوا عليهم الصلاة والسلام، وشيعتهم الأبرار وضوان الله تعالى عليهم واجباتهم على أكمل وجه في هذا المجال، وفي كل مجال.. وبذلوا جهوداً جبارة، وتعرضوا لمختلف أنواع القهر، والاضطهاد والبلاء، نتيجة لمواقفهم ومواجهاتهم تلك.. وبذلوا مهجهم الغالية في هذا السبيل..
وذلك لأن قضية الإمامة بنظرهم هي قضية الإسلام الكبرى، وعلى أساس الاعتقاد بها يتحدد اتجاه الإنسان، وخطه الفكري، ثم السياسي، بل وحتى الاجتماعي في الحياة. فهي المنطلق والأساس لكل المفاهيم، والاعتقادات، والقضايا التي يؤمن بها، والمواقف التي يتخذها، والمصير الذي ينتهي إليه ـ.
وعلى هذا الأساس، فإننا نجد الأئمة (عليهم السلام) على استعداد للاستفادة من عنصر التقية الإيجابية البناءة، وإيثار الله عند مداحض الباطل في مكان التقية بحسن الروية، على حد تعبير الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام (3) وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه.
ـ إنهم (عليهم السلام) يستفيدون من عنصر التقية في كل القضايا، باستثناء قضية الإمامة، وشؤونها.. لأنهم أدركوا: أن التقية من شأنها أن تحفظ كل تلك القضايا.. إلا قضية الإمامة، وأحقيتهم بالأمر، فإنها يمكن أن تضيعها..
وإذن.. ومن أجل درء الخطر الذي يتهدد كيان الإسلام ووجوده من الأساس.. فقد كان لا بد من بذل المهج، وخوض اللجج، من أجل أن (يحق الله الحق بكلماته، ولو كره المجرمون) (4)..
ومن الأمثلة على ذلك قول الإمام الكاظم (عليه السلام): السلام عليك يا أبة، وذلك حينما جاء الرشيد إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: السلام عليك يا ابن عم، في محاولة منه لإظهار: أن خلافته تتسم بالشرعية، لاتصاله نسباً به (صلى الله عليه وآله)، لكونه ابن عمه ـ وقد نشأ عن هذا الموقف اعتقال الإمام موسى الكاظم عليه الصلاة والسلام وإيداعه السجن، حيث قضى (عليه السلام) مسموماً، شهيداً، صابراً، محتسباً ـ.
وحتى حينما يضطر الإمام الحسن (عليه السلام) للصلح مع معاوية، إيثاراً لطاعة الله في مداحض الباطل، في مكان التقية، فإنَّه يحسن الرَّوية، ويهتم في أن لا يقدم تنزلاً في قضية الإمامة ـ وإن توهم ذلك ابن قتيبة ـ ولا في قضية الخلافة ـ وإن توهم ذلك آخر ـ وإنما تنازل عن الأمر (5).. وإنما يقصد معاوية من الأمر: الأمرة والملك، فإنه لم يقاتلهم ليصموا ولا ليصلوا، «وإنما ليتأمر عليهم» أو «ليلي رقابهم»!! كما قال (6).
ويقول معاوية بعد صلحه مع الإمام الحسن عيله السلام: «رضينا بها ملكاً» (7).
وقد عبَّر عن ذلك هو وغيره في عدة مناسبات (8).
وكان معاوية يقول عن نفسه: «أنا أول الملوك» (9).
كما أن سعد بن أبي وقاص يقول لمعاوية: «السلام عليك أيها الملك» (10).
والإمام الحسن (عليه السلام) يقول مشيراً إلى ذلك: «ليس الخليفة من سار بالجور، ذاك ملك ملكاً يتمتع به قليلاً، ثم تنقطع لذته، وتبقى تبعته..» (11).
هذا.. وقد اشترط عليه: السلام على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة!! وأن لا يسميه «أمير المؤمنين» (12). الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ما ذكرناه..
وليس موقف الإمام الحسن (عليه السلام) هنا، وتعبيره بكلمة: «الأمر»، واشتراطه ماذكر.. إلا كتعبير النبي صلى عليه وآله عن حاكم الروم بـ «عظيم الروم»، وعن حاكم القبط والفرس بـ «عظيم القبط» (13) و«عظيم فارس» (14). ولم يقل: ملك الروم، ولا ملك القبط وفارس، لئلا يكون ذلك تقريراً لملكهما.
وما يدل على ذلك في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيره من الأئمة، كثير، لا مجال لتتبعه..
فالإمام الحسن (عليه السلام) لم يستعمل التقية في أمر الأمامة، وإنما سلَّم إلى معاوية الأمر النيوي الذي أُشيرَ إليه بقوله تعالى:
(وشاورهم في الأمر). وهو حكم الدنيا وسلطانها، والملك المحض، ولم يعترف له بالإمامة الدينية والبيعة، والخلافة الشرعية (15).
هذا.. وقد صرح الإمام الحسن (عليه السلام) في كتبه وخطبه، بأنه لم يكن يرى معاوية للخلافة أهلاً، وإنما صالحه من أجل حقن دماء المسلمين، وحفاظاً على شيعة أمير المؤمنين.. بل لقد قال له فور تسليمه الأمر إليه:
«إن معاوية بن صخر زعم إني رأيته للخلافة أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية. وأيم الله، لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين، مضطهدين، منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا الخ» (16).
وقد كتب له أيضاً فور البيعة له (عليه السلام): «فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله» (17).
وسيأتي قوله (عليه السلام): «نحن أولى الناس بالناس، في كتاب الله، وعلى لسان نبيه». ومثل ذلك كثير عنه.
هذا.. وقد تمدَّحه أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) على استعماله التقية، وعلى حسن رويّته فيها، كما تقدم..
كما أنه حينما ذُكر له عدم استجابة الإمام الحسن (عليه السلام) لمن دعاه للثورة على معاوية بعد الصلح، قال (عليه السلام): «صدق أبو محمد، فليكن كل رجل منكم من أحلاس بيته، ما دام هذا الإنسان حياً» (18).
كما أنه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، يدافع عن موقف أخيه في قضية الصلح، في رسالة منه لأهل الكوفة، ويأمرهم بالسكون إلى أن يموت معاوية (19).
بل إن الإمام الحسن (عليه السلام) نفسه يعتبر صلحه مع معاوية خيراً من ألف شهر، فقد سئل مرة عن أسباب صلحه مع معاوية، فأجاب: ليلة القدر خير من ألف شهر (20)..
وما ذلك إلا لأن صلحه هذا قد فضح الأمويين، وفضح معاوية بالذات، وجعله يعلن عن أهدافه الشريرة، وفوت عليهم الفرصة لهدم الإسلام، والقضاء على أهل البيت وشيعتهم (21). ومهد الطريق لثورة الإمام الحسين، ثم إلى زوال الحكم الأموي البغيض، وإلى الأبد..
____________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 24.
(2) البداية والنهاية ج 8 ص 51.
(3) راجع: تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 230، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 2 ص 314، وحياة الحسن بن علي (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 439 عنه، وليراجع حول التقية كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) ج 2 ص 40 ـ 46.
وكلمات الإمام الحسين (عليه السلام) عند قبر أخيه ـ حسب نص ابن قتيبة هي: «رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانَّة، وتؤثر الله عند تداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقية الأسرة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوة ورضيع لبان الحكمة، فإلى روح وريحان وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عنه».
(4) سورة يونس: آية 82.
(5) الإمام الحسن لآل يس ص 108 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 22 وعن الإمامة والسياسة ج 1 ص 150 و 156 وعن الصواعق المحرقة ص 81.
(6) راجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 15 و 46 ومقاتل الطالبيين.
(7) البداية والنهاية ج 6 ص 200.
(8) الإمام الحسن بن علي لآل يس ص 110 ـ 114 عن المصادر التالية: تاريخ الطبري ج 5 ص 534 و 536/537 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 205 والبداية والنهاية ج 6 ص 221 و 220 وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 183 ومروج الذهب ج 2 ص 340.
(9) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 232.
(10) المصنف ج 1 ص 291.
(11) تقدمت المصادر لذلك.
(12) البحار ج 44 ص 2 وليراجع كلام الصدوق رضوان الله تعالى عليه في البحار ج 44 ص 2 ـ 19 وفي علل الشرايع ج 1 ص 212 فما بعدها..
(13) راجع التراتيب الإدارية ج 1 ص 142.
(14) كنز العمال ج 4 ص 274.
(15) راجع: الإمام الحسن بن علي، لآل يس ص 110 و 114 وعن شرح نهج البلاغة..
(16) أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 172 والاحتجاج ج 2 ص 8 والبحار ج 44 ص 22 و 63 و ج 10 ص 142 وبهج الصباغة ج 3 ص 448.
(17) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 34 وستأتي بقية المصادر حين الكلام تحت عنوان: هل كان الإمام الحسن (عليه السلام) عثمانياً حين ذكر الشواهد على أنه كان مدافعاً قوياً عن حق أبيه في النموذج رقم 4.
(18) الأخبار الطوال ص 221 وراجع ص 220.
(19) الأخبار الطوال ص 222.
(20) الإمام الحسن بن علي، لآل يس ص 149.
(21) الأخبار الطوال ص 220 و 221 والبحار ج 44 ص 2 وغير ذلك كثير.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page